عمرو خالد.. الدعاة والبحث عن الراحة والدعة!

استضافت قناة "العربية" في يوليو الماضي، الداعية المصري عمرو خالد، ضمن برنامج "سؤال مباشر"، في حوارٍ يمكن وصفه بأن الضيف قال فيه كل شيءٍ ولم يقل شيئاً في ذات الوقت!

ربما أهم عبارة مفتاحية في حديث الداعية المصري قوله في نهاية الحوار "مش عايز أزعل حد"، وهو في ذلك يود البقاء في منطقة "بينَ البين"؛ أي تلك المساحة "الرمادية" التي لا يبانُ له فيها رأي محدد وواضح!

المكاسب المجانية!​


عمرو خالد، اشتهر بخطابه الدعوي الذي ركز في مرحلة ما على طبقة معينة من المجتمع، وخصوصاً العائلات ذات المكانة الاقتصادية أو النفوذ الاجتماعي، لا يود إلا أن يكون في المنطقة "المريحة"، التي يسترخي فيها، ويحقق مزيداً من التأثير والترويج لخطابه ومشروع "الإحسان" الذي تحدث عن شيء منه للإعلامي خالد مدخلي.

عندما سأل مدخلي، عمرو خالد عن مؤسسة الأزهر، والأخطاء التي ارتكبها، لم يرد استخدام كلمة "أخطاء"، مفضلاً وصفها بـ"التحديات". رغم أنه في ذات المقابلة أقر بوجود أخطاء من المؤسسة.

انتخاب مفردة "تحديات"، تجنب الداعية عمرو خالد الاصطدام مع مؤسسة الأزهر، وهو الأمر الذي لا يود الوقوع فيه، لعلمه بشعبية الأزهر وتأثيره وإمكان ارتداد ذلك سلبياً على نشاطاته وجماهيريته.

هنا ستتحول المحاباة لموقف لا ينم عن تقدير وإيمان بالمؤسسة، بقدر ما هو سلوك براغماتي يسعى من خلاله لمجاملة جهة، وبالتالي، سيكون أي نقد يوجه لها عديم التأثير، فاقد الصدقية، ليس له القدرة على التطوير، لأنه منذ بداياته يضع خطوطاً حمراء لا يود تجاوزها.

سلطة الجماهير!​


يمتلك د. عمرو خالد حسابات متعددة على شبكات التواصل الاجتماعي. فلديه نحو 11 مليون متابع عبر منصة "تويتر"، كما 31 مليون متابع لصفحته في "فيسبوك"، إضافة لـ 4.1 مليون متابع في "إنستغرام" حيث نشر 12,558 مادة، فضلاً عن 1.34 مليون مشترك في قناته الخاصة على منصة "يوتيوب"، بواقع 192,331,007 مشاهدات.

شعبية كبيرة يحظى بها د. خالد، الذي كان له حضور مبكر عبر موقعه الإلكتروني، والشبكات الاجتماعية، تطور فيها الأداء من ناحية اهتمامه بنوعية المواد وطريقة إخراجها ومدى تناسبها مع ذائقة المتابعين، واحتوائها على المؤثرات البصرية والسمعية، وذلك من أجل أن تظهر في شكل يجعلها مواكبة لكل جديد وتقدمه كشخصية دينية مواكبة للمشهد الإعلامي الذي يعيش وسطه الجيل الجديد، وبالتالي داعية يختلف عن بقية الدعاة الذين لا تتوفر لهم هذه البراعة في العمل!

الاستراتيجية التي عمل عليها عمرو خالد في عمله الدعوي، امتدت إلى خارج مصر، وجعلت حضوره أكثر نفوذاً، وإن تعرض لتموجات عدة بين صعود وهبوط، إلا أن هنالك من لا يزال يؤمن بخطابه ويرى فيه نموذجاً يحتذى.

صناعة "المثال" بقدر ما تؤثر على المتلقي تؤثر في ذات الوقت على المرسل ذاته، وتجعله تحت سلطة "الجماهير" التي تتبعه وهو يتبعها!

الأرقام المليونية التي يمتلكها عمرو خالد في وسائل التواصل الاجتماعي، هي قيود ثقيلة، تصيره أكثر حذراً، لأن سطوة "الحضور الطاغي" يخشى عليها من الفقدان أو التآكل أو التراجع. ولذا، عندما تحدث في برنامج "سؤال مباشر" عن تجديد الخطاب الديني، أجاب بحديث فضفاض في العموميات، يجعله داخل البيئة الدينية العامة دون أن يخرج منها، أو يتحول إلى الابن العاق المنقلب عليها، مقدماً أفكاراً تصلح لأن تخاطب مستويات عدة من المتلقين وترضيهم في ذات الوقت، فيجد فيها من ينشدون "العصرنة" غايتهم، ولا ينزعج منها المحافظون المعتدلون، ولا ترى فيها المؤسسة الدينية خروجاً عن ثوابتها.

الأكلافُ المُبعدة!​


من هنا، يود الداعية المصري عمرو خالد ألا يدفع أكلافاً تترتب على أفكاره أو مواقفه في الشأن العام. لذا، رفض الخوض في "السياسة" أو تبيان آرائه الحالية في قضايا شائكة مثل: الإخوان المسلمين، والربيع العربي. مكتفياً بالقول "وقعت في أخطاء وندمت عليها واعتذرت"، أو القول "مررنا بتسونامي ليس سهلاً والحمد لله أن ربنا حمى مصر"، أو تأكيده على أنه "ما ليش علاقة بالإخوان المسلمين".

هذه الأجوبة سوف ترضي الكثير من الأطراف، خصوصاً تلك المنتشرة في الطبقات غير المسيسة، وتجنبه دفع أي ثمن.

رغم أن عمرو خالد يقدم ذاته بوصفه "داعية" وهو يعلم أن أي شخصية عامة تحمل رسالة ذات طابع ديني، سيكون من الطبيعي جداً أن تقدم ثمناً لدعوتها ومواقفها، لأن السيرة النبوية وتاريخ الإسلام منذ أكثر من 1400 سنة، يعج بالقصص والأخبار عن المعاناة والمكابدات التي يتحملها من يتصدى للدعوة والعمل في الشأن العام!

هذه "الميوعة الفكرية" في خطاب عمرو خالد، تشير بوضوح إلى عدم قدرة الدعاة على المراجعات الجدية والحقيقية، وضعف إمكانياتهم على تقديم خطاب ناضج يحاجج الأفكار ويفند السقيم منها بشجاعة علمية وأدبية.
 

مواضيع مماثلة

أعلى