غسان كنفاني

شموخ رجل

كبار الشخصيات
[frame="13 98"]

لأن العيد اقترب ، ولأنها الغربة ،
أحببت أن أتذكر فلسطين رغم القهر والشتات
ولكن لفلسطين الف عيد
أول اعيادها العملاق الحاضر دوماً " غسان كنفاني " ،
كي أستلهم الصبر أو أخفف من مرارة العيد القريب الغريب ،
أو لأن فلسطينية غسان تمنحنا الثقة والأمان في وطن لن يضيع ،
ما دام غسان باقياً

على كل ، لنبق مع كلمان غسان " الثائرة " ،
وكل عام والوطن غالي وجميل وموجود


- قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت..إنها قضية الباقين

- ربما كان الاسم الواحد كالعمر الواحد لا يكفي لإخراج كل ما يموج في الداخل.

- إن الموت السلبي للمقهورين والمظلومين مجرد انتحار وهروب وخيبة و فشل.

- ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة. وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة

ساذجة.. إن الإنحياز الفني الحقيقي هو: كيف يستطيع الانسان أن يقول الشيء العميق ببساطة.

- الثورة وحدها هي المؤهلة لاستقطاب الموت..الثورة وحدها هي التي توجه الموت..

و تستخدمه لتشق سبل الحياة.

- لنزرع شهداءنا في رحم هذا التراب المثخن بالنزيف..فدائما يوجد في الأرض متسعا لشهيد آخر.

- كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح..و إنها تنحدر الآن أمام شروق

الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه.

- لك شيء في هذا العالم .. فقم!

- أنا أحكي عن الحرية التي لا مقابل لها..الحرية التي هي نفسها المقابل.

- لا أرتد حتى أزرع في الأرض جنتي..أو أقتلع من السماء جنتها..أو أموت أو نموت معا

- هذا العالم يسحق العدل بحقارة كل يوم!

- ليس المهم أن يموت الانسان، قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت.

- إن الفكرة النبيلة لا تحتاج غالباً للفهم بل تحتاج للإحساس..

- إن الشجاعة هي مقياس الاخلاص .

- إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية..فا لأجدر بنا أن نغير المدافعين..لا أن نغيرالقضية

- الغزلان تحب أن تموت عند أهلها..الصقور لا يهمها أين تموت

[/frame]
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

غسان كنفاني
شاعر الوطن والارض
ننهل من كلماته فلا نرتوي
هو عملاق من العمالقة
الذين يشار اليهم باصبع البنان
وتجثو كل الكلمات امام كلماتهم وتتقزم
شكرا لك لاتحافنا بكلمات هذا العملاق
شموخ رجل
كل الود وباقة ورد لك مني
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

سيرة ذاتية للشاعر غسان كنفاني


غسان كنفاني

٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦بقلم


ولد في عكا في التاسع من نيسان عام 1936، وعاش طفولته في - يافا التي اضطر للنزوح عنها كما نزح الآلاف بعد نكبة 1948، وأثر مجزرة دير ياسين التي وقعت في عيد ميلاده الثاني عشر، والتي جعلته ينقطع عن الاحتفال بـ " عيده " منذ ذلك التاريخ.
_3-10-465de.jpg
اش لفترة قصيرة في جنوب لبنان ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق حيث عمل منذ شبابه المبكر في حافة وظهرتبدايات إنتاجه الأدبي.
أقام في بيروت منذ 1960 ، وعمل محرراً أدبياً لجريدة " الحرية " الأسبوعية ، ثم أصبح عام 1963 رئيسا لتحرير جريدة " المحرر " كما عمل في " الأنوار " و" الحوادث " حتى عام 1969 ليؤسس بعد ذلك صحيفة " الهدف " التي بقي رئيساً لتحريرها حتى يوم استشهاده في 8 تموز / يوليو 1972 بعد انفجار لغم في سيارته حيث قتل ومعه ابنة شقيقته " لميس نجم " وعمرها 17 عاماً .
يتناول غسان كنفاني في كتاباته معاناة الشعب الفلسطيني في أكثر تجلياتها تعبيراً. " وهو يمثل نموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائي والقاص والناقد.. "
رواية رجال في الشمس ، التي ننشرها هنا ، أعدت للسينما وحصل الفيلم على عدد من الجوائز في مهرجانات متعددة.
نقلت أعماله إلى ست عشرة لغة، ونشرت في عشرين بلداً. ومن مؤلفاته:
موت سرير رقم 12 ( قصص ) 1961.
أرض البرتقال الحزين ( قصص ) 1963
رجال في الشمس ( رواية ) 1963
عالم ليس لنا ( قصص ) 1965
ما تبقى لكم ( رواية)1966
القبعة والنبي ( مسرحية ) 1967
العاشق ( رواية غير كاملة ) بدأ كتابتها عام 1966
برقون نيسان ( رواية غير كاملة ) 71 - 72
بالإضافة إلى مجموعة من الدراسات والمقالات السياسية والفكرية والنقدية.
حصل على جائزة " أصدقاء الكتاب في لبنان " لأفضل رواية عن روايته " ما تبقى لكم " عام 1966 ، كما نال جائزة منظمة الصحافيين العالمية ( . I.O.J ) عام 1974، ونال جائزة " اللوتس التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

رسائل غسان كنفاني لغادة السمان

أن تعشق,فهو امر عادي
أما ان يكون العاشق غسان كنفاني..فهذا أمر مبهر حقا
عندما تقرؤون كتاباته لغادة,ستجدون كم هو انسان اكثر مما هو اسطورة
حملت على كاهلها هموم الشعب والقضية
ستلمسون كم يكتب بعذوبة وبعاطفة مشبوبة


الرسالة الأولى :

" رسالة غير مؤرخة – لا أذكر التاريخ !
لعلها أول رسالة سطرها لي "


غادة..
اعرف أن الكثيرين كتبوا لك، وأعرف أن الكلمات المكتوبة تخفي عادة حقيقة الأشياء، خصوصا إذا كانت تعاش وتحس وتنزف على الصورة الكثيفة النادرة التي عشناها في الأسبوعين الماضيين.. ورغم ذلك، فحين أمسكت هذه الورقة لأكتب كنت أعرف أن شيئا واحدا فقط أستطيع أن أقوله وأنا أثق من صدقه وعمق كثافته وربما ملاصقته التي يخيل إلي الآن أنها كانت شيئا محتوما، وستظل، كالأقدار التي صنعتنا: إنني أحبك.

الآن أحسها عميقة أكثر من أي وقت مضى ، وقبل لحظة واحدة فقط مررت بأقسى ما يمكن لرجل مثلي أن يمر فيه ، وبدت لي تعاستي كلها مجرد معبر مزيف لهذه التعاسة التي ذقتها في لحظة كبريق النصل في اللحم الكفيف .. الآن أحسها ، هذه الكلمة التي وسخوها كما قلت لي والتي شعرت بأن علي أن أبذل كل ما في طاقة الرجل أن يبذل كي لا أوسخها بدوري .
إنني أحبك: أحسها الآن والألم الذي تكرهينه – ليس أقل ولا أكثر مما أمقته أنا – ينخر كل عظامي ويزحف في مفاصلي مثل دبيب الموت. أحسها الآن والشمس تشرق وراء التلة الجرداء مقابل الستارة التي تقطع أفق شرفتك الى شرائح متطاولة .. أحسها وأنا أتذكر أنني أيضا لم أنم ليلة أمس وأنني فوجئت وأنا أنتظر الشروق على شرفة بيتي أنني – أنا الذي قاومت الدموع ذات يوم وزجرتها حين كنت أجلد – أبكي بمرارة لم أعرفها حتى أيام الجوع الحقيقي ، بملوحة البحار كلها وبغربة كل الموتى الذين لا يستطيعون فعل أيما شيء .. وتساءلت: أكان نشيجا هذا الذي أسمعه أم سلخ السياط وهي تهوي من الداخل.؟
لا أنت تعرفين أنني رجل لا أنسى، وأنا أعرف منك بالجحيم الذي يطوق حياتي من كل الجوانب، وبالجنة التي لا أستطيع أن أكرهها .. وبالحريق الذي يشتعل في عروقي ، وبالصخرة التي كتب علي أن أجرّها وتجرني إلى حيث لا يدري أحد .. وأنا أعرف منك أيضا بأنها حياتي انا ، وأنها تنسرب من بين أصابعي أنا ، وبأن حبك يستحق أن يعيش الانسان له .. ورغم ذلك فأنا أعرف منك أيضا بأنني أحبك الى حد أستطيع أن أغيب فيه ، بالصورة التي تشائين ، إذا كنت تعتقدين أن هذا الغياب سيجعلك أكثر سعادة ، وبأنه سيغير شيئا من حقيقة الأشياء .

أهذا ما أردت أن أقوله لك حين أمسكت الورقة ؟ لست أدري .. ولكن صدقيني يا غادة أنني تعذبت خلال الأيام الماضية عذابا أشك في أن احدا يستطيع احتماله ، كنت أجلد من الخارج ومن الداخل دونما رحمة ، وبدت لي حياتي كلها تافهة واستعجالا لا مبرر له ، وأن الله إنما وضعني بالمصادفة في المكان الخطأ لأنه فشل في أن يجعل عذابه الطويل الممض وغير العادل لهذا الجسد ، الذي أحتقر فيه قدرته غير البشريه على الصلابة ، ينحني ويموت ..

إن قصتنا لا تكتب ، وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ، لقد كان شهرا كالإعصار الذي لا يفهم ، كالمطر كالنار ، كالأرض المحروثة التي اعبدها إلى حد الجنون وكنت فخورا بك إلى حد لمت نفسي ذات ليلة حين قلت بيني وبين ذاتي أنك درعي في وجه الناس والأشياء وضعفي وكنت أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك ليس لأنني لا أستطيع أن اعطيك حبات عينيّ ولكن لنني لن أستطيع الاحتفاظ بك الى الابد .
وكان هذا فقط ما يعذبني .. إنني اعرفك إنسانة رائعة ، وذات عقل لا يصدق وبوسعك أن تعرفي ما أقصد : لا ياغادة لم تكن الغيرة من الآخرين .. كنت أحسك أكبر منهم بما لا يقاس ، ولم أكن أخشى منهم أن ذلك الشيء الوحيد الذي لا أستطيع أبدا إتقانه ولو أتقنته لما كنت الآن في قاع العالم .. لا ياغادة .. لم يكن ذلك الشعور الكئيب الذي لم يكن ليغادرني ، مثل ذبابة أطبق عليها صدري ، بأنك لا محالة ستقولين ذات يوم ما قلتِه الليلة .

إن الشروق يذهلني ، رغم الستارة التي تحوله الى شرائح وتذكرني بألوف الحواجز التي تجعل من المستقبل – أمامي – مجرد شرائح .. وأشعر بصفاء لا مثيل له مثل صفاء النهاية ورغم ذلك فأنا أريد أن أظل معك، لا أريد أن تغيب عني عيناك اللتان أعطتاني ما عجز ك شيء انتزعته في هذا العالم من إعطائي ، ببساطة لأني أحبك ، وأحبك كثيرا يا غادة ، وسيدمر الكثير مني أن أفقدك ، وانا أعرف أن غبار الأيام سيترسب على الجرح ولكنني أعرف بنفس المقدار أنه سيكون مثل جروح جسدي : تلتهب كلما هب عليها الريح .
انا لا أريد منك شيئا وحين تتحدثين عن توزيع الانتصارات يتبادر الى ذهني أن كل انتصارات العالم إنما وَزعت من فوق جثث رجال ماتوا في سبيلها .
انا لا أريد منك شيئا ولا أريد – بنفس المقدار – أبداً أبدا أن أفقدك .
إن المسافة التي ستسافرينها لن تحجبك عني ، لقد بنينا أشياء كثيرة معا لا يمكن ، بعد ، ان تغيبها المسافات ولا أن تهدمها القطيعة لأنها بنيت على أساس من الصدق لا يتطرق اليه التزعزع .
ولا أريد أن أفقد " الناس " الذين لا يستحقون أن يكونوا وقود هذا الصدام المرّوع مع الحقائق التي نعيشها .
ولكن إذا كان هذا ما تريدينه فقولي لي أن أغيب أنا .. ظلي هنا أنت فانا الذي تعودت ان أحمل حقيبتي الصغيرة وأمضي .
ولكنني هذه المرة سأمضي وانا أعرف أنني أحبك وسأظل أنزف كلما هبت الريح على الاشياء العزيزة التي بنيناها معا .

غسان

__________________
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

الرسالة -2-

رسالة غير مؤرخة لكن سياق الكلام فيها يدل على أنها كتبت في القاهرة اواخر تشرين الثاني ( نوفمبر ) وقبل 29-11-1966 بيوم او اثنين .

عزيزتي غادة ..
مرهق الى أقصى حد : ولكنك أمامي ، هذه الصورة الرائعة التي تذكرني بأشياء كثيرة عيناك وشفتاك وملامح التحفز التي تعمل في بدني مثلما تعمل ضربة على عظم الساق ، حين يبدأ الألم في التراجع ، سعادة الألم التي لا نظير لها ، أفتقدك يا جهنم ، يا سماء ، يا بحر ، أفتقدك الى حد الجنون ، الى حد أضع صورتك أمام عيني وأنا أحبس نفسي هنا كي أراك .

ما زلت أنفض عن بذلتي رذاذ الصوف الأصفر الداكن ، وأمس رأيت كرات صغيرة منها على كتفي فتركتها هناك ، لها طعم نادر كالبهار .. انها تبتعث الدموع الى عيني أيتها الشقية . الدموع وأنا أعرف أنني لا أستحقك : فحين أغلقت الباب وتركتني عرفت ، عرفت كثيرا أية سعادة أفتقد إذ لا أكون معك ، لقد تبقت كرات صغيرة من الصوف الأصفر على بذلتي ، تشبثت بي مثلما أنا بك ، وسافرت بها الى هنا مثلما يفعل أي عاشق صغير قادم من الريف لأول مرة .

لن أنسى ، كلا . فانا ببساطة أقول لك : لم أعرف أحدا في حياتي مثلك ، أبدا ، أبدا ، لم أقترب من أحد كما اقتربت منك أبدا أبدا ولذلك لن أنساك ، لا ... إنك شيء نادر في حياتي ، بدأت معك ويبدو لي أنني سأنتهي معك .

سأكتب لك أطول وأكثر .. لقد أجلو المؤتمر الى 30 ولكنهم سيسفروننا غدا، الأحد الى غزة كي نشترك بمآتم التقسيم ، يا للهول ..
ويبدو انه لن يكون بوسعي أن أعود للقاهرة قبل الرابع ، وسأكون في بيروت يوم 6 كانون الأول على أبعد تعديل .. الا اذا فررت من المؤتمر وأتيتك عدوا ..
حين قرأ أحمد بهاء الدين حديثك لي خطفه * ، بل أجبرني على التعاقد معه لأكتب له مواضيع مماثلة .. قال لي وهو يهز رأسه : أخيرا أيها العفريت وجدت من يسكت شراستك ، سينشر الموضوع في ( المصور) ** التي علمت أنها توزع في كل البلاد العربية أعدادا هائلة وتحوز على ثقة الناس واحترامهم .. ولكنني بالطبع لا أعرف متى ..

وزعت كتبك *** ، تحدثت عنك كثيرا ، فكرت بك ، بك وحدك .. وأنت لا تصدقين .. وأنت ( حين أعذب نفسي في المساء ) موجودة في الماي فير **** مع الناس والهواتف والضحك ..

حاولي أن تكتبي لي : فندق سكرابيه شارع 26 يوليو ، القاهرة ، فسيكون أحلى ما يمكن أن يلقاني حين عودتي رسالة منك لأنني أعرف أنك لن تأتين ..

اه يا عزيزة

غسان كنفاني .
 

شموخ رجل

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

قالت الرائعة غادة السمان الرجال الحقيقيون لايمكن قتلهم الا من الداخل
وهكذا كان غسان ريشة انبثقت في زمن الثورة والكبرياء رجلا علمنا كيف تكون الخيمة صانعة الرجال
والفقر عنوان التحدي والأرض هي الروح التي لم تفارق البال
كتاباته ما هي إلا تعبير عن أمل العودة والطريق الذي يجب علينا أن نسلكه
ومعنى أن يكون للإنسان وطن يصمد فيه حتى الرمق الأخير

المجد لقلبك والخلود لروحك غسان
شكرا لك سارة لتعطيرنا بهذه الغسانيات

دمتي بخير
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

ولا يهمك شموخ
راح حط كل رسائل غسان كنفاني لغادة السمان
واليوم الرسالة الثالثة

الرسالة رقم -3- ..

كازينو الأندلس – غزة ******* فندق الأندلس – غزة

فندق قصر البحر – غزة ****** كازينو هويدي – غزة


غزة في 29-11-1966

غادة ..
كل هذه العناوين المسجلة فوق، على ضخامتها ليست إلا أربع طاولات على شاطئ البحر الحزين، وأنا، وأنت، في هذه القارورة من العزلة والضجر. إنه الصباح، وليلة أمس لم أنم فقد كان الصداع يتسلق الوسادة كجيوش مهزومة من النمل، وعلى مائدة الفطور تساءلت: هل صحيح أنهم كلهم تافهون أم أن غيابك فقط هو الذي يجعلهم هكذا ؟ ثم جئنا جميعا إلى هنا: أسماء كبيرة وصغيرة، ولكنني تركت مقعدي بينهم وجئت أكتب في ناحية، ومن مكاني أستطيع أن أرى مقعدي الفارغ في مكانه المناسب، موجودا بينهم أكثر مما كنت أنا.

إنني معروف هنا، وأكاد أقول " محبوب "، أكثر مما كنت أتوقع، أكثر بكثير، وهذا شيء، في العادة، يذلني، لأنني أعرف بأنه لن يتاح لي الوقت لأكون عند حسن ظن الناس ، وأنني في كل الحالات سأعجز في أن أكون مثلما يتوقعون مني . طول النهار والليل أستقبلُ الناس، وفي الدكاكين يكاد الباعة يعطونني ما أريد مجاناً وفي كل مكان أذهب إليه أستقبل بحرارة تزيد شعوري ببرودة أطرافي ورأسي وقصر رحلتي إلى هؤلاء الناس وإلى نفسي.إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب، ولكن أيضا بذل من طراز صاعق.

ولكنني متأكد من شيء واحد على الأقل، هو قيمتك عندي.. أنا لم أفقد صوابي بك بعد، ولذلك فأنا الذي أعرف كم أنت أذكى، وأنبل وأجمل. لقد كنت في بدني طوال الوقت، في شفتي، في عيني، وفي رأسي، كنتِ عذابي وشوقي والشيء الرائع الذي يتذكره الإنسان كي يعيش ويعود.. إن لي قدرة لم أعرف مثلها في حياتي على تصورك ورؤيتك.. وحين أرى منظرا أو أسمع كلمة وأعلق عليها بيني وبين نفسي أسمع جوابك في أذني، كأنك واقفة إلى جواري ويدك في يدي، أحيانا أسمعك تضحكين، وأحيانا أسمعك ترفضين رأيي وأحيانا تسبقينني إلى التعليق، وأنظر إلى عيون الواقفين أمامي لأرى إن كانوا قد لمحوكِ معي، أتعاون معك على مواجهة كل شيء وأضع معك نصل الصدق الجارح على رقابهم، إنني أحبك أيتها الشقية كما لم أعرف الحب في حياتي، ولست أذكر في حياتي سعادة توازي تلك التي غسلتني من غبار وصدأ ثلاثين سنة ليلة تركت بيروت هنا.

أرجوك.. دعيني معك. دعيني أراك . إنك تعنين بالنسبة لي أكثر بكثير مما أعني لك وأنا أعرف ولكن ما العمل ؟ إنني أعرف أن العالم ضدنا معاً ولكنني أعرف أنه ضدنا بصورة متساوية، فلماذا لا نقف معا في وجهه ؟ كفّي عن تعذيبي فلا أنا ولا أنت نستحق أن نسحق على هذه الصورة. أما أنا أذلني الهروب بما فيه الكفاية ولست أريد ولا أقبل الهروب بعد، سأظل، ولو وُضع أطلس الكون على كتفي، وراءك ومعك. ولن يستطيع شيء في العالم أن يجعلني أفقدك فقد فقدت قبلك، وسأفقد بعد، كل شيء.

" إنني لا أستطيع أن أكرهك ولذلك فأنا أطلب حبك " (*).. أعطيك العالم إن أعطيتني منه قبولك بي.. فأنا أيتها الشقية، أعرف أنني أحبك وأعرف أنني إذا فقدتك فقد أثمن ما لديّ، والى الأبد..

سأكتب لك وأنا أعرف أنني قد أصل قبل رسالتي القادمة، فسأغادر القاهرة يوم 5 كانون وتأكدي: لا شيء يشوقني غيرك.

غسان كنفاني.


--
(*) هذه العبارة استشهاد لغسان من إحدى رسائله الوجدانية لي المنشورة في زاوية " أوراق خاصة " في جريدة المحرر، وغير المنشورة بعد في " الأعمال الكاملة لغسان كنفاني ". وكان غسان يحمل مسودات رسائله إلي التي ينشرها وذلك بعد أن تقوم المطبعة بصفها، وقد احتفظت بتذكارات منها بخطه، لكنني لم أنشرها في هذا الكتاب، إذ من المفروض أن تصدر في مجلد خاص بها في " الأعمال الكاملة لغسان كنفاني " ما دام قد اختار أن ينشرها بنفسه في الصحف خلال حياته. غادة السمّان
 

المهاجـر

كاتب جيد
رد: غسان كنفاني

سلمت يمناك اخي شموخ رجل على اتحافك لنا بهذه الكلمات الحلوه

عن الشاعر غسان كنفاني لااول مره اسمع بهذا الشاعر

ولكن كلماته كثيرآ ما اعجبتني لما تحمل من روائع

دمت بخير وعافيه
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

الرسالة -4-

20-1-1967


عزيزتي غادة ..
صباح الخير
ماذا تريدين أن أقول لك ؟ الآن وصلت إلى المكتب ، الساعة الثانية ظهرا ، لم أنم أبدا حتى مثل هذه الساعة إلا أمس ودخلت مثلما أدخل كل صباح : أسترق النظر إلى أكوام الرسائل والجرائد والطرود على الطاولة كأنني لا أريد أن تلحظ تلك الأشياء لهفتي وخيبتي ، اليوم فقط كنت متيقنا أنني لن أجد رسالة منك ، طوال الأيام ال 17 الماضية كنت أنقب في كوم البريد مرة في الصباح ومرة في المساء ، اليوم فقط نفضت يدي من الأمر كله ، ولكن الأقدار تعرف كيف تواصل مزاحها ، لقد كانت رسالتك فوق الكوم كله ، وقالت لي صباح الخير! أقول لك: دمعت.
منذ سافرتِ سافرت آني، وإلى الآن ما تزال في دمشق وأنا وحدي سعيد أحيانا، غريب أحيانا وأكتب دائما كل شيء إلا ما له قيمة .. حين كنتِ في المطار كنت أعرف أن شيئا رهيبا سيحدث بعد ساعات: غيابك وتركي للمحرر (1) ، ولكنني لم أقل لك . كنتِ سعيدة ومستثارة بصورة لا مثيل لها وحين تركتك ذهبت إلى البيت وقلت للمحرر أن كل شيء قد انتهى.

إنني أقول لك كل شيء لأنني أفتقدك، لأنني أكثر من ذلك، " تعبت من الوقوف " بدونك .. ورغم ذلك فقد كان يخيل إلي ذات يوم إنك ستكونين بعيدة حقا حين تسافرين.

ولقد آلمتني رسالتك، ضننتِ علي بكلمة حارة واحدة واستطعت أن تظلي أسبوعا أو أكثر دون أن أخطر ببالك. يا للخيبة! ورغم ذلك فها أنا أكتب لكِ. مع عاطف (2) شربنا نخبكِ تلك الليلة في الماي فير (3) وتحدثنا عنك وأكلنا التسقية (4) بصمت فيما كان صاحب المطعم ينظر إلينا نظرته إلى شخصين أضاعا شيئا .

متى سترجعين ؟ متى ستكتبين لي حقا ؟ متى ستشعرين أنني استحقك ؟ إنني انتظرت، وأنتظر، وأظل أقول لك : خذيني تحت عينيك ..
غسان

---
(1) جريدة المحرر البيروتية ، حيث كان غسان يعمل .
(2) عاطف السمرا : صديق حميم من أصدقائي وغسان .
(3) مقهى في الروشة .
(4) فتة الحمص وكنا نذهب آخر الليل للعشاء في مطعم شعبي يعدها في ( الطريق الجديدة ) قرب المقاصد، حتى صار صاحب المطعم يتوقع حضورنا كل ليلة مع الأصدقاء، ويعاتبنا إذا غبنا.

__________________
 

شموخ رجل

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

سلمت يمناك اخي شموخ رجل على اتحافك لنا بهذه الكلمات الحلوه
عن الشاعر غسان كنفاني لااول مره اسمع بهذا الشاعر


ولكن كلماته كثيرآ ما اعجبتني لما تحمل من روائع


دمت بخير وعافيه

غسان كنفاني مبدع متعدد الأوجه والدلالات والأفكار،
عميق الرؤية، مع كل مرة تقرؤه تكتشف شيئاً جديداً،
إنه شبيه ببطل أسطوري،
كلما رأيته اكتشفت في وجهه ملامح جديدة
لروحة الخلود
شكرا لك حبيبي على مرورك الرائع
والشكرلسارة على اتحافنا برسائل غسان كنفاني الى غادة
مودتي
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

الرسالة -5-

24-1-1967
غادة .. يا حياتي !

كيف تقولين لي "لا ألومك ، لك الحق .. في الدفاع عن توقيتك لرحلة صيد انتهت؟" كيف تفكرين لحظة واحدة بأن هذا التعيس الذي ينتظرك كما ينتظر وطنا ضائعا يفعل ذلك ؟ كيف تعتقدين أن ذلك الرجل الذي سلخت الشوارع قدميه، كالمجنون الطريد ، ينسى أو يوقّت أو يدافع عن نفسه أو يهاجم؟ ولكنني أغفر لك، مثلما فعلت وأفعل وسأظل أفعل ، لأغفر لك لأنك عندي أكثر من أنا وأكثر من أي شيء آخر ، لأنني ببساطة "أريدك وأحبك ولا أستطيع تعويضك"1 ، لأنني ابكي كطفل حين تقولين ذلك وأحس بدموعي تمطر في أحشائي ، وأعرف أنني أخيرا مطوق بك ، بالدفء والشوق وأنني بدونك لا أستحق نفسي !.

أنت ، بعد ، لا تريدين أخذي، تخافين مني أو من نفسك أو من الناس أو من المستقبل لست ادري ولا يعنيني. ما يعنيني أنك لا تريدين اخذي ، وأنا أصابعك قريبة مني ، تحوطني من كل جانب ، كأصابع طفل صغير حول نحلة ملونة : تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها .. أعرف أعرف حتى الجنون قيمتك عندي ، أعرفها أكثر وأنت غائبة وأمس رأيت عمارات الروشة ، صدقيني، عارية مثل الأشجار سلخها الصقيع في البراري ، تطن عروقها الرفيعة في وجه السماء كأنها السياط...بدونك لاشيء . وهذا يحدث معي لأول مرة في عمري التعيس كله .

لماذا أنت معي هكذا؟ إنني أفكر بك ليل نهار، أحيانا أقول أنني سأخلصك مني ويكون قراري مثل قرار الذي يريد أن يقذف بنفسه في الهواء، أحيانا أقول أنني سأتجلد، أنني كما توحين لي أحيانا ، أريد أن أدافع وأهاجم وأغير أسلوبي، أحيانا أراك : أدخل إلى بيتك فوق حطام الباب وأضمك إلى الأبد بين ذراعي حتى تتكونا من جديد، عظما ولحما ودما ، بحجم خاصرتك .. ولكنني في أعماقي أعرف أن هذا لن يحدث وأنني حين أراك سأتكوم أمامك مثل قط أليف يرتعش من الخوف ..
فلماذا أنت معي هكذا ؟ أنت تعرفين إنني أتعذب وأنني لا أعرف ماذا أريد. تعرفين إنني أغار، وأحترق وأشتهي وأتعذب . تعرفين أنني حائر وأنني غارق في ألف شوكة برية .. تعرفين .. ورغم ذلك فأنت ، فوق ذلك كله تحولينني أحيانا إلى مجرد تافه أخر، تصغرين ذلك النبض القاتل الذي يهزني كالقصبة، معك وبدونك.

أحيانا تأخذينني على محمل أقل ذكاء مما ينبغي . مَنْ الذي رأيته أيتها الغالية، في الثامنة والنصف من آخر كنت فيها في بيروت؟ إنه شيء تافه وصغير ولكن يبدو أنني أحيانا أتوقف لأقتلع من راحة يدي شوكة في حجم نصف دبوس.. ألا تفهمين أن هذا الذي ينبض داخل قميصي هو رجل شرقي خارج من علبة الظلام؟ حتما تعرفين. أنت هائلة في اكتشاف مقتلي لذلك تهربين مني أحيانا، لذلك "لا تقولين" ولذلك بالذات تقولين!

لنجعل من نفسينا معا شيئا أكثر بساطة ويسرا، لنضع ذراعينا معا ونصنع منهما قوسا بسيطا فوق التعقيدات التي نعيشها وتستنزفنا .. لنحاول ذلك على الأقل .. أنت عندي أروع من غضبك وحزنك وقطيعتك. أنت عندي شيء يستعصي على النسيان ، أنت نبيّة هذا الظلام الذي أغرقتني أغواره الباردة الموحشة وأنا لا أحبك فقط ولكنني أؤمن بك مثلما كان الفارس الجاهلي يؤمن بكأس النهاية يشربه وهو نازف حياته ، بل لأضعه لك كما يلي : أؤمن بك كما يؤمن الأصيل بالوطن والتقي بالله والصوفي بالغيب . لا كما يؤمن الرجل بالمرأة!

كتبت لك منذ أربعة أيام أو أكثر، لم أكن أعرف عنوانك قبل ذلك ، وكتبتها يوم وصلت رسالتك إلىّ، بعد خمسة أيام من وصول رسالتك لعاطف.. وأرسلت لك فيها قصاصات (يقولون هذه الأيام في بيروت وربما أماكن أخرى، إن علاقتنا هي علاقة من طرف واحد، وأنني ساقط في الخيبة. قيل في الهورس شو – احد مقاهي الأدباء في الستينيات في بيروت- أنني سأتعب ذات يوم من لعق حذائك البعيد. يقال أنك لا تكترثين بي وأنك حاولت أن تتخلصي مني ولكنني كنت ملحاحا كالعلق . يشفقون على أمامي ويسخرون مني ورائي ويقرأون لي كما يقرأون نماذج للشاعر المجنون.. ولكن ذلك كله يظل تحت ما أشعره حقا، فأنا أحبك بهذه البساطة والمواصلة التي لا يمكن فهمها في شارع الحمراء ، ولا على شفاه التافهين)

أرى عاطف أحيانا يمر على مكتبي ونتحدث عنك ولكنه يشعر بالبرد فيذهب إلى بيته ، أما أنا فالبيت أكثر بردا من أن أذهب إليه.. يسألني عن شخص مسافر إلى لندن ، وأعتقد أنك طلبت منه أن يرسل شيئا لك .. إنه في صحة جيدة ويضحك دائما وموجود في كل مكان، كما تعرفينه ، ومنذ أسبوع تقريبا ، ذهبنا وشربنا معا كأسا صامتا حوالي ساعتين .. وأمس ليلا كان هنا وقال لي أنه سيكتب لك، فقلت له : أما أنا فقد فعلت . ضحك وقال: 12 صفحة ؟

منذ ذهبت سافرت آني لدمشق، وحتى الآن لم تعد فالطريق مغلق بالثلوج والجو بارد ولكن سيارتي تتقد دائما وعجلاتها لا تكف عن سلخ الإسفلت، دونما هدف. الراديو أخرس ما يزال، والشوفاج فوضي والزمور لا يصرخ إلا إذا انعطفت لليسار والسائقون الآخرين مستعجلون كما كنا نراهم دائما لا افتح لهم الطريق إلا مع شتيمة وليلة أمس غيرت عجلا تحت المطر قرب المكان الذي غيرت فيه يوما عجلا صعبا معك ، وحين انتهيت خيل لي أن وجهي كان مغسولا بالدموع لا بالمطر : فقد فتحت باب السيارة وتوقعت أن يسقط رأسك المتكئ على الباب كما حدث ذلك اليوم.

تعالي، يا أجمل وأذكي وأروع قطة في هذا العالم كله. ألم تشتاقي لماكس والقرد المدهوش والحطاب الغاضب والعجّانة – تماثيل في بيت غادة كان يطلق غسان عليها الأسماء ويحاورها على رأسها بومة اسماها ماكس- ألم تشتاقي لغسان؟

كنت أسفا جدا حين كتبت لك عن تلك الألمانية والتي نسيت اسمها الآن . خشيت أن تتصوري أنني امتع نفسي بطريقة أو بأخرى.
لا . لقد كانت كأسا باردة لكحول عمياء أمام طاولة رجل طريد. إن الحرية لا يمكن أن تكون شيئا يأتي من الخارج، وأنا الآن طليق لأبعد حد، ولكنني حين ألتفت اسمع أصوات السلاسل الغليظة تخش وترن في صدري..

أريد أن اكتب لك ، أن اكتب لك كل لحظة، ليل نهار : في الشمس التي بدأت تشرق بحياء، تحت سياط الصقيع، في الصباح البارد والمساء والعتمة ، في ضياعي وجنوني وموتي (اطمئني : إن صحتي جيدة ، وآخر ثلاثة أيام كنت مريضا جدا ولكنني لم انم ، واليوم أحسن) لم اكتب شيئا في روايتي، أعمل في المحرر كما كان العبيد العرايا في التجديف، لدي فكرة مسرحية سترينها في الأوراق الخاصة – اسم زاوية غسان في جريدة المحرر- لا أعرف متى سأكتبها.. اعرف فقط إنني انتظرك .
أنتظرك . أنتظرك . أنتظرك . وأفتقدك أكثر من توق رجل واحد أن يفتقد امرأة واحدة ، وأحبك ، ولن اترك سمائي التي تحدثت عنها "تفجر الثلوج" ، فأنني فخور بخطواتنا ولا أريد لشيء حتى للسماء أن تكنسها.

غسان كنفاني

بيروت (الآن وغدا وإلى الأبد)
ولكنه صادف أن كتب يوم 24/1/1967
 

شموخ رجل

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

الرائعة صاحبة الامتياز
كل الشكر والأمتنان لكِ يا الغالية
على أغنائك لهذا الموضوع بهذه الرسائل التي أمتعتينا بقرائتها
أمنياتي لكِ بكل الخير
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

الرسالة – 6-

بيروت 31 / 1 / 1967

عزيزتي غادة ..

وصلتني رسالتاك، فيهما قصاصات من الأوراق الخاصة1 . بحركة صغيرة شحطة واحدة فوق نهايات الأحرف أعدت لي عالمي المعني والتوهج وجلدني الشوق لك وأسرني ذكاؤك الذي أفتقده بمقدار ما أفتقد كفيك وكتفيك ..

أيتها الشقية الحلوة الرائعة ! ماذا تفعلين بعيدا عني؟ أقول لك همسا ما قلته اليوم لك على صفحات الجريدة2: "سأترك شعري مبتلا حتى أجففه على شفتيك!" أنني أذوب بالانتظار كقنديل الملح : تعالي!

أحس نحوك هذه الأيام – أعترف- بشهوة لا مثيل لها. إنني أتقد مثل كهف مغلق من الكبريت وأمام عيني تتساقط النساء كأن أعناقهن بترت بحاجبيك. كأنك جعلت منهن رزمة من السقط محزومة بجدولتك الغاضبة الطفلة.. لا . ليس ثمة إلا أنت . "إلى أبدي وأبدك وأبدهم جميعا" .. وسأظل أضبط خطواتي ورائك حتى لو كنت هواء.. أتسمعين أيتها الشقية الرائعة ؟ حتى لو كنت هواء! ولكنني أريدك أكثر من الهواء. أريدك أرضا وعلما وليلا.. أريدك أكثر من ذلك .. وأنتِ؟؟

ليس لدينا أخبار كثيرة هنا. آني عادت فجأة. أرى عاطف وكمال غالبا وأمس سهرت مع ارتين ومع فواجعه و"بوزاته" .. عاطف جاء أمس ودخل إلى المكتب غاضبا وتشاجر مع كمال لأنه لم يره منذ فترة ثم سألني: أين كنت يوم السبت؟ غادة أرسلت شخصا وفتشت عليك في المكتب والبيت طوال الليل والنهار! يا عاطف العزيز كنت في البيت وفي والمكتب! لا . نعم . وانتهي الأمر هنا. غدا صباحا أسافر إلى القاهرة لحضور مؤتمر الصحفيين العرب وسأعود الاثنين أو الأحد .. هل سأجدك هنا ؟ سيكون عنواني هناك : ( بواسطة مروان كنفاني، جامعة الدول العربية ، قسم فلسطين) . اكتبي لي، فقد يكون المطر غزيرا هناك، أحتاج إلى حروفك لأفرش أمامها راحتي التواقتين لك!

بلي. خبر مهم : احدهم وزع خبرا على الصحف يوم الجمعة الماضي: " وسيتم في جو عائلي، خلال الأسبوع القادم ، زفاف الزميل غسان كنفاني على الأديبة الممتعة غادة السمان.. " المحررون في الصحف عرفوا فرموا الخبر. في آخر لحظة اتصل بي زميل من الصحيفة ما يريد أن يبارك لي ويعاتبني على عدم أخباره .. ثم أخذ يركض إلى المطبعة فشال السطرين الهائلين عن الطابعة .. مرت العاصفة وأنا غير مكترث .. لم تكن غلطة الذي دس الخبر ولكن غلطة السنوات الخمس التي مرت، لا شيء . مزيدا من الذين سيقولون : سيتعب ذات يوم من لعق حذائها. مسافر من دمشق جاء ليقول لي أن دمشق تتحدث عنك، حسنا، وعني . قال إن الأوراق الخاصة تظهر أنك معذب ومهزوم وتصطدم بالزجاج كأنك ريح صغيرة . ثم نظر إلى وأنا صامت وأبلغني : حرام

اكتبي لي .. لماذا لا تكتبين ؟ لماذا ؟ لماذا أيتها الشقية الحلوة؟ أتخافين مني أم من نفسك أم من صدق حروفك؟ اكتبي ..

غسان

-------------------------------
1- كان يكتب لي رسائل وجدانية في زاويته (أوراق خاصة) ويرسلها إلى في لندن، فكتبت له مرة رسالة على هامش رسالته.
2- استشهاد من زاويته أوراق خاصة في جريدة المحرر
__________________
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

فندق كليوباترا
ليل 1 / 2 /1967

عزيزتي غادة .. يلعن ***!

ما الذي يحدث؟ تكتبين لكل الناس إلا لي؟ اليوم في الطائرة قالي لي سليم اللوزي أنك كتبت له ولأمية – زوجته- ولم اعد اذكر، قالي ليكمال انه تلقي رسالة منك .. وآخرين ! فما الذي حدث ؟ لا تريدين الكتابة لي معلش ! ولكن انتبهي جيدا لما تفعلين : ذلك سيزيدني تعلقا بك!

اليوم صباحا وصلت إلى القاهرة ، وفي الظهر مرضت، ربما لأني لم انم أمس إطلاقا ، وربما لأن الطقس تغير فجأة : من البرد الخبيث المتسلل من الجبل إلى بيروت، (إلى قميصي بالذات!) إلى الشمس الصريحة في الدفء الشتوي الرائع هنا.. وهكذا تخلصت من مسؤولياتي في المؤتمر، وتشاجرت مع شقيقي وقمت بجولة في المقاهي حيث قابلت الأصدقاء وعدت، لأكتب لك!

يكبر غيابك في صدري بصورة تستعصي على العلاج ، يدهشني أنني لم أجد في المطار شخصيا يقول لي : رسالة لك يا سيدي من لندن، يخفق قلبي كلما دق جرسالهاتف في هذه الغرفة العالية ثم لا أسمع صوتك ينادي كالوشوشة: "غهسآن!" أقول لك أيتها الشقية: أخاف أن التفت في هذه اللحظة إلى الكرسي المقابل فلا أراك هناك! ماذا تراك تفعلين الآن؟ أعوضت غسانك التعيس ؟ هل وفقت في استبدال سذاجته وحدته وضيق افقه وسخافاته (واستقامته الطفلة) بشيء أكثر جدوى؟ اتعتقدين انك نجحت في طمري تحت أوراق "سقوطهم إلى القمة" هل نجحت قطع الضباب بلندن في تكوين نعش لذكرياتنا؟ هل جف مرج الشوك الحلو؟ هي ستعودين ؟

لو كنت هنا. لو كنت معي في هذه الغرفة البعيدة العالية لكان العالم. دونك لا يستطيع الجدار أن يخبئ شيئا . أتراك تشعرين كم يموت من عمرنا أمام عيوننا؟ أتراك تحسين وأنت في منفاك الاختياري كم يقتلني خوفك وكم يحز ترددك في أوردتي؟ ثلم لا تكتبين! إذا كنت تعتقدين إنك حرام على يدي فهل حروفك حرام على عيني؟ ومع ذلك فسأترك بيادر القش تلتهب في صدري وجسدي حتى يأتي ذات يوم تطفؤها فيه راحتاك. أنت . أيتها المرأة قبل ألف مرة من أن تكوني أديبة وكاتبة. أنت الأديبة والكاتبة والذكية التي تجعل منك ألف امرأة

إنني مريض حقا. لا أريد أن أشعرك بأي قلق على (إن كان ذلك ممكنا) ولكن الغرفة تدور الان، وكالعادة احتاج كما اعتقد إلى نوم كثير.. بطاقتك التي وصلتني إلى بيروت (شو هالبرد) كانت رائعة هل قلت لك ذلك في الرسالة الماضية ؟ أريد أن أجد لدى عودتي صندوقا من الرسائل في حجم شحنة الويسكي. أوصيت زميلا أن يحمل لك 20 علبة من (سالم) – نوع من السجائر- سمعت عاطف يقول أنه تلقي منك طلبا بهذا الموضوع، أرجو أن يكونوا قد وصلوا، أذا ما وصلوا لا تنفخي مع دخانهم اعتزازي بك، وبكل شيء لك ومنك وعنك

غسان

اليوم الأربعاء .. اعتقد أنني سأعود السبت إلى بيروت، أريد أن اقرأ منك!
__________________
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

هذه العبارة سطرها على مظروف الرسالة
من الخارج ! (تاريخها 1/2/1967)

أدهشني حين وصلت إلى القاهرة أنني لم أجد
رجلا ينتظرني هناك ويقول هذه الرسالة لك يا سيدي
من لندن ...

يذهلني أنني حين ارفع سماعة الهاتف في هذه الغرفة
العالية لا أسمع على الطرف صوتك ..

أقول لك : يخيفني أن ارفع راسي الآن، عن هذه الرسالة،
فلا أجدك جالسة في المقعد المقابل ..

__________________

 

شموخ رجل

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

أشكرك سارة على هذه الاضافات التي زادت الموضوع جمالاً
دمتِ بخير
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

فندق كليوباترا


القاهرة 4/2/1967

عزيزتي الشقية ، الضائعة ، المسافرة التي لا تتذكر‍

غداً ظهراً سأكون من جديد في الفراغ الجديد في بيروت، لقد حدثت أمور هامة هنا منذ وصلت، فقد أبلغتني المنظمة التي انتدبتني لتمثيل فلسطين في المؤتمر السياسي لاتحاد الصحفيين العرب أنها قررت فجأة ، ولأسباب تافهة كما يبدو لم يقدر لي أن أعرفها، أن تقاطع المؤتمر ، وهكذا وجدتني فجأة بلا عمل ، وجعلني هذا الوضع أكثر استعداداً لأن أسقط في المرض الذي كنت أترقبه بجزع، وأمس حدث ما كنت أتوقعه : فقد أمضيت معظم نهاري في الفراش. كنت في الليلة التي سبقت قد حولت صدري إلى زجاجة معبأة بالدخان المضغوط ، دخنت 6 علب وأمضيت النهار التالي أسعل وأدخن وأسعل وأدخن من جديد ، وأمس ليلا كان جسدي قد تعب من هذه اللعبة واستسلم أمام عنادي، وهكذا قمت فسهرت عند بهاء ثم اقتادني الأصدقاء بعد ذلك إلى الليل ونمت في الصباح...وغداً الأحد سأعود ، إذا لم يطرأ أي جديد .

عبر ذلك كله جئتِ أنت ِ ، وكنت معي رغم أنفك ورغم جميع الذين كانوا معك والذين كانوا معي ، وفكرت بك بهدوء ، كما يجلس الإنسان العاقل ليلعب الشطرنج معتزماً أن يربح الجولة بأي ثمن ، وقلت لنفسي : يا ولد ، أنت أصغر من أن تكون دونها وأعجز من أن تغلق الباب . كان "الملك" ،على رقعة الشطرنج ، معذباً وبعيداً عن جواده وقلعته ورغم ذلك فقد كان يقاتل بكل دمائه النبيلة، ناجحا في أن يتجنب التلطيخ بوحل الميدان الشاسع وحمأ الهزائم . كان يعرف أن التراجع موت وأن الفرار قدر الكذابين. ، إنه فارس اسبارطي حياته ملتصقة على ذؤابة رمحه، يعتقد أن الحياة أتفه من أن تعطيه ، وأنه أكبر من أن يستجدي، ولكنه يريد أن يأخذ وأن يعطي بشرف مقاتل الصف الأول. ليس لديه ما يفقده ورغم ذلك فهو يعرف أنه إذا فقد هذا الشيء الوحيد الذي يعتز به فإنه سيفقد نفسه. إنه المقاتل والخصم والميدان والسلاح في وقت واحد معاً ، فكيف يربح وكيف يخسر؟ كيف يكون التقدم وكيف يكون التراجع : هذه هي أيتها الشقية لعبة شطرنج لا تنتهي، يظل اللاعب حاضناً رأسه الثقيلة بين كوعيه يتبادل النظر مع الملك الصامت على الرقعة المزدحمة بخبب السنابك المهزومة ،دون أن تستطيع الجياد مغادرة الرقعة المقطعة بأقدار الرجال والخيول والملوك الذين يذلهم أنهم لم يولدوا على صهوات خيلهم كما تولد التوائم السيامية .

إنني أريدك بمقدار ما لا أستطيع أخذك، وأستطيع أن آخذك بمقدار ما ترفضين ذلك ، وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين الاحتفاظ بنا معاً ، وأنت وأنا نريد أن نظل معا بمقدار ما يضعنا ذلك في اختصام دموي مع العالم.. إنها معادلة رهيبة ، ورغم ذلك فأنا أعرف بأنني لست أنا الجبان، ولكنني أعرف بأن شجاعتي هي هزيمتي ، فأنت تحبين ، فيّ، أنني استطعت إلى الآن أن لا أخسر عالمي ، وحين أخسره سأخسرك، ومع ذلك فأنا أعرف أنني إذا خسرتك خسرته.
أستطيع أن أكتشف ذلك كله كما يستطيع الجريح في الميدان المتروك أن ينقب في جروحه عن حطام الرصاص ، ومع ذلك فهو يخاف أن ينتزع الشظايا كي لا ينبثق النزيف. إنه يعرف أن الشظية تستطيع أن تكون في فوهة العرق المقطوع مثلما تكون سدادة الزجاجة ويعرف أن تركها هناك ، وحيداً في الميدان ، يوازي انتزاعها. فالنهاية قادمة ، لا محالة...ولو كان شاعراً فارساً يمتطي صهوة الصحراء الجاهلية لاختار أن يموت رويداً رويداً : يده على كأسه الأخيرة وعينه على النزيف الشريف.

ليقف الفارس في ذلك الخلاء الأجرد ويصيح في وجه الريح: إنني أحبك ! فذلك هو قدره الذي تتوازى فيه الخسارة بالربح . إنك الخصب ،أيتها الجميلة الشقية .. وليس ثمة إلا أن أنتظرك في غيابك وفي حضورك . في الشمس وفي المطر ، تحت تطاير الكلمات من شفاهنا وبين التصاقهما. وثمة حقول من طحلب غير مرئي اسمه الانتظار تنمو على راحتي يدينا حين تمطر فوقهما المصافحة ، هناك جسر من الانتظار تشده أهدابنا إلى بعضها حين تتبادل النظر . إن الانتظار ، فيما بيننا ، حفرة تكبر كلما عمقت أظافرنا اكتشافها ، إننا لا نستطيع أن نردمها بأي شيء فليس في علاقتنا ما نستطيع أن نستغني عنه لنخطو إلى بعضنا فوقه .اكتبي أيتها الحلوة الذكية . تمسكي بهذا الشيء الذي يستطيع أن يكون إلى الأبد درعك أكثر مما يستطيع أي رداء مبتكر ( وقصير) أن يفعل. بوسعك أن تقتحمي العالم على منقار صقر فما الذي يعجبك في حصان طروادة ؟ إنني واثق من شيء واحد : بالنسبة لك الحياة ملحمة انتصار تبدأ من العنق فما فوق ،فلتجعلي همك هناك. لغيرك أن يعتقد أن حياته لها قمة هي الكتفان . بوسعك أن تدخلي إلى التاريخ ورأسك إلى الأمام كالرمح ، كالرمح. أنت جديرة بذلك وليس من هو أكثر منك جدارة . اطّرحي مرة وإلى الأبد حيرتك الأنثوية المغيظة بين رأسك وركبتيك فتكسبي مرة وإلى الأبد رأسك ورؤوس الآخرين وعظمة أنوثتك وجمالها الأخاذ الصاعق المفعم بالكبرياء . إنني أحبك كما لم أفعل في حياتي ، أجرؤ على القول كما لم يفعل أي إنسان وسأظل. أشعر أن تسعة شهور معك ستظل تمطر فوق حياتي إلى الأبد . أريدك. أنتظرك وسأظل أريدك وأنتظرك، وإذا بدلك شيء ما في لندن ، ونسيت ذات يوم اسمي ولون عينيّ فسيكون ذلك مواز لفقدان وطن. وكما صار في المرة الأولى سيصير في المرة الثانية : سأظل أناضل لاسترجاعه لأنه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد. لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب وجذور تستعصي على القلع.

اكتبي لي . هذه اللحظة وقولي : سأظل معك وسنظل معاً

غسان

__________________

 

شموخ رجل

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

شكرا على اضافتك القيمة للموضوع سارة
تحيتي لكِ
 

ترانيم الأمل

كاتب جيد جدا
رد: غسان كنفاني

فعلاً أديب مفكر مبدع وشهيد بإذن الله ..
رحمة الله عليه هو وكل العقول النيرة ..

شكراً لك أخي شموخ لإثرآئنآ بهذا الطرح القيم ..
و بوركت جهودك غاليتي سآرة ..

دمتم بخير..~

*_*
 

شموخ رجل

كبار الشخصيات
رد: غسان كنفاني

فعلاً أديب مفكر مبدع وشهيد بإذن الله ..

رحمة الله عليه هو وكل العقول النيرة ..

شكراً لك أخي شموخ لإثرآئنآ بهذا الطرح القيم ..
و بوركت جهودك غاليتي سآرة ..

دمتم بخير..~

*_*

أشكركِ عى المتابعة اختِ سويت
نورتي الموضوع بطلتكِ
تحيتي واكثر
 

مواضيع مماثلة

أعلى