رضا البطاوى
كاتب جيد جدا
- إنضم
- 25 يوليو 2015
- المشاركات
- 1,778
- النقاط
- 881
نقد خطبة دعوة للحسنى
الخطبة لعبدالرحمن السديس وهو تدور حول تعاملات المسلمين اليومية وما يجب أن تتصف وهو كعادة الخطباء أضاع وقتا في المقدمة المعروفة وكعادتهم في الحكى تحدث بكلام عام لا يعلم الحضور شيئا فقال:
"أيها المسلمون، نسائم الطاعات وعبق العبادات وشذى القربات يترك أثرا زاكيا في حياة المسلمين والمسلمات، ولعل من أهم ما يتركه شهر الصيام المبارك من نفحات وتجليات ومناسبات العيد السعيد من إشراقات وجماليات في حياة الأمة هو ذلك الأثر الإيجابي المتمثل في شيوع مظاهر المودة والإخاء والمحبة والصفاء والتواصل والهناء، في تجاف عن مسالك النفرة والجفاء بين أبناء المجتمع، مما ينبغي أن يتجاوز الحدود الزمانية والآنية، ويسلك مسلك الديمومة والاستمرارية، ذلكم ـ يا رعاكم الله ـ لأن قمة التعامل الإنساني وسمو العلاقات الاجتماعية ركيزة من ركائز بناء المجتمع الإسلامي المتميز بالقوة والتماسك، لاسيما أمام نزعة الماديات وفي عصر الأزمات والمتغيرات."
ومضى في طريق تضييع الوقت ذاكرا خطايا المجتمع فقال :
"معاشر المسلمين، إن المتأمل في حلائب العلاقات الاجتماعية وميادين التعامل بين الناس يهوله ما يرى من تفشي مظاهر التقاطع والتدابر والنفرة والتهاجر وانتشار لوثات التعالي والجفاء والتباغض والشحناء في هوى مطاع وشح متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورفع لراية الشائعات المغرضة والأخبار المكذوبة الملفقة وتلمس العيوب للبرآء وتضخيم الهنات للعلماء وتتبع المثالب للصلحاء وانتقاص مقامات الفضلاء النبلاء، حتى إن الغيور لينتابه شعور بالإحباط وهو يرى هذه المظاهر السوداوية القاتمة تنتشر في دنيا الناس انتشار النار في الهشيم، فلا يستطيع لها تفسيرا، ولا يجد لها مساغا أو تبريرا."
ثم قال كلاما كبيرا في اللفظ ولكنه خاوى المعنى طالبا من المسلم أن يكون شمعة تضىء للأخرين وتحترق هى فقال :
"يكون شمعة يحرق نفسه ليضيء للآخرين"
وبالطبع ليس المسلم شمعة وإنما نفس تعمل لنفسها أولا واخيرا كما قال تعالى :
" من اهتدى فقد اهتدى لنفسه"
وقال :
" ومن شكر لإغنما يشكر لنفسه"
فالمسلم مطلوب لأن بعمل لآخرته ومن ضمن عمله ألا يأتى على نفسه مضرا إياها في سبيل الآخرين فالمطلوب أن يعمل لنفعه الدنيوى والأخروى ومن ضمن ذلك معاونة الآخرين
وفجأة تحول من حديث الشمعة إلى النفاق والوصولية فقال :
"ومع ذلك يجد أن هناك لصوصا يتمسحون بالأجواخ ويتسلقون على الأكتاف للوصول إلى مآربهم الشخصية ومصالحهم الذاتية ومطامعهم المادية، دون وازع من دين أو خلق أو ضمير، مردوا على الأحابيل والدنايا، ودأبوا على المكر وسوء النوايا، لا يتلذذون إلا بالنيل من الطامحين والإساءة للناجحين والثلب في الصالحين والتقليل من شأن العاملين وتنفير الناس منهم والعمل على الإساءة إليهم والوقيعة بهم، بتلفيق الطعون والاتهامات ونشر الأراجيف والشائعات، في حروب اجتماعية طاحنة وضغوط نفسية قاتلة، ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى أمثال هؤلاء النشاز في أسرته ومجتمعه وأهله وأقاربه وجيرانه وزملاء عمله، مطيتهم سوء الظن، وقاموسهم الأذى والمن، بل يصل الأمر إلى ذروة خطورته حينما تستغل الأبواق الناعقة في بعض وسائل الإعلام وقنوات الفضاء وشبكات المعلومات لنشر الأكاذيب المغرضة والدعايات المضللة، لتصطبغ مع كثرة اللسن والأطروحات وتكرار العرض في المجالس والمنديات على أنها حقائق ثابتة لا تقبل الجدل ولا المساومة، وما هي إلا شائعات مغرضة، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
ومن عجيب الأمر ـ يا رعاكم الله ـ مسارعة كثير من الدهماء إلى تصديق هؤلاء كضربة لازب، بل إنك تستغرب حال كثير ممن يروجون فتنة القول على عواهنه، ولا ينتهي عجبك وأنت ترى أن بعضهم قد يشار إليه بعلم أو فضل أو صلاح أو مكانة، وكأنها لم تطرق أسماعهم آية الحجرات المدوية: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات: 6]، وفي قراءة حمزة والكسائي: فتثبتوا ، وقوله في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع))، ورحم الله ابن تيمية حيث يقول: "حتى إن الرجل ليشار إليه بالزهد والدين والعبادة ولسانه يفري في لحوم الأحياء والأموات، وهو لا يبالي بما يقول"، بل إن منهم من لا يتورع عن التدخل في خصوصيات الآخرين؛ في أموالهم وأولادهم ومواقفهم، والاستماتة في استمالتهم إلى ما يريدون من حيث لا يريدون، وإلا فسيوضعون تحت مطرقة الشائعات وسندان الاتهامات وعلى مشرحة الطعون والافتراءات، حتى إنك لتحس أنك بقيت في خلف يزين بعضهم بعضا ليدفع معور عن معور. فيا هذا، دع الخلق للخلاق تسلم وتغنم، والله المستعان."
هل علم الرجل الحضور شيئا فيما سبق ؟
لقد اضاع أوقاتهم في حكاية ما يعرفون وأكمل حكيه فقال :
"إخوة الإيمان، وفي أتون هذه المظاهر القاتمة ينبغي أن تعلى رايات المنهج الأخلاقي المتميز الذي ينضح بنبل الشمائل والخلال وعريق السجايا والخصال، إنصاف لا اعتساف، ائتلاف لا اختلاف، تناصح لا تفاضح، تسامح لا تناطح، صفاء لا جفاء، تناصر لا تنافر، تجاور لا تناحر، تناظم لا تصادم، اتفاق لا افتراق، اعتصام لا خصام، اجتماع لا نزاع."
وأتى الرجل لعلاج هذا الكم الهائل من المشاكل التى ذكرها وبدلا من ان يقوا اتبعوا كلام الله حدثنا عن العلم والأدب مبتعدا عن كلام الله إلى كلام بشر فقال:
"ولتحقيق تلك الشمائل المثلى والسجايا العليا يجب أن يتربى الناس لاسيما الأجيال على قرن العلم بالأدب، فالعلم ما لم تكتنفه شمائل تعليه صار مطية الإخفاق، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان الناس يتعلمون الأدب قبل العلم، أما اليوم فقد جحد الناس الأدب، ويقول بعض السلف: "نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم"، ويقول عبد الله بن وهب رحمه الله: "ما تعلمنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه"."
إذا المطلوب هو التربية عند الرجل فقد قال متما حديثه:
"كما يجب أن يتربى الناس على حسن الظن بالمسلمين، لاسيما خاصتهم من أهل العلم وحملة الشريعة؛ لأن الطعن فيهم أمر خطير جلل، وصاحبه معرض للخطل والزلل، حيث لا يراعي إلا موضع العلل، ولما فيه من ذهاب هيبة العلماء والإزراء بعظيم حرمتهم وجليل قدرهم وعلو مكانتهم وتجرؤ السفهاء على مقاماتهم وفتح الباب للمغرضين والمتربصين بالعلم وأهله، لذلك ربى الإسلام أتباعه على حسن الظن والتحذير من الظنون السيئة بالمسلمين، يقول الحق تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم [الحجرات:12]، وفي الصحيح أن رسول الله قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث))، وعند البيهقي وغيره: ((إن الله حرم دم المسلم وعرضه وأن يظن به ظن السوء))، ويقول الشافعي رحمه الله: "من أراد أن يقضي الله له بخير فليحسن ظنه بالناس".
إذا فالأصل ـ يا رعاكم الله ـ حسن الظن بالمسلمين وحمل أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم على أحسن المحامل، بل ينبغي التماس العذر لهم وإن أخطؤوا باجتهاد أو تأويل سائغ، يقول عمر رضي الله عنه: (لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها في الخير محملا)، ويقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: "المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يتتبع الزلات". والأخطر من ذلك حينما ينصب المرء نفسه رقيبا على نيات الآخرين حاكما على قلوبهم ومقاصدهم، غير متورع عن رميهم بالفواقر والعظائم وطعنهم في الغلاصم بالقواصم دون أعذار أو عواصم، يلغ في أعراضهم ولغا، ويفري فيهم فريا، وإنك لواجد ذلك في حياة الناس عجبا. فسبحان الله عباد الله! ماذا يبقى للأمة إذا طعن في علمائها وصلحائها وإذا نيل من فضلائها ونبلائها؟!"
والتربية لا تفيد في ظل قيام الحكام بالحكم بغير ما أنزل الله فقد يتربى الواحد في بيت دين كابن نوح(ص)ومع هذا يكون كافرا وقد يتربى في بيت كفر ويكون مسلما كإبراهيم(ص)
المهم أن السديس مضى في خطبته ذاكرا ما نتداوله في مجالسنا في الشوارع والبيوت وغيرها وهو كلام لا يعلم الناس شيئا فقال :
"وإن من بالغ الخطورة أن تعقد المجالس والمنتديات، يحضرها العشرات والمئات، وينبري فيها دعي متحذلق مأفون، فيطلق لسانه في أهل العلم والصلاح ذما وثلما، والناس منصتون ساكتون، خشعا أبصارهم، يأخذون ذلك مأخذ القبول والرضا، بل والفرح والتشفي، بل وسلموا تسليما."
وتحدث عن الدفاع عن أعراض المسلمين فقال :
"أهكذا ربى الإسلام أتباعه؟! أين الذب عن أعراض المسلمين والحفاظ على سمعة الفضلاء الصالحين؟! إن الذب عن أعراض المسلمين ـ لا سيما علماؤهم وصلحاؤهم ـ فريضة باتت مطوية غير مروية، وسنة أصبحت مهجورة منسية، ألم يقل المصطفى فيما أخرجه أحمد والترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة))، وفي رواية ابن أبي شيبة: ((وقاه الله لفح النار يوم القيامة))؟!
فيا لله، كم يزهد في هذا كثير من الناس ممن يتلذذون بالتفكه في الأعراض ويشتهون، بل ويتشفون في ذلك، فالله حسبهم وطليبهم.
إن من الشجاعة الأدبية أن يأخذ المسلمون أنفسهم بمنهج الذب عن أعراض إخوانهم أمام خناجر المتربصين وسهام المتشفين المغرضين، حينذاك لا يجد هذا الورم الخبيث انتشارا في جسد أبناء هذه الأمة، ولا يقيم هذا الداء العضال له فسطاطا في مجتمع المسلمين."
وعاد للكلام العام الذى لا يعلم الناس شيئا سوى تذكيرهم بمعايب المجتمع فقال :
"أمة الإسلام، تلك الملامح المهمة للحفاظ على سفينة الأمة من تيارات الفتن وأعاصير المحن، فما جوبهت تلك النوازل والمستجدات وعولجت تلك التقلبات والمتغيرات بمثل الاجتماع والائتلاف، يقول ابن تيمية في أنواع الفساد التي يسببها التفرق والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف: "حتى يصير بعضهم يبغض بعضا ويعاديه ويحب بعضا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن واللعن والهمز واللمز، وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح، وببعضهم إلى المجاهدة والمقاطعة، حتى لا يصلي بعضهم خلف بعض، وهذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله"، وقال: "وبلاد المشرق من سبب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين للظن وما تهوى الأنفس والمتعبين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب، فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين" انتهى كلامه "
وكرر نفس الكلام عن مصائب أو عيوب الأمة وهو كلام يلهى الناس فقط فهنا الدور دور الناس وليس للحكام أى دور ولا كلمة واحدة عنهم وعن دورهم وهو حديث مقصود منه ومن كل خطيب خاضع للسلطة فالعيوب كلها عيوب الشعب وأما حكامه فهم منزهون لا يتم الحديث عنهم على الإطلاق
وواصل الحديث عن معايب ومصائب الأمة فقال :
"يقال ذلك ـ أيها المسلمون ـ في الوقت الذي تكتوي فيه أمتنا بجراحات ونكبات تتباين من خلالها المواقف والتحليلات، وينتج من ذلك خلافات بل وخصومات، وأمة الإسلام في هذا المنعطف الخطير أحوج ما تكون إلى اتحاد المواقف واجتماع الكلمة ووحدة الصفوف وتضييع الفرص على الطامعين والمتربصين. إن كل غيور يؤلمه ما آل إليه الحال على ثرى فلسطين والأقصى، وما تعيشه أرض العراق وبلاد الرافدين من مآس وفواجع لم تسلم منها حتى بيوت الله وأماكن العبادة، فبأي حق يقتل الآلاف من الرجال، بل النساء والأطفال، وتحدث المجازر، وتدمر المساكن، وتداس الأرض، وينتهك العرض؟! ألا فسلام الله على فلوجة الصمود والعز والشموخ التي ستنفلج دونها بإذن الله ثم بصمود أبطالها فلول الاحتلال مهما تشدقت بالحرية ومراعاة حقوق الإنسان. فصبرا صبرا إخواننا في العراق، ولكم الله يا أحبتنا في بلاد الرافدين، فهو سبحانه المؤمل لكشف كربتكم وتفريج غمتكم في زمن قل فيه الناصر والمعين، وطال فيه ليل الغاشمين المحتلين، ولن يفلت هؤلاء من سجل التأريخ، ولن يفرز ذلك إلا كراهية الشعوب وسخط علام الغيوب، غير أن ذلك كله ليس تأجيجا للعواطف، ولا انسياقا وراء حماسة وعواصف، وإنما هي دعوة لاتحاد البيانات والمواقف، والحذر ـ أيها المحبون ـ من فتنة القول والعمل، واتهام النفوس وإلجامها أن تقول على الله بغير علم، أو تخوض في النوازل بالتوقيع عن رب العالمين ببيان أو فتوى لم ينظر في آثارها ومآلاتها ومصالحها وأولوياتها، أو تقحم فريضة هي ذروة سنام الإسلام بلا راية ولا إمام في مواقف عاطفية دون فقه لمقاصدها ورعاية لضوابطها وتحقق لشروطها وانتفاء لموانعها."
ونجد الرجل خرج من المعايب والمصايب إلى الحديث عن دور طلاب العلم وبدلا من أن يأمرهم بقول الحق طالبهم بالدفاع عن العالم إن أخطأ فقال :
"ألا ما أحوج طلاب العلم في النوازل أن يولوا حارها من تولى قارها، وأن يحذروا من المنافذ التي يتسلل منها المتربصون وينفذ منها الانتهازيون النفعيون المغرضون، مع احترام رأي المجتهدين وحسن الظن بهم والتماس العذر لهم والذب عن أعراضهم، ردا للعجز إلى الصدر، وبناء للنتائج على المقدمات، غير أن مصالح المسلمين العامة ـ يا محب ـ واجتماع قلوبهم وتوحيد مرجعيتهم في النوازل وعدم الافتيات عليها هو الأولى بالرعاية والعناية والاهتمام، وبه تتحقق أعلى المصلحتين وتدرأ أعظم المفسدتين."
والحق أن العالم لا يجب أن يخطىء في البديهيات فقد أوصلنا علماء الأمة إلى جالة الهزيمة العامة في كل مجال في الحوب أوصلونا إلى معاونة الكفار على المسلمين أوصلونا إلى تدمير الأوطان تدميرا أوصلونا إلى الرضا بالظلم وعيش الكفاف والجوع في سبيل أن يبقوا أسيادهم على كراسيهم
وعاد الرجل للكلام الماسخ عن التربية ولا توجد تربية في مجتمع مسلم إلا معها تطبيق أحكام الدين وإلا فالتربية لن تفيد وإنما ستخلق مجتمعات الفوضى والاضطراب التى نعيش فيها
وفى هذا قال الرجل:
"أيها الإخوة في الله، إن من الوسائل المهمة في الحفاظ على صفاء المجتمع واجتماع وتآلف ذويه وانتظام عقد أنبائه أن تتربى النفوس على العدل في المواقف والإنصاف من المخالف، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة: 8].
فالأمة أحوج ما تكون إلى إبراز هذه الخلة القويمة، حفظا لبيضة الديانة، وإقامة لأود الشريعة، وذبا عن حرمات المسلمين خاصتهم وعامتهم، وأخذا بحجز الإخوة والمحبين، وسدا لباب الشانئين المغرضين. ومن المعلوم أن الإنصاف نفيس وعزيز، حتى ليكاد نجمه أن يأفل في دنيا الناس، فهذا الإمام الذهبي يشكو قلة الإنصاف في زمانه فيقول: "لقد صرنا في وقت لا يكاد الشخص يقدر على النطق بالإنصاف، نسأل الله السلامة، ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم، وإن طوي بساط النصف وتطاول أهل السفه والصلف استوى المحسن والمسيء، والمحق والمبطل، والظالم والمظلوم، والبشر مجبولون على الانسياق وراء رغبات نفوسهم والسعي إلى مصالحها ولو على حساب النصف من الآخرين، يقول داود بن يزيد: سمعت الشعبي يقول: والله، لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة لعدوا علي تلك الواحدة"."
وفى الفقرات السابقة نجد الرجل يركز النقل من كلام بشر مثله ولكنه لابد ان ينهى الخطبة باتباع الدين فقال :
"وطريق السلامة من ذلك هو التمسك بالكتاب والسنة وعفة اللسان وسلامة الصدور ولزوم الجماعة وفقه أدب الخلاف والدعاء الدعاء."
وطالب الدعاة أن يصبروا على ما يتعرضون له فقال:
"أما من تعرضوا للنيل والشائعات واكتووا بنار الأكاذيب والافتراءات فليهنؤوا بذلك ولا يضجروا، وليعلموا أن ذلك طريق المرسلين والأنبياء، وأن المسلم عرضة للامتحان والابتلاء، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم [النور:11]، لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين [النور:12]. مع أخذ النفوس بالصلاح والإصلاح والدفع بالتي هي أحسن، يقول ابن الحنفية: "ليس بحكيم من لم يعاشر بمعروف من لا يجد من معاشرته بد، حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا".
وإن بليت بقوم لا خلاق لهم إلى مداراتهم تدعو الضرورات
فقل يا رب لطفك قد مال الزمان بنا من كل وجه وأبلتنا البليات
ثم لا بد من ترويض النفوس على الصبر والتحمل مع الثقة بالله وتغليب مشاعر التفاؤل، فلا ترمى بالحجارة إلا الشجرة المثمرة."
وكالعادة استمر في الكلام العام الذى لا يعلم تفاصيل الشرع وهو أصل أى درس أو خطبة فقال :
"ألا ما أحوج المحب إلى الثقة بالنفس والاعتدال في الرأي وتنسيق المواقف مع الحذر من اليأس والقنوط، فلا يبقى في النهاية إلا الحق، ولا يصح إلا الصحيح، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:17]، وكم من أمثال هذه النوابت والنتوءات واصلت إضرارها بالبرآء، فكانت نهايتها سقوطا مدويا وفشلا ذريعا، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [فاطر:43].
ولنحذر من تعميم الأحكام وإطلاقها جزافا على الأنام، فلا يزال الخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، فلهذا كن دائما إيجابيا متفائلا وإن ذقت المواقف المحرقة، فالعاقبة جميلة ومشرقة، والعاقبة الماتعة في المواقف اللامعة.
احذر ـ يا رعاك الله ـ أن تبادر بسوء ظن أو ند فهم، واحمل أخاك ـ يا رعاك الله ـ أخيرا على أحسن المحامل، ومن ذب عن عرض أخيه ذب الله عن عرضه النار يوم القيامة، وتلك رسالة الإسلام في المحبة والمودة والسلام والتسامح والصفاء والوئام، وهي رسالة إلى العالم بأسره ليعي الوجه المشرق في هذا الدين، وما يحمله للإنسانية من خير وأمان، وما يدعو إليه من أمن واطمئنان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون [يوسف:21]."
أيها القارىء ماذا تعلمت من هذه الخطبة من الأحكام ؟
كلام كبير عن مشاكل كثيرة ولكن بلا علاج مفصل لواحدة منها وإنما كلام عام يقوله أى تلميذ شاب في موضوع تعبير
الخطبة لعبدالرحمن السديس وهو تدور حول تعاملات المسلمين اليومية وما يجب أن تتصف وهو كعادة الخطباء أضاع وقتا في المقدمة المعروفة وكعادتهم في الحكى تحدث بكلام عام لا يعلم الحضور شيئا فقال:
"أيها المسلمون، نسائم الطاعات وعبق العبادات وشذى القربات يترك أثرا زاكيا في حياة المسلمين والمسلمات، ولعل من أهم ما يتركه شهر الصيام المبارك من نفحات وتجليات ومناسبات العيد السعيد من إشراقات وجماليات في حياة الأمة هو ذلك الأثر الإيجابي المتمثل في شيوع مظاهر المودة والإخاء والمحبة والصفاء والتواصل والهناء، في تجاف عن مسالك النفرة والجفاء بين أبناء المجتمع، مما ينبغي أن يتجاوز الحدود الزمانية والآنية، ويسلك مسلك الديمومة والاستمرارية، ذلكم ـ يا رعاكم الله ـ لأن قمة التعامل الإنساني وسمو العلاقات الاجتماعية ركيزة من ركائز بناء المجتمع الإسلامي المتميز بالقوة والتماسك، لاسيما أمام نزعة الماديات وفي عصر الأزمات والمتغيرات."
ومضى في طريق تضييع الوقت ذاكرا خطايا المجتمع فقال :
"معاشر المسلمين، إن المتأمل في حلائب العلاقات الاجتماعية وميادين التعامل بين الناس يهوله ما يرى من تفشي مظاهر التقاطع والتدابر والنفرة والتهاجر وانتشار لوثات التعالي والجفاء والتباغض والشحناء في هوى مطاع وشح متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورفع لراية الشائعات المغرضة والأخبار المكذوبة الملفقة وتلمس العيوب للبرآء وتضخيم الهنات للعلماء وتتبع المثالب للصلحاء وانتقاص مقامات الفضلاء النبلاء، حتى إن الغيور لينتابه شعور بالإحباط وهو يرى هذه المظاهر السوداوية القاتمة تنتشر في دنيا الناس انتشار النار في الهشيم، فلا يستطيع لها تفسيرا، ولا يجد لها مساغا أو تبريرا."
ثم قال كلاما كبيرا في اللفظ ولكنه خاوى المعنى طالبا من المسلم أن يكون شمعة تضىء للأخرين وتحترق هى فقال :
"يكون شمعة يحرق نفسه ليضيء للآخرين"
وبالطبع ليس المسلم شمعة وإنما نفس تعمل لنفسها أولا واخيرا كما قال تعالى :
" من اهتدى فقد اهتدى لنفسه"
وقال :
" ومن شكر لإغنما يشكر لنفسه"
فالمسلم مطلوب لأن بعمل لآخرته ومن ضمن عمله ألا يأتى على نفسه مضرا إياها في سبيل الآخرين فالمطلوب أن يعمل لنفعه الدنيوى والأخروى ومن ضمن ذلك معاونة الآخرين
وفجأة تحول من حديث الشمعة إلى النفاق والوصولية فقال :
"ومع ذلك يجد أن هناك لصوصا يتمسحون بالأجواخ ويتسلقون على الأكتاف للوصول إلى مآربهم الشخصية ومصالحهم الذاتية ومطامعهم المادية، دون وازع من دين أو خلق أو ضمير، مردوا على الأحابيل والدنايا، ودأبوا على المكر وسوء النوايا، لا يتلذذون إلا بالنيل من الطامحين والإساءة للناجحين والثلب في الصالحين والتقليل من شأن العاملين وتنفير الناس منهم والعمل على الإساءة إليهم والوقيعة بهم، بتلفيق الطعون والاتهامات ونشر الأراجيف والشائعات، في حروب اجتماعية طاحنة وضغوط نفسية قاتلة، ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى أمثال هؤلاء النشاز في أسرته ومجتمعه وأهله وأقاربه وجيرانه وزملاء عمله، مطيتهم سوء الظن، وقاموسهم الأذى والمن، بل يصل الأمر إلى ذروة خطورته حينما تستغل الأبواق الناعقة في بعض وسائل الإعلام وقنوات الفضاء وشبكات المعلومات لنشر الأكاذيب المغرضة والدعايات المضللة، لتصطبغ مع كثرة اللسن والأطروحات وتكرار العرض في المجالس والمنديات على أنها حقائق ثابتة لا تقبل الجدل ولا المساومة، وما هي إلا شائعات مغرضة، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
ومن عجيب الأمر ـ يا رعاكم الله ـ مسارعة كثير من الدهماء إلى تصديق هؤلاء كضربة لازب، بل إنك تستغرب حال كثير ممن يروجون فتنة القول على عواهنه، ولا ينتهي عجبك وأنت ترى أن بعضهم قد يشار إليه بعلم أو فضل أو صلاح أو مكانة، وكأنها لم تطرق أسماعهم آية الحجرات المدوية: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات: 6]، وفي قراءة حمزة والكسائي: فتثبتوا ، وقوله في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع))، ورحم الله ابن تيمية حيث يقول: "حتى إن الرجل ليشار إليه بالزهد والدين والعبادة ولسانه يفري في لحوم الأحياء والأموات، وهو لا يبالي بما يقول"، بل إن منهم من لا يتورع عن التدخل في خصوصيات الآخرين؛ في أموالهم وأولادهم ومواقفهم، والاستماتة في استمالتهم إلى ما يريدون من حيث لا يريدون، وإلا فسيوضعون تحت مطرقة الشائعات وسندان الاتهامات وعلى مشرحة الطعون والافتراءات، حتى إنك لتحس أنك بقيت في خلف يزين بعضهم بعضا ليدفع معور عن معور. فيا هذا، دع الخلق للخلاق تسلم وتغنم، والله المستعان."
هل علم الرجل الحضور شيئا فيما سبق ؟
لقد اضاع أوقاتهم في حكاية ما يعرفون وأكمل حكيه فقال :
"إخوة الإيمان، وفي أتون هذه المظاهر القاتمة ينبغي أن تعلى رايات المنهج الأخلاقي المتميز الذي ينضح بنبل الشمائل والخلال وعريق السجايا والخصال، إنصاف لا اعتساف، ائتلاف لا اختلاف، تناصح لا تفاضح، تسامح لا تناطح، صفاء لا جفاء، تناصر لا تنافر، تجاور لا تناحر، تناظم لا تصادم، اتفاق لا افتراق، اعتصام لا خصام، اجتماع لا نزاع."
وأتى الرجل لعلاج هذا الكم الهائل من المشاكل التى ذكرها وبدلا من ان يقوا اتبعوا كلام الله حدثنا عن العلم والأدب مبتعدا عن كلام الله إلى كلام بشر فقال:
"ولتحقيق تلك الشمائل المثلى والسجايا العليا يجب أن يتربى الناس لاسيما الأجيال على قرن العلم بالأدب، فالعلم ما لم تكتنفه شمائل تعليه صار مطية الإخفاق، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان الناس يتعلمون الأدب قبل العلم، أما اليوم فقد جحد الناس الأدب، ويقول بعض السلف: "نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم"، ويقول عبد الله بن وهب رحمه الله: "ما تعلمنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه"."
إذا المطلوب هو التربية عند الرجل فقد قال متما حديثه:
"كما يجب أن يتربى الناس على حسن الظن بالمسلمين، لاسيما خاصتهم من أهل العلم وحملة الشريعة؛ لأن الطعن فيهم أمر خطير جلل، وصاحبه معرض للخطل والزلل، حيث لا يراعي إلا موضع العلل، ولما فيه من ذهاب هيبة العلماء والإزراء بعظيم حرمتهم وجليل قدرهم وعلو مكانتهم وتجرؤ السفهاء على مقاماتهم وفتح الباب للمغرضين والمتربصين بالعلم وأهله، لذلك ربى الإسلام أتباعه على حسن الظن والتحذير من الظنون السيئة بالمسلمين، يقول الحق تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم [الحجرات:12]، وفي الصحيح أن رسول الله قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث))، وعند البيهقي وغيره: ((إن الله حرم دم المسلم وعرضه وأن يظن به ظن السوء))، ويقول الشافعي رحمه الله: "من أراد أن يقضي الله له بخير فليحسن ظنه بالناس".
إذا فالأصل ـ يا رعاكم الله ـ حسن الظن بالمسلمين وحمل أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم على أحسن المحامل، بل ينبغي التماس العذر لهم وإن أخطؤوا باجتهاد أو تأويل سائغ، يقول عمر رضي الله عنه: (لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها في الخير محملا)، ويقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: "المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يتتبع الزلات". والأخطر من ذلك حينما ينصب المرء نفسه رقيبا على نيات الآخرين حاكما على قلوبهم ومقاصدهم، غير متورع عن رميهم بالفواقر والعظائم وطعنهم في الغلاصم بالقواصم دون أعذار أو عواصم، يلغ في أعراضهم ولغا، ويفري فيهم فريا، وإنك لواجد ذلك في حياة الناس عجبا. فسبحان الله عباد الله! ماذا يبقى للأمة إذا طعن في علمائها وصلحائها وإذا نيل من فضلائها ونبلائها؟!"
والتربية لا تفيد في ظل قيام الحكام بالحكم بغير ما أنزل الله فقد يتربى الواحد في بيت دين كابن نوح(ص)ومع هذا يكون كافرا وقد يتربى في بيت كفر ويكون مسلما كإبراهيم(ص)
المهم أن السديس مضى في خطبته ذاكرا ما نتداوله في مجالسنا في الشوارع والبيوت وغيرها وهو كلام لا يعلم الناس شيئا فقال :
"وإن من بالغ الخطورة أن تعقد المجالس والمنتديات، يحضرها العشرات والمئات، وينبري فيها دعي متحذلق مأفون، فيطلق لسانه في أهل العلم والصلاح ذما وثلما، والناس منصتون ساكتون، خشعا أبصارهم، يأخذون ذلك مأخذ القبول والرضا، بل والفرح والتشفي، بل وسلموا تسليما."
وتحدث عن الدفاع عن أعراض المسلمين فقال :
"أهكذا ربى الإسلام أتباعه؟! أين الذب عن أعراض المسلمين والحفاظ على سمعة الفضلاء الصالحين؟! إن الذب عن أعراض المسلمين ـ لا سيما علماؤهم وصلحاؤهم ـ فريضة باتت مطوية غير مروية، وسنة أصبحت مهجورة منسية، ألم يقل المصطفى فيما أخرجه أحمد والترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة))، وفي رواية ابن أبي شيبة: ((وقاه الله لفح النار يوم القيامة))؟!
فيا لله، كم يزهد في هذا كثير من الناس ممن يتلذذون بالتفكه في الأعراض ويشتهون، بل ويتشفون في ذلك، فالله حسبهم وطليبهم.
إن من الشجاعة الأدبية أن يأخذ المسلمون أنفسهم بمنهج الذب عن أعراض إخوانهم أمام خناجر المتربصين وسهام المتشفين المغرضين، حينذاك لا يجد هذا الورم الخبيث انتشارا في جسد أبناء هذه الأمة، ولا يقيم هذا الداء العضال له فسطاطا في مجتمع المسلمين."
وعاد للكلام العام الذى لا يعلم الناس شيئا سوى تذكيرهم بمعايب المجتمع فقال :
"أمة الإسلام، تلك الملامح المهمة للحفاظ على سفينة الأمة من تيارات الفتن وأعاصير المحن، فما جوبهت تلك النوازل والمستجدات وعولجت تلك التقلبات والمتغيرات بمثل الاجتماع والائتلاف، يقول ابن تيمية في أنواع الفساد التي يسببها التفرق والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف: "حتى يصير بعضهم يبغض بعضا ويعاديه ويحب بعضا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن واللعن والهمز واللمز، وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح، وببعضهم إلى المجاهدة والمقاطعة، حتى لا يصلي بعضهم خلف بعض، وهذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله"، وقال: "وبلاد المشرق من سبب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين للظن وما تهوى الأنفس والمتعبين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب، فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين" انتهى كلامه "
وكرر نفس الكلام عن مصائب أو عيوب الأمة وهو كلام يلهى الناس فقط فهنا الدور دور الناس وليس للحكام أى دور ولا كلمة واحدة عنهم وعن دورهم وهو حديث مقصود منه ومن كل خطيب خاضع للسلطة فالعيوب كلها عيوب الشعب وأما حكامه فهم منزهون لا يتم الحديث عنهم على الإطلاق
وواصل الحديث عن معايب ومصائب الأمة فقال :
"يقال ذلك ـ أيها المسلمون ـ في الوقت الذي تكتوي فيه أمتنا بجراحات ونكبات تتباين من خلالها المواقف والتحليلات، وينتج من ذلك خلافات بل وخصومات، وأمة الإسلام في هذا المنعطف الخطير أحوج ما تكون إلى اتحاد المواقف واجتماع الكلمة ووحدة الصفوف وتضييع الفرص على الطامعين والمتربصين. إن كل غيور يؤلمه ما آل إليه الحال على ثرى فلسطين والأقصى، وما تعيشه أرض العراق وبلاد الرافدين من مآس وفواجع لم تسلم منها حتى بيوت الله وأماكن العبادة، فبأي حق يقتل الآلاف من الرجال، بل النساء والأطفال، وتحدث المجازر، وتدمر المساكن، وتداس الأرض، وينتهك العرض؟! ألا فسلام الله على فلوجة الصمود والعز والشموخ التي ستنفلج دونها بإذن الله ثم بصمود أبطالها فلول الاحتلال مهما تشدقت بالحرية ومراعاة حقوق الإنسان. فصبرا صبرا إخواننا في العراق، ولكم الله يا أحبتنا في بلاد الرافدين، فهو سبحانه المؤمل لكشف كربتكم وتفريج غمتكم في زمن قل فيه الناصر والمعين، وطال فيه ليل الغاشمين المحتلين، ولن يفلت هؤلاء من سجل التأريخ، ولن يفرز ذلك إلا كراهية الشعوب وسخط علام الغيوب، غير أن ذلك كله ليس تأجيجا للعواطف، ولا انسياقا وراء حماسة وعواصف، وإنما هي دعوة لاتحاد البيانات والمواقف، والحذر ـ أيها المحبون ـ من فتنة القول والعمل، واتهام النفوس وإلجامها أن تقول على الله بغير علم، أو تخوض في النوازل بالتوقيع عن رب العالمين ببيان أو فتوى لم ينظر في آثارها ومآلاتها ومصالحها وأولوياتها، أو تقحم فريضة هي ذروة سنام الإسلام بلا راية ولا إمام في مواقف عاطفية دون فقه لمقاصدها ورعاية لضوابطها وتحقق لشروطها وانتفاء لموانعها."
ونجد الرجل خرج من المعايب والمصايب إلى الحديث عن دور طلاب العلم وبدلا من أن يأمرهم بقول الحق طالبهم بالدفاع عن العالم إن أخطأ فقال :
"ألا ما أحوج طلاب العلم في النوازل أن يولوا حارها من تولى قارها، وأن يحذروا من المنافذ التي يتسلل منها المتربصون وينفذ منها الانتهازيون النفعيون المغرضون، مع احترام رأي المجتهدين وحسن الظن بهم والتماس العذر لهم والذب عن أعراضهم، ردا للعجز إلى الصدر، وبناء للنتائج على المقدمات، غير أن مصالح المسلمين العامة ـ يا محب ـ واجتماع قلوبهم وتوحيد مرجعيتهم في النوازل وعدم الافتيات عليها هو الأولى بالرعاية والعناية والاهتمام، وبه تتحقق أعلى المصلحتين وتدرأ أعظم المفسدتين."
والحق أن العالم لا يجب أن يخطىء في البديهيات فقد أوصلنا علماء الأمة إلى جالة الهزيمة العامة في كل مجال في الحوب أوصلونا إلى معاونة الكفار على المسلمين أوصلونا إلى تدمير الأوطان تدميرا أوصلونا إلى الرضا بالظلم وعيش الكفاف والجوع في سبيل أن يبقوا أسيادهم على كراسيهم
وعاد الرجل للكلام الماسخ عن التربية ولا توجد تربية في مجتمع مسلم إلا معها تطبيق أحكام الدين وإلا فالتربية لن تفيد وإنما ستخلق مجتمعات الفوضى والاضطراب التى نعيش فيها
وفى هذا قال الرجل:
"أيها الإخوة في الله، إن من الوسائل المهمة في الحفاظ على صفاء المجتمع واجتماع وتآلف ذويه وانتظام عقد أنبائه أن تتربى النفوس على العدل في المواقف والإنصاف من المخالف، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة: 8].
فالأمة أحوج ما تكون إلى إبراز هذه الخلة القويمة، حفظا لبيضة الديانة، وإقامة لأود الشريعة، وذبا عن حرمات المسلمين خاصتهم وعامتهم، وأخذا بحجز الإخوة والمحبين، وسدا لباب الشانئين المغرضين. ومن المعلوم أن الإنصاف نفيس وعزيز، حتى ليكاد نجمه أن يأفل في دنيا الناس، فهذا الإمام الذهبي يشكو قلة الإنصاف في زمانه فيقول: "لقد صرنا في وقت لا يكاد الشخص يقدر على النطق بالإنصاف، نسأل الله السلامة، ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم، وإن طوي بساط النصف وتطاول أهل السفه والصلف استوى المحسن والمسيء، والمحق والمبطل، والظالم والمظلوم، والبشر مجبولون على الانسياق وراء رغبات نفوسهم والسعي إلى مصالحها ولو على حساب النصف من الآخرين، يقول داود بن يزيد: سمعت الشعبي يقول: والله، لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة لعدوا علي تلك الواحدة"."
وفى الفقرات السابقة نجد الرجل يركز النقل من كلام بشر مثله ولكنه لابد ان ينهى الخطبة باتباع الدين فقال :
"وطريق السلامة من ذلك هو التمسك بالكتاب والسنة وعفة اللسان وسلامة الصدور ولزوم الجماعة وفقه أدب الخلاف والدعاء الدعاء."
وطالب الدعاة أن يصبروا على ما يتعرضون له فقال:
"أما من تعرضوا للنيل والشائعات واكتووا بنار الأكاذيب والافتراءات فليهنؤوا بذلك ولا يضجروا، وليعلموا أن ذلك طريق المرسلين والأنبياء، وأن المسلم عرضة للامتحان والابتلاء، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم [النور:11]، لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين [النور:12]. مع أخذ النفوس بالصلاح والإصلاح والدفع بالتي هي أحسن، يقول ابن الحنفية: "ليس بحكيم من لم يعاشر بمعروف من لا يجد من معاشرته بد، حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا".
وإن بليت بقوم لا خلاق لهم إلى مداراتهم تدعو الضرورات
فقل يا رب لطفك قد مال الزمان بنا من كل وجه وأبلتنا البليات
ثم لا بد من ترويض النفوس على الصبر والتحمل مع الثقة بالله وتغليب مشاعر التفاؤل، فلا ترمى بالحجارة إلا الشجرة المثمرة."
وكالعادة استمر في الكلام العام الذى لا يعلم تفاصيل الشرع وهو أصل أى درس أو خطبة فقال :
"ألا ما أحوج المحب إلى الثقة بالنفس والاعتدال في الرأي وتنسيق المواقف مع الحذر من اليأس والقنوط، فلا يبقى في النهاية إلا الحق، ولا يصح إلا الصحيح، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:17]، وكم من أمثال هذه النوابت والنتوءات واصلت إضرارها بالبرآء، فكانت نهايتها سقوطا مدويا وفشلا ذريعا، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [فاطر:43].
ولنحذر من تعميم الأحكام وإطلاقها جزافا على الأنام، فلا يزال الخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، فلهذا كن دائما إيجابيا متفائلا وإن ذقت المواقف المحرقة، فالعاقبة جميلة ومشرقة، والعاقبة الماتعة في المواقف اللامعة.
احذر ـ يا رعاك الله ـ أن تبادر بسوء ظن أو ند فهم، واحمل أخاك ـ يا رعاك الله ـ أخيرا على أحسن المحامل، ومن ذب عن عرض أخيه ذب الله عن عرضه النار يوم القيامة، وتلك رسالة الإسلام في المحبة والمودة والسلام والتسامح والصفاء والوئام، وهي رسالة إلى العالم بأسره ليعي الوجه المشرق في هذا الدين، وما يحمله للإنسانية من خير وأمان، وما يدعو إليه من أمن واطمئنان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون [يوسف:21]."
أيها القارىء ماذا تعلمت من هذه الخطبة من الأحكام ؟
كلام كبير عن مشاكل كثيرة ولكن بلا علاج مفصل لواحدة منها وإنما كلام عام يقوله أى تلميذ شاب في موضوع تعبير