إغتصاب الضمير

فارس النور

كاتب جيد جدا

[BIMG]https://www.manartsouria.com/up//uploads/images/manartsouria.com-849f713ebe.jpg[/BIMG]
تُطالِعُنا نشراتُ الأخبارِ اليومية التي نُشاهدها و نسمعُها و نقرؤها عبر الوسائلِ الإعلامية التي تكاثرت تكاثر خطايانا و أخطائنا بحكم الثّوراتِ الرّقمية المتعاقبة ، و التي أدمناها - أي الأخبار - بحيث إنْ فاتتنا نشرةُ ما بُثّت على إحدى القنوات التلفزيونية ، تحرّينا أخبارها بكبسةِ زرٍ قد تقودنا إلى نشراتٍ طويلةٍ عريضةٍ بحجم خيباتنا ، و انكساراتنا ، و من مختلف النكهاتِ غير المحبّبة غالباً !! .

تطالعنا هذه الأخبار بقصصٍ عجيبةٍ غريبةٍ ، تنفعُ فيما لو تم استثمارها من قِبل صنّاع السينما ( الهوليوديين ) الذين ربّوا أبناءنا على ثقافةِ العنف بكلِّ أشكالهِ ، تنفعُ لأن تكونَ أفلاماً مرعبةً من الطّرازِ الأول ، بدون أن تُستهلك خيالاتهم و جيوبهم لاختراع نصٍّ بوليسيٍّ سرياليٍّ قدْ لا يُقنعُ تماماً بعض المهووسين بهذا النمط ( الإبداعي ) ! .

حوادثُ قتلٍ ، وسرقةٍ ، و اغتصابٍ ، و احتيالٍ ، و انتحارٍ ... و كلّ ذلك بطرقٍٍ تقليديةٍ أو مبتكرة تجتاحُ مجتمعات العالم ، و للأسف مجتمعاتنا أيضاًَ .. و الأسباب المحرّكة كثيرةٌ جدّاً و متعددة ، لكنّ شيئاً واحداً يضعُ هذه الجرائم في سلّة واحدةٍ و هو : غيابُ الضّمير / الإنسان ، و انعدام الوازع الأخلاقي و الديني أو تخديرهما .

فالذي قتلَ أو سرقَ أو اغتصبَ أو احتالَ أو نهبَ أو أحرقَ أو آذى أو خرّب ... لو أنّه تفكّر في تبعاتِ جريمتهِ عليهِ أولاً على المدى البعيد على الأقل و على أسرتهِ ، و على المجني عليه و أسرتهِ ، و على المجتمع كلّه ، لكان ربّما داس على كلّ المحرّضات التي دفعتهُ لجريمةٍ بشعةٍ تكادُ تصبحُ خبراً مستهلكاً نسمعُه يومياً و ربما كنا في يومٍ أحدَ ضحاياها !!

و يبدو للوهلةِ الأولى أن المسؤول الأول و الأخير و الوحيد عن هذه الجريمة هو هذا المجرم الذي ارتكبَ جريمتَهُ غالباً لغايةٍ شخصيةٍ يبتغي من ورائها منفعةً ماديةً أو معنوية لنفسهِ أو لمن يخصّونه ، أو يدرأُ بها عن نفسه ( أو عمّن يخصّونه ) مضرّةً ماديةً أو معنوية .
و الحقيقةُ التي يعرِفُها المختصون في تحليلِ و دراسةِ هذه القضايا المعقدة ، أنّ للمجتمعِ دوراً سلبياً قد يقودُ هذا المجرم و يدفعهُ لارتكابِ جرمِهِ ، فالبيئةُ التي يعيشُ بها هؤلاء غالباً ما تكونُ أرضيةً خصبةً لإنباتِ مجرمينَ مخرّبينَ مجرّدينَ من ضمائرهم و من أيِّ وازعٍ قد يمنعهم عن جرائمهم .

و إذا افترضنا أنّ المدرسة كبيتٍ موازٍ لبيتِ كلٍّ منا قد نجحت في أداءِ الدّور الموكلِِ لها في غيابِ تربيةٍ صحّيةٍ و علميةٍ لدى القسم الأكبر من بيوتِ مجتمعاتنا لمجموعةِ عواملَ أوّلُها جهلُ الوالدَينِ و انشغالهما ، و ليس آخرُها مجموعةٌ كبيرةٌ من المعتقداتِ الموروثة التي يؤمنُ بها و يفرضها هؤلاء - أي الأهل - ، ويَحرُمُ بالضرورة عليهم تَجديدُها و معالجتُها بانتقاء الصّالحِ منها و نبذُِ ما ثَبُتَ أنّه يشكّلُ عاملاً مخرّباً غيرَ بنّاءٍ .

إذا افترضنا أنّ المدرسةَ قد نجحتْ في هذهِ المهمة .. فهذا يعني بالضرورة أنّ هذه الجرائمُ التي تقشعرُّ لها الأبدانُ يجبُ أن تبقى في هامشٍ ضيّقٍ و محدودٍ استمراراً لنظرية الخيرِ و الشّرِ و التّصارعِ الأبديّ بينهما .
أما إذا كانَ العكسُ هو الصحيحُ أي أنّ المدرسة اختصرتْ مهماتها في تهيئةِ الأطباء و المهندسين و القضاة و المعلمين ... و نسيتْ أو تناستْ أنْ تُهيّئ الإنسانَ و تُربّيهِ ، فهذا بدونِ أدنى شكٍّ سيقودُنا كما هو الحالُ اليومَ إلى مجتمعِ الغابةِ حيثُ القويُ يأكلُ الضعيفَ ، و يغتصبهُ و يَسلُبَهُ مالهُ و يحتقرَه و يهدّدَهُ فيما لو أرادَ أن يشكوهُ !!!

هذا الاختلالُ الواضحُ في بيوتِنا و مدارسنا و مجتمعاتنا بشكلٍ عام ، لا بدّ أن يخرّج هؤلاء المجرمين الذين تتلمذوا و يتتلمذون على شاشاتِ ( التلفزيونِ ) و صالاتِ ( السينما ) و فضاءات ( الإنترنت ) التي تتيحُ لهم مجموعةً ضخمةً من الخياراتِ و الإمكانات و التسهيلات و المحرّضات ، و ضمن مجتمعٍٍ غير مبالٍ غالباً بما يحدثُ حولهُ على مبدأ ( فخّار يُكسّر بعضه ! ) .

إذنً .. فكلُّ الظروفِ التي ذكرناها تقودُنا لأن نسمعَ أنّ رجلاً اغتصب طفلةٍ صغيرة لم تتجاوزْ سنينُ عمرِها الخمسَ سنواتٍ قبل أن يرميها من طابقٍ خامسٍ ، و بآخر يقتلُ عاملَ صيانةٍ يَهُمُّ بالدخول بحقيبتهِ الجلّديةِ التي تحتوي على معداتهِ إلى بنكٍ لا ليودعَ معدّاتهِ في حساباتِ ذلك المصرف بل ليودعِ آخر أنفاسهِ في مِصعَدِهِ !!
و بآخر .. يقتلُ أحدهم و يُحرقُ جثّتهُ و من ثُمّ كلّ بيتِهِ لأجلِ عَشراتِ الآلافِ من الليرات ، و آخرٌ يعاشر ابنتهُ لسنواتٍ طويلةٍ مذ كانت طفلة أو يضربُها حتى الموت أو يعتدي عليها لأنّ ( غلّتها ) من التسول لم تُرضيه ، و آخرٌ يعاشرُ أختهُ المتزوجة بعد طلاقها ، و ذاك ينجبُ منها أو يتاجرُ بها أو بزوجته ..
كلّ هذهِ الظروف .. تساهم في أن تصبحَ حوادثُ السرقةِ و الاحتيال و التزوير و الرشوة ، خبراً تقليدياً نسمع بهِ و كأنّها أصبحت - أي الحوادث - إحدى أهم سماتِ عناوين أخبارِنا المخزية ، المبكية !!
و المصيبةُ الكبرى .. أنّ الفهم الخاطئ لماهيةِ هذه السلوكياتِ الشائنةِ من قبلِ أصحابها غالباً ما تبرّر لهم جرائمهم تحت شعاراتٍ يساعدُهم المجتمعُ نفسُه على التمسّكِ بها ، و إيجادِ أرضيةٍ مناسبةٍ تحوّلُها إلى عاداتٍ ، بل إلى عقائد !! .

فمفهوم ( الشّطارة ) مثلاً يبرّرُ للرّاشي فِعلتَهُ دونَ أن يدخُلَ في حسابٍ مع ضَميرهِ ليكتشفَ أنّه و برشوتِهِ هذهِ يَحرمُ صاحبَ حقٍّ من حقّهِ ، ويقدّم له ( أي للرّاشي ) صفقةً ملوّثةً ليست من حقّهِ في ظلِّ غيابِ من يحاسبْ بحُكْمِ أنّ الكلّ متورطٌ و محميٌّ بذاتِ الوقت .. فإذا لم يحاسِبُهُ ضميرهُ و يردعه وازعٌ أخلاقيٌّ أو دينيٌّ فمن ذا الذي يحاسبهُ !!؟
أليستْ الرّشوةُ المستشريةُ - كمثال - في مجتمعاتنا العربيةِ خاصّةً و في مختلفِ نواحي الحياةِ دليلاً على أن الضميرَ غائبٌ دوماً و بدون تقدير !!؟

أليس المرتشي هو أحد القادةِ الحقيقيين في هذا المجتمع بحكم الكرسيّ الذين يخوّله أن يحلّ و يربُط في كلّ الأمور التي يُحكّمُ فيها !!؟
و أليس الرّاشي .. هو الذي يجلِسُ فعلياً على هذا الكرسيّ !!؟

فماذا يُرجى من مجتمعٍ يقوده ثلّةٌ ممن اغتصبوا ضمائرهم !؟

أين ضميرُ الذي يَحْرِمُ أختهُ أو أخاهُ من حقِّهما الشرعي في الميراث !؟
و أين ضميرُ الذي يحاربُ منافِسه بشتى الطرق ألا أخلاقية و ألا إنسانية ليكون المستفيد الأوحد !!؟
و أين ضمير الذي يحكمُ بالحقِّ لغيرِ صاحبهِ ، و يصلُ بالبريء المظلوم إلى حبل المشنقة !!؟
أي ضميرُ الذي تاجر بصحةِ و مستقبلِ أجيالٍ من وراء ( مخدراتهِ ) و ( حشيشته ) و ( سرطاناته ) !؟
أين ضمير الذي يبيع ابنتهُ لرجلٍ يستهلكُها ثم يبيعها !؟
أين ضمير الذي يغرّرُ بفتاةٍ بوعودٍ فارغةٍ ثم يسلِبُها رمزَ أنوثتها قبل أن يلوذَ بالفرار إلى أخرى ، دون أن يدري أن جريمتهُ ستجلِبُ بالضرورةِ جرائمَ أخرى في مجتمعٍ لا يرحم !!؟
أين ضمير الذي يسمح لشاعرٍ من الدرجةِ العاشرةِ أن يصعد منبراً ثقافياً مهماً ليتلو ( مصائبهُ ) على أسماعِ جمهورٍ من ( الكومبارس ) ليظهر على شاشاتِ ( التلفزيون ) و أغلفةِ المجلاتِ ، و يُقال عنه : شاعرٌ كبير ، و مثل هذا الشاعر الكثيرون ممن يلبسون أثواباً ليست تليقُ بهم ، معتدين على الثقافة و الأدب و الفن و كلّ صنوفِ الإبداعِ بطريقةٍ وقحةٍ ، و قد وجدوا من يسوّق لهم و يروجهم بطريقةٍ تثير الاشمئزاز عبر ( مافياتٍ ) إعلاميةٍ !!؟
أين ضميرُ الذي يوظّف أولادَه و إخوانَه و أقرباءَهُ و كلَّ قبيلتِهِ في مناصب ليسوا أهلاً لها ، ويحرِم المخوّلين لشغلها من حقوقهم فيها !!؟
و أين ضميرُ الذي زوّر و غشّ و سرقَ و تلاعبَ و اغتصبَ و كذّبَ و آذى و أحرق الكون لأجلِ ما ليسَ من حقّه !!؟
أين ضميرُ الذي يبيعُ وطناً و يتاجرُ بأحلام شعبٍ بأكملهِ .. لأجل كرسيّه و حساباته المصرفية !!؟
أين ضمير الذي يتآمر مع العدو ضد مصلحةِ إخوانِه و جيرانِه .. و يتاجِرُ بجوعهم و عَوزِهم و ضعفهم !؟

كيف نرتقي و ننتصر و نقودُ العالم ، و شريعةُ الغابِ هي التي تحكمنا ؟
و إذا أهمل الأهلُ و المجتمع بكلّ مؤسساتهِ التعليمية و الثقافية و الاجتماعية بل حتّى الدّينية في بعضِ الحالات إرشاد كلٍّ منا إلى إنسانيتهِ و تعليمهُ فنّ مصاحبتها و الخضوع لها .. فمن يدلّنا على إنسانيتنا و يوقظُها من سُباتِها و يبعثُها بشارةَ خلاصٍ و نجاة !!؟

و كُلّ الأديان .. كانتْ الأخلاق عِمادَها ، و في الإسلام يقدّم لنا دستورنا ( القرآن ) في مواقف كثيرةٍ عِبَراً تصلُحُ لأن تكون منهاجاً و عقيدةً و خطّة عملٍ ..
في الإسلام ( من فَسُدت أخلاقهُ فسد دينهُ ) و الرسول العربي الكريم محمدٌ صلى الله عليهِ و سلم كانَ و ما زالَ المعلّمَ الأكبرَ و المثالَ الأعظم في أخلاقِه و تربيتهِ و تعاليمهِ التي فيما لو أخذنا ببعضِ بعضِها لكُنا بألفِ ألفِ خيرٍ ، و لكلِّ هؤلاء الذين يدّعون أن الحلّ مستحيلٌ أنْ يُراجعوا سيرةَ هذا المعلّمِ المدهشِ الذي ربّى رجالاً وصلوا بالإسلامِ إلى أقاصي الأرض بقوةِ المنطقِ ، و حجّةِ المعاملةِ الحسنى ، و كانوا كما هم حتى اليوم مضرباً للمثلِ بحسن أخلاقهم و سيرتهم .


الإنسان إذن .. هو القضية ، و المستفيدُ الأول و الأخير من ( حيونةِ ) الإنسانِ هو عدوّهُ ، فمتى استولت علينا جاهليتنا و جشعنا و أنانيتنا و حقدُنا سَهُلَ على أعدائنا هزيمتُنا .


و من كان ضميرهُ حيّاً .. ظلّ قوياً و فاعلاً و إيجابياً و خلاقاً ، و إحدى مصائبُ مجتمعاتنا العربية أنّ كلّ واحدٍ ( يغنّي على ليلاهًُ ) ، حيث أن الروابط الاجتماعية التي كانت تعطي المجتمع قوّة و مناعةً ضدّ العوامل الخارجيةِ ( المفيرسة ) أضحت متفكّكة ، و هي للأسف تكادُ تزول في الكثير من المجتمعات المدنية العربية التي تتهافتُ على ثقافةِ الغربِ دون أدنى شعورٍ بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة .

مصيبةُ مجتمعاتنا .. أنّ القوى الأهلية و المدنية الواعية و المثقفة و التي تعي تماماً خطورةَ هذا الوضع ، لا تجدُ الدّعم الكافي لا مادياً و لا تنظيمياً من ( الكبار ) أصحاب القرار الأقوى في بلادنا ، في محاولةِ السيطرةِ على هذه الأجواء الفاسدة ، و المبادرة إلى تأسيسِ الجمعياتِ و المنظماتِ الاجتماعية و المدنية التي تعيدُ دراسة واقعِ التربيةِ و التعليم في بيوتنا و مؤسساتنا التعليمية ، و القيام بحملاتٍ منظّمة تقومُ بدارسة الحلولِ و تقديمِ الاقتراحات و التوصيات في سبيل الخروج بنقاطٍ متّفقٍ عليها تقودُ إلى تشريعاتٍ قانونيةٍ و حكوميةٍ تنهضُ بالأمّة من وحلها ، لأنّ هذه القوى المدنية و مهما بلغتْ قوّتُها و تأثيرها ، فلن تستطيع لوحدها أن ( تؤنسِن ) من جديد هذه الغابةِ الكبيرة ، الموحشة ، المخيفة ، و التي تحترق فينا رويداً رويداً !!

أخيراً ..

عجبي من هؤلاء .. الذين اغتصبوا ضمائرهم و ( حَيونوا ) إنسانيتهم .. كيف يعيشون !؟
فأنا لا أسرق ، و لا أكذب ، و لا أأكلُ الحقوق ، و لا أرشي و لا أرتشي ، و لا أؤذي ، و لا أقتل ، و لا أظلم ... لا لأنّ كلّ ذلك حرام .. بل لأنام !!
تحيتي للجميع:eh_s(21):
 

SONDA

كاتب جيد جدا
رد: إغتصاب الضمير

[align=center][table1="width:85%;background-color:white;border:4px double black;"][cell="filter:;"][align=center]
فأنا لا أسرق ، و لا أكذب ، و لا أأكلُ الحقوق ، و لا أرشي و لا أرتشي ، و لا أؤذي ، و لا أقتل ، و لا أظلم ... لا لأنّ كلّ ذلك حرام .. بل لأنام !!


بالفعل
بلاغ رائع


موضوع رااائع جدا

حفظته عندي
و بالفعل يستحق المتابعة


تقبل مروري
[/align]
[/cell][/table1][/align]
 

فارس النور

كاتب جيد جدا
رد: إغتصاب الضمير

[BIMG]https://www.manartsouria.com/up//uploads/images/manartsouria.com-6a3d9e477d.gif[/BIMG]
منورة الموضوع اختي الغالية
 

ابتسامة طفلة

كاتب محترف
رد: إغتصاب الضمير

فعلا هو انعدام الضمير الانساني وقلة الوازع الديني

طرح رااائع

اشكرك

فارس النور

تقبل مروري
 

GARDENIA

كاتب جيد جدا
رد: إغتصاب الضمير

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
 

مواضيع مماثلة

أعلى