لي خلف المجرَآت إخوة .. وعلى الأرض أصدقآء ..

ترانيم الأمل

كاتب جيد جدا
تتشابه حقائب السفر
التذاكر
المطارات
تتشابه حجرات الفنادق
وليالي الوحدة
في ظل قمر غريب
تتشابه بطاقات الأصدقاء
أمطار الشتاء
المقاهي
المتاجر
وجوه الناس في الزحام
وحدي أنا الغريبة
لا اشبه احداً". (الغريبة)
يبدو أن الإحساس بالغربة سيلازم سوزان حتى الصفحات الأخيرة من المجموعة، ولربما دفعنا هذا إلى التساؤل: من أين لكل هؤلاء النساء الشواعر بكل هذا الحزن الذي في قصائدهن؟ تجيب سوزان بنبرة أقرب ما تكون من نبرة جندي قديم:
نجونا"
من الغربة
بأعجوبة
نجونا بقصائدنا" (أصدقاء)
خلاص شعري من هذا الصنف قد يعفي المخيلة من الشروخ، وقد يحفظ للذاكرة وقارها حتى ساعات متأخرة من العمر: فالنجاة من الغربة في هذه الأزمنة الرديئة معجزة كبرى لا يطالها الشعراء دائماً... بل بالعكس، ربما كانوا من أكبر ضحاياها. ولذلك فهذه الحرب التي تدور في خلد الشاعرة هي حرب لا تشبه أي حرب أخرى أيضاً. وهي بالمناسبة حرب لاهوادة فيها إلى درجة أن الغريب من الوحدة بحيث إذا درج الناس على الألفة أصيب هو بالكآبة والعزلة... غير أن غربة الناس ليست واحدة ولا تتم استساغتها على المنوال ذاته.
غربة الشاعر أفدح دائماً وأدعى للأسف، وإلا لماذا هذا الحنين الفاجع إلى العودة رأساً إلى الماضي كلما تعلق الأمر بنبش تذكار قديم، هنا مثلاً:
"ليتني كنت حين كانت أمي
طفلة حزينة
تحتاج إلى صديقة في مثل حزنها
ليتني كنت هناك
اقاسمها وحدتها
يتمها
ليتني كنت أكبر منها
قليلاً
لأكون أمها" (أزل)
يتأرجح هذا العمل الشعري بشكل ما بين الماضي كترجيع حميمي لأحزان خاصة جداً وبين الحاضر كنتيجة لا تعدو أن تكون وحدة عارمة. تتحمل الشاعرة هذا النصيب الوافر من العزلة وتعيد ترتيبه وفق ما تجده الذاكرة ملائماً:
"صديقتي
ترى ذكرياتها
أشباحاً
أنا أراها ملائكة
وهناك من لا يراها" (ذكريات)
هذا كل ما يتبقى في المحصلة، الكثير من الذكريات، كما لو أن الشاعر منذور أبداً لكي يعيش الكثير من الأعمار بقليل من الحظ دائماً. تكرر كلمة "ملاك" في كثير من قصائد المجموعة، هذا الإيحاء الغامض بوجود كائنات سرية تقطن الديوان يبدو إيحاء غريباً رغم ما تبديه القصائد أحياناً من انشغالات سماوية، لكن أمور العالم السفلي تتغلب على القصائد بحصص ثقيلة دائماً:
"لماذا لا تفاجئني
وتحرك مقبض الباب
فالستائر
فعدة القهوة
وجهاز التسجيل؟
لدي صمت كثير
وبن رائع
واسطوانات مجنونة
أعرف أنك تحبها." (كنقطة عتمة في الضوء)
ليس ثمة من ادعاء للنبوة إذاً، يقتصر الأمر على ادعاء فادح بالوحدة، وعلى كل حال فثمة إيقاع سري يعبر بخطواته الصموتة أرجاء القصائد الفارغة من أي صديق، ليس شيئاً آخر في النهاية سوى إيقاع السلام الداخلي الذي تحدثه العزلة بجلوسها الحكيم في ردهات الروح، بشعرها المرسل وفمها الأصغر دائماً من أي كلام:
"لو أن
هذا الدب القطني الحزين
يبتسم
لو أن
هذه الأزهار الذابلة
تبتسم
لو أن صورتك العابسة
فوق الجدار المعتم
تبتسم
أنام الليلة." (احتمالات مستحيلة)
مطالب سوزان الوجودية بسيطة جداً وغير مكلفة، هي تطلب فقط ابتسامات مستحيلة لكي تنام. "بما أن هذه الابتسامات تبدو غير قابلة للتحقيق فإن النوم الجميل سوف يزور نساء أخريات غيرها. بينما هي ستظل في كامل يقظتها إلى أن يتحقق لها ما تريد من الدب القطني الحزين والأزهار الذابلة والصورة المعلقة على الجدار... لنقل أنها ستظل يقظة بعيون أخرى غير تلك التي زارها النوم في أسرة النساء الأخريات، أولئك اللواتي ينمن بلا كسور في السريرة، أما هي فإنها داخل هذا الإطار تبدو:
"نائمة على الأرض
كأميرة
لكن الأقزام السبعة
لا أثر لهم في الحجرة" (التفاحة المسمومة)
من ألقمها التفاحة المسمومة إذاً؟ ومن أيما باب من أبواب الحكاية فر الأقزام السبعة إلى غابتهم وتركوا أميرتهم الجميلة عرضة لهذا النوم السحري والأبدي؟
لا أحد يعرف، مثلما لا أحد يتمنى أن ينتهي الديوان هذه النهاية الحزينة، حيث تطل الشاعرة على موتها من الطابق الثالث للعتمة:
"من الطابق الثالث
للعتمة
أطل على موتي
أمي نجمة شاحبة
أصدقائي
مصابيح مكسورة
تبكي على الجسور
أحبهم جميعاً،
لكن العتمة
تغريني". (انتحار)
ومع ذلك لا أحد يموت بسبب القصائد، ربما حدث ذلك بسبب الغربة، غربة ملاك فوق الأرض مثلاً، ملاك له خلف المجرات إخوة
 

SONDA

كاتب جيد جدا
رد: لي خلف المجرَآت إخوة .. وعلى الأرض أصدقآء ..

اي سويت
ما مبين شي...
 

المستحيل

كاتب جيد
رد: لي خلف المجرَآت إخوة .. وعلى الأرض أصدقآء ..

92.gif

69.gif

76.gif
 

مواضيع مماثلة

أعلى