حكاية الرجل الذي أجاد دوره .. قصة رعب كاملة ج2

الببر

كاتب جيد

( ستيفن ) الممثل الأمريكي الذي يقوم بدور خادم ( دراكيولا ) يقف وسط الشباب .. يلوح بيده طالبا الصمت :

( لحظة يا شباب .. هناك لعبة مرحة ستضفي إثارة على الأمسية .. )

قالها بالانكليزية .. و اتسعت عيناه كأنما يخيف طفلا ، فصاحت فتاة :

( هل ستمارس السحر الأسود ؟ )

( تقريبا .. )

و ببطء بدأت الطقوس .. ذبح الطائر .. الشمعة السوداء .. النجمة الخماسية اللعينة على الأرض .. ثم وقف ستيفن عند رأس التابوت و فرد ذراعيه .. و بدأ يتكلم بالرومانية .. لقد كان يحفظ ما يقال عن ظهر قلب ، و إن كان بالطبع لا يفقه منه حرفا .. فقط كان يعرف متى يتحمس و متى يخفض صوته إلى درجة الهمس .. الخلاصة أنه بدا ممثلا شيكسبيريا يؤدي دورا لا يعرف حرفا واحدا عنه ..

و شعر الواقفون بتلك الرجفة التي خلقت فينا منذ مشينا على ظهر الأرض .. الرجفة الوحشية الأولى التي تشعر بها و أنت تمرر يدك على ظهر قط متوتر لسبب ما ..

الحق أن تأثير صوت الرجل و كلماته التي يستحيل فهمها .. مع الإضاءة الخافتة .. و الصمت التام عدا ذلك .. كل هذا كان له تأثير التنويم المغناطيسي ( المدوخ ) .. و بدا أن كل من يقف أمام الكاميرا أو خلفها يعاني الشيء ذاته ..

هل كان هذا تمثيل ؟ لقد ود ( جوناثان ) لو يقول هذا و يصف الممثل بأنه عبقري ن و يصف نفسه بأنه أفضل مخرج عرفه ، لكنه كان يعرف ما هو أفضل ..

ثمة شيء ما لا يريح في هذا كله ..

هنا فقط سمع الجميع صوت الأنين ..

و بدأ غطاء التابوت يتحرك ..

كري ي ي ي !

صرخت إحدى الفتيات و قد أفزعها المشهد ، و ارتجف ( ستيفن ) ذاته و بدت عليه علامات الغباء ..

( اقطع )
كذا صاح ( جوناثان ) و قد أدرك أن التناغم الأولي للمشهد قد فسد ..

و هب الجميع إلى التابوت الذي انفتح إلى النصف الآن .. و تعاون الرجال على إزاحة الغطاء الثقيل ليخرجوا ( أولاف ) منه .. كيف انفتح هذا الغطاء الثقيل الذي لا يستطيع إلا ثلاثة رجال زحزحته ؟

خرج ( أولاف ) من التابوت .. و بدا كأنما هو مذعور أو مذهول ، لذا طلب منهم الإذن و ابتعد مسرعا ..

و هتفت المساعدة في عصبية :

( لماذا أوقفت التصوير ؟ كان من المفترض أن ينفتح التابوت .. )

نظر لها جوناثان نظرة ذات معنى و قال :

( كان الغطاء سينفتح قليلا ، لكن ليس في هذه اللحظة بالذات .. و كان سينفتح بأيدي العمال الذين يشغلون الرافعة و ليس من تلقاء ذاته ..! )

*******************************
في اليوم التالي اختفى ( أولاف ) تماما ..
لقد بحثوا عنه كثيرا ، و ذهب مساعد المخرج إلى البلدة فلم يجده ..

كان ( جوناثان ) الآن في أسوء حال من التوتر و العصبية .. لقد انتزع أكثر شعيرات لحيته شبه النامية .. لقد اختفى الممثل الرئيس ، و معنى هذا أن كل ما تم تصويره لم يعد ذا جدوى ..

طلب الشرطة لكنه كان يعتقد أنهم يستقلون شأنه .. هم لا يهتمون إلا بالحوادث ذات الشأن ، لكنهم لا يحترمون كثيرا هؤلاء السادة المترفين الذين يبحثون عمن يؤدي دور ( دراكيولا ) ..

و اتصل بالولايات المتحدة ليخبرهم بالكارثة ، فانهالت عليه الصواعق .. عبثا حاول إفهامهم أنه لم يقتل الرجل و لم يخفه في جيبه .. لكن العمل هو العمل ، لا مجال للعواطف أو الأعذار ..

و عبر المحيط سمع المخرج يزأر من دون حاجة للهاتف :

( و ماذا تنتظر يا أحمق ؟ ابحث عن ممثل آخر فورا ، و عليك أن تعيد تصوير كل هذه اللقطات في زمن قياسي .. إنك متأخر عن جدولك أصلا ، و إني لأتوقع منك معجزة .. )

سأفعل يا ( و يلي ) ..

لكنه بشكل ما أدرك أنه انتهى .. لن يعهدوا له بفيلم عن بالوعات المجاري فيما بعد .. هذا الارتباك الذي لا ذنب له فيه لا يفعل إلا أن ينثر الغبار من حوله .. و مع الغبار لا يستطيع أحد أن يعرف من هو المخطىء ..

و هكذا جلس مع مساعدته يحاولان إنقاذ ما يمكن إنقاذه ..

بعض اللقطات لم يظهر فيها ( أولاف ) و هذا جيد .. المشهد الكارثي يكن مفروضا أن يظهر فيه ( أولاف )
إلا كلمحة عابرة .. هذا شيء يمكن إنقاذه بالمونتاج دون إعادة تمثيل الحفل الصاخب ثانية ..

قال لها و هو يتأمل ما ينبغي أعادته من لقطات :

( أعتقد أننا سننجح .. لكننا قد عدنا إلى نقطة البحث عن ممثل .. )

( سنجد واحدا ، لكن سيكون عليك أن تتنازل قليلا .. لم نعد نملك كل الوقت كما كنا في الماضي .. )

( إن جدتي تصلح للدور .. فلو استطعت أن آت بها لأنقذت الموقف ، لكنها متوفاة منذ عامين .. )

هكذا عادت الحياة إلى انتظامها ما عدا عملية البحث المحمومة عن رجل يصلح لأداء دور الكونت ..

و في اليوم الخامس ظهر ( أولاف ) من جديد ..

- 3 –

قال ( مازن ) :

كان ظهور الرجل دراميا ، حتى شعر ( جوناثان ) بأنه موشك على البكاء .. فلولا الوقار لارتمى في أحضان الرجل و بكى ساعتين على كتفه .. فما إن انتهت إجراءات الترحيب ، حتى سألوه عن سبب اختفائه غير المبرر .

اكتفى الرجل بأن هز رأسه بوقار و ابتسم :

( إنها أسباب دينية يارئيس .. )

( دينية ؟ )

( أنا أنتمي لجماعة تمارس ديانة خاصة لا يعترف القوم بها هنا ، و هذه من مناسباتنا الدينية التي نعتزل بها في جبل ( زاراندولي ) ..

تماسك ( جوناثان ) كي لا ينفجر في الرجل .. لن يتكلم كذلك عن الشرط الجزائي في العقد .. لا يريد أية مشاكل .. إنه بالفعل تحت رحمة الرجل تماما ..

( كان بوسعك أن تخبرني .. المرء لا يذهب للتعبد فجأة .. )

( لابد أن يتم التعبد فجأة يا رئيس .. )

على كل حال لم يعد باستطاعة ( جوناثان ) أن ينفعل أكثر من هذا حتى لا يموت بنوبة قلبية .. و قد حاول عبثا إقناع نفسه بأن أسوء ما في الموضوع قد مر ..

و من جديد عاد النشاط إلى عالم التصوير ..

في اليوم التالي كان ( جوناثان ) مشغولا بالعمل ، حين سمع الرومانيين يتهامسون و ساد جو عام من القلق ..ثمة مشكلة ما لا يعرف ما هي ..

( هيه ! ( إيزاك ) ! ماذا هناك ؟ )

دنا منه الفتى و هو يجفف عرقه بمنديل عملاق ، و بصق على الأرض ليظهر انهماكه و قال :

( جثة يا سيدي .. )

( آه حسبت الأمر مقلقا .. )

ثم تنبه لخطورة ما قاله الفتى ، فعاد يستزيده من التفاصيل .. قال هذا و هو يشير لما وراء الأطلال :

( جثة أحد الكهربائيين الرومانيين .. وجدوها صباح هذا اليوم خلف هذا الطلل ..من الواضح أن الوفاة غير طبيعية .. )

( و هل طلب أحدكم الشرطة ؟ )

( إنهم في الطريق .. دعني فقط أشرح لك كيف أن الوفاة غير طبيعية .. لقد وجدوا ثقبين في عنق الرجل هنا .. )

و أشار إلى عنقه حيث الوريد الودجي ، و أردف :

( ثم إن الجثة خالية من الدماء ! )

هنا – كما نتوقع – جن جنون المخرج ، فصاح و هو يمسك الفتى من سترته :

( كف عن السخف .. ليس لأننا نمثل فيلما عن مصاصي الدماء تأتي لتقول .. )

( أنا لم أقل شيئا يا سيدي .. الجثة هي التي تقول .. )

و هرع جوناثان يشق زحام الأهالي الواقفين .. ليجد بين أقدامهم تلك الجثة التي لن تصدق وجودها ما لم ترها .. كانت جدة جوناثان قد أصيبت بسرطان المعدة ، و كانت تنزف دمها كل من الفم و الشرج .. يذكر وجهها في آخر أيامها حين كان يخاف الدخول إلى حجرتها في دارهم .. هذا الوجه المصفر الذي لو اعتصرته لما سقطت منه قطرة دم واحدة .. العينان الغائرتان الجاحظتان .. إن المشهد الآن يتكرر لكن ما يجعله مرعبا بحق هو هذان الثقبان في العنق ..

هل مصاصو الدماء حقيقيون ؟ نعم هو يعرف أنهم حقيقيون .. لكن ليس بالشكل الأسطوري الذي تراه في السينما أو تقرأ عنه في القصص .. ليسوا وطاويط آدمية تنام النهار و تصحوا ليلا .. و تموت لو غرس وتد في صدورها .. هم مرضى نفسيون يحبون مذاق الدم لا أكثر و لا أقل .. بعض حالات ( البورفيريا porphyria ) تحتاج إلى الحديد و تحصل عليه بشكل شنيع .. فلو أضفنا لهذا ملامح مريض البورفيريا الشاحب ذي الجلد المتسلخ ، و العينين الحمراوين ، و الشحوب البالغ و الأسنان المدببة و الخوف من الضوء ، لأمكننا أن نعرف من أين ولدت أساطير مصاصي الدماء و المذءوبين ..

كان الرومانيون يرددون لفظة :

( فاميري .. فاميري .. )

و هو لم يكن غبيا و لا يحتاج إلى عبقرية كي يعرف أنها تعني ( مصاص دماء ) .. هي تشبه ( فامبير ) إلى حد كبير ..

الخلاصة أنه كان يوما عصيبا خاصة حين جاء رجال الشرطة و أجروا تحقيقاتهم مع الجميع .. أين أولاف ؟ لماذا يختفي هذا الأحمق كلما احتاجوا إليه ؟

عرفوا أن الكهربائي – الذي يسمونه حسب مصطلحات السينما الأمريكية ( بالفتى الأفضل ) – شوهد للمرة الأخيرة ليلة أمس ، و قد ترك رفاقه في المعسكر و ذهب إلى الأطلال .. لماذا؟ للتبول طبعا .. لا توجد أسباب أخرى .. هناك دورة مياه هنا لكن هؤلاء الأشخاص يتبعون قدرهم بإصرار غريب ..

هكذا مرت ليلة سوداء ..

كان جوناثان في مقطورته يشعر بحق بأنه ملعون .. كل الكون خرج ليظفر به و يمنعه من النجاح .. المصادفات حيت تحتشد تجعل الأمر موحيا بعدم الكفاءة .. من الناحية الأخرى من المحيط لا يعبا أساطين الشركة كثيرا بالقصص عن اختفاء الممثل الأهم من أجل عيد ديني لا يعرفه أحد ، و لا عن مصاص الدماء الذي يتسلى بامتصاص فريق العمل .. كل ما يعرفونه أن جوناثان بيكر فشل مع أول ميزانية ضخمة تمنح له ..

في الثامنة صباحا سمع من يدق على باب المقطورة ..

فتح الباب فوجد المساعد الروماني مع رجل نحيل أسمر له شاربان طويلان شائبان يتدليان إلى جانبي فيه إلى أعلى عنقه .. و كانت ثيابه مبهرجة الألوان ، و في قدميه حذاءان برقبة .. على كتفه حقيبة يبدوا أنها ثقيلة ، و قد نزع قبعته و ضمها إلى صدره احتراما ..

قال المساعد :

( هذا الرجل من غجر التسجاني .. إنه من عرفنا منه تلك الطقوس .. يبدو أن لديه أشياء مهمة يجب أن تعرفها .. )

سمح للرجل بالدخول و هو ينظر في ريبة إلى شكله العجيب .. و تبادل نظرة مع المساعد من طراز ( ما هذه – المخلوقات – الغريبة – التي – تحضرها – لي ؟ ) .. فمط المساعد شفته السفلى بمعنى الاعتذار ..
جلس الغجري على مقعد خشبي في وسط المقطورة و بدأ يتكلم بالرومانية ، فراح المساعد يترجم :

( نحن غجر التسجاني كنا خدم الكونت دراكيولا منذ كان يدعى فلاد الولاشي و يعيش هنا .. نحن نعرف الكثير من الأسرار .. لقد منحنا الكونت ثقته .. و نحن نعرف منذ زمن أنه يحاول العودة .. و العودة قد لاحت علاماتها بشكل غير مسبوق .. نعرف أنه سيأيتينا رجلا عاديا .. و سيكون علينا أن نقيم بعض الطقوس التي نعرفها من فوق التابوت الذي سيرقد فيه .. هذا يعيد له قواه الكاملة .. هكذا يتحول إلى فاميري و يستعيد القدرة على الطيران و اختراق الحجب ببصره ، مع القوة الخارقة التي لا يصمد أمامها صامد .. )

في نفاد صبر قال جوناثان :

( هل يمكنك أن تختصر ؟ )

قال الغجري بعدما نقلت له الترجمة :

( لهذا أرجو ان تلحق بي إلى الأطلال المجاورة الآن .. هناك ما يجب أن تراه .. )

( هل يمكن أن ينتظر هذا حتى ينتهي يوم التصوير ؟ )

في ذعر هتف الغجري :

( لا .. لا .. لا يمكن أن يحدث هذا ليلا .. )

و هكذا تحرك الرجال الثلاثة عبر الأطلال .. لم تكن الحركة في موقع التصوير قد نشطت بعد ، لذا لم يسأل أحد أسئلة مريبة .. و اتجه الجميع إلى منحدر إلى منحدر وعر يقود إلى حفرة تحيط بها بقايا الحجارة .. حجارة ربما تعود إلى القرون الوسطى أو أقدم .. حين كان الرومان يحتلون هذا المكان ..

كانت هناك فتحة في جدار مهدم .. مد الغجري يده و راح يعبث حتى أزاح بعض الأعشاب و النباتات التي تسدها .. و في النهاية وجدوا أنهم يحدقون في تابوت خشبي رديء الصنع ..

تعاونوا على إخراجه من موضعه .. و هتف جوناثان و هو يتحسس الخشب بيده :

( من جاء بهذا هنا ؟ لا يبدو عتيقا .. )

مد الغجري أظفارا كالمخالب و انتزع الغطاء .. كان غير مثبت .. و في ضوء الشمس عرف جوناثان حقيقة ذلك الجسد المسجى بالداخل .. إنه أولاف .. كان نائما .. لا بل كان ميتا .. لا بل كان غير ميت ..

و على شفتيه المسترخيتين كانت قطرات من دم لم يجف بعد ..

دم ليس دمه هو ..
********************************
قال الغجري :

( كما ترى .. لقد عاد بكل قواه .. طقوسكم أعادته للحياة .. لقد حسبتم أنكم تمثلون لكنه كان بحاجة لهذه الطقوس ..و هو الآن ينام هنا صباحا و يجول في المنطقة ليلا ليظفر بأي عاثر حظ يقابله .. )

كان جوناثان يرتجف بالكامل – و من يلومه على ذلك ؟ - لكنه قرر أن يحتفظ بدور الرئيس كما كان أولاف يناديه ، و لهذا وقف ينظر إلى الجثة و سأل المساعد :

( لا أفهم .. هل هذا هو الكونت دراكيولا ذاته ؟ )

قال الغجري بعدما سمع السؤال :

( لا .. إنه تجسيد آخر له .. و قد وجدت القبر باستعمال عيني .. إن الطيور لا تحلق أبدا حيث يوجد قبر مصاص دماء .. )

و لماذا لجأ لهذه الحيلة ؟ كان بوسعه أن يجد من يقوم له بهذه الطقوس بدلا منا ؟

( لم يكن ليجد من يقبل ، و ما كان ليجد سبيلا للدخول إلى القلعة من دون مساعدتكم .. في ذلك الوقت كانت قواه لم تتطور بعد .. كان بشريا عاديا .. )

( و لماذا لم تخبرني بهذا كله ؟ لقد حصلنا على النقود منك .. أي أنك في صفه .. )

( كنت مرغما على هذا .. أما الآن فلن أحمل على رأسي دم الضحايا الذين سيهلكون .. إنني أعترف بما فعلت .. و أطالب بتصحيحه .. )

( و لماذا لا يبيت في القلعة حيث تابوته ؟ )

( لأن الزحام شديد بالداخل ، و هو معرض طيلة الوقت لمن يفتح التابوت من أجل التصوير .. )

و ساد صمت ثقيل لا يقطعه إلا صوت أنفاسهم و صوت ذباب يحوم لا تعرف من أين أتى ..

في النهاية قال جوناثان مطرقا :

( تتحدث عن إصلاح الخطأ كيف ؟ )

فتح الغجري حقيبته و ببطء _ كما يفعل بائع فخور يعرض عليك ما بجعبته من تحف _ أخرج مطرقة و وتدا و سكينا هائلة الحجم . ثم نظر إلى جوناثان متسائلا ..

هتف جوناثان في ذعر :

( أنت لن تفعل هذا ! هذه جريمة قتل ! )

قال المساعد في رفق :

( سيدي .. لا توجد محكمة في العالم تتهم هذا الراقد في التابوت بأنه مصاص دماء .. لكننا نعرف ذلك .. كلنا نؤمن بذلك .. هل لديك شك في حقيقة ما رأيناه .. )

هز جوناثان رأسه عاجزا عن الإجابة بنعم .. عاجزا عن الإجابة بلا ..

سيدي .. هذا هو الحل الوحيد ..

هتف جوناثان في رعب :

( لن أفعل هذا .. لماذا لا يفعله هو مادام مستريح الضمير ؟ )

( إنه مستريح الضمير .. لكنه حسب أنك مهتم بما حل بممثلك الأول .. إنه ميت يا سيدي و قد دفن نفسه بالفعل .. لن نفعل أكثر من أن نصحح مسار الطبيعة و نريحه للأبد .. لن يعرف أحد أننا فعلناها .. )

صرخ جوناثان و هو يدير ظهره :

( أنتما مجنونان .. )

و سمع من وراءه مساعده يقول في تؤدة :

( نحن في ترانسلفانيا و ترانسلفانيا ليست لندن )

نفس الكلمة التي قالها دراكيولا في قصة ستوكر الشهيرة ..

و سمع صوت شيء يدق على الوتد ، ثم سمع صوت العظام و هي تهشم و اللحم و هو يتمزق .. كان هذا مريعا .. لعل الصوت كان أشنع من المشهد ذاته ، لهذا راح يركض نحو المقطورة و هو يسد أذنيه ..

********************
ظل طيلة اليوم في المقطورة لا يغادرها ، زاعما أنه متوعك ، لكن مشاهد النهار لم تفارق خياله ..

و عند منتصف الليل سمع من يطرق على الباب فهتف إن إدخل .. كان هذا مساعده الشاب إيزاك .. و قد بدا راضيا عن نفسه و الحياة برغم كل شيء ..

قال له و هو يجلس على المقعد الخشبي :

( لقد أرحناه يا سيدي .. ثق من هذا .. )

لم يستطع جوثاثان أن يتخلص من فكرة أن هذا الفتى قطع رأس رجل و غرس وتدا في صدره في هذا الصباح بالذات ..

( هل دفنتموه حيث كان ؟ )

( نعم .. لكننا حشونا فمه بالثوم .. لا بد من هذا أحيانا يحرقون الجثة .. لكن هذا كان سيلفت الأنظار .. )

ابتلع جوناثان قرصا من مهدىء و قال :

( جميل .. جميل .. لقد بحثنا عمن يمثل الكونت دراكيولا وجدنا واحدا بارعا .. ثم اتضح لنا أنه مصاص دماء فعلا .. و أننا أعطيناه قدرة غير محدودة بسبب حماستنا البلهاء في التصوير .. )

( يبدو هذا يا سيدي .. )

ثم بعد قليل تساءل المساعد في كياسة :

( هل سنبحث عن ممثل آخر ؟ )

صاح في هياج و هو يضرب المنضدة بقبضته :

ألم تفهم بعد ؟ لا أريد كلمة واحدة عن هذا الفيلم اللعين ! لقد انتهى عملي هنا ! انتهت قصتي و مستقبلي ! غدا سأجد عملا في مغسلة سيارات أو موزعا للصحف ! و لا كلمة عن الفيلم اللعين !

قال المساعد في رفق :

( لا أريد أن أضايقك يا سيدي .. لقد أجاد الغجري تصور ما حدث .. لكنه أخطأ في بعض التفاصيل .. الأمر لم يكن متعلقا بمحاولة الكونت دراكيولا للعودة .. الأمر يتعلق بتلك العباءة التي كان الغجري يحتفظ بها .. )

و طوح بالعباءة لتسقط عند قدمي جوناثان و أردف بلهجته ذات الطابع شرق أوروبي :

( كانت هذه عباءة مصاص دماء فعلا .. و يبدو أنها كانت تحوي لعنة ما .. الغجري لم يكن يعرف و قد تخلى عنها لي لأنه يجهل خطرها .. فقط كان يشمئز منها و لم يجسر على تجربتها قط .. حينما جاءك أولاف لم يكن مصاص دماء .. لم يكن متآمرا .. كان مجرد شخص له منظر فريد و يريد أن يمثل في فيلم أمريكي .. لكنه بدأ يتغير مع ارتداء العباءة .. لقد بدأ يتحول بالتدريج ، و لم يكن لتلك الطقوس أي دور .. برغم أنها جعلته يفتح غطاء التابوت بقواه المخيفة .. و الآن انظر لي يا سيدي .. )

رفع جوناثان وجهه ليرى أشنع منظر رآه في حياته .. لقد تغير وجه إيزاك بالكامل .. هل كانت أذناه بهذا الطول ؟

منذ متى كان له نابان يوشكان على تمزيق شفته السفلى ؟

قال إيزاك و هو يبتسم تلك الابتسامة القذرة التي تجيدها المسوخ :

( أنا جربت العباءة أمام المرآة على سبيل الدعابة .. و من هنا عرفت السر .. و قد اكتمل تحولي الليلة .. )

و ثب جوناثان فوق فراشه و راح يبكي بصوت مبحوح متقطع .. لقد فقد القدرة على الصراخ ..

قال إيزاك :

بدأت اليوم بالتخلص من منافس لي .. لكن لا تخف يا سيدي .. سوف أتركك و أبحث عن دماء أخرى .. أحب أن أبدأ حياتي كفاميري بدماء رومانية خالصة .. لكني أنصحك بألا تلعب بالنار كثيرا .. و أنصحك كذلك بالتخلص من هذه العباءة .. إنها لعنة تتوارثها الأجيال .. فلا تدع أحد يعشها من بعدي .. )

و رفع جوناثان عينيه المخضلتين بالدموع ، فلم يرى إيزاك ..

فقط خيل له أن وطواطا يحلق خارجا من المقطورة .. من يدري لربما كان واهما في هذا .. إن تأثير الدموع على البصر قد يكون غريبا ..
****************
مد مازن يده ففتح الواجهة .. و تناول منها العباءة السوداء ، و فردها على ساعده كما يفعل تاجر الجلود بقطعة من جلد ثعبان ، و قال في تأمل أقرب إلى التلذذ :

( ما رأيك ؟ هل تصدق هذا ؟ )

أجبت عن سؤاله بسؤال آخر كما يفعل أي لص احترف التحقيقات في المخفر :

( و كيف عرفت أنت هذه القصة ؟ )

أنا لست من الهواة يا د. ( رفعت ) .. قلت أنني قضيت حياتي بحثا عن الحقيقة .. و ها هي ذي الحقيقة ..

( تبدو لي حقيقة غريبة مغبرة نوعا .. )

قال ضاحكا :

( هل نجرب ارتداء هذه العباءة ؟ ها هوذا السؤال ماثل أمامك .. إن تحولت إلى مصاص دماء فالقصة صادقة ، و إن لم أتحول فهذه أكذوبة أخرى .. لا أنكر أن الموضوع قد اكتسب صبغة غير مريحة ، و أن هذه العباءة صارت تزن أطنانا بكل ما اكتسبته من هالة نفسية .. )

( و هل جرؤت أنت على ارتدائها ؟ )

ابتسم ابتسامة غامضة ، و لم يرد .. فقط اتجه إلى الواجهة الأخرى .. لقد ارتداها .. بالتاكيد ارتداها .. لكن ماذا كانت النتيجة ؟

و أمام الواجهة الثانية وقف لحظة ، ثم أشار إلى محتواها .. هناك جنين كامل محفوظ في سائل الفورمالين ..






 

دموع اليآسمين

كبار الشخصيات
رد: حكاية الرجل الذي أجاد دوره .. قصة رعب كاملة ج2

رواياتك دائما مرعبه
لي عوده لاكمال الروايه
تحيااتي لك
واهلا بك اخي وبعودتك للمنارة
تحيااتي لك
 

الببر

كاتب جيد
رد: حكاية الرجل الذي أجاد دوره .. قصة رعب كاملة ج2

الاخت دموع الياسمين شكرا على المرور انشالله تكون عجبتك القصة سلام ..
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: حكاية الرجل الذي أجاد دوره .. قصة رعب كاملة ج2

مرحبا بعودة الرعب
وبعودتك البير
لي عودة لقراءتها بامعان
دمت بكل سعادة
 

آنفآس آلمطر

كبار الشخصيات
رد: حكاية الرجل الذي أجاد دوره .. قصة رعب كاملة ج2

[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]
قرأتها بتمعن رهيب
ومع كل سطر اقول سـ أغادر ولكني لم استطع تركها
رائعة رغم الرعب المتواجد فيها ...
اشكرك اخي ..
واتمنى ان تتحفنا دائما بمثل هذه القصص
والحكايا الرائعة ...
وكل عام اونت بالف خير البير ...
كن بخير وانتظر المزيد ...
تحيتي ............
[/align]
[/cell][/table1][/align]
 

الببر

كاتب جيد
رد: حكاية الرجل الذي أجاد دوره .. قصة رعب كاملة ج2

اسعدني كثيرا ان القصة نالت اعجابك ..

اشكرك على الرد الرائع ..

تحياتي ..:SnipeR (69):
 

مواضيع مماثلة

أعلى