من الحياة

alwafi2008

كاتب جيد
ولكم في الصيام حياة!!



عُرِف عن رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل أهل بيته في الصباح عن طعام يفطر عليه، فيجيبونه: لا. فينوي الصيام، ويستقبل يومه بعزيمة قوية، وهمة عالية، صافي النفس، راضٍ بما قدره له ربه عز وجل.
إنها لقدرات نفسية نبوية عظيمة، جديرة بالتقدير والإجلال، أن يواجه المرء شظف العيش، وقلة الزاد، بإشراقة وجه، ورضا نفس، مؤدياً واجباته على أكمل وجه، هازماً لشهوات نفسه، منتصراً على هواه!!
ولله در علي بن أبي طالب ـ كرَّم الله وجهه ورضي عنه ـ عندما قال: «اسْتغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره».
ترى ـ أخي القارئ الكريم ـ هل يستقيم على هذا المنهاج إلا مَنْ يحسنون الصيام؟ أيلتزم بهذا النهج القويم إلا كل محبٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقتد بسلوكه، متبع لسنته؟
ما أحوج أمتنا إلى أن تتقن فن الصوم، وأحوج بها أن تنأى بنفسها عن عبادة الشهوات والأجساد، وتقبل على عبادة الله الواحد الديان، فتتقن تلك العبادة، فتكسر قيود الذل، وتحول ضعفها إلى قوة، وذلها إلى عزة، وتبعيتها إلى سيادة!!
إن أهم ما يميز حضارة الإسلام أنها وازنت بين احتياجات الروح ومتطلبات الجسد، على عكس ما غرقت فيه الحضارات الأخرى، حيث انحرف بعضها تارة، وتحيّزت إلى شهوات الجسد حتى عبدته عبادة، ولَبَّتْ شهواته ونزواته دون أية ضوابط، حتى أهلكت ذلك الجسد. كما انحرفت بعضها تارة أخرى حتى أفرطت وأجهدت الجسد وحرمته من نعم لم يحرِّمها خالق الأجساد ومصوِّرها سبحانه.
إن الصيام عبادة عظيمة، ذلك أنها تغذي الروح وتصلح الجسد معاً، وليس ذلك من عاقل ببعيد، فقد شهد بذلك أبناء الإسلام وأعداؤه.
وما أكثر الآيات التي تحثنا على التحرر من شهوات الجسد، وكأن المنظومة القرآنية مجتمعة تركز على تحقيق ثمرات الصيام المفيدة؛ فقد نفَّرنا الحق سبحانه وتعالى من صفات الكافرين في قوله تعالى:
BRAKET_R.GIF
$ّالَّذٌينّ كّفّرٍوا يّتّمّتَّعٍونّ $ّيّأًكٍلٍونّ كّمّّا تّأًكٍلٍ الأّنًعّامٍ $ّالنَّارٍ مّثًوْى لَّهٍمً >12<
BRAKET_L.GIF
(محمد).
وتوعَّد هذا الصنف من البشر، فقال عزَّ وجل:
BRAKET_R.GIF
ذّرًهٍمً يّأًكٍلٍوا $ّيّتّمّتَّعٍوا $ّيٍلًهٌهٌمٍ الأّمّلٍ فّسّوًفّ يّعًلّمٍونّ (3)
BRAKET_L.GIF
(الحجر).
والابن البارّ لا ينسى من أغوى أباه، ولا ينسى أيضاً ذلك الطريق الذي اتبعه العدو لغواية أبيه، ومن ثمَّ يحذر عدو أبيه. وقد قصَّ القرآن الكريم على بني آدم كيف وسوس الشيطان إلى آدم وأخرجه من الجنة، وقد قامت خطة إبليس ـ عليه لعنة الله ـ على تزيين الأكل لآدم وحواء، ولندع القرآن الكريم يسجل هذه الحادثة في سورة طه، قال تعالى:
BRAKET_R.GIF
$ّلّقّدً عّهٌدًنّا إلّى» آدّمّ مٌن قّبًلٍ فّنّسٌيّ $ّلّمً نّجٌدً لّهٍ عّزًمْا>115< $ّإذً قٍلًنّا لٌلًمّلائٌكّةٌ \سًجٍدٍوا لآدّمّ فّسّجّدٍوا إلاَّ إبًلٌيسّ أّبّى >116< فّقٍلًنّا يّا آدّمٍ إنَّ هّذّا عّدٍوَِ لَّكّ $ّلٌزّوًجٌكّ فّلا يٍخًرٌجّنَّكٍمّا مٌنّ پًجّنَّةٌ فّتّشًقّى >117< إنَّ لّكّ أّلاَّ تّجٍوعّ فٌيهّا $ّلا تّعًرّى >118< $ّأّنَّكّ لا تّظًمّأٍ فٌيهّا $ّلا تّضًحّى>119< فّوّسًوّسّ إلّيًهٌ پشَّيًطّانٍ قّالّ يّا آدّمٍ هّلً أّدٍلٍَكّ عّلّى» شّجّرّةٌ پًخٍلًدٌ $ّمٍلًكُ لاَّ يّبًلّى >120< فّأّكّلا مٌنًهّا فّبّدّتً لّهٍمّا سّوًءّاتٍهٍمّا $ّطّفٌقّا يّخًصٌفّانٌ عّلّيًهٌمّا مٌن $ّرّقٌ پًجّنَّةٌ $ّعّصّى» آدّمٍ رّبَّهٍ فّغّوّى >121<
BRAKET_L.GIF
.
ثم أكرم الله آدم عليه السلام فتاب عليه وهداه، قال سبحانه:
BRAKET_R.GIF
ثٍمَّ \جًتّبّاهٍ رّبٍَهٍ فّتّابّ عّلّيًهٌ $ّهّدّى» >122<
BRAKET_L.GIF
.
وقد عاقب الله آدم ـ عليه السلام ـ ثم حذَّر ذريته، ودعاهم إلى ذكره سبحانه، وذلك في قوله تعالى:
BRAKET_R.GIF
قّالّ \هًبٌطّا مٌنًهّا جّمٌيعْا بّعًضٍكٍمً لٌبّعًضُ عّدٍوَِ فّإمَّا يّأًتٌيّنَّكٍم مٌَنٌَي هٍدْى فّمّنٌ \تَّبّعّ هٍدّايّ فّلا يّضٌلٍَ $لا يّشًقّى» >123< $ّمّنً أّعًرّضّ عّن ذٌكًرٌي فّإنَّ لّهٍ مّعٌيشّةْ ضّنكْا $ّنّحًشٍرٍهٍ يّوًمّ پًقٌيّامّةٌ أّعًمّى >124< قّالّ رّبٌَ لٌمّ حّشّرًتّنٌي أّعًمّى» $ّقّدً كٍنتٍ بّصٌيرْا >125<قّالّ كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تٍنسى >126<وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى>127<
BRAKET_L.GIF
(طه).
ما أحوجنا إلى أن نستمد القوة والثبات من رسولنا العظيم يوم أن كلف بتبليغ الرسالة من ربه عز وجل، فبلغها وأدى الأمانة، وصدع بالتوحيد، ولم يخش في ذلك لومة لائم، فلما ساومه صناديد الشرك، وحاولوا إغراءه بالجاه والسلطان والمال وغير ذلك من حطام الدنيا آثر الصوم على ذلك كله، وعلمنا أن نصوم عن الشهوات، وأن نتقن هذا الفن لنسود ونقود.
ما أحوجنا إلى أن نستلهم القوة من صوم رسولنا العظيم عن مسقط الرأس والوطن، وما أدراك ما الوطن! فحبه يجري في الدماء والعروق، لكنه صلى الله عليه وسلم من أجل تبليغ الرسالة وأداء الأمانة تركه وهاجر إلى المدينة المنوَّرة، ولم ينس أن يلقن البشرية درساً في حب الوطن، فوقف وهو مهاجر، ونظر إلى مكة يخاطبها خطاب الحبيب للمحبوب: «والله إنك لأحب بلاد الدنيا إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت»... فهل هناك أغلى من الوطن الذي نفديه بالدماء والأرواح؟!!
ما أحوجنا إلى أن نصوم صيام رسولنا العظيم عما يتمتع به طلاب الدنيا العازفون عن نعيم الآخرة، فقد أشفق أصحابه عليه وكم ترك الحصير القاسي ـ وهو فراشه صلى الله عليه وسلم أثراً في جسده الشريف، فأرادوا أن يهيئوا له فراشاً ناعماً مثل فُرش ملوك الروم والفرس، فرفض صلى الله عليه وسلم ، وفضَّل ما عند الله عزَّ وجلَّ.
ما أحوجنا إلى أن نتأسى به في غزواته وسراياه، وقد ترك نعيم الدنيا، وأقبل على الجهاد في سبيل ربه، ليحول ظلمات العالم نوراً، وظلمه عدلاً، وضلالاته هداية.
ولقد نجح في تربية أصحابه رضوان الله عنهم على ذلك، فكان الواحد منهم أمة، فهذا واحد منهم قد علم أن ما بينه وبين الجنة إلا أن يجاهد فيستشهد، فيزف زفاً إلى الجنة، وكانت في يده تمرات، فاستطال أن يمكث حتى يأكل هذه التمرات، فألقاها وصاح صيحة الأسود في الغابات، وقاتل المشركين في شجاعة، حتى نال مناه!!
وتربيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم، عقب غزوة أحد موقف لا يُنسى، إذ طلب منهم الخروج واشترط ألا يخرج إلا مَنْ شهد غزوة أحد، ولم يستثن من ذلك الجرحى، فرباهم على علو الهمّة في جميع الأحوال، وتحت أصعب الظروف، لأنهم هم الجيل الذي سيقيم الأمة، وينشر الدين في ربوع المعمورة.
وقد يقول قائل: على رسلك يا أخي، أنت تتحدث عن مثاليات لا يمكن تحقيقها إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. فأين نحن من هؤلاء؟!!
وحسبي أن أحيل من يقول ذلك إلى وصية أبي عثمان النوري لابنه، وقد أثبتها الجاحظ، التي يقول فيها النوري لابنه موصياً: «يا بني، كل مما يليك، واعلم أنه إذا كان في الطعام لقمة كريمة أو شيء مستظرف، فإنما ذلك للشيخ المعظَّم، أو الطفل المدلَّل، ولست واحداً منهما. يا بني، عوَّد نفسك مجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش كالسباع، ولا تقضم كالبغال، ولا تلقم لقم الجمال، فإن الله جعلك إنساناً، فلا تجعل نفسك بهيمة، واعلم أن الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت، ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة؛ لأنه قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأمُ من قاتل غيره. يا بني، والله ما أدى حق الركوع والسجود ممتلئ قط، ولا خضع لله ذو بطنة، والصوم مصحة، والواجبات عيش الصالحين. يا بني، قد بلغت تسعين عاماً ما نقص لي سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول، وما لذلك علة إلا التخفف من الزاد، فإن كنت تحب الحياة فهذه سبل الحياة، وإن كنت تحب الموت فتلك سبيل الموت، أبعد الله غيرك».
وما قائد الهند «غاندي» من عصرنا ببعيد، إذ استطاع أن يحارب بريطانيا العظمى عندما قاد شعبه في حرب مقاطعة الإنتاج الإنجليزي، حتى اضطرت بريطانيا للتفاوض معه بعد إلحاق الخسائر الفادحة بها.. وهذا نوع من الصوم تحتاج إليه أمتنا تجاه من يناصبونها العداء، ويضربونها بمناسبة وبغير مناسبة.. أليس «غاندي» وقومه بشراً؟!!
يقول الشيخ الغزالي ـ يرحمه الله ـ في هذا السياق:
تجتاح الناس بين الحين والحين أزمات حادة، تقشعر منها البلاد، ويجف الزرع والضرع، ما عساهم يفعلون؟ إنهم يصبرون مرغمين أو يصومون كارهين، وملء أفئدتهم السخط والضيق.. وشريعة الصوم شيء فوق هذا، إنها حرمان الواجد، ابتغاء ما عند الله، إنها تحمُّل للمرء ومنه مندوحة، لو شاء، ولكنه يخرس صياح بطنه، ويرجئ إجابة رغبته، مدخراً صبره عند ربه، كيما يلقاه راحة ورضا في يوم عصيب..
BRAKET_R.GIF
ذّلٌكّ يّوًمِ مَّجًمٍوعِ لَّهٍ پنَّاسٍ $ّذّلٌكّ يّوًمِ مَّشًهٍودِ >103<
BRAKET_L.GIF
(هود).
وربط التعب بأجر الآخرة هو ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»!
إن كلمتي «إيماناً واحتساباً» تعنيان جهداً لا يستعجل أجره، ولا يطلب اليوم ثمنه، لأن باذله قرر حين بذله أن يجعله ضمن مدخراته عند ربه.. نازلاً عن قوله:
BRAKET_R.GIF
ذّلٌكّ پًيّوًمٍ پًحّقٍَ فّمّن شّاءّ \تَّخّذّ إلّى» رّبٌَهٌ مّآبْا >39<
BRAKET_L.GIF
(النبأ).>


منقووووووووول
 
المواضيع المتشابهة

دانا

كاتب جيد جدا
رد: من الحياة

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ....

موفق بإذن الله ... . لك مني أجمل تحية
 

دانيال

المدير العام للموقع
طاقم الإدارة
رد: من الحياة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكرك اخي الكريم
 

مواضيع مماثلة

أعلى