خيوط الشمس
كبار الشخصيات
بئر طافحة بالعسل وفمها مسدود بزهرة
غامضٌ ومدهشٌ وآسر هو الحبّ.
يتفتّح كالزّهرةِ في الفجاءة، يسري في العروق كالنّار، ويذبح كالسّيف.
نكادُ نلمسُ برقه الذي يقدح، نسمعُ دبيب أقدامه، ونكادُ نراه وهو يمشي في الطّرقات ويرشّ النّعاس في حدقات المارّة، ولكننا حين نحاصره، وحين نحاول أن نقبض عليه بالأصابع يفرّ ويختفي!! ما الحبّ إذن؟ وفي أيّ مكانٍ يمكن العثور عليه هذا السّيّد الأرعن، السّادر بالغِيّ، والنّائي في أرض الخرافة؟؟
فتيّاً وجميلاً يولد الحبّ، ولكنّه لا.....يُعمّر كثيراً! أحياناً ينقصف غصنه في أوّل الطريق. أحياناً يشتدّ ويتعمّق في أرواحنا ويضربها كالإعصار، أحياناً يظهر ويختفي كأنّه يقوم بلعبة ما. على كلّ حال فإنّ عمره قصير، وحين يطول به المُقام يشيخ ويتهدّم، وفي هذه الحالة فإنّه غالباً ما يدخل غرفة الإنعاش.
أروع شيء في الحب أن تعطي ولا تأخذ
العاشق هنا يشبه بائعاً خاسراً.
في البيوت الهادئة، البيوت التي تُطفئ أنوارها في المساء، وتهمد أنفاسها مثل ماعز في حظيرة، غالباً ما يضجر الحبّ. الحب ابن براري يحتاج هواءً طازجاً كي يتنفّس، سماءً عاليةً كي يحلّق فيها، وليلاً حالكاً يخبّئ في جوفه العشّاق ويمكّن أصابعهم من قطف الثمار المحرّمة.
في الحب يبدو كلّ شيء جميلاً وفاتناً، حتى اليأس فإنّه يتقدّم منك بعينين حالمتين ويبتسم.
لحظة الحب لحظة سريعة وخاطفة، ولكنّها لحظة مكثّفة وعميقة، لكأنها الأبديّة كلّها وقد ارتعشت بين يديّ العاشق كزهرة غامضة ولدت للتّو.
كثيراً ما تساءلت عن سرّ العلاقة التي تربط بين الحبّ والورد. في عيد الحب يتبادل العشّاق الأزهار، ويلتقون مفتونين بتلك الطيور الصغيرة الملوّنة التي ترعش بين أيديهم وتهدل بالروائح. آه تذكّرت، فالأزهار التي تهدى قد تكون بمثابة قلوب رمزيّة.
إذا صادفت الجمال في الطّريق مرّةً ولم تمتدحه ولو بتلويحةٍ صغيرة أو ابتسامة، فمدّ أصابعك بقوّة إلى صدرك وانتزع قلبك القاسي، وارم به بعيداً. اقطف زهرةً صغيرة وازرعها مكانه، فلعلّ الجمال يسامحك على جريمتكَ الشنعاء ويصفح عنك.
من قال إنّ المرأة الواحدة يمكنها أن تلخّص جميع النّساء؟ ذلك القول أعتقد أنّه خطأ شعري شائع، فالمرأة التي نحبّها هي بمثابة قوس صغيرة ندلف منها إلى قارّةٍ عظيمة اسمها الحب.
كلّ امرأة موجودة في الحياة لكأنّها المرأة الوحيدة في الكوكب. كل امرأة لها ظلالها وروائحها وحضورها الخاص الذي لا يشبه حضور باقي النّساء. ولهذا يدور العاشق كالممسوس في هذه الحديقة الكونية المشتعلة بالغبطة. ما من امرأة إلا وتغويه، ما من امرأة إلا وفي أعماقها سرّ من أسرار الحب لا بدّ من الوصول إليه. ألهذا هتف رامبو ذات حيرة قائلاً: "وأودّ لو أجمع شفاه جميع النساء في ثغرٍ واحد، إذن لقبّلتهُ واسترحت"؟
الحب لا يعترف بالعرقيّات ولا بالحدود
الحبّ لغة كونية أشبه ما تكون بالموسيقى.
الحب مطر من شدّة هطوله يفيض إناء الجسد.
الحب بئر طافحة بالعسل وفمها مختوم بوردة.
الحبّ فنٌ آخر، مثله في ذلك مثل الشعر والتشكيل. وكي نحب لا بد لنا من تدريب أرواحنا على الحبّ. وحتى يحبّ العاشق جيّداً لا بدّ له أن يعرف كيف يتأمّل معشوقه، كيف يبث له حنينه ولواعجه، كيف يلمس ناره ويبكي بين يديه. لهذه الغاية قدّم لنا الشاعر العظيم أوفيد عصارة تجربته في كتاب فريد من نوعه أسماه (فنّ الهوى).
إذا تقطّعت بك السّبل يوماً، وخانك الحب، فاقذف بقلبك وطيّره في العاصفة، فلعلّه يسقط على امرأة أخرى في أرض أخرى.
بقلم
يوسف عبد العزيز
غامضٌ ومدهشٌ وآسر هو الحبّ.
يتفتّح كالزّهرةِ في الفجاءة، يسري في العروق كالنّار، ويذبح كالسّيف.
نكادُ نلمسُ برقه الذي يقدح، نسمعُ دبيب أقدامه، ونكادُ نراه وهو يمشي في الطّرقات ويرشّ النّعاس في حدقات المارّة، ولكننا حين نحاصره، وحين نحاول أن نقبض عليه بالأصابع يفرّ ويختفي!! ما الحبّ إذن؟ وفي أيّ مكانٍ يمكن العثور عليه هذا السّيّد الأرعن، السّادر بالغِيّ، والنّائي في أرض الخرافة؟؟
فتيّاً وجميلاً يولد الحبّ، ولكنّه لا.....يُعمّر كثيراً! أحياناً ينقصف غصنه في أوّل الطريق. أحياناً يشتدّ ويتعمّق في أرواحنا ويضربها كالإعصار، أحياناً يظهر ويختفي كأنّه يقوم بلعبة ما. على كلّ حال فإنّ عمره قصير، وحين يطول به المُقام يشيخ ويتهدّم، وفي هذه الحالة فإنّه غالباً ما يدخل غرفة الإنعاش.
أروع شيء في الحب أن تعطي ولا تأخذ
العاشق هنا يشبه بائعاً خاسراً.
في البيوت الهادئة، البيوت التي تُطفئ أنوارها في المساء، وتهمد أنفاسها مثل ماعز في حظيرة، غالباً ما يضجر الحبّ. الحب ابن براري يحتاج هواءً طازجاً كي يتنفّس، سماءً عاليةً كي يحلّق فيها، وليلاً حالكاً يخبّئ في جوفه العشّاق ويمكّن أصابعهم من قطف الثمار المحرّمة.
في الحب يبدو كلّ شيء جميلاً وفاتناً، حتى اليأس فإنّه يتقدّم منك بعينين حالمتين ويبتسم.
لحظة الحب لحظة سريعة وخاطفة، ولكنّها لحظة مكثّفة وعميقة، لكأنها الأبديّة كلّها وقد ارتعشت بين يديّ العاشق كزهرة غامضة ولدت للتّو.
كثيراً ما تساءلت عن سرّ العلاقة التي تربط بين الحبّ والورد. في عيد الحب يتبادل العشّاق الأزهار، ويلتقون مفتونين بتلك الطيور الصغيرة الملوّنة التي ترعش بين أيديهم وتهدل بالروائح. آه تذكّرت، فالأزهار التي تهدى قد تكون بمثابة قلوب رمزيّة.
إذا صادفت الجمال في الطّريق مرّةً ولم تمتدحه ولو بتلويحةٍ صغيرة أو ابتسامة، فمدّ أصابعك بقوّة إلى صدرك وانتزع قلبك القاسي، وارم به بعيداً. اقطف زهرةً صغيرة وازرعها مكانه، فلعلّ الجمال يسامحك على جريمتكَ الشنعاء ويصفح عنك.
من قال إنّ المرأة الواحدة يمكنها أن تلخّص جميع النّساء؟ ذلك القول أعتقد أنّه خطأ شعري شائع، فالمرأة التي نحبّها هي بمثابة قوس صغيرة ندلف منها إلى قارّةٍ عظيمة اسمها الحب.
كلّ امرأة موجودة في الحياة لكأنّها المرأة الوحيدة في الكوكب. كل امرأة لها ظلالها وروائحها وحضورها الخاص الذي لا يشبه حضور باقي النّساء. ولهذا يدور العاشق كالممسوس في هذه الحديقة الكونية المشتعلة بالغبطة. ما من امرأة إلا وتغويه، ما من امرأة إلا وفي أعماقها سرّ من أسرار الحب لا بدّ من الوصول إليه. ألهذا هتف رامبو ذات حيرة قائلاً: "وأودّ لو أجمع شفاه جميع النساء في ثغرٍ واحد، إذن لقبّلتهُ واسترحت"؟
الحب لا يعترف بالعرقيّات ولا بالحدود
الحبّ لغة كونية أشبه ما تكون بالموسيقى.
الحب مطر من شدّة هطوله يفيض إناء الجسد.
الحب بئر طافحة بالعسل وفمها مختوم بوردة.
الحبّ فنٌ آخر، مثله في ذلك مثل الشعر والتشكيل. وكي نحب لا بد لنا من تدريب أرواحنا على الحبّ. وحتى يحبّ العاشق جيّداً لا بدّ له أن يعرف كيف يتأمّل معشوقه، كيف يبث له حنينه ولواعجه، كيف يلمس ناره ويبكي بين يديه. لهذه الغاية قدّم لنا الشاعر العظيم أوفيد عصارة تجربته في كتاب فريد من نوعه أسماه (فنّ الهوى).
إذا تقطّعت بك السّبل يوماً، وخانك الحب، فاقذف بقلبك وطيّره في العاصفة، فلعلّه يسقط على امرأة أخرى في أرض أخرى.
بقلم
يوسف عبد العزيز