خصائص النمو العقلي للطلاب

المخرج

كاتب جيد جدا
يتركز اهتمام الداعية على خصائص النمو العقلي لأهمية ذلك في الدعوة، ويتمثل ذلك في ثلاثة أبعاد:


1- معرفة الطالبة للعلوم الدينية، وأسس العلم الشرعي، والقدرة على تعلمها.

2- ارتفاع درجة وعي الطالبة لأهمية هذه المعرفة، وإدراكها لما تقتضيه من عمل بعد العلم، وما يتبع ذلك من انقياد واتباع لشرع الله أو إعراض عنه، وعاقبة الاتباع أو الإعراض.

3- نمو مستوى القدرات العقلية لدى الطالبة، والتي تحدد مستوى فهمها للأمور المعنوية والمجردة كالصدق والفضيلة والأمانة، وقدرتها على التعبير عن ذلك على هيئة سلوك ظاهر.

ويتميز النمو العقلي لدى طالبة المرحلة الثانوية بالعديد من المميزات، منها:


1)) ظهور الاتجاه الديني والتفكير في أمور الدين بصفة مستمرة، ومناقشة الآراء الدينية والجدل حول الموضوعات الدينية لدرجة التشكك فيها، أو الالتزام التام والتمسك بالدين، وتتميز آراء الطالبة وأفكارها في هذه الأمور بالتعصب والتمسك الشديد الذي يتوافق ويشبع رغبتها في إظهار رأيها وسط الآخرين.

ويعبر البعض عن هذه الفترة باليقظة الدينية العامة، ويلاحظ الأثر القوي للتنشئة الاجتماعية والعلمية للطالبة منذ الصغر في تحديد اتجاهها الديني سواء كان تحمسا للدين أو شكّا فيه

2)) تحول طريقة التفكير من الطريقة المادية إلى الطريقة المعنوية، ومن التفكير الفردي إلى التفكير شبه الجماعي، ومن التوجه للخارج فقط إلى القدرة على تأمل الذات وما تحمل من مشاعر وأحاسيس، وتأمل المحيط الخارجي في نفس الوقت، ومن التفكير الآني إلى التفكير المستقبلي

3)) التحول النوعي في القدرات العقلية، فالذكاء يستمر في النمو ولكن بصورة أبطأ من الطفولة، ويصل إلى اكتماله بعد سن الثامنة عشرة في الغالب، كما تزداد القدرات العقلية القدرة الميكانيكة، والقدرة التحليلية، والسرعة الإدراكية، والقدرة المنطقية الاستدلالية، والقدرة اللغوية

4)) ظهور القدرة على التفكير المجرد، وهو: القدرة على القيام بالعمليات العقلية دون التقيد بالمحسوس، فتستطيع الطالبة التفكير في أمور افتراضية دون الحاجة إلى إجراء تجارب، وهذا يظهر عند حل المسائل والمشكلات، وتظهر آثار تحول نمط التفكير عن طريق التفكير في الأمور الجديدة التي لم يسبق لها التفكير بها من قبل كالكون والحياة والخلق، وكذلك طرح أسئلة لم تسألها من قبل وخاصة في الأمور الدينية، أو الأمور المحرجة للكبار

5)) من الخصائص المهمة للنمو العقلي عند الفتاة المراهقة أنها مرحلة تكوين الاتجاهات واكتساب القيم، والمقصود بالاتجاه: الموقف العقلي الذي تتخذه الطالبة تجاه موضوع ما، بحيث يجعلها تسلك سلوكا واحدا تقريبا في المواقف المتشابهة، وتكمن أهمية ذلك أن المعلمة الداعية تتمكن من التنبؤ بسلوك طالباتها - إلى حد كبير - من خلال اتجاهاتهنّ، كما تكمن خطورته أن الاتجاه يجعل الطالبة انتقائية في إدراكها وتلقيها للمعلومات التي تؤيد ما لديها من اتجاهات دون تمييز للصحيح والخاطئ من هذه المعلومات، وهذا يؤكد ضرورة محاولة تكوين الاتجاهات الصحيحة لدى الطالبات قبل ترسخها في عقولهنّ

6)) التفتح الذهني الذي يظهر على شكل الشغف بتعلم الجديد والعزوف عن القديم، والنقد لأفكار غيرها وأوضاعهم، بما في ذلك الأمور الاجتماعية والعادات والتقاليد، والمبالغة في تحليل الأمور عقليا، وإخضاع ما يُعد من المسلمات في الطفولة إلى التحليل والتفكير، الانتقال من القبول والتسليم الفوري إلى طلب الدليل المقنع قبل القبول والاستجابة.

7)) تتميز هذه الفترة بالحب الشديد للاطلاع والاستزادة من المعارف الجديدة، والتعلق بمن يقدم لهنّ هذه المعرفة، ومهمة المعلمة الداعية هنا : إشباع هذه الحاجة الغريزية وتهذيبها، مما ينتج سكون نفس الطالبة وطمأنينتها، وكذلك استثمارها كفرصة جيدة لتكوين قاعدة ثقافية علمية عامة، يقوم عليها بناء الطالبة العلمي والثقافي، كما يقوم عليها التخصص الذي تختاره وتميل إليه عند مواصلة تعليمها الجامعي.

خصائص النمو الانفعالي:


يعتبر هذا الجانب من خصائص النمو عند طالبة المرحلة الثانوية من أبرز الجوانب وأشدها لفتا للانتباه - باستثناء الجانب الجسمي -، وذلك لما يطرأ على الفتاة من تغيرات انفعالية ظاهرة، كوّنت لدى الكثير الانطباع بأنها مرحلة مشكلات وتصرفات غير سوية، والحقيقة أن الفتاة المراهقة إذا لقيت الرعاية الملائمة والتوجيه السليم خلال مراهقتها المصحوبة بالتغيرات المتنوعة، وإذا نشأت في بيئة معتدلة نقية، أوصلها ذلك إلى درجة عالية من الاستقرار، وعاشت مراهقتها وشبابها بطريقة عادية خالية من الأزمات والانفعالات الشاذة.

ومن أبرز العوامل التي تؤثر في انفعالات الطالبة في المرحلة الثانوية، ما يأتي:


1- التغيرات الجسمية والعضوية التي تؤثر عليها، ومن أهمها النشاط الكبير الذي يحدث في غددها التناسلية.

2- التغيرات العقلية التي تؤثر بشكل قوي على استجاباتها الانفعالية، مثل مستوى ذكائها ومستوى إدراكها للمواقف المختلفة، وتمايز قدراتها العقلية، وزيادة قدرتها على التعلم وإدراك الأمور المعنوية والمجردة، واتساع آفاقها وخبراتها، وغير ذلك من التغيرات العقلية التي تؤثر في قدرتها على ضبط وتهذيب انفعالاتها.

3- التغيرات الطارئة على سلوكها وعلاقاتها الاجتماعية، مثل اهتمامها بمظهرها ومستقبلها، واتساع علاقاتها الاجتماعية.

4- الوسط الاجتماعي والاقتصادي والجو النفسي السائد في أسرتها ومدرستها، والثقافة التي تعيشها وتنهل منها، والمعايير والقيم التي تفرض عليها وتعيش بها.

5- بروز الدافع الديني عند الفتاة، مع إدراكها لمفاهيم الإسلام وقيمه، وبالتالي قوة إيمانها بالله تعالى.

6- المعاملة التي تتلقاها من والديها ومعلماتها ورفيقاتها، فهذه تكون عاملا مساعدا على تحقيق الاتزان الانفعالي إذا وجدت عندهم احترام شخصيتها، وفهم طبيعة المرحلة العمرية لديها، وفي المقابل تكون عامل هدم إذا قامت على تحقيرها وإذلالها، وعدم إتاحة الحرية والاستقلالية المناسبة لها


ومن أهم خصائص النمو الانفعالي لطالبة المرحلة الثانوية ما يأتي:


1)) التذبذب العاطفي والتقلب المزاجي بسبب هشاشة الانفعالات، والقابلية والاستعداد لدى الفتاة للاستهواء، حيث يظهر على سلوكها الانفعالي سرعة الاستثارة، والرهافة والتهور وعدم تناسبها مع المثيرات، إضافة إلى ضعف قدرة التحكم فيها أو في درجتها وشدتها أو ما يطلق عليه: (الحساسية الانفعالية)، فتشعر الطالبة بالفرح الغامر لأمور بسيطة وتُظهر ذلك بشكل مبالغ فيه، كما أنها قد تحزن بشدة وتُعبر عن حزنها بالبكاء، وذلك لأن الطالبة تملك ما يملكه الكبار من المشاعر وأنواع الانفعالات، وتدرك الاستثارة العاطفية، مع ما يصاحب ذلك من تأثير للمتغيرات المتتابعة المرافقة لبلوغها، فهي من حيث النمو والنضج تعيش أوضاع وسمات جديدة عليها كل الجِدة، حيث لم تصقلها البيئة والخبرة أو تهذبها التجارب بعد، لذلك لا تستقر انفعالاتها، ولا تكون واقعية في التعبير عنها، فإذا غضبت اشتد غضبها وقد تلقي أو تحطّم ما في يدها، وإذا أحبت أسرفت وبالغت وهامت بمن تحب، بل توالي وتعادي من أجله، وهذا من مبررات تعلق الفتيات بالممثلات والفنانات والشخصيات المشهورة اللامعة بشكل مبالغ فيه


2)) الذاتية، وتعني إعجاب المراهقة بنفسها واعتدادها به، واعتقادها بأنها محط أنظار الناس وبؤرة اهتمامهم، وأنهم ينظرون إليها ويتصورونها كما تنظر هي لنفسها وتتصورها، ويطلق البعض عليها: (ظاهرة خشبة المسرح أو المراقب الوهمي)، وهذا يدفع الطالبة لأن تكون مهتمة بمظهرها خاصة في المناسبات الاجتماعية، كما يجعلها ذات حساسية مرهفة لنقد الآخرين خاصة إذا شعرت بالخسارة وخيبة الأمل، ووجدت الذم بدلا من المدح، وتسفيه حالها عوضا عن الإشادة بها، وقد تصير لذلك ناقمة على من حولها ومتهمة للجميع بعدم فهمها وإدراك مشاعرها.

إن ذاتية المراهقة أحد الاعتبارات المهمة التي يجب ملاحظتها عند دعوة طالبة المرحلة الثانوية أو عند إرادة حل مشكلاتها، فقد تكون هي سبب ومنبع الاستجابة والقبول، أو تكون باعث الرفض والمواجهة أو العزلة والانطوائية، وربما أدى ذلك إلى الارتماء في أحضان رفقة السوء.

3)) تؤثر خاصية الذاتية لدى المراهقة في تبلور مفهومها لذاتها، واستقرار الفكرة التي تحملها عن نفسها، سواء في الجانب الإيجابي أم السلبي، حيث تكوّن هذه الرؤية لذاتها من خلال ردود أفعال الآخرين تجاهها ورأيهم فيها، وتظهر حكمة المعلمة الداعية في مدى استيعابها لأثر تغيير مفهوم الذات في تغيير السلوك، حيث إن كثرة لوم الطالبة وتحقيرها ومقارنتها بغيرها يحطم معنوياتها ولا يجدي في تحسين سلوكها السيئ بل يزيده سوءا، والعكس صحيح

4)) شعور الطالبة بالتفرد والغيرية، حيث تشعر أن عندها من الأفكار والمشاعر والخبرات ما ليس لدى الآخرين، لأنها مختلفة عنهم، وقد أوضحت الدراسات بأن هذا الشعور يقوى خلال مرحلة المراهقة، بسبب ظهور قدرات ودوافع جديدة، فتظن المراهقة بأنها الوحيدة من نوعها، وأنها تمتلك من المشاعر ما لا يملكه غيرها، وهذا يؤدي إلى ضعف تقبلها للنصح بشكل عام، وإلى كثرة وقوع الأخطاء منها، إضافة إلى حرصها على إبراز انفعالاتها ومشاعرها أمام الآخرين عبر إشراكهم فيها، أو قيامها بتدوينها في مذكراتها وحفظها

5)) النزعة الاستقلالية بشؤونها الخاصة، فهي تشعر بأنها كبيرة وناضجة بما يكفي للقيام بذلك، وتفسر أي تدخل في خصوصياتها بأنها لا تحتاج إلى تلك النصائح، وترفض أن تعامل كالصغار، وهذه النزعة تفسر الكثير من تصرفات الفتاة المراهقة حين ترفض الانصياع للأوامر التي كانت تطيعها سابقا، أو تعبيرها عن استقلاليتها بتصرفات تخالف مجتمعها سواء في المظهر أو الكلام أو تبنّيها لأفكار مخالفة للمحيطين بها رغم عدم إيمانها فعلا بهذه الأفكار.

إن سوء التعامل مع هذه النزعة وعدم احترام رأي المراهقة وإشعارها بالقبول والتقدير الاجتماعي؛ قد يقودها إلى التمرد على الجماعة المرجعية والسلطة التي تضبط سلوكها، كالوالدين والمعلمات والإدارة المدرسية، بل ربما دفعها إلى مخالفة الأوامر والتهكم والسخرية بهم، أو تشجيع وتأييد وموافقة من يقوم بمثل هذا التمرد على السلطة، وهذا يؤكد أهمية تحلي المعلمة الداعية لطالبات المرحلة الثانوية بالرفق أثناء دعوتها، وحسن تقديرها لهنّ واحترامهنّ، لأن هذا التعامل الحسن يؤدي إلى السلوك الصحيح بطريقة أكثر مما يؤدي إليه أسلوب التحقير والتهديد الذي يفضي إلى الدخول في حلقة التحدّي والعناد مع الطالبة المراهقة

إن حسن رعاية المعلمة لخصائص النمو الانفعالي واستثمارها يقوم على معرفة الآثار الحسنة للسلوك الانفعالي واستثمارها، ومعرفة الآثار السيئة له وتحجيمها، وذلك بالأسلوب المناسب، حتى تستطيع توجيه هذه الانفعالات السليمة نحو الغايات المرجوة التي تحقق للطالبة الاستقرار الانفعالي والنفسي، وتدفعها نحو العمل والطموح وعلوّ الهمة والرغبة في الإنجاز والتميز والنجاح، مع القدرة على ضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين.

 

مواضيع مماثلة

أعلى