السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسئلة دارت طويلة بذهني،فأكرمني الله بالأجوبة،لما سمعت درسا عن اتباع رسول الله من الحبيب علي الجفري جزاه الله خيرا فأحببت أن أنقل لكم بعض الافكارمنه.
كلنا نقول:نحب الله،فلمّا كثر المدّعون لحب الله جعل الله سبحانه لحبّه دليلا هو:{قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم}.
فجعل الله سبحانه باب صلتك بالله هو رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم،وتأمل كلمة فاتبعوني وليس فاتبعوا سنتي أو نهجي،بل اتبعوني ذاتا وصفاتا ونهجا وأخلاقا وبكل شيء.
ثمّ ثمرة هذا الاتباع ليس أن تحب الله بل أن يحبك الله وهي غاية الوجود.
فالصحابة الكرام ومن تبعهم لم ينظروا لرسول الله على أنّه صاحب رسالة بلّغها ومضى،بل نظروا له على أنّه هو الرسالة،فمن يعتبر أنّ رسول الله جاء بمهمة أداها وهو ما عليه إلا الانشغال بالمهمة دون صلة برسول الله فهو لم يكتمل إيمانه بل علينا أن ننظر لرسول الله على أنّه هو المهمة.
فصلتنا برسول الله قلب قبل أن تكون قالبا،والله سبحانه هو من أمرنا بذلك،حتى أن الله سبحانه يقول:{فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما}.
فأقسم الله سبحانه ليس ب:لا وربكم،وليس:لا ورب الكعبة،لا ورب العالمين...بل لا وربّك يا محمّد،أي أنهم لن يذوقوا حلاوة ربوبية الله إن لم يأخذوها من باب ربوبية الله سبحانه لرسوله وعبده محمّد.
ثم لا يجدوا حرجا:فمجرد الأخذ الحسي الفكري عن رسول الله دون محبّة حقيقية هذا ليس حقّ الاتباع بل هو مقدمة الاتباع،فحقيقة الاتباع أن تتّبع وقلبك ممتلئ بحب من تتبع،وعلى هذا كان صحابة رسول الله.
والإنسان قد يتبع إنسان دون أن يحبّه،أو قد يتبعه ونفسه مثقلة ومجبرة فهل هذا مؤمن؟؟؟نعم لكن لم يكتمل إيمانه ولم يذوق حلاوة الإيمان.
لا يمكن للأنفس البشرية ان تخضع لشيء ما إلا بتوجيه هوى النفس تجاه هذا الشيء،ولكن لهوى النفس جنود تتصارع كالشهوة والغضب...ولكن هناك جندي واحد إن أخضعته خضعت لك كل جنود الهوى الأخرى ألا وهو الحبّ.
فالإنسان إن أحبّ شخصا يمتلك نفسه عند الغضب إذا ما رآه وهو في قمّة غضبه،قد يتنازل عن شهواته إن كان من يحبّ لا يحبّها،فمثلا أنت تحب صديقا عزيزا وستشرب معه العصير وهو يحب عصير التفاح وأنت عصير البرتقال،قد تتنازل عمّا تحب وتطلب مثله لشدّة حبّك له،ماذا لو أنت في قمّة غضبك وقالوا لك فلانا قد جاء وهو شخص تحبّه جدّا؟؟؟؟
فالحبّ إن تمكّن من الإنسان لا يستطيع أن يغلبه شيء،فيخضع له قلب الإنسان وعقله وفكره.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:{لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من أهله وولده وماله والنّاس اجمعين ونفسه التي بين جنبيه}.
لماذا؟؟؟هل يطلب رسول الله لنفسه منزلة عند الناس؟؟؟
طبعا لا،فقد أغناه الله سبحانه عن ذلك،فأيّة منزلة بعد حبّ الله،لكن لشدّة حرص النبي علينا،وهذا ما قاله الله سبحانه{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
هذا كلام الله سبحانه عن عبده ورسوله صلى الله عليه وسلّم،فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أننا لو أحببناه لاتبعناه ولو اتبعناه نجونا بالدنيا والآخرة،فهو يدلّنا على أقرب الطرق إلى الله سبحانه.
المحبّة ليست الاتباع،لكنها شجرة ثمارها إن كان الحبّ صادقا الاتباع،فقد تحبّ رسول الله ولا تتبعه لكن هذا فقط بالبداية،فإن صدقت بالحب،لن تغلّب حب هواك على حبّه،ولا حبّ الناس وطلب إرضائهم،ولا حبّ الأولاد فتسعى لكسب الحرام لتربيتهم،ولا حب زوجتك فتعصي الله لإرضائها.
حب رسول الله يوصلك لاتباعه،واتباعه يوصلك لرضى الله وهي غاية وجودك في هذا الكون.
وكلما ترقّى الإنسان في الحب مرتبة،ترقّى في الاتباع مرتبة.
ماذا عن حب رسول الله لأمته؟؟؟؟
لو وضع حبّ رسول الله لواحد من أمته في كفّة،وحبّ الأمة كلها لرسول الله بما فيها من مات في سبيل الله في كفّة لرجح حبّ رسول الله لواحد من أمته.
موقف من السيرة،كان رجل مسلم يشرب الخمر،وكل مرّة يأتي للمسجد وهو شارب للخمر فيقام عليه الحدّ،ولا يردعه ذلك عن شيء فيعود لذلك مرّات عديدة،فمرّة كان صحابي بجوار رسول الله في المسجد،فقال:لعنه الله،فقال النبي العظيم الرحيم صلى الله عليه وسلّم:مه،لا تعن الشيطان على أخيك،إنّه رجل يحبّ الله ورسوله.
يشهد رسول الله لرجل يرتكب أمّ الخبائث بأنّه يحبّ الله ورسوله!!فلمّا أفاق الرجل من سكرته،أخبروه بما قال رسول الله،فقال:رسول الله قال عني هذا!!!أشهد الله وأشهدكم أني تبت من شرب الخمر.
هذا الرجل لم يردعه الحدّ عن شرب الخمر،لكن لمّا خاطب النبي جانب الحبّ فيه تاب وعاد إلى الله.
لقد أحبّ الصحابة رسول الله حبّا لا يوازي حبّ إنسان لإنسان،فهذا عمر بن الخطاب الذي كان من سادة قريش،فترك كل شيء في سبيل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم،فقال مرة لرسول الله:يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من أهلي ومالي وولدي،فقال النبي:ومن نفسك يا عمر؟؟قال عمر:إلا نفسي،فقال النبي:ليس بعد يا عمر{أي لم يكتمل إيمانك}،فذهب عمر ثم عاد وقال:ومن نفسي يا رسول الله،فقال النبي:الآن يا عمر...الآن يا عمر.
فلمّا سأله ابنه عبد الله عن سبب تغيير رأيه بهذه السرعة،أجاب:سألت نفسي من تحتاج أكثر يا عمر نفسك أم رسول الله،فعلمت أنّي احتاج رسول الله أكثر.
جاء أبو سفيان قبل إسلامه ووقف أمام زيد بن الدثنة وهو مصلوب خارج الحرم وقد قطعت أذناه،وجدع أنفه وسلخ جلده وقطعت اطرافه،فقال له:يا زيد أناشدك الله،هل تحب أن يكون محمّدا مكانك،وأنت آمن في أهلك،فقال:إليك عنّي يا أبا سفيان،فو الله ما أحبّ أنّ محمدا الآن تصيبه شوكة وأنا آمن على أهلي في الحياة.
فاهتزّ أبو سفيان وقال:ما رأيت أحدا يحبّ أحدا كحبّ صحابة محمّد محمّدا.
- أرسلت قريش عروة بن مسعود إلى رسول الله،فعاد وهو يقول لهم:يا قوم أطيعوني ولا تؤذونهم..إنّي دخلت على كسرى في ملكه و على قيصر في ملكه و على النّجاشيّ في ملكه فلم أرَ أحداً يعظّم أحداً كتعظيم أصحاب محمّدٍ محمّداً ..يا قوم إنّه ما تكلّم كلمةً إلّا كانوا كلّهم آذاناً صاغية..يا قوم إنّهم يجلسون بين يديه و كأنّ على رؤوسهم الطّير .. .يا قوم إنّهم لا يحدّون البصر إمعاناً في وجهه أدباً له ..يا قوم إنّه ما توضّأ وضوءاً إلّا كانوا يقتتلون على فضلة وضوئه.. -
عجباً مع أنّ الفرس و الرّوم كانوا يسجدون لملوكهم و ما كان يفعل ذلك أصحاب محمّد ..! الفرق أن التعظيم كان نابعاً عن فلب أحبّ..أما أولئك يسجدون لملوكهم طمعا وخوفا.
- حتى أنّ كبار الصحابة ما استطاعوا أن يصفوا وجه النبي صلى الله عليه وسلم،لأنهم ماكانوا يستطيعون أن يحدّوا النظر في وجهه لشدّة حبه وهيبته،بل وصفه صغار الصحابة الذين تربوا عند رسول الله.
- . سيّدنا سعد بن الرّبيع سقط جريحاً على أرض أُحد فقال رسول اللّه لبعض من معه بعد انتهاء المعركة (من ينظر لي ماذا صنع سعد بن الرّبيع ) فقال أحد سادات الأنصار أنا ألتمسه لك..قال له فإن وجدته فأقرئه منّي السّلام ..قال فوقفت على سعد و دمه يسيل فقلت له يا سعد ..يا سعد.. فتباطأ في إجابتي .فقلت له رسولُ اللّه يقرئك السّلام ..ففتح عينيه كأنما دبّت الحياة فيه ..فقال : بأبي هو و أمّي و على رسول اللّه السّلام..جزاك اللّه عنّا خيراً يا رسول اللّه ..فقال له يقول لك رسول اللّه كيف تجِدُكَ يا سعد؟ فقال له :أقرئ رسول الله عني السلام و قل له إنّي و اللّه لأجد رائحة الجنّة من دون أُحُد و أقرئ قومي من الأنصار عنّي السّلام و قل لهم يقول لكم سعد لا يصلنّ أحدهم إلى رسول اللّه من الأعداء و فيكم عرق ينبض ..
وفي رواية:قل لهم:ليس لكم عذر إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف.- فسعد قدّم حياته فماذا بعد؟؟لكنّ الإنسان إذا أحبّ يشعر أن محبوبه يستحق أكثر من حياته،لذلك لم يكتف سعد بحياته بل طلب من قومه أن يقدّموا أيضا.
- أمّا أكثر من أحبّ رسول الله فهو أبو بكر الصدّيق،ففي موقف وفاة النبي،لم يحتمل الصحابة الموقف رغم ثباتهم لكنهم مرّوا بلحظات بشريّة،فلم يتحملوا موقف مفارقة النبي لهم،عثمان لم يستطع التحرك،عليّ يؤخذ بيده يمنة ويسرى،عمر يقول:من قال أنّ محمدا قد مات قطعت عنقه إنما ذهب للقاء ربه وسيعود كما ذهب موسى وعاد،لكنّ رفيق حياة النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصدّيق كان أثبت الناس وأشدّهم احتراقا على رسول الله،فذهب لغرفة ابنته السيدة عائشة التي فيها جسد رسول الله الشريف،وكان يسمع في صدره غليان لشدّة احتراقه على رسول الله،فدخل وقبّل النبي وقال:طبت حيّا وميّتا يا رسول الله،جزاك الله عنّا خير الجزاء.
ثمّ خرج إلى الناس ووقف على المنبر وقال:أيّها الناس من كان يعبد محمّدا فإنّ محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت.
فجمع أبو بكر بين شدّة الحب وشدّة الاتباع والثبات،ثم قرأ قول الله{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}
يقول عمر:وكأني لأول مرّة أسمع هذه الآية.
- أبو بكر لا يقصد أن يقول للناس لم تعد لكم صلة برسول الله،بل على العكس،هو يفهم أنّ الصلة برسول الله أصلها الله سبحانه وماكان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل،وهو يرى أنّ الصلة برسول الله لم تكن فقط بالجسد بل بالروح والرسالة والاتباع.
- حتى أنّ أبا بكر بعد أن أصبح خليفة رسول الله،كان كلما ذكر موقفا له مع رسول الله فقال:كنت أنا ورسول الله مرّة،ثم يبكي ويشتد بكاؤه حتى يبكي كل من في المسجد فيصل الصوت لحجرات أمهات المؤمنين فتبكين،ثم يبكي كل أهل المدينة لأنهم تذكروا رسول الله.
- هكذا أحبّ الصحابة رسول الله فاتبعوه فاهتدوا إلى طريق الله.
نستطيع تلخيص كل ما سبقب:
أقرب الطرق إلى الله سبحانه حبّ عبده ونبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.-
الكعبة قبلة الجسد ورسول الله قبلة الروح.
.....................والحمد لله رب العالمين.......................
أسئلة دارت طويلة بذهني،فأكرمني الله بالأجوبة،لما سمعت درسا عن اتباع رسول الله من الحبيب علي الجفري جزاه الله خيرا فأحببت أن أنقل لكم بعض الافكارمنه.
كلنا نقول:نحب الله،فلمّا كثر المدّعون لحب الله جعل الله سبحانه لحبّه دليلا هو:{قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم}.
فجعل الله سبحانه باب صلتك بالله هو رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم،وتأمل كلمة فاتبعوني وليس فاتبعوا سنتي أو نهجي،بل اتبعوني ذاتا وصفاتا ونهجا وأخلاقا وبكل شيء.
ثمّ ثمرة هذا الاتباع ليس أن تحب الله بل أن يحبك الله وهي غاية الوجود.
فالصحابة الكرام ومن تبعهم لم ينظروا لرسول الله على أنّه صاحب رسالة بلّغها ومضى،بل نظروا له على أنّه هو الرسالة،فمن يعتبر أنّ رسول الله جاء بمهمة أداها وهو ما عليه إلا الانشغال بالمهمة دون صلة برسول الله فهو لم يكتمل إيمانه بل علينا أن ننظر لرسول الله على أنّه هو المهمة.
فصلتنا برسول الله قلب قبل أن تكون قالبا،والله سبحانه هو من أمرنا بذلك،حتى أن الله سبحانه يقول:{فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما}.
فأقسم الله سبحانه ليس ب:لا وربكم،وليس:لا ورب الكعبة،لا ورب العالمين...بل لا وربّك يا محمّد،أي أنهم لن يذوقوا حلاوة ربوبية الله إن لم يأخذوها من باب ربوبية الله سبحانه لرسوله وعبده محمّد.
ثم لا يجدوا حرجا:فمجرد الأخذ الحسي الفكري عن رسول الله دون محبّة حقيقية هذا ليس حقّ الاتباع بل هو مقدمة الاتباع،فحقيقة الاتباع أن تتّبع وقلبك ممتلئ بحب من تتبع،وعلى هذا كان صحابة رسول الله.
والإنسان قد يتبع إنسان دون أن يحبّه،أو قد يتبعه ونفسه مثقلة ومجبرة فهل هذا مؤمن؟؟؟نعم لكن لم يكتمل إيمانه ولم يذوق حلاوة الإيمان.
لا يمكن للأنفس البشرية ان تخضع لشيء ما إلا بتوجيه هوى النفس تجاه هذا الشيء،ولكن لهوى النفس جنود تتصارع كالشهوة والغضب...ولكن هناك جندي واحد إن أخضعته خضعت لك كل جنود الهوى الأخرى ألا وهو الحبّ.
فالإنسان إن أحبّ شخصا يمتلك نفسه عند الغضب إذا ما رآه وهو في قمّة غضبه،قد يتنازل عن شهواته إن كان من يحبّ لا يحبّها،فمثلا أنت تحب صديقا عزيزا وستشرب معه العصير وهو يحب عصير التفاح وأنت عصير البرتقال،قد تتنازل عمّا تحب وتطلب مثله لشدّة حبّك له،ماذا لو أنت في قمّة غضبك وقالوا لك فلانا قد جاء وهو شخص تحبّه جدّا؟؟؟؟
فالحبّ إن تمكّن من الإنسان لا يستطيع أن يغلبه شيء،فيخضع له قلب الإنسان وعقله وفكره.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:{لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من أهله وولده وماله والنّاس اجمعين ونفسه التي بين جنبيه}.
لماذا؟؟؟هل يطلب رسول الله لنفسه منزلة عند الناس؟؟؟
طبعا لا،فقد أغناه الله سبحانه عن ذلك،فأيّة منزلة بعد حبّ الله،لكن لشدّة حرص النبي علينا،وهذا ما قاله الله سبحانه{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
هذا كلام الله سبحانه عن عبده ورسوله صلى الله عليه وسلّم،فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أننا لو أحببناه لاتبعناه ولو اتبعناه نجونا بالدنيا والآخرة،فهو يدلّنا على أقرب الطرق إلى الله سبحانه.
المحبّة ليست الاتباع،لكنها شجرة ثمارها إن كان الحبّ صادقا الاتباع،فقد تحبّ رسول الله ولا تتبعه لكن هذا فقط بالبداية،فإن صدقت بالحب،لن تغلّب حب هواك على حبّه،ولا حبّ الناس وطلب إرضائهم،ولا حبّ الأولاد فتسعى لكسب الحرام لتربيتهم،ولا حب زوجتك فتعصي الله لإرضائها.
حب رسول الله يوصلك لاتباعه،واتباعه يوصلك لرضى الله وهي غاية وجودك في هذا الكون.
وكلما ترقّى الإنسان في الحب مرتبة،ترقّى في الاتباع مرتبة.
ماذا عن حب رسول الله لأمته؟؟؟؟
لو وضع حبّ رسول الله لواحد من أمته في كفّة،وحبّ الأمة كلها لرسول الله بما فيها من مات في سبيل الله في كفّة لرجح حبّ رسول الله لواحد من أمته.
موقف من السيرة،كان رجل مسلم يشرب الخمر،وكل مرّة يأتي للمسجد وهو شارب للخمر فيقام عليه الحدّ،ولا يردعه ذلك عن شيء فيعود لذلك مرّات عديدة،فمرّة كان صحابي بجوار رسول الله في المسجد،فقال:لعنه الله،فقال النبي العظيم الرحيم صلى الله عليه وسلّم:مه،لا تعن الشيطان على أخيك،إنّه رجل يحبّ الله ورسوله.
يشهد رسول الله لرجل يرتكب أمّ الخبائث بأنّه يحبّ الله ورسوله!!فلمّا أفاق الرجل من سكرته،أخبروه بما قال رسول الله،فقال:رسول الله قال عني هذا!!!أشهد الله وأشهدكم أني تبت من شرب الخمر.
هذا الرجل لم يردعه الحدّ عن شرب الخمر،لكن لمّا خاطب النبي جانب الحبّ فيه تاب وعاد إلى الله.
لقد أحبّ الصحابة رسول الله حبّا لا يوازي حبّ إنسان لإنسان،فهذا عمر بن الخطاب الذي كان من سادة قريش،فترك كل شيء في سبيل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم،فقال مرة لرسول الله:يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من أهلي ومالي وولدي،فقال النبي:ومن نفسك يا عمر؟؟قال عمر:إلا نفسي،فقال النبي:ليس بعد يا عمر{أي لم يكتمل إيمانك}،فذهب عمر ثم عاد وقال:ومن نفسي يا رسول الله،فقال النبي:الآن يا عمر...الآن يا عمر.
فلمّا سأله ابنه عبد الله عن سبب تغيير رأيه بهذه السرعة،أجاب:سألت نفسي من تحتاج أكثر يا عمر نفسك أم رسول الله،فعلمت أنّي احتاج رسول الله أكثر.
جاء أبو سفيان قبل إسلامه ووقف أمام زيد بن الدثنة وهو مصلوب خارج الحرم وقد قطعت أذناه،وجدع أنفه وسلخ جلده وقطعت اطرافه،فقال له:يا زيد أناشدك الله،هل تحب أن يكون محمّدا مكانك،وأنت آمن في أهلك،فقال:إليك عنّي يا أبا سفيان،فو الله ما أحبّ أنّ محمدا الآن تصيبه شوكة وأنا آمن على أهلي في الحياة.
فاهتزّ أبو سفيان وقال:ما رأيت أحدا يحبّ أحدا كحبّ صحابة محمّد محمّدا.
- أرسلت قريش عروة بن مسعود إلى رسول الله،فعاد وهو يقول لهم:يا قوم أطيعوني ولا تؤذونهم..إنّي دخلت على كسرى في ملكه و على قيصر في ملكه و على النّجاشيّ في ملكه فلم أرَ أحداً يعظّم أحداً كتعظيم أصحاب محمّدٍ محمّداً ..يا قوم إنّه ما تكلّم كلمةً إلّا كانوا كلّهم آذاناً صاغية..يا قوم إنّهم يجلسون بين يديه و كأنّ على رؤوسهم الطّير .. .يا قوم إنّهم لا يحدّون البصر إمعاناً في وجهه أدباً له ..يا قوم إنّه ما توضّأ وضوءاً إلّا كانوا يقتتلون على فضلة وضوئه.. -
عجباً مع أنّ الفرس و الرّوم كانوا يسجدون لملوكهم و ما كان يفعل ذلك أصحاب محمّد ..! الفرق أن التعظيم كان نابعاً عن فلب أحبّ..أما أولئك يسجدون لملوكهم طمعا وخوفا.
- حتى أنّ كبار الصحابة ما استطاعوا أن يصفوا وجه النبي صلى الله عليه وسلم،لأنهم ماكانوا يستطيعون أن يحدّوا النظر في وجهه لشدّة حبه وهيبته،بل وصفه صغار الصحابة الذين تربوا عند رسول الله.
- . سيّدنا سعد بن الرّبيع سقط جريحاً على أرض أُحد فقال رسول اللّه لبعض من معه بعد انتهاء المعركة (من ينظر لي ماذا صنع سعد بن الرّبيع ) فقال أحد سادات الأنصار أنا ألتمسه لك..قال له فإن وجدته فأقرئه منّي السّلام ..قال فوقفت على سعد و دمه يسيل فقلت له يا سعد ..يا سعد.. فتباطأ في إجابتي .فقلت له رسولُ اللّه يقرئك السّلام ..ففتح عينيه كأنما دبّت الحياة فيه ..فقال : بأبي هو و أمّي و على رسول اللّه السّلام..جزاك اللّه عنّا خيراً يا رسول اللّه ..فقال له يقول لك رسول اللّه كيف تجِدُكَ يا سعد؟ فقال له :أقرئ رسول الله عني السلام و قل له إنّي و اللّه لأجد رائحة الجنّة من دون أُحُد و أقرئ قومي من الأنصار عنّي السّلام و قل لهم يقول لكم سعد لا يصلنّ أحدهم إلى رسول اللّه من الأعداء و فيكم عرق ينبض ..
وفي رواية:قل لهم:ليس لكم عذر إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف.- فسعد قدّم حياته فماذا بعد؟؟لكنّ الإنسان إذا أحبّ يشعر أن محبوبه يستحق أكثر من حياته،لذلك لم يكتف سعد بحياته بل طلب من قومه أن يقدّموا أيضا.
- أمّا أكثر من أحبّ رسول الله فهو أبو بكر الصدّيق،ففي موقف وفاة النبي،لم يحتمل الصحابة الموقف رغم ثباتهم لكنهم مرّوا بلحظات بشريّة،فلم يتحملوا موقف مفارقة النبي لهم،عثمان لم يستطع التحرك،عليّ يؤخذ بيده يمنة ويسرى،عمر يقول:من قال أنّ محمدا قد مات قطعت عنقه إنما ذهب للقاء ربه وسيعود كما ذهب موسى وعاد،لكنّ رفيق حياة النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصدّيق كان أثبت الناس وأشدّهم احتراقا على رسول الله،فذهب لغرفة ابنته السيدة عائشة التي فيها جسد رسول الله الشريف،وكان يسمع في صدره غليان لشدّة احتراقه على رسول الله،فدخل وقبّل النبي وقال:طبت حيّا وميّتا يا رسول الله،جزاك الله عنّا خير الجزاء.
ثمّ خرج إلى الناس ووقف على المنبر وقال:أيّها الناس من كان يعبد محمّدا فإنّ محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت.
فجمع أبو بكر بين شدّة الحب وشدّة الاتباع والثبات،ثم قرأ قول الله{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}
يقول عمر:وكأني لأول مرّة أسمع هذه الآية.
- أبو بكر لا يقصد أن يقول للناس لم تعد لكم صلة برسول الله،بل على العكس،هو يفهم أنّ الصلة برسول الله أصلها الله سبحانه وماكان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل،وهو يرى أنّ الصلة برسول الله لم تكن فقط بالجسد بل بالروح والرسالة والاتباع.
- حتى أنّ أبا بكر بعد أن أصبح خليفة رسول الله،كان كلما ذكر موقفا له مع رسول الله فقال:كنت أنا ورسول الله مرّة،ثم يبكي ويشتد بكاؤه حتى يبكي كل من في المسجد فيصل الصوت لحجرات أمهات المؤمنين فتبكين،ثم يبكي كل أهل المدينة لأنهم تذكروا رسول الله.
- هكذا أحبّ الصحابة رسول الله فاتبعوه فاهتدوا إلى طريق الله.
نستطيع تلخيص كل ما سبقب:
أقرب الطرق إلى الله سبحانه حبّ عبده ونبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.-
الكعبة قبلة الجسد ورسول الله قبلة الروح.
.....................والحمد لله رب العالمين.......................