حسن الظن وأثره في دوام الألفة

مصعب

كاتب جيد
حسن الظن دأب النبلاء، وأدب الفضلاء ممن تمت مروآتهم، وكمل سؤددهم؛ فأعقل الناس أعذرهم للناس.

وإلا لو استرسل الإنسان مع سوء ظن وإغلاقه البابَ في وجه من يعتذر إليه لم يبق له صديق ولا صاحب إلا نفسه التي بين جنبيه.



قال الله - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات: 12.



وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" متفق عليه.



ويتأكد هذا الأمر مع من يكثر الإنسان من صحبتهم كالأصدقاء، والأقارب، والزوجة، والأولاد، والمعاملين، ويزداد تأكيداً في حق العلماء، والفضلاء.

فإذا لزمنا حسن الظن، والتماس المعاذير - حفظنا لرجالنا مكانتهم، وحَمَلنا مَنْ يقصِّر في أي شأن من الشؤون إلى أن يرتفع بنفسه، وينأى عن مراتب الدون والهُون، وقطعنا الطريق على من يريد التشكيك بالأفاضل، والتنقيص من أقدارهم.

ولا ريب أن لذلك أثرَه في قوة الأمة، وتماسك أفرادها.



جاء في الصحيحين عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "شكا أهل الكوفة سعداً -يعني بن وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر - رضي الله عنه - فعزله، واستعمل عليهم عماراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي!

قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين.

قال - يعني عمر -: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق.

فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفاً حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة - فأطل عمره، وأطل فقره، وعَرِّضه بالفتن.

وكان بعد إذا سئل، يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.

قال عبد الملك فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن.

فانظر كيف أحسن عمرُ الظنَّ بسعد - رضي الله عنهما -.

ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا الشأن أن يحمل الإنسان ما يصدر من الآخرين على أحسن المحامل، وأن يلتمس لهم أحسن المخارج؛ فربما كان لهم عذر وأنت تلوم.

توفي ابنٌ ليونس بن عبيد - رحمه الله - فقيل له: إن ابن عون لم يأتك.

فقال: إنا إذا وثقنا بمودة أخٍ لا يضرنا أن لا يأتينا.

وقالت امرأة عبدالله بن مطيع لعبدالله: ما رأيت ألأم من أصحابك، إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال: هذا من كرمهم، يغشوننا في حال القوة منا عليهم، ويفارقوننا في حال العجز منا عنهم!.

ومر بخالد بن صفوان صديقان، فعرَّج عليه أحدهما، وطواه الآخر، فقيل له في ذلك، فقال: عرَّج علينا هذا؛ لفضله، وطوانا ذاك لثقته.

وقال أحدهم مبيناً ما ينبغي أن يسلك مع الأصحاب:



إذا كثرتْ ذنوبٌ من iiخليل * فَقِفْهُ بين وصل iiواجتنابِ
وأنْظِرهُ فللأيام حكمٌ * بذلك كلُّ ماضي العزم iiآبِ
وعاتبه فكم أبدى iiعتابٌ * جليَّةَ مشكلٍ بعد iiارتيابِ
ورجّ النفع في الإعراض عنه * إذا أخفقت من نفع iiالعتابِ
وراجعه بعفوك حين يَثْني * عِناناً للرجوع أو iiالإيابِ
فإن العفو عن ذي الحزم iiأولى * إذا قدرت يداك على iiالعتابِ
فإنك واجد للحي ذنباً * وتعدم ذنبَ من تحت iiالترابِ



وكما ينبغي التماس المعاذير فينبغي - من باب أولى - قبول عذر من اعتذر إذا أتى مستعتباً منيباً؛ فلنا في نبي الله يوسف - عليه السلام - أسوة عندما عفى عن إخوته، واستغفر لهم دون توبيخ ولا تعنيف.

قال الشافعي - رحمه الله -:



اقبل معاذير من يأتيك iiمعتذراً * إن برَّ عندك فيما قال أو iiفجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره * وقد أجلَّك من يعصيك iiمستترا



وقال - رحمه الله -:

قيل لي: قد أسا إليك iiفلان * ومقام الفتى على الذل عار
قلت: قد أتى وأحدث iiعذراً * ديةُ الذنب عندنا iiالاعتذار



ومن خلال ما مضى يتبين لنا أنه يجب على الإنسان ألا يسترسل مع سوء الظن، وألا يحمل الآخرين على أسوء المحامل، بل عليه أن يتعامل مع الحقائق الثابتة، وأن يطرح الأوهام التي ينسجها خياله جانباً؛ لأن الذي يلاحظ أن فئاماً من الناس يجرحون إحساسات الآخرين، ويفسرون تصرفاتهم تفسيراً غريباً بعيداً عن الحقيقة؛ فتراهم يتصورون أشخاصاً يدبرون لهم المكايد، ويحيكون لهم الدسائس؛ ففلان إنما يسارُّ فلاناً في أمره، وفلان قابل فلاناً؛ لتدبير مؤامرة له.

وهكذا من أنواع السخافات التي لا تنتهي، والتي تقضي على الأخضر واليابس من المودات، والمشاعر السامية
 
المواضيع المتشابهة

خيوط الشمس

كبار الشخصيات
رد: حسن الظن وأثره في دوام الألفة

[align=center]
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
طرح قيم يا غالي
تقبل مروري
[/align]
 

هواري

كاتب جيد جدا
رد: حسن الظن وأثره في دوام الألفة

[align=center]
سوء الظن من أخطر السلوكيات التي قد يبتلى بها الإنسان،
لأنها تهدد بتدمير علاقاته مع أرق الأقرباء، وتمتد لتحرق علاقاته الاجتماعية بصفة عامة،
ليكتوي بنار هذا السلوك سيئ الظن نفسه، قبل أن يصل خطره إلى المجتمع بأسره.
لكن لماذا يتمكن هذا السلوك المشين والذي حذر منه الإسلام من نفوس البعض؟..

وما هي الآثار المترتبة على هذا السلوك البغيض على مستوى الفرد والمجتمع؟
[/align]
 

مصعب

كاتب جيد
رد: حسن الظن وأثره في دوام الألفة

[align=center]
سوء الظن من أخطر السلوكيات التي قد يبتلى بها الإنسان،
لأنها تهدد بتدمير علاقاته مع أرق الأقرباء، وتمتد لتحرق علاقاته الاجتماعية بصفة عامة،
ليكتوي بنار هذا السلوك سيئ الظن نفسه، قبل أن يصل خطره إلى المجتمع بأسره.
لكن لماذا يتمكن هذا السلوك المشين والذي حذر منه الإسلام من نفوس البعض؟..

وما هي الآثار المترتبة على هذا السلوك البغيض على مستوى الفرد والمجتمع؟
[/align]

منورة بمرورك خيتي هواري
 

مواضيع مماثلة

أعلى