نقد كتاب اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر

رضا البطاوى

كاتب جيد جدا
نقد كتاب اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر
المؤلف نايف الحمد وقد استهل البحث بالقول بأن سبب نزول سورة الكوثر هو قول العاص بن وائل عن النبى (ص) إنما هو رجل أبتر وهو قوله:
"وبعد فقد من الله تعالى على نبينا محمد (ص)بأن جعل ذم المشركين له رفعة وعلوا فكلما ذمه ذام منهم وانتقصه أكرمه الله ببشارة هي خير من الدنيا وما فيها ومن ذلك أن العاص بن وائل السهمي كان إذا ذكر رسول الله (ص)قال دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه فأنزل الله تعالى في ذلك (إنا أعطيناك الكوثر) إلى آخر السورة
ومما قيل في سبب نزولها ما رواه ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المصنبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية؟ فقال أنتم خير منه قال فنزلت (إن شانئك هو الأبتر)وهذا هو ديدن اليهود والمنافقين في كل زمان ومكان يزينون للمشركين ما هم عليه من كفر وضلال تصريحا تارة وتلميحا أخرى"
والكلام لا أصل له لأن الأبتر لا تعنى من ليس له أبناء ذكور لأن محمد(ص) كان له أبناء ذكور لكنهم لم يبلغوا جميعا مبلغ الرجال كما قال تعالى :
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"
وحتى لو طبقنا المعنى على العاص فالرجل لم يكن أبتر تاريخيا لأن ذريته معروفة تاريخيا في فرع عمرو وابنه عبد الله
ومن ثم فالأبتر لا تعنى المعنى المشهور وإنما تعنى المعذب المعاقب الذليل
ورجع الحمد للكلام عن سورة الكوثر فتحدث عن أسمائها فقال :
"وعودا إلى سورة الكوثر فهي ثلاث آيات قصار وهي أقصر سورة في القرآن
قال الطاهر بن عاشور " سميت هذه السورة في جميع المصاحف التي رأيناها وفي جميع التفاسير أيضا سورة الكوثر وكذلك عنونها الترمذي في كتاب التفسير من جامعه وعنونها البخاري في (صحيحه) سورة (إنا أعطيناك الكوثر) ولم يعدها في (الإتقان ) مع السور التي لها أكثر من اسم ونقل سعد الله الشهير بسعدي في (حاشيته على تفسير البيضاوي) عن البقاعي أنها تسمى (سورة النحر)"
ثم حدثنا عن الاختلاف في كونها مكية أو مدنية فقال :
"وهل هي مكية أو مدنية؟ تعارضت الأقوال والآثار في أنها مكية أو مدنية تعارضا شديدا فهي مكية عند الجمهور واقتصر عليه أكثر المفسرين " وسورة الكوثر مدنية في قول الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد وصوبه السيوطي في الاتقان ورجحه النووي "
ومن قال بمدنيتها يناقضون أنفسهم في أسباب النزول إذا كانوا يصدقونها لكون العاص مكى
وتحدث عن تفسير الآية الأولى فقال :
قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) هذه الآية تدل على عطية كثيرة صادرة من معط كبير غني واسع وصدر الآية (بإن) الدالة على التأكيد وتحقيق الخبر وجاء الفعل بلفظ الماضي الدال على التحقيق وأنه أمر ثابت واقع ولا يدفعه ما فيه من الإيذان بأن إعطاء الكوثر سابق في القدر الأول حين قدرت مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة وحذف موصوف الكوثر ليكون أبلغ في العموم؛ لما فيه من عدم التعيين"
والكلام هو كلام لا يعقل فالعطاء والأخذ والموت وغيرهم كله مكتوب من قبل ومن ثم فلا قيمة لكون العطاء في الكتاب من قبل وهو اختراع من الحمد وغيره لتبرير كون الفعل أعطيناك ماض وهو ما يعنى أن العطاء كان في الدنيا وليس كما هو مشهور في التفاسير معنى أخروى
وتساءل عن الكوثر فأجاب الإجابة المعروفة فقال :
"ما هو الكوثر؟
والكوثر فسره النبي (ص)كما في حديث أنس قال بينا رسول الله (ص)ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يارسول الله؟ قال (أنزلت على آنفا سورة) فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال (أتدرون ما الكوثر)؟ فقلنا الله ورسوله أعلم قال (فإنه نهر وعدنيه ربى عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتى فيقول ما تدري ما أحدث بعدك) وهذا الحديث استدل به من يرى السورة مدنية لرواية أنس له ولم يسلم إلا في المدينة"
ثم ذكر تفسير مخالف وهو كون الكوثر الخير الكثير فقال :
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر قلت لسعيد إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه قال الحافظ ابن حجر معلقا على قول سعيد وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي (ص) فلا معدل عنه "
ثم نقل أكثر من عشر تفسيرات للكوثر فقال :
"وقد نقل المفسرون في الكوثر أقوالا أخرى غير هذين تزيد على العشرة منها قول عكرمة الكوثر النبوة وقول الحسن الكوثر القرآن وقيل تفسيره وقيل الإسلام وقيل إنه التوحيد وقيل كثرة الأتباع وقيل الإيثار وقيل رفعة الذكر وقيل نور القلب وقيل الشفاعة وقيل المعجزات وقيل إجابة الدعاء وقيل الفقه في الدين وقيل الصلوات الخمس والصحيح هو ما فسره به النبي (ص)"
والحقيقة أن الكوثر هو الخير الكثير وهو النبوة وهى نفسها القرآن وقد فسر الله الآية فقال :
"ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا"
فالوحى نزل على النبى(ص) من قبل في الماضى ومن ثم يصح أن العطاء هو الوحى وهو الحكمة أى القرآن أى النبوة أى الرسالة
ولكن القوم تركوا التفسير الصحيح إلى قول الروايات مخالفين كون العطاء قد مضى بينما العطاء الذى يتحدثون عنه لم يحدث لكونه في الآخرة وهو ما يسمونه الحوض وكل أحاديث الحوض تكذب كتاب الله فلا حوض واحد للمسلم وإنما حوضين أى عينان أى نهران كما قال تعالى :
"ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان"
زد على هذا أن الأحاديث متناقضة مع بعضها البعض في أمور مختلفة سنبينها من خلال ذكر الحمد للأحاديث فقد قال :
"وهذا النهر العظيم جاءت له صفات كثيرة منها:
ما جاء في حافتيه وطينته روى أنس بن مالك عن النبي (ص) قال (بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر)
وفي رواية للبخاري عن أنس قال لما عرج بالنبي (ص) إلى السماء قال (أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفا فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر)"
هنا الحافتان من لولو وهو ما يناقض كونهما من ذهب في قوله:
"وكذا حافتاه من ذهب كما في حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله (ص)(الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج)"
وعدد آنيته هو عدد نجوم السماء في قوله:
أما آنيته فقد قال أنس قال نبى الله (ص)(ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء)"وهو ما يناقض رواية أخرى تقول أنه أكثر من عدد نجوم السماء ثم قال عن تربته:
"أما مجراه وتربته وماؤه فكما في حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله (ص) (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج) "
وقد سبق بيان تناقض حافتيه ثم تحدث عمن سأل عن الطيرة فذكرة مرة عمر في رواية :
"وقد حدث النبي (ص)عن طيوره في حديث أنس بن مالك أن رجلا سأل رسول الله (ص)ما الكوثر؟ فقال رسول الله (ص)(هو نهر أعطانيه الله في الجنة أبيض من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر) فقال عمر بن الخطاب إنها لناعمة يا رسول الله فقال رسول الله (ص)(آكلوها أنعم منها)"
وهو ما يناقض كونه أبو بكر في الرواية التالية:
ورواه أنس بلفظ قال رسول الله (ص)(إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة) فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة فقال (أكلتها أنعم منها) قالها ثلاثا (وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر)
ثم تحدث عن صفاته فقال :
"ومن صفاته أنه يجري على وجه الأرض من غير شق فيها لحديث أنس بن مالك أنه قرأ هذه الآية (إنا أعطيناك الكوثر) قال قال رسول الله (ص)(أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقا فإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة وإذا حصاه اللؤلؤ)
وعن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض! لا والله إنها لسائحة على وجه الأرض إحدى حافتيها اللؤلؤ والأخرى الياقوت وطينها المسك الأذفر قال قلت ما الأذفر؟ قال الذي لا خلط له "
هنا طينة النهر مسك وهو ما يناقض كون طينته أحسن من المسك في الرواية السابقة "تربته أطيب من المسك" وهو تعارض لا يمكن دفعه
ثم حدثنا عن موقع الكوثر فقال :
"أما موقعه فعن أبى عبيدة بن عبد الله قال قلت لعائشة رضي الله عنها ما الكوثر؟ قالت نهر أعطيه النبي (ص) في بطنان الجنة قال قلت وما بطنان الجنة؟ قالت وسطها حافتاه درة مجوف وقد قال ابن مسعود مفسرا قوله تعالى (جنات عدن) بطنان الجنة"
ونلاحظ تناقض أخر في حافتيه فبده رواية حافتاه من الذهب وحافتاه من الدر نجد حافتيه درة واحدة في الرواية السابقة وهو تعارض بين
وتحدث عن تفسير الآية قبل الأخيرة فقال :
قوله تعالى (فصل لربك وانحر) قال ابن كثير أي أخلص له صلاتك وذبيحتك فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى
وقال ابن القيم " وقال آخرون في قوله (فصل لربك وانحر) إن المراد به ضع يدك على نحرك وتكايس غيره وقال المعنى استقبل القبلة بنحرك فهضموا معنى هذه الآية التي جمعت بين العبادتين العظيمتين الصلاة والنسك "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين وهما الصلاة والنسك ..والمتتبع لسيرته (ص)يجده قد قام بهاتين العبادتين خير قيام امتثالا لأمر ربه (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) ) فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه كما في حديث أم المؤمنين عائشة أن نبي الله (ص) كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فسألته لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال (أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا)
وكان (ص)يضحي بكبشين أقرنين يذبحهما بيده كما في حديث أنس وفي حجة الوداع يروي جابر بن عبد الله أنه (ص)انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر
وجاء الوعيد الشديد لمن صرف شيئا من ذلك لغير الله تعالى كما يحدث الآن في المشاهد وعند الأضرحة فعن أمير المؤمنين علي قال سمعت رسول الله (ص)يقول (لعن الله من ذبح لغير الله)
وقال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ” لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ” وعن أنس قال قال رسول الله (ص)(لا عقر في الإسلام) قال عبد الرزاق كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة
وعن ثابت بن الضحاك قال نذر رجل على عهد رسول الله (ص)أن ينحر إبلا ببوانة فأتى النبي (ص)فقال إنى نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال النبي (ص)(هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد)؟ قالوا لا قال (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد)؟ قالوا لا قال رسول الله (ص)(أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم)"
وهذه التفاسير كلها لا علاقة لها بالآية فالصلاة تعنى طاعة دين الله كما قال " أقم الصلاة " وفسرها بقوله "وأن أقم وجهك للدين حنيفا" والنحر يعنى الانقطاع لتلك الطاعة بمعنى المدامة عليها وليس معناها الصلاة المعروفة ولا الذبح
وتحدث عن تفسير الآية الأخيرة فقال :
"قوله تعالى (إن شانئك هو الأبتر) قال العلامة السعدي " (إن شانئك) أي مبغضك وذامك ومنتقصك (هو الأبتر) أي المقطوع من كل خير مقطوع العمل مقطوع الذكر وأما محمد (ص)فهو الكامل حقا الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق من رفع الذكر وكثرة الأنصار والأتباع (ص)"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية " و الشنآن منه ما هو باطن في القلب لم يظهر و منه ما يظهر على اللسان و هو أعظم الشنآن و أشده و كل جرم استحق فاعله عقوبة من الله إذا أظهر ذلك الجرم عندنا وجب أن نعاقبه و نقيم عليه حد الله فيجب أن نبتر من أظهر شنآنه و أبدى عداوته و إذا كان ذلك واجبا وجب قتله و إن أظهر التوبة بعد القدرة وإلا لما انبتر له شانىء بأيدينا في غالب الأمر لأنه لا يشاء شانىء أن يظهر شنآنه ثم يظهر المتاب بعد رؤية السيف إلا فعل ذلك فإن ذلك سهل على من يخاف السيف "
والمعنى بدون كل هذا الكلام المنقول هو أن كاره النبى(ص) هو المعذب الذليل
وتحدث الحمد حديثا لا لزوم له متهما أهل المذاهب الأخرى بكونهم مبتورين لأنهم يفعلون أفعالا دالة على كراهيتهم للنبى(ص) فقال :
وقال " سورة الكوثر ما أجلها من سورة وأغزر فوائدها على اختصارها وحقيقة معناها تعلم من آخرها فإنه سبحانه وتعالى بتر شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحا لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا ولا عونا ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعما ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول (ص)ورده لأجل هواه أو متبوعه أو شيخه أو أميره أو كبيره كمن شنأ آيات الصفات وأحاديث الصفات وتأولها على غير مراد الله ورسوله منها أو حملها على ما يوافق مذهبه ومذهب طائفته أو تمنى أن لا تكون آيات الصفات أنزلت ولا أحاديث الصفات قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوى علامات شناءته لها وكراهته لها أنه إذا سمعها حين يستدل بها أهل السنة على ما دلت عليه من الحق اشمأز من ذلك وحاد ونفر عن ذلك لما في قلبه من البغض لها والنفرة عنها فأي شانئ للرسول أعظم من هذا وكذلك أهل السماع الذين يرقصون على سماع الغناء والقصائد والدفوف والشبابات إذا سمعوا القرآن يتلى ويقرأ في مجالسهم استطالوا ذلك واستثقلوه فأي شنآن أعظم من هذا وقس على هذا سائر الطوائف في هذا الباب وكذا من آثر كلام الناس وعلومهم على القرآن والسنة فلولا أنه شانئ لما جاء به الرسول ما فعل ذلك حتى إن بعضهم لينسى القرآن بعد أن حفظه ويشتغل بقول فلان وفلان ولكن أعظم من شنأه ورده من كفر به وجحده وجعله أساطير الأولين وسحرا يؤثر فهذا أعظم وأطم انبتارا وكل من شنأه له نصيب من الانبتار على قدر شناءته له فهؤلاء لما شنئوه وعادوه جازاهم الله بأن جعل الخير كله معاديا لهم فبترهم منه وخص نبيه (ص)بضد ذلك "
وأدخلنا الرجل في متاهة أخرى وهى ذكر مسائل متعلقة بالسورة وهى الحوض فقال :
"ولعل من المناسب أن أذكر بعض المسائل المتعلقة بحوض النبي (ص)
الإيمان بالحوض
"قال الحافظ ابن حجر " قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا (ص)بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي إذ روى ذلك عن النبي (ص)من الصحابة نيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غيرهما بقية ذلك مما صح نقله واشتهرت رواته ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم ومن بعدهم ..."
وأول من جاء عنه إنكار الحوض عبيد الله بن زياد ثم آمن به فعن أبي سبرة قال كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض حوض محمد (ص) وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة والبراء بن عازب وعائذ بن عمرو ورجلا آخر وكان يكذب به فقال أبو سبرة أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية فلقيت عبد الله بن عمرو فحدثني مما سمع من رسول الله (ص) وأملى علي فكتبت بيدي فلم أزد حرفا ولم أنقص حرفا حدثني أن رسول الله (ص)قال (إن الله لا يحب الفحش أو يبغض الفاحش والمتفحش) قال (ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة وحتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين) وقال (ألا إن موعدكم حوضي عرضه وطوله واحد وهو كما بين آيلة ومكة وهو مسيرة شهر فيه مثل النجوم أباريق شرابه أشد بياضا من الفضة من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا) فقال عبيد الله ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا فصدق به وأخذ الصحيفة فحبسها عنده
هل الحوض هو الكوثر أو غيره؟
اختلف في ذلك العلماء ولعل أظهر أقوالهم وأصحها دليلا وتعليلا هو أن الحوض غير الكوثر وهو خارج الجنة أما الكوثر فداخلها وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقد سبق أن ذكرت جملة منها والحوض يتغذى من الكوثر إذ يصب ميزابان من الكوثر على الحوض كما في حديث أبى ذر قال قلت يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال (ص)(والذى نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظما آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظما عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل)
والحوض يرده المسلمون قبل دخولهم الجنة ...
قال القرطبي والمعنى يقتضي تقديم الحوض على الصراط فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديمه لحاجة الناس إليه قال ابن عباس - رضي الله عنهما «سئل رسول الله (ص) عن الوقوف بين يدي الله تعالى هل فيه ماء؟ قال إي والذي نفسي بيده إن فيه لماء وإن أولياء الله ليردون إلى حياض الأنبياء (ص)» " (قال جامعه ذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 243 من رواية ابن مردوية في تفسيره وقال هذا حديث غريب)
ورجح القاضي عياض أن الحوض بعد الصراط وأن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار ...قال الجلال السيوطي وقد ورد التصريح في حديث صحيح عند الحاكم وغيره بأن الحوض بعد الصراط فإن قيل إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلم يحتاجوا إلى الشرب منه فالجواب بل يحتاجون إلى ذلك لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط ولعل هذا أقوى انتهى قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته وهذا في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق " لوامع الأنوار البهية 2/ 195وانظر التذكرة للقرطبي 1/ 246 النهاية في الفتن والملاحم 1/ 140 ولعل الحديث الذي ذكره السيوطي المتضمن أن الحوض بعد الصراط هو ما رواه أنس بن مالك قال سألت النبي (ص) أن يشفع لي يوم القيامة فقال (أنا فاعل) قال قلت يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال (اطلبني أول ما تطلبني على الصراط) قال قلت فإن لم ألقك على الصراط؟ قال (فاطلبني عند الميزان) قلت فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال (فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن) رواه أحمد (12848) والترمذي (2433) والضياء في المختارة (2693) وأبوبكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (30) واللالكائي (1803) قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذ الوجه وانظر كلام ابن كثير التالي قال ابن كثير الحوض المورود قبل الصراط الممدود وما أفهم عكس ذلك ضعيف أو مردود أو مؤول إن قال قائل فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده قلت إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم إنهم لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه وإن كانوا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لاسيما وعليهم سيما الوضوء وقد قال (ص)" أعرفكم غرا محجلين من آثار الوضوء " (قال جامعه رواه أحمد (21785) وصححه الحاكم (3784) من حديث أبي الدرداء وهو حديث حسن بالمتابعات وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة)" ثم من جاوز لا يكون إلا ناجيا مسلما فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد حدثنا يونس حدثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس قال سألت رسول الله (ص)أن يشفع لي يوم القيامة قال " أنا فاعل قال فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله قال اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك؟ قال فاطلبني عند المنبر قال فإن لم ألقك؟ قال فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يوم القيامة " ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر وابن ماجه في تفسيره من حديث عبد الصمد كلاهما عن حرب بن ميمون بن أبي الخطاب الأنصاري البصري من رجال مسلم وقد وثقه علي بن المديني وعمرو بن علي الغلاس وقوفا بينه وبين حرب بن ميمون بن أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضا صاحب الأدعية وضعفا هذا وأما البخاري فجعلهما واحدا وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال هذا أكذب الخلق وأنكر الدارقطني على البخاري ومسلم جعلهما هذين حديثا واحدا وقال شيخنا المزي جمعهما غير واحد وفرق بينهما غير واحد وهو الصحيح قلت وقد حررت هذا في التكميل بما فيه كفاية وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والمقصود أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط وكذلك الميزان أيضا وهذا لا أعلم به قائلا اللهم إلا أن يكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد والله سبحانه وتعالى أعلم ا هـ النهاية في الفتن 1/ 139 ..." وقد روى البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله (ص)قال "بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بينى وبينهم فقال لهم هلم فقلت إلى أين؟ فقال إلى النار والله قلت ما شأنهم؟ قال إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم" قال فهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون فى الموقف قبل الصراط لأن الصراط إنما هو جسر ممدود على جهنم فمن جازه سلم من النار"
ومما سبق نجد قولين في الحوض :
الأول هو نهر الكوثر والثانى الحوض غير الكوثر وهو تناقض
كما نجد الحوض مرة في الجنة ومرة خارج الجنة وهو تناقض
كما نجد تناقضا في مكان الحوض فمرة روايات تثبت كونه قبل الصراط وروايات أخرى تثبت أنه بعد الصراط
وتناقض الأخبار يدل على عدم صحتها كلها فلا وجود لذلك الحوض فلم يذكره الله في كتابه وكذلك الصراط لأن الله بين أن دخول الجنة والنار سكون عن طريق الأبواب وليس بالسقوط من عليه في النار للكفار والعبور عليه من المسلمين للسقوط في الجنة من فوق فقال :
"وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين"وقال :
"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها"
وهنالك الكثير من الأحاديث تقول أن دخول الجنة والنار يكون من أبوابهم وليس بالسقوط من فوقهم مثل " فأكون أن أول من يطرق باب الجنة"
ورغم التعارض الظاهر الواضح بين قبل وبعد وبين الوجود داخهل أو خارج الجنة إلا أن الحمد ينفى وقوع التعارض وهو كلام لا أساس له فيقول:
"قلت وليس بين أحاديث رسول الله (ص)تعارض ولا تناقض ولا اختلاف وحديثه كله يصدق بعضه بعضا وأصحاب هذا القول إن أرادوا أن الحوض لا يرى ولا يوصل إليه إلا بعد قطع الصراط فحديث أبى هريرة هذا وغيره يرد قولهم وإن أرادوا أن المؤمنين إذا جازوا الصراط وقطعوه بدا لهم الحوض فشربوا منه فهذا يدل عليه حديث لقيط هذا وهو لا يناقض كونه قبل الصراط فإن قوله "طوله شهر وعرضه شهر" فإذا كان بهذا الطول والسعة فما الذى يحيل امتداده إلى وراء الجسر فيرده المؤمنون قبل الصراط وبعده فهذا فى حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق والله أعلم ا هـ زاد المعاد 3/ 682"
ورغم ذلك يذكر الحمد قول من قالوا ببعد أو بقيل فيقول:
"وممن قال الحوض قبل الصراط شيخ الإسلام ابن تيمية المستدرك على مجموع الفتاوى 1/ 104 والعلامة ابن باز معللا ذلك بقوله إن صحت الأخبار أنهم يردون بعد الصراط فهذا نهر يردونه في الجنة؛ لأن الصراط ممدود على متن جهنم يصعد الناس عليه إلى الجنة فمن جاوز الصراط وصل إلى الجنة والحوض في الأرض فلا يرجعون إلى الأرض مرة ثانية بعد صعودهم إلى الجنة "
وأما سفر الحوالى فأقر بأن الأحاديث متناقضة ومن ثم اعتبر هذا من علم الغيب فقال كما نقل الحمد عنه:
"وللشيخ سفر الحوالي رأي فقد قال " الحقيقة أن هذه المسألة ليس فيها نص قاطع وهي تحتمل هذا وذاك وهي من أمور الغيب التي لا يجوز الخوض ولا القول فيها بالظن ولا بمجرد الاستنباط الذي يبدو لصاحبه رجحانه ولو دقق فيه لتبين خلافه ولهذا لو قيل في هذه المسألة إن الأرجح فيها هو التوقف وأن يرد علم ذلك إلى الله سبحانه وتعالى فيقال في ذلك الله أعلم فنسبة العلم إليه سبحانه وتعالى أسلم فهذا الذي نميل إليه ونختاره"
ورغم هذا الاقرار والاعتراف إلا أن الحمد مصر على ذكر الأحاديث فيقول:
"رسول الله (ص)يقول (أنا فرطكم على الحوض) والفرط الذي يسبق إلى الماء وهذا الحوض مربع الشكل زواياه سواء كما في حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله (ص)(حوضى مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا) كما سبق ذكر عرضه وطوله في حديث أبي برزة وأبي ذر"
وهذا الحديث مناقض لحديث سابق في عدد الآنية وهى الكيزان فهنا عدد نجوم السماء وفى الرواية ألأخرى أكثر وهو قوله "لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها "
كما نجد بياضه أبيض من الورق وهو الفضة وفى الرواية الأخرى أبيض من اللبن وهو قوله" ماؤه أشد بياضا من اللبن"
كما نجد الروايات تتناقض في مساحته أو أبعاده فمرة من آيلة لمكة ومرة من آيلة لعمان وهناك روايات أخرى تذكر مدن وقرى أخرى
وتحدث الحمد عن وجود صحابة مسلمون لا يردون الحوض فقال :
"وهناك أقوام لا يردون الحوض وقد ذكرهم النبي (ص)في أحاديث منها ما رواه أنس عن النبي (ص) قال (ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبنى حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني فلأقولن أي رب أصيحابى أصيحابي فليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ...
وممن يرد عن حوضه (ص)ما رواه حذيفة عن النبي (ص) قال (إنها ستكون أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منا ولست منهم ولا يرد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض) "
وهذا الكلام كله كذب على الله ورسوله(ص) فهم يجعلون الرسول(ص) هنا يكذب كلام ربه في قوله" رضى الله عنهم ورضوا عنه" فلا يوجد صحابة أى مسلمون آمنوا بالرجل يمنعون من نعيم الله لأن كل المسلمون آمنون من الفزع كما قال تعالى :
" وهم من فزع يومئذ آمنون"
 
المواضيع المتشابهة

مواضيع مماثلة

أعلى