: : فتاة المطر : : بقلمي ج1 : :

غازي

كاتب جديد
[align=center][table1="width:95%;background-color:white;border:4px double black;"][cell="filter:;"][align=center]
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.hellasmultimedia.com/webimages/christ-htm/backgrounds/misc/anistarrynight.gif');border:4px double white;"][cell="filter:;"][align=center]
[align=center][table1="width:95%;background-color:white;border:4px double black;"][cell="filter:;"][align=center]

جـــــــــــــــ1ــها قد أتت ..أو أنها بدأت تترآى لي في الأفق ..يا ترى هل هي حقا ..؟؟!!!
يبدو أنها شخص آخر لكني لن أستسلم وسأنتظرها ..
بدأت أرتجف بردا ..والمطر بات ينهال علي بكثرة حتى أنه غمرني من رأسي إلى أخمص قدمي ..سارعت في فتح مظلتي لأحتمي بها ..وأنا أنتظر قدومها كما وعدت ..
يا إلهي طال صبري ..وأشواقي لها مازالت دافئة رغم حرارة الجو القاسية ..لقائي معها بات حتميا ..توقفت أحلامي ..بات حلمي الوحيد أن أكحل عيني برؤيتها ..
طال الانتظار ..أطالع في ساعتي لأجد بأنها تأخرت أكثر من نصف ساعة ..كاد اليأس أن يتسلل إلى جسدي وعقلي ..
بعد كل ذلك الانتظار هل من المعقول أن أرحل دون رؤيتها ..
وأنا في ذلك التفكير ..وإذا برجل عجوز قد احتمى بمظلة مثلي ..بدت عليه علامات الهرم الشديد ..فسلم علي بدهشة غريبة وبادرني في السؤال .."ماذا تفعل هنا يا بني ؟؟ لماذا أنت واقف هنا ..اذهب إلى منزلك وتدفأ من هذا البرد قبل أن ينزل عليك مرض يطيح بك في غياهيب الفراش" ..
فقلت له: لن أذهب الآن ..قبل أن أنهي ما أتيت من أجله ..فقال وهو يبتسم :"يا بني اذهب فلن تأتي لكي تراك ألا ترى أنها تمطر بشدة ..!!!
قلت باستغراب شديد :" ومن هي التي لن تأتي ؟؟؟ ...لكنه خذلني ولم يجب ورفع مظلته و احتمى بها وظل راحلا أمام عيني ..!!
لم يبق أحد في تلك الحديقة الكبيرة سواي ..لم أفقد الأمل رغم كلمات ذلك العجوز التي أشعرتني بالغرابة والحيرة في نفس الوقت ..فكيف علم أنني أنتظر فتاة !! ولماذا قال أنها لن تأتي ؟هل هو يعلم من هي ؟؟ أم انه أحد العرافين أو المنجمين الذين يقولون ذلك استنادا إلى أمور باطلة ..لأنها من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله ..
و بينما أنا كذلك أحادث نفسي كالمجنون ..وإذ بفتاة تلوح لي في الأفق من بعيد ..بدا عليها علامات الإرهاق كانت تلبس معطفا جلديا طويلا ..وقد وضعت مايقي رأسها من المطر ..بدأت تقترب أكثر مني ..شعرت بأن قلبي سيتوقف ..وأن قدماي لم يعودا قادرين على حملي ..وما زاد خوفي البرق الذي ظهر في السماء ..تلاه صوت رعد قوي جدا ..
بدأت تقترب أكثر فأكثر وما هي إلا لحظات وهي تقف أمامي ..لم تقل شيئا سوى سؤالها لي من تحت القبعة التي امتلأت بالماء .." هل أنت خلدون ؟ " قالتها بصوت خافت جدا ..وبصعوبة ..وكأنها مريضة ..قلت لها " نعم انا هو ..هل أنتي ؟؟" وقبل أن أنطق باسمها وضعت في يدي رسالة مغلقة مغلفة ذات لون أبيض وقالت : " لا تفتحها إلى أن أبتعد عن ناظريك .." ثم تركتني بسرعة ورحلت واختفت في غياهيب المطر ..
وأنا في كامل دهشتي لا أدري أأنا أحلم ..؟ أم أنه واقع غريب يمر بي ..شعرت بشيء ليس بالجيد في تلك الرسالة
فتحتها كما أمرت ..فوجدت ورقة صغيرة معطرة بأجمل عطر ..كتب عليها من الخارج .."حبيبي الغالي " وفيها أيضا زهرة ياسمين بدت عليها علامات التلف من كثرة التخزين ..لكن لم أهتم كثيرا لها بقدر اهتمامي بمضمون الرسالة ..
ما كان أمامي إلا أنا أقرأها لعل وعسى أجد تفسيرا لما يحدث ..فكان مضمون الرسالة أشد إيلاما على القلب ..كان كالصدمة ..كالصاعقة ..أحسست وأنا أقرأها بتعب شديد وفقدان أمل وكآبة وحزن ..فكان مضمونها كالتالي :
"حبيبي ..أنا آسفة على جعلك تنتظر في هذا الجو الماطر ..لكني لم أستطع القدوم ..بسبب مرضي الذي أثقل علي ..هو مرض عضال لا شفاء منه ..ولم أجد سوى تلك الطريقة لإخبارك ..سامحني لأني أخفيت عنك ذلك لكنني أردت أن أعيش معك لحظات الفرح دون أن تدري بأني سأموت قريبا وأن روحي في أي وقت مهددة بالرحيل إلى بارئها ..واقسم لك يا حبيبي الغالي بأن كل حرف وكلمة في رسالتي تلك مليئة بدموعي ..ليس لأني سأموت أو أنني أخاف الموت ..لكنها دموعي عليك لأنك ستبقى بعيدا عني في هذه الدنيا ..لأنني أعلم أن ليس لك أحد تحبه سواي ..لذلك سأموت وأنا مشغولة عليك ..
رغم شوقي للقاء ربي جل وعلا ..إلا أن شوقي للقائك الذي لم يتم مازال حسرة في قلبي ...آه لو أستطيع رؤيتك لثواني ..حتى ألمس وجنتيك بيدي المريضتين ..وأتحسس شعرك بين أصابعي ..وأموت وأنا مرتاحة البال... أعلم ان كلامي كان قاسيا عليك يا حبيب الروح ..لكن القدر ومشيئة الله حالت دون ماكنا نتمناه ..أرجوك أن تدعو لي بالرحمة والغفران لأني أعلم أن موتي بات قريبا جدا ..وأن ملك الموت حان وقت قدومه ..لاتحزن ..فبإذن الله لقائي معك سيكون في جنات الخلد ..عندما يكرمنا الله عز وجل بها ..عندها سنعيش هناك إلى الأبد ..ونرى ماكل مسلم مؤمن يتمنا رؤيته ..وجه الله عز وجل ..اللهم لاتحرمني من رؤية وجهك الكريم مع الإنسان الذي أحببت بأسمى آيات الشرف والطهر والإخلاص ..آمين يا رب العالمين ..لذلك ..إن كنت تحبني بإخلاص ..فكن مطمئنا ..لأن روحي ستبقى معك ..ترافقك حيثما تذهب ..تسليك ..وتخفف همك ..وتقول لك إن هدى معك ..ولن تتركك مادام قلبك ينبض حبا باسمي..أتمنى لك حياة سعيدة مع فتاة أخرى تليق بذلك القلب الكبير الحنون ..كان لي كل الشرف أن أحبك دونما لقاء ..وأن أهيم بك عشقا من خلال صوتك العذب ..شكرا على كل كلمة حب قلتها لي ..شكرا على كل مرة أخرجتني فيها من دائرة أحزاني التي كانت تتوالي على قلبي الضعيف في عهدي معك ..شكرا لك يا من حفظتني ولم يكن لك فيَ أي نية سوء ..شكرا على كل شيء ..على حبك وعشقك وهيامك وهواك وشوقي للقاك ..
شكرا لك يا من كنت لي الأب والأم والأخ والأخت والصديق الصدوق والحبيب المحبوب ..والآن سأضع قلمي جانبا لأنها آخر رسالة لي في هذه الدنيا ..وداعا يا حبيبي الغالي ..إلى لقاء في جنات الخلد بإذن الله ..انتبه : من ستحضر لك الورقة هي أختي الصغرى ..وستقول لك لا تفتحها حتى أبتعد عن ناظريك ..حتى لا تعلم أين أكون الآن وتحاول رؤيتي وأنا على فراش الموت ..آسفة لا أستطيع رؤيتك وأنا على تلك الحال ..مع خالص حبي وشوقي يا حبيب قلبي
(((ملاحظة : هذه الياسمينة قد احتفظت لك بها منذ زمن بعيد فاعذرني إن كانت يابسة ..))))

لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ تلك الكلمات فامتلأت عيناي بالدموع وأحسست بألم مريع وكأن روحها في تلك اللحظات قد فارقت جسدها أحسست أن الدنيا قد بدت سوداء في وجهي رغم سواد ليل ذاك اليوم أسأل نفسي بعد قراءة الرسالة لماذا كان حالي بذلك السوء ..
يا سبحان الله ,..مكتوب عليً أن أحب فتاة حبا يعادل كبر الجبال حجما وتموت دون أن أراها ولو لوهلة بسيطة ..دائما كنت أغذي روحي ونفسي بالأمل بأن تكون في يوم من الأيام زوجتي وأم أولادي ..لكنني لم أستطع حتى رؤويتها ..!!
يا لقساوة الزمن علي ..أنا جسد بلا روح ..شجر بلا ورق ..نهر بلا ماء .., دموعي قد بللت الرسالة ومحت آثار بعض كلمتها الحنونة ..والحبر بدأ يخط خطوطا ..لذلك تداركت الأمر وأعدت الرسالة إلى الظرف وأحكمت إغلاقه جيدا حتى لا يبتل بالمطر ..
مضت أكثر من ساعة على وقوفي تحت المطر وإنتظاري ..ومازلت في مكاني مذهولا لما قرأت مندهشا لما آل إليه حالي لكن هناك شيء استدركته أثناء تفكيري بتتالي الأحداث التي مرت .,.العجوز ذاك الرجل الذي قال لي أنها لن تأتي وكانت كلماته تحمل في طياتها الكثير من المعاني ..كان يقولها وهو واثق بأنها لن تأتي ..كيف ولماذا ومن أين أتى ومن هو ذاك الرجل ..تلك الأسئلة تبادرت إلى ذهني في وقت واحد ..والجواب الوحيد لا أدري .,.هل أراد حقا إبعادي عن ذلك المكان قبل أن تأتي أختها وترسل لي الرسالة ..أم أنه مجرد رجل قال ما قاله لأنه يشعر أو يحس أو أن أي شيء بقدرة الله نبأته بما سيحدث ..لا أدري ..لعلها ليست تلك وليست تلك ..تعبت من كثرة الأسئلة التي تبادرت إلى عقلي بشأن ذاك العجوز ورأسي بدأ يؤلمني ..فقررت أن أرحل من مكاني وأذهب إلى البيت بعد أن سلمت أمري لله ..

دخلت البيت وكان موحشا ..مليئا بالأوهام ..شعرت بأنه مكان موبوء مزعج لن أرتاح فيه ..فجعلت أتمتم بعبارات ذم وعدم رضا عن الحال ..فأحست على حديثي أمي التي كانت مستلقية على الأريكة وأتت مسرعه لتقول لي:مالك يا ولدي ؟!! لم أنت منفعل وغاضب ..اهدأ واستغفر الله ثلاثا لعل الله يخفف همك الذي أصابك ..قلت لها والدمعه بدأت تتغرغر في عيني :" استغفر الله أتوب إليه ..هذه مشيئته ولا اعتراض على حكمه " ..ثم تركتها وذهبت إلى غرفتي وهي واضعة يدها على الجدار والأخرى على رأسها حائرة تضرب أخماسا بأسداس ..
دخلت الغرفة ..وأخرجت بعض الأوراق من درجي ..وهممت بكتابة بعض الكلمات التي تنعوها ..لكي أخفف عن نفسي
وما إن بدأت بالكتابة حتى بدأت أبكي كطفل صغير فقد أمه ..وصوتي بدأ يعلو ..حاولت إخفاء صوتي بدفن رأسي تحت وسادتي ..لكن يبدو أن أمي الحنون قد سمعت ذلك ولم يكن سواها في البيت ..فجعلت تطرق الباب على غرفتي وهي تنادي :" من أجل أمك افتح الباب ..أرجوك ارحم قلبي واجعلني أراك ..قلت لها من وراء الباب وأنا ممسك به ويداي مبتلتان بدموعي ..:" لن تريني الآن أرجوك يا أماه .." فجعلت ترجوني حتى أحسست أن الحنونة بدأت بالبكاء ..فلم أغفر لنفسي ذلك وفتحت الباب ..فحضنتني بقوة وأخذت تمسح على شعري وتمسح دموعي بيديها الكريمتين وتقول لي :" ليتني مت قبل أن أراك على تلك الحال ..ما الذي حل بك يا ولدي ..؟ أخبر أمك عن كنت تحبها " ...تمالكت نفسي قليلا أمامها ..لأنني أحسست بأني إنسان بدأ بالتهالك ..وأن هيئتي أمام أمي ستجعلها حزينة جدا ..فغيرت من أسلوب كلامي بطريقة سريعه فبدت علي علامات الحيرة عندما أردت إجابتها ..وتلعثمت وقلت :" لا شيء يا أماه ..أحد أعز أصدقائي قد فارق الحياة ..وأنا متأثر لذلك .."شعرت بأنها لم تصدق ما قلت فليس ذلك الشيء الذي يجعل من الإنسان على تلك الحال .. فجعلت تربت على ظهري وهي تحضنني بين ذراعيها وتقول :لا بأس عليك يا ولدي ..رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ..ونظرت إلي ً وهي تبتسم ..ولكن هناك شيء جعلها تفرح ثم تركتني وهي تقول :" البقاء لله لا تحزن " ثم خرجت من غرفتي ..وأنا لا أصدق ما يجري فها أنا هنا ..مبلل بالمطر وكأني على وشك المرض ..وهي تقترب من الموت ..وأمي تبتسم ..!!
يا للمصادفة الغريبة ..حان وقت قدوم أختي من بيت صديقتها ..فحاولت قدر الإمكان أن أخفي تعابير وجهي البائسة فذهبت لأغسل وجهي ..وأهدأ نفسي بالوضوء والصلاة ركعتين لوجه الله ..لأن كل أمر من الله يصيب المسلم خير فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له .
ماهي إلا دقائق قليلة ..وتصل أختي من بيت صديقتها ..كانت ملامح وجهها تنبأ بسوء ما ؟؟فسلمت علي وقالت :" مابك .؟ أراك مهموما على غير العادة .." قلت :" لاشيء يا أختي ..لا شيء يا أختي بعض الأمور في كليتي فقط ..
لم ينل جوابي عندها الإعجاب اللازم لتصديقي أيضا و تركتني ودخلت غرفتها ..حان وقت العشاء ..وكل أفراد العائلة قد اجتمعت على سفرة واحدة لم يكن هناك سوى صوت واحد مسموع ..صوت طرق الصحون ..فكسر أخي حاجز الصمت وقال :"مابكم وكان على رؤوسكم الطير ..أنا لم أكن معه فكلهم ردوا عليه إلا أنا بقيت صامتا هادئا ..أتناول طعامي لكن بشهية اقل من المعتاد ..رأيت الأعين تراقبني وكأنهم يشعرون بخطب ما قد ألمً بي فقاطعت تلك النظرات بقولي لأمي ممازحا لها :" طعامك اليوم لذيذ جدا ليس مثل كل يوم.." فابتسمت لكلماتي تلك مع علمها بأني أقول ما أقول لأخبأ عن أهلي ما اعاني ولأكتم حزني الشديد عنهم ..لكن في قلبي آلاما لو وزعت على أهل الأرض جميعا لكفتهم ..كنت منهارا داخليا ..مشاعري ليست سوى شظايا مكسورة بحاجة إلى اللملمة ..
كل ذلك يحدث وأشعر بأن أختي ليست على مايرام ..بعد أن أنهيت طعامي وحمدت الله عز وجل ..ذهبت إلى غرفتي وقد دبت في قلبي الطمأنينة ..وكأني قاربت على فهم الأشياء وفك الألغاز ..
طرقت الباب علي أختي لتناولني كأسا من الشاي فمازحتها بقولي : :"ما بك يا شقية ..؟ أشعر بأن هناك أمر يشغل بالك خير إنشاءالله .؟؟ لم تقل شيئا إلا كلمتين :"الله المستعان بكل حال "
يا إلهي ..حتى أنتي ..قالت:" أنا ماذا .؟ قلت :" لاشيء ..يبدو أنك متعبة اذهبي وارتاحي بعد ذاك الطعام اللذيذ .."
ارتبكت من ردة فعلي العادية ..وأحست أنها أزعجتني من غير قصد فانصرفت وأغلقت الباب ..ولا زلت أسأل نفسي مابها ..؟؟؟!!!!!
دقت الساعة الحادية عشرة ..لم يكن يخطر ببالي أن النوم مازال موجودا في قاموس حياتي ..لأني حاولت مرارا وأنا راقد على فراشي أن أريح رأسي الصغير الذي ذاق أقسى نهارا في حياته ..كان يؤلمني بشدة حتى أني تناولت قرصين حبوب الصداع المتواجدة في درجي لتخفف من آلام صداعي ..وتهدأني
تنهيدات كثيرة كنت أطلقها ..من قلب قد حرق رغما عنه بغير ذنب ..بعد أن كان مليئا بالأشواق التي تهاوت في لحظات وسقطت في قبور لم تكن مهيئة أن تدفن فيها ..أي أنها وأدت وأدا بغير ذنب مرغمة ..كما كانت توأد البنت في أيام الجاهلية ..
كنت أتذكر عندما كانت تقول لي أعدك بحبي ..لن يكون مفتاح قلبي إلا بيديك ..ولن يقوم بفتحه إلا أنت ولن يدخله أحد بعدك ..أحبك رغما عن الدنيا ورغما عن كل إنسان سيحاول إبعاد روحك عن روحي ..كانت كلماتها مسموعة في باطن عقلي وكأنها حديثة العهد ..
وبينما أنا أراجع الماضي وأستذكر تلك العبارات الجميلة ..شعرت بأن الحبوب التي تناولتها قد أخذت مفعولها ؟؟فلم أجد نفسي إلا مغمض العينين وقد رحلت إلى عالم آخر تماما ..
بدأ الفجر بالبزوغ ..أحسست بوقع أقدام قادمة نحو غرفتي ..أنه أبي أتى لكي يوقظني لأذهب إلى صلاة الفجر معه ..
بدا علي علامات الوهن والضعف وكانت حرارة جسمي الداخلية تشير بأني مصاب بحمى حادة ..أردت الذهاب مع أبي لكنه منعني لسوء حالتي وقال : كيف ستقف على قدميك وأنت على تلك الحال يا بني ..و رب العالمين عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .." وذهب ليوقظ أمي ليخبرها عن حالي ..فطار النوم من عينيها وهلعت إلى غرفتي مسرعة لتجدني على تلك الحال وتسألني : " مابك يا قرة عيني .؟! وهي تضع يدها على جبيني لتجد العرق يتصبب منه بكثرة وحرارتي مرتفعة جدا توقعت أني مصاب بالحمى ..فألحت علي الذهاب إلى المستشفى ..وانا معارض لتلك الفكرة ..لأني لا أحب الذهاب إلى المستشفيات ..فهي تذكرني بالمرض والموت .. ألا يكفيني من رحل عن دنيتي .., ومع ذلك رضخت للأمر الواقع وذهبت إلى المستشفى مع شقشقة الصبح ..وخروج العصافير لكي ترعى صغارها وتحضر لهم الغذاء ,
منظر جميل ذاك الذي كان آخر مارأيت قبل أن أركب السيارة لإيصالي لذاك المكان الذي أكرهه رغم أنه ينقذ كثيرا من المرضى بإذنه تعالى ..لكنها فكرة مغروسة في عقلي منذ زمن بعيد..
وصلنا إلى هناك ..نادى أبي المسعفين ..أحضرو السرير المتحرك ..وأدوات ترهب من يراها للوهلة الأولى ..لكن ليس في طاقة لكي أقاوم فسلمتهم نفسي وقلبي مطمئن بعد أن ذكرت الله عز وجل ..
الغرفة 401 ..كانت أول مارأيت قرب سريري وفوق الخزانة الصغيرة ..كنت موجعا من الإبر والحقن الدوائية التي حقنت بها ..فكنت أتأوه ..و أمي ممسكة بيدي ..تدعو الله وبيدها قرآن صغير.. كانت تقرأ من أجلي ..كم هي رائعه تلك الحنونة ..كان رضاها الشغل الشاغل لي فجعلت أتمتم وأقول لأمي أطلب رضاك فأسمعيني إياه ..
فكان لي ما أردت ..فارتحت لذلك وعدت لأغط في نوم عميق ..
الساعة 11 ظهرا ..مازلت متعبا لكن الألم لم يعد موجودا ..ناديت الممرضة من خلال الجهاز الذي بجانبي فأتت بسرعة
لأن أمي وأبي لم يكونا موجودين فالزيارة ليست مسموحة في هذا الوقت ... ذبادرتها الحديث بسؤالي عن ماحصل لي فأخبرتني أنني بخير وأنها كانت حمى شديدة يشك في أن سببها نفسي ليس أكثر ..لكن التحاليل ستثبت ذلك بشكل قطعي ..
أراحني كلامها ..لكن قلقي كان على أمي ..أريد أن أخبرها أنني بخير ..فأخبرت الممرضة بأنني أريد إجراء مكالمة داخلية ..فلم يكون ذلك متوفرا إلا في استعلامات الطابق الذي أنا فيه ..كنت قادرا على الوقوف والمشي فساعدتني على النهوض ..واتصلت بأمي وأخبرتها بذلك ..فكانت فرحتها كبيرة لدرجة أن بكائها من الفرحة قد علا وارتفع ..وأنا فرح بها قلت ممازحا :" ها أمي ماذا ستحضرين لي معك عندما تأتين ؟!" ..فأخبرتني بأشهى المأكولات ..أنا مع ذلك لم أكن جائعا ..لكن ضحكاتها المفرحة التي سمعت كان لها أثر المسكن لكل آلامي ..
شكرت الممرضة على مرافقتها لي ..وهممت بالرجوع إلى الغرفة ..توقفت قليلا عند غرفة جدارها كان من زجاج شفاف عازل ..رأيت داخله سريران أحدهما فارغ والآخر فيه فتاة يبدو أنها في غيبوبة كاملة وكانت عدة أنابيب قد دخلت إلى جسمها ..دهشت لتلك الرؤيا وحمدت الله على كامل العافية ..
قرأت اسم الغرفة لأجد بأنها خاصة بعلاج مرضى السرطان عافانا الله ..وكان بجانب اسم الغرفة قائمة بأسماء المرضى المتواجدين فيها ..لأقف مصدوما ..مذهولا ..يكاد عقلي أن يطير من رأسي ..لا أصدق ما أرى من بين الأسماء قرأت اسمها ..هدى ..حبيبتي
وقد كتب بجانبه ( حالة خطرة للغاية ) ..يا إلهي كيف ساقني القدر إليها ..لكنها بتلك الحال لن تعرفني ..أمسكت بالزجاج ووضعت رأسي عليه ..وأنا أنظر إليها ..لم أعد أحتمل ذلك ..كانت بعضا من دموعي قررت الخروج رغما عني ..أخفيتها عن المارة ..لكنها فضحت أمري وبدأت تنهمر ..حتى اقتربت مني تلك الممرضة لتسألني بغرابة شديدة : من هي تلك ولماذا عيناك تدمع عليها ؟ لم أهتم لسؤالها فعيناي مازالتا تحدقان بشوق عليها ..أعادت السؤال مرة أخرى وهي تهز كتفي حتى شعرت بوجودها فقلت :" إنها حبيبتي التي لم أر إنها حبي الذي سلب مني مرغما كما سلبت فلسطين رغما عن العرب ..توقعت ألا أراها أبدا بعد تلك الرسالة لكن ربي لم يحرمني ذلك ..لكنها لن تراني ..أرجوك أدخليني إلى الغرفة ..لكي أراها عن قرب وأودعها قالت وقد شحب لونها وتغرغرت الدمعة في عينها من الكلام الذي سمعت ورفضت ذلك متأسفة لأن الأوامر تمنع الدخول ..قلت لها :" بحقك ..أنا أموت لو منعتيني من الدخول ..والآن عندما قررت أن أحقق ما تمنيته أنا وتلك الأميرة ..تريدين تحطيم ما أملته و رجوته أن يصير ..؟؟ إنها على فراش الموت ..دعيني أدخل وأودعها للمرة الأخيرة ..كوني حنونة وتعطفي بحالي فأنا متعب جدا وقلبي بات ضعيفا مما رأى ..
بعد ما رأت ذلك ..تعطفت بحالي رغم أنها ستلقى عقوبة إدارية جراء ذلك ..فتحت الباب كانت الغرفة دافئة ..اقتربت بكل خفة ..ضربات قلبي ازدادت بقوة ..قدماي يرتعشان ..وقفت فوق سريرها لأرى وجهها ..يا إلهي ..يا لصفاوة وجهها كان أبيضا نقيا كصفاء ونقاوة الثلج ..والإبتسامة الصغيرة كانت بادية على وجهها حتى وهي بتلك الحال ..
وضعت يدي على جبينها ..وقلت يا حبيبة الروح يا من أحببتك دونما حدود ..أرجوك أن ألا ترحلي عني ..أنا هنا بقربك ..انهضي وانظري في عيني كما كنت تتمنين من قبل .,.قلبي يتقطع عليك يا ساكنة القلب ..ماذا فعل بك المرض ياعمري ..ألم تقولي لي لن يبعدني عنك أي شيء في هذا الكون ..ألم تقولي بأنك مغروس في قلبي إلى الأبد...
ثم أمسكت بيدها الناعمة ..وأنا أراجع ذكريات الماضي وكل ما كنا نتكلم فيه وما كنا نحلم أن نحققه سوية ..

لم يمض على وجودي في تلك الغرفة سوى ربع ساعة ..لكن حظي مع تلك الفتاة مازال عاثرا..وقدري لم يكن مكتوبا أن أكون لها ..فقد أعلنت أجهزة الإنذار صفيرها ..هبوط حاد في ضغط الدم وضربات القلب بدأت بالانخفاض أكثر وأكثر ..والممرضات يحاولون إبعادي عنها..ويقومون بالمحاولات الأخيرة لإنقاذها ..وأنا ممسك بيدها للمرة الأخيرة ..متشبث بها لا أريد الرحيل ..






وأخيرا ...












أعلن ذلك الجهاز الصفير المعهود ..ولفظت أنفاسها الأخيرة ..وأنا أتألم على حالها أكاد أموت ..كانت فرحتي بلقائها قليلة لم تدم طويلا ..لكنها رحلت دون أن تراني ..هي لم تعلم بوجودي حسيا ..لكنني متأكد أنها رأتني وهي مغمضة العينين ...
خرجت روحها الطاهرة ..واحزناه ..وداعا يا من ملكت قلبي كله ..وداعا للقاء الله عز وجل....
تحسست وجهها للمرة الأخيرة ..وابتسامتها مازالت مرسومة على شفاهها ..لم تفارقها حتى بعد أن خرجت روحها وعادت إلى بارئها ..وضعت الغطاء الأبيض عليها ..داعيا لها بأن يسكنها فسيح جناته وأن يرحمها بواسع رحمته ..لكن ..كانت المفاجأة الكبرى عندما التفت إلى الزجاج لأجد من خلفه ذاك العجوز ذاته الذي رأيته في الحديقة ..كان يبتسم إبتسامة صغيرة ووجه قد تغيرت ملامحه ..يا ترى من يكون ...؟؟ وكيف أتى ..؟ هل يعلم بأمري مسبقا ..؟!!!
[/align][/cell][/table1][/align]
[/align][/cell][/table1][/align]
[/align][/cell][/table1][/align]
 

ملائكة الحب

مُديّرْ المُنتَدىَ
رد: : : فتاة المطر : : بقلمي ج1 : :

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
 

فتى الشرق

كاتب جيد جدا
رد: : : فتاة المطر : : بقلمي ج1 : :

أخي *غازي

تحية صباحية بعبق أنفاسك الطاهرة

مصافحة اولى تحمل من الرقي الشيء الكثير

لديك نص يحمل في ثناياه روح ملائكية حلقتِ بنا الى عالم ساحر

والى لحظات حب كامنة في نبل احساسك


لكن هي الأقدار تعصف بأروحنا كما تشاء !

أتمنى لك التألق والمزيد ...

بانتظارك ...


 

مشاااااغبة

نجمة الموقع
رد: : : فتاة المطر : : بقلمي ج1 : :

اذا كتب القلم صمتنا وبعثرتنا احرفه بين ثنايا اسطرك

اخي غازي الى مزيد من النجاح والتألق

في انتظار الحلقه التاليه

او الجزء 2

تقبل مروري
 

م.ريما خضـر

الشاعرة الحرة
رد: : : فتاة المطر : : بقلمي ج1 : :

صديقي..غازي أيها القلم المطري والقدر الشتوي..

لا أدري وأنا أكتب ردي على أرضك الرطبة كيف بدموعي أن تزيد من طين القدر المبلل بدمعك وبشفافيتي ..
صديقي..

ما زلنا نحمل أوجاعنا كمظلات لقلوبنا نحاول إخفاء النبض الموجع الحزين في حياتنا تحت مظلة قدرية لربما نقنع أنفسنا بأن الشتاء القادم سيأتي بالأجمل .أو لربما لن يجف المطر عن أهدابنا التي زرفت سيولاً من البكاء لمن أحببنا وقرر الرحيل لأن البرد كان قارسا جداً وقلبه الضعيف لم يكن يقوى على الالتفاف أكثر حول مدفأة أحطابها مجموعة عقاقير وأدوية ...
لربما خبأنا أيضاً دموعنا على جدران العمر ليحكي الطلاء الخارجي للصباح كيف سنقنع باقي الصباحات التي ستمر على قهوتنا وتوقظ أحلامنا بأن الشمس ستشرق من جديد والربيع سيتفتح من جديد؟؟!

صديقي..غازي
فتاة المطــــــــر..وقصة الطرب الحزين للقلب..
كنت رائعاً في حزنك وفي شتاءك صديقي..سأراقب كل أمطارك القادمة فأنا عاشقة الشتاء والياسمين..والرقص تحت المطر..

دمت بمثل هذه الروعة صديقي.
 

آنفآس آلمطر

كبار الشخصيات
رد: : : فتاة المطر : : بقلمي ج1 : :

(فتاة المطــــــــر قصة الطرب الحزين للقلب)
نعم هي كذلك قصة لطرب حزين للروح قبل القلب

عزاء تلك الفتاة انها انتظرت تحت المطر هذاا صحيح
لكنها تعرف من تنتظر
قلبها مطمئن لوجود حبيب يشعربشوقها وحنينها
يسعدني انتظاارك سيدي تحت حبات المطرلانك مطري
لا تدع الاقداار تعصف بتربتي كما تشااء


غازي ...
كم انا سعيدة بمذاق قهوتك رغم مرارة طعمها فانا نعشقها

تألق دائما
لك مودتي

 

مواضيع مماثلة

أعلى