قرأت لك : أخون نصفي الآخر !!

المهاجـر

كاتب جيد
salam.gif

قرأت لك
أخون نصفي الآخر !!
نادين البدير
22.gif

في خطاب شهير، قال جون كيندي لمواطنيه :
«لا تسألوا ماذا قدمت لكم أميركا بل ماذا قدمتم لها» .
الوطنية هناك مختلفة عن الوطنية بعالمنا القصير ،
الوطنية بعالمهم تتطلب من الفرد تقديم الكثير مما يستطيع الوطن استيعابه والسماح به ...
تتطلب المشاركة في الوطن وبمؤسساته وجمعياته الأهلية ،
بتقديم الأفكار، بالخلق، بالنقد، بالتركيز على الفكر الفردي لا الجماعي .
بتنمية روح الثقة والمسؤولية بين الصغار ، بمنح الجميع الحرية الشخصية التي تكفل لهم تكوين حياتهم بالطريقة التي يحددها الفرد لا المجموع . تلك الحريات الواسعة والمشاركة الواجبة تدفع المواطن حتماً لمطارحة وطنه الغرام .
عندنا يطلب الوطن شيئا مختلفاً ، يطلب منك الكثير مما لا يمكنك تقديمه إلا في حالة واحدة ، حين تخصي عقلك وتتحول لأحد غلمان سيدك الوطن ، يغتصبك متى شئت أنت وكل أهل دارك ...
الوطنية تحتم أن تصمت وألا تتدخل بشؤون المكان الذي يطلق عليه وطن ، فلا تحق لك المشاركة بصناعته ، والحريات المسموحة قدرها صفر .
السيد الوطن يحرمك من أساسيات الحياة ورفاهيتها ، يحبسك ، ينهال عليك ضرباً ، لأنك حاولت التدخل بالشأن الأعلى ، فما أنت سوى مارق على أرضه ، ولك فقط حق التدخل بشأنك الحقير المتعلق بأكلك وملبسك ،
السيد الوطن يهين وعيك البشري ثم يأمرك بأن تموت لأجله .
كيف وقعنا بحب الوطن ؟ وطن لا نشارك به ، لا نعرف عنه شيئاً .
متى قبلنا أن نموت لأجله ؟!
تفكر أعداد في الهجرة أو تحلم بعقد عمل في الخارج رغم الحديث عن الحب الكبير ، يتعذرون بأن مقصد سفرهم مادي لا أكثر . وما ان تلوح فرصة الاستقرار بمكان ، أي مكان ، حتى يغدو الوطن صوراً وذاكرة عن الحي والمدرسة والشارع والأم والعائلة وأشياء جميلة ليست بشعة .
لا أحد يريد الاعتراف بأنه عاش الغربة في وطنه ، بذكريات مرهقة .
فقط أحاول معرفة نوع العلاقة العاطفية التي تربطني بالوطن .
ركز على أي بلدة عربية صغيرة ، على أي مجتمع أو وطن عربي ،
ستجد منحى العلاقة يسير باتجاه واحد ، حب من طرف واحد . أخْذ دون عطاء أو نذر يسير من العطاء ،
كالأمن ، يضمن استمرارك بالبقاء على قيد الحياة لتأليف المزيد من أشعار التغزل بالوطن وتلحين أكبر عدد من أغاني عشقه ومجده وخلوده .
تخدم المكان بكل جوارحك لأجل أهداف الولاء والانتماء والتضحية ... إلخ ،
تهب المكان كل شيء ولا تنتظر منه شيئا .
وحين لا يعطيك ، وحين لا تشعر بحبه لك أو إحساسه بوجودك ، تعلل أنانيته بانشغاله وبتغليبه مصلحة المجموع على مصلحة الفرد .
هذا هو تفسير عدم فهمك لتطاوله بتهميشك .
إلى سكان وساكنات الأوطان العربية... ما طبيعة العلاقة التي تربطكم بالأوطان ؟
احتمالات تقسيم السودان عما قريب تدفع للتساؤل عن معنى الوطن ومغزى الدفاع عن بقية الحدود العربية .
حين ينقسم السودان سيتخلى أهل الشمال عن حب وطن الجنوب والعكس صحيح .
إذن يمكن للوطن أن يتغير ، ويمكن لمشاعرنا أن تتبدل ، فتمنح لوطن جديد .
ردود أهالى قرية الغجر الرافضة خروج المحتل الإسرائيلي تثير التساؤل عن تعريف الوطن . أهالي القرية يعرفون ماذا سيقدم لهم بالمقابل ... ليس هناك تعليم ، اقتصاد متردٍ ، دولة لا سيادة لها ، تناحر أهلي ، طائفية .
بواقعية ودون شعارات شمطاء : ما الذي سيشدهم للمكان ؟
(البدون) الذين يسكنون الخليج وترفض دول الخليج منحهم جنسياتها ، يعيشون دون أي مقومات حياة حتى إنهم ممنوعون من استخراج شهادة وفاة أو زواج أو ميلاد ، ممنوعون من التعليم ، ومن العلاج ، ومن أي ضمان .
باختصار يعيشون على الهامش كالمنبوذين في الهند ، لكن منهم من ذهب لأوروبا ومختلف العالم . فتحت لهم المدارس والجامعات وحصلوا على مناصب وظيفية وحكومية وأكاديمية ، ومُنحوا جنسيات عالمية (محترمة) ... فأين هو وطنهم الحقيقي ؟
هكذا كثير من العرب رحلوا عن ديار تعمها المصلحة العليا واستوطنوا ديارا تهتم بتفاصيل حياتهم الصغيرة كأولوية أساسية . سيجيبونك بأنهم من جذور عربية ، وستجد بداخلهم عشقاً واحداً هو عشق الوطن الذي اختارهم واختاروه ، لا الوطن الذي شعروا بأنه مجبر على استيعابهم ولم يتوان عن تذكيرهم قط بأنهم عالة عليه .
أريد وطنا يحتويني. يحميني. يقدم لي الغذاء والصحة وقسطا جيدا من التعليم ، أرى مستقبلي معه ، طاعنة لها ضمانها ، يزيح عني الخوف والقلق .
وطني يرفض أن يراني طفلة بالخامسة ، تقف منتصف الليل أبيع الورد للخارجين من الحانات .
وطني يرفض أن يراني متشرداً يسكن علب الصفيح بأحد الشوارع الخارجة على التنظيم .
وطني لا يرتضي لأطفاله المشاركة بأعباء الاقتصاد .
وطنى يقبلني كما أنا . يستوعب جنوني وأحلامي وإبداعاتي . الأهم أنه يحترمني .
وطني يحبني . لا يخون حين تكره وطنك أو تعمل ضد صالحه ، يطلقون عليك عميلا أو خائنا ، وتتم معاقبتك . لكن هو يخون .

كم وطناً عربياً وقع بغرامي مثلما وقعت بغرامه ؟
كم وطناً عربياً أشعرني بانتمائه لي ؟
كم وطناً عربياً استعد للقتال لأجلى ؟
كم وطناً عربياً سيبكي إن تركته ورحلت ؟

نعرف أننا نرحل دائما ونطيل البعاد ولا نذكره وقف يوماً يلوح لنا ولو من بعيد .
توهمنا أنه يصيح . لم يكن السيل دمعاً . كان سراب الوطنية يجري على خدوده المنتفخة من شقائنا .
من زاوية متعبة ...
نحن مخلصون لحدود صنعها استعمار . خرج المحتل من الأرض بعد أن رسمها وحددها .
قال لنا : هذا وطنك ، وذاك وطنك .
المستعمر القديم حدد لنا وجهة ولائنا وحدود انتمائنا .
إذا صادفنا في حياتنا أرضاً غير الأرض التي فرضها علينا الجد الأكبر ، لا نرتبط معها بتاريخ أو لغة أو عرق أو أي قومية ، لكنها فتحت لنا أذرعها ومدت لنا كل العون ، وهبنا أناسها الكثير ومازالوا يعطوننا الأكثر . ارتباطنا بهم روحياً حقيقياً لا قومياً خيالياً .
فما اسم هذا المكان الجديد ؟
هل نملك الشجاعة للاعتراف بأننا أخيراً وجدنا وطن روحنا ونصفنا الآخر ؟

22.gif

نادين البدير
كاتبة وإعلامية سعودية
 

دانيال

المدير العام للموقع
طاقم الإدارة
رد: قرأت لك : أخون نصفي الآخر !!

مرحبا اشكرك على
نقل المقالة
روعة الاحساس
متواجده دائما في كتابتك
تحياتي لك
 

دانا

كاتب جيد جدا
رد: قرأت لك : أخون نصفي الآخر !!

اشكرك على نقل
تحياتي لك
دمت بخير
 

روووح الحب

كاتب جيد جدا
رد: قرأت لك : أخون نصفي الآخر !!

بتشكرك عصام الغالي
على هالمقالة الحلوة منك
دمت بكل خير يا غالي أنت
تحياتي لروحك الطيبة
 

مواضيع مماثلة

أعلى