رحلة في عالم تصميم الأزياء الجرء13حوار مع رالف روتشي

كلمات مبعثرة

كاتب محترف
، مصمم أزياء صاحب العلامة التجارية شادو رالف روتشي
figure35.png

بورتريه لرالف روتشي، ٢٠١٢. تصوير: ريك جويدوتي. الصورة بإذن من شركة شادو رالف روتشي.
هل شهدتَ نقطة تحوُّل في طفولتك أو نشأتك أو في أية مرحلة من حياتك أدت إلى سعيك لدخول عالم تصميم الأزياء؟
لطالما أبهرني جمال النساء والبهاء الداخلي الذي يمتلكنه. وأنا طفل كنتُ أذهب دائمًا للتسوق مع والدتي، وكانت تسمح لي عادةً باختيار ملابسها منذ سنٍّ مبكرة. أذكر أنها كانت تتعامل مع خياط في حيِّنا، وكان رجلًا يتمتع بموهبة ومهارة عاليتين، وكانت تسمح لي باختيار باترونات من مجلة فوج/باتريك لكريستيان ديور وبالمان. ترِد على ذهني الآن صور معينة؛ صدرية ديور مربعة ذات لون وردي دافئ من الساتان المطفي، وتنورةٌ مستقيمةٌ منفوشة مع قبعةٍ مستديرةٍ صغيرة، كانت القبعة والصدرية مطرزتين بكريستالات أو ماسات بيضاوية الشكل صغيرة متدلية؛ اعتقدتُ أن هذا أكثر زي أنيق رأيته في حياتي. أذكر أيضًا أن والدتي كان لديها معطف ديور من الساتان الأخضر الزمردي الذي كان في الأساس على شكل نصف دائرة بكُمَّيْن قصيرَين بارزَين وياقة كاملة تصل إلى فوق فتحة الصدر. وعندما كانت تتحرك في هذا المعطف، كانت الثنيات تتحرك إلى الخارج في حركة فخمة وملكية. كانت تملك أيضًا رداء بالمان مقصوصًا بمَيلٍ من ساتان الدوقة الحريري عاجي اللون، وهو عبارة عن فستانٍ ضيق عديم الأكمام، مائل نحو جانبٍ واحد، وبه كشكشة تصل عاليًا إلى الخصر/أسفل الأرداف، وتنتهي بحزامٍ عريض من القماش يشبه حزام زي الكيمونو الياباني التقليدي كجزءٍ من الفستان. صُنع هذا الحزام من طبقتين من القماش حتى يظل القماش متماسكًا ومحدَّدًا بحيث يمكن رؤيته من الأمام. كان العامل الذي جعل فستان الحفلات هذا رائعًا للغاية هو أنه كان يعكس المناخ الاجتماعي لعصره؛ إذ طلبت أمي تفصيله من أجل حضور حفل افتتاح أحد الأفلام. تخيَّل هذا؛ كان النساء والرجال يرتدون ملابس سهرة في حفلات افتتاح الأفلام السينمائية، كان افتتاح فيلم «كليوباترا» لإليزابيث تايلور. لم أكن أحلم قط بأني سأجلس يومًا ما مع إليزابيث تايلور على سريرها وأختار معها ملابسها التي ترتديها مع مجموعة حُليِّها المذهلة. لكن كل هذه التصميمات والألوان وافقتْ عليها بهدوءٍ شديد وبسلطةٍ غامضة تمامًا. والآن يمكنك القول إنها ربما تكون الجينات الموجودة بداخلي، لكن مرت عدة سنوات قبل اتضاح هذا الأمر.

بينما كنتُ في المدرسة الثانوية، اكتشفتُ مجلات الموضة وبدأتُ أدرس الأزياء أكاديميًّا؛ اكتشفتُ أن هناك مصمم أزياء بداخلي، وبدأتُ أعثر على ما يحفزني للاستمرار في العمل الذي انجذبتُ إليه، ولم تحدث نقطة تحوُّل كبيرة إلا عندما التحقتُ بالجامعة. في إحدى المرات، كنتُ بين كومةٍ مكدَّسة من الكتب أُجري بحثًا من أجل مادة علم الجمال في تخصص الفلسفة، وكنتُ أتصفَّح عددًا من مجلة هاربرز بازار وذُهلتُ؛ فقد اكتشفتُ صورة على صفحتَين لعروس ووصيفتها؛ كانت الصورة مأخوذة لكلتيهما من الخلف، وكانت العروس ترتدي فستانًا مصنوعًا من قماش الجازار أبيض اللون، والوصيفة ترتدي فستانًا مصنوعًا من قماش الجازار أسود اللون. كان كلا الثوبَيْن على شكل شبه منحرف، مع وجود ذيل طويل لفستان العروس؛ التقط الصورة المصور ديفيد بايلي، بتوجيه من ديانا فريلاند. لم أجد كلامًا يعبِّر عن شعوري؛ فلم أرَ قط أي شيء بمثل هذا النقاء وهذا الجمال وهذه المثالية في حياتي كلها. علمتُ أن هذا فن، واكتشفتُ أن هذين الفستانين كانا من إبداع وصنع كريستوبال بالنسياجا. وبما أني كنتُ أرسم في هذا الوقت؛ فقد شعرتُ بأني تحررتُ؛ فربطتُ في ذهني ملابس بالنسياجا بلوحة الرسام الأمريكي روبرت ماذرويل «رثاء للجمهورية الإسبانية»؛ ومن ثَم، بدأت رحلتي الفعلية في مجال تصميم الأزياء.

لقد تدربتَ على يد هالستون. فهلَّا تصف لي كيف حصلتَ على هذه الفرصة الرائعة؟
عرفتُ من كل بحثي في مجال الموضة أنني لا أريد العمل إلا مع هالستون؛ فقد رأيتُ أنه أعظم مصمم في ذلك الوقت؛ فهو رمز كبير للبساطة والثورية، ابتكر أزياء جديدة بالكامل بعد ستينيات القرن العشرين؛ ومن ثَم وضعتُ خطةً للحصول على موعدٍ لإجراء مقابلة عمل. لو تذكرين، يمتلك هالستون مقرًّا كبيرًا بتقاطع شارع ٦٨ وماديسون أفينيو في نيويورك. وكان قسم الصُّنع حسب الطلب (فقد رفض استخدام مصطلح الأزياء الراقية، نظرًا لأننا في أمريكا) يقع في الدور الثالث من مكتبه.

figure36.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لربيع/صيف ٢٠١٢. بلوزة وبنطلون باللون الأبيض ومطرزتان بالخرز مع مئزر من الساتان. تصوير: دان وكورينا ليكا. الصورة بإذن من شركة شادو رالف روتشي.
أخبرتُ أختي بأننا سنذهب إلى قسم الصنع حسب الطلب وأنها ستطلب شيئًا من مجموعته. ظنَّت أنني فقدتُ عقلي تمامًا، ومع ذلك، ذهبنا إلى مكتبه وطلبتْ سالوبيت (جمبسوت) كشميري عاجي اللون وكيمونو بلون يتناسب معه. كان هذا في عام ١٩٧٥، وهي ما تزال ترتدي هاتين القطعتين حتى الآن. وبينما كان كل هذا يحدث، طلبتُ من البائعة أن تحدد لي موعدًا لأقابل فيه هالستون؛ صُدمتْ وتعجَّبتْ من قوتي وجرأتي الشديدة. وعليه، التحقتُ بمعهد تكنولوجيا الأزياء، ودرست المواد التقنية اللازمة، وعدتُ بعد عامين، وحددتْ لي موعدًا لمقابلة هالستون. ربما كنت أتمتع بشجاعة هائلة حينها، لكني أؤكد لكِ عندما قابلتُ هالستون لأول مرة كانت أسناني تصطكُّ أمام نظاراته الشمسية التي كانت تعكس صورتي؛ فقد كان هالستون عبقريًّا. هذا كل ما في الأمر.

figure37.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لخريف ٢٠١٢، بريشة رالف روتشي.
figure38.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة موسم خريف/شتاء ٢٠١٢. بلوفر أخضر زيتوني من فراء المنك مَحِيك بغرزة مكشكشة مع بنطلون أبيض من قماش الباراثيا الصوفي. تصوير: دان وكورينا ليكا. الصورة بإذن من شركة شادو رالف روتشي.
ما أكبر تحدٍّ واجهك عند طرح مجموعتك الأولى؟
المال؛ فقد كان هذا في عام ١٩٨١ وقررتُ أن الوقت قد حان لبدء عملي؛ فقد أدركت أن هذا هو المجال الذي أحلم به، وأن عليَّ بدء العمل فيه. كنتُ حينها في الثالثة والعشرين من عمري، وكان أهم ما يُقال عن هذه الفترة أني تخيَّلتُ نفسي وعرفتُ أنني مصمم أزياء بالفطرة. والآن كان عليَّ أن أمارس العمل وأؤسس كيانًا لعملي، وأتعلَّم من كلِّ من أثَّروا فيَّ — مدام جريه وبالنسياجا وهالستون وجالانوس ونوريل — وأصنع مفرداتي الخاصة. ونظرًا لوجود تعاملات بالفعل بيني وبين بعض الخياطات؛ فقد كنَّ يأتين إلى شقتي الصغيرة ذات الغرفة الواحدة في الليل ليساعدنني، وكنتُ أنا أُفصِّل القماش على المانيكانات وأقصُّه طوال النهار. وساعدتني صديقتي المقربة، فيفيان فان ناتا، التي التقيتُ بها وأنا أدرس في معهد تكنولوجيا الأزياء منذ ذلك الوقت وطوال ثلاثين عامًا؛ مما أعطاني مساحة للعمل والتفكير.

ما فلسفة تصميماتك؟
الاختزال والبساطة والعثور على جوهر ما تبحث عنه. لا تزيِّن سيدة أبدًا، بل بدلًا من ذلك، اعثر على عوامل لتحسين مظهرها، واعمل على إخفاء الجوانب غير الجذابة فيها. استخدِم منطق الأبعاد، وأضف رونقًا لحياتها، وقدِّرها بشدة. اكتشف طرقًا جديدة لصنع الملابس وابحث عن المستحيل تحقيقه في حرفتنا، واعرف أولًا كيف تقوم بالأمر على النحو الصحيح، ثم ابحث عن طريقةٍ جديدة لفعل ذلك. ولا تعتقد أبدًا أنك وصلت إلى القمة، وعليك أن تتذكر دومًا أن الأعمال العظيمة تنبع من التواضع.

figure39.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لخريف ٢٠١٢، بريشة رالف روتشي.
ما المقصود بكلمة «شادو» الموجودة في اسم علامتك التجارية «شادو رالف روتشي»؟
«شادو» Chado، هو حفل تقديم الشاي الذي يرجع تاريخه إلى قرونٍ مضت، والذي يشتمل على ٣٣١ خطوة، كلٌّ منها له مراسم خاصة، بدايةً من تحية الضيف وحتى الخطوة الأخيرة المتمثلة في تقديم كوب الشاي له. وفي عام ١٩٨٧، اخترتُ استخدام هذه الكلمة للتعبير عن كل خطوات ابتكار مجموعة الأزياء وأهمية الأفراد الآخرين ومشاركتهم في هذه العملية.
figure40.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لخريف/شتاء ٢٠١٢. فستان حريري أسود من دون حمالات به شرائط. تصوير: دان وكورينا ليكا. الصورة بإذن من شركة شادو رالف روتشي.
figure41.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لخريف ٢٠١٢، بريشة رالف روتشي.
كيف تنجح، موسمًا تلو الآخر، في تصميم مجموعة تتناسب مع جمالياتك ورؤيتك التصميمية وتحقِّق في الوقت نفسه رواجًا تجاريًّا؟ هل يوجد أي تعارض في هذا الإطار؟
لا بد أن تسمح لعقلك أولًا بالعثور على المحفزات التي تسمح لك باكتشاف الأفكار الأساسية للمجموعة، ثم من خلال البحث والرسم وتطوير الأقمشة، تشرع في العمل. وفي أثناء هذه العملية، ستبدأ في رؤية منطق وضرورة وجود المزيد من الفساتين، والمزيد من المعاطف الواقية من المطر هنا، والمزيد من السترات هناك؛ الحاجة إلى المنظور الشامل الذي يجعل الصورة بأكملها واضحة بشدة. وإذا تعمَّقت أكثر وتأكدت من أن لديك ملابس ليس من أجل جمهورك الأساسي فقط، بل أيضًا من أجل جمهورٍ جديد أصغر سنًّا، ومن أجل سوق عالمية، بالإضافة إلى اشتمالها على ما تحتاج إليه للفت انتباه الصحافة إليك، فإنك تكون بذلك قد حققتَ جزءًا صغيرًا من قصتك. لكن بالنسبة إليَّ، يجب عليَّ فعل هذا داخل بيئة خاصة ومحكمة للغاية؛ من المكتب إلى المنزل ومن المنزل إلى المكتب، مع ممارسة التأمل ورفع الأثقال فقط في وقت الفراغ. أنا لا أستطيع التحدث عن أي من مجموعاتي قبل طرحها وأشعر بالغضب عندما تُوجَّه إليَّ الأسئلة عنها؛ لأنني أكون لا أزال في مرحلة عدم اليقين. وبطريقةٍ ما، تهتدي إليَّ المجموعة وأنا في هذه المرحلة.

figure42.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لخريف/شتاء ٢٠١٢. معطف مبطَّن من الجلد وفراء الماعز الأسود ذو تطريز بغرزة السلسلة. تصوير: دان وكورينا ليكا. الصورة بإذن من شركة شادو رالف روتشي.
ما النصيحة التي تودُّ تقديمها لمصمم أزياء طَموح يحاول طرح مجموعته الخاصة؟
من فضلك لا تفكِّر حتى في طرح مجموعتك إلى أن تستطيع فعل كل شيء؛ فيجب أن تكون قادرًا على تصميم الملابس، وعمل باتروناتها، وحياكتها، وضبط مقاساتها، وقصِّها أو تفصيلها على المانيكانات، وبيعها، وإنتاجها، وتغليفها، ومتابعتها. يجب أن تعرف كل جانب من جوانب العمل حتى تعرف سبب رغبتك في فعل الأمر بطريقةٍ معينة والسبيلَ إلى ذلك، وحتى تستطيع توجيه الآخرين بفاعلية. كذلك يجب أن يتوافر لديك المبالغ المالية المناسبة؛ فيجب ألا تدخل في مشروعٍ تجاري بمجال الأزياء دون أن يتوافر لديك مبلغ من المال في المصرف يغطي عملك لمدة عامين على الأقل، بما في ذلك رواتب الموظفين والضرائب وثمن الأقمشة والنفقات الإضافية، وأن تستطيع الصمود من الموسم الأول وحتى الذي يليه بينما تنتظر أن تتقاضى أجرك، وأنت تصنع مجموعتك الجديدة. ولا تنسَ راتبك الشخصي. كن مستعدًّا لأن يتحطم قلبك مرَّاتٍ ومراتٍ، وكن صبورًا؛ لأنه عندما يحين الوقت ستعرف.

figure43.png

مجموعة شادو رالف روتشي للملابس الجاهزة لخريف ٢٠١٢، بريشة رالف روتشي.
 
المواضيع المتشابهة

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
مواضيعك رائعه ماشاء الله
بانتظار كل جديد
 
أعلى