هل بدّل "الحرس الثوري" طريقة إدارة أذرعه وحلفائه في العراق؟

نشرت وكالة "رويترز" للأنباء، تقريراً في 21 مايو الجاري، قالت فيه إن "إيران تشكل فصائل نخبوية جديدة موالية لها في العراق"، بناء على مصادرها التي حصلت عليها من داخل العراق وبعض الجهات الغربية.

قبلها، نشر موقع "العربية.نت"، 11 مايو 2021، تقريراً مفصلاً سعى للإجابة عن السؤال: كيف تدير إيران شبكة الحلفاء والميليشيات في الشرق الأوسط؟

التقرير استعرض مجموعة من الفصائل المدعومة إيرانياً في لبنان واليمن والخليج والعراق، متناولاً طبيعة "العلاقة المعقدة القائمة على المصالح المتبادلة بين الحرس الثوري ومجموعة من التشكيلات المسلحة في العراق".

هل ثمة تبدل؟​


تقرير "رويترز" يثير العديد من النقاط، وهي ترتبط بتغيرات سياسية وأمنية وميدانية، وتحديداً بُعيد اغتيال القائد السابق لـ"فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني، يناير 2020، وتولي إسماعيل قاآني المهام التي كان سلفه يقوم بها، دون أن يُغفل المتابع أن قبلها تم تشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي، وأيضاً تم تنصيب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية، الديمقراطي جو بايدن، 20 يناير 2020، والذي أعاد الزخم للحوار بين أميركا وإيران، بهدف إعادة إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والتي انسحب منها سلفه دونالد ترمب.

هذه التغيرات، إذا أضيف لها وجود أجواء عامة لـ"التهدئة" في الخليج العربي، تدفع لفهم الأسباب التي تجعل الحكومة الإيرانية تسعى لأن تعيد ترتيب علاقتها بالفصائل المسلحة العراقية، لتكون هذه الجماعات "ورقة رابحة على طاولة التفاوض، وليس مجاميع عصية على السمع والطاعة، يؤدي سلوكها غير المنضبط إلى إحداث أضرار تمنع إيران من تحقيق الأهداف التي تسعى لها"، كما يقول مصدر مختص بالملف الإيراني لـ"العربية.نت".

المصدر يضيف شارحاً "الإيرانيون يريدون أن يصلوا إلى نتائج سياسية تخفف من الضغط الاقتصادي والعزلة الإقليمية والدولية، ولذا، هم غير معنيين بخسارة أي فصيل عراقي يتمرد أو يقوم بعمليات يرونها مضرة بمسار المصالح العُليا الإيرانية".

من جهته يرى الباحث المختص في الشأن الإيراني حسن فحص، أن "إيران رفعت الغطاء عن مجموعة من الخلايا المنفلتة، بعضها في جنوب العراق، وقالت لحكومة مصطفى الكاظمي إنها مع إنهاء وجود هذه المجاميع"، مفسراً ذلك بقوله "هي رسالة يبعثها الإيرانيون إلى أكثر من جهة داخل العراق وخارجه، يريدون عبرها التعبير عن تبدل في الأداء يتوافق مع رغبتهم في استثمار العمليات العسكرية، سياسياً على طاولة التفاوض، دون أن يتحملوا وزر وتبعات الهجمات التي تقوم بها هذه الخلايا".

مبالغات أم حقائق؟​


مصدرٌ مقربٌ من "الحكومة العراقية"، أشار في حديث خاص لـ"العربية.نت"، إلى أن تقرير وكالة "رويترز" حول الميليشيات العراقية يحتوي "الكثير من المبالغات، وتضخيما للعديد من الحقائق والأرقام التي هي بالأساس موجودة ولم تتبدل".

الإيرانيون يمارسون العمل منذ عدة سنوات على مستويات مختلفة "ليس هنالك من جهة واحدة فقط تعمل داخل العراق، هنالك أكثر من مؤسسة: الخارجية، المخابرات، الحرس الثوري"، بحسب مصدرٍ متابعٍ، شارحاً ذلك بقوله "كل جهة تشتغل على دائرة مختلفة، وبطريقة تتسع وتضيق، وفق السياسات والظروف".

بدوره، يرى الباحث حسن فحص، أن "الإيرانيين ليسوا بحاجة لاستحداث تشكيلات جديدة، خصوصاً أنهم استثمروا لسنوات مبالغ مالية طائلة، وجهوداً ميدانية وسياسية وعسكرية وأمنية، في فصائل موالية لهم، تستطيع أن تقوم بالمهام الموكلة لها بسرية وإتقان".

تجربة النجباء!​


في هذا الصدد، يمكن الإشارة لتجربة "حركة النجباء"، التي يتزعمها الشيخ أكرم الكعبي، وهو صاحب تجربة سابقة مع "عصائب أهل الحق"، قبل أن ينشق عليها ويكوّن حركته المستقلة، التي لها رعاية خاصة من "الحرس الثوري" الإيراني.

"النجباء" تشابه تنظيم "حزب الله" لبنان، قبيل انخراط الأخير في العمل السياسي والحكومة اللبنانية، إضافة لعمله العسكري. حيث لا تزال "النجباء" تنشط كفصيل مسلح من خارج بنية الجهاز الحكومي العراقي، أي أنها تقدمُ أولوية "العسكرة" على "السياسة"، وهي لديها "فرق مدربة تقوم بأعمال خاصة، وتتلقى دعماً من الحرس الثوري ومن حزب الله لبنان، وقادرة على الكتمان".

هذه البنية التي يتمتع بها فصيل مثل "حركة النجباء"، إضافة لفصائل كـ"كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب الإمام علي"، تقود إلى "طرح الكثير من الملاحظات حول دقة تقرير رويترز، خصوصاً أن الحرس الثوري لديه خلايا عديدة قائمة، وليس من مصلحته التخلي عنها أو إثارة غضبها، أو الدخول في مغامرات جديدة مع فصائل غير منضبطة"، بحسب خبير متابع لـ"الفصائل العراقية"، مضيفاً "هذا لا يعني أنه قد لا يكون هنالك قائد ما في الحرس الثوري يدعم مجاميع صغيرة، إلا أن ذلك لا يعني تبدلاً في استراتيجية الحرس أو التخلي عن أعمدته الرئيسة، وخصوصاً حركة النجباء".

ما يميز "النجباء" وعددا آخر محدودا من الفصائل، أنها لديها بنية تنظيمية أكثر إحكاماً بكثير من "خلايا الكاتيوشا"، ودربت بطريقة تجعلها قادرة على القيام بمهام متعددة: قتالية، استخبارية، أمنية، ولوجستية.!

الاستخدام الواحد!​


وبموازاة الفصائل التي تشكل لبنة رئيسة في مشروع "الحرس الثوري"، هنالك مجاميع أخرى ذات أدوار "وظيفية"، تمتاز بأنها محدودة بوقت معين، ولأهدافٍ آنية قصيرة الأمد، لا تمتلك مقومات التنظيم المتماسك، وهذه الجهات يمكن أن تخدم السياسات الثورية في الداخل العراقي، وتحديداً استهداف القوات الأميركية، حيث إنه "بالنسبة لإيران فإن الهجوم على القوات الأميركية في العراق من خلال وكلائها هو أمر منطقي من أجل مصالحها الاستراتيجية. وأن القيام بذلك يظهر عزماً يمكن اعتباره ردعاً ضد المزيد من النشاطات الأميركية، والأهم هو وضع ضغط سياسي على التواجد الأميركي في العراق"، بحسب د. منقذ داغر وكارل كالتنثالر، في مقالتهما بعنوان "مقتل قاسم سليماني: ماذا يعني للعراق؟".

استهداف القوات الأميركية، عبر عناصر عراقية صغيرة، سهلة التخفي والتفكيك والذوبان، يجعل النظام الإيراني بعيداً عن المحاسبة، ويبعد حلفاءه الكبار عن التعرض لضربات موجعة، وأيضاً يمنحه فرصاً للتذرع بأنه لا يتحمل أي مسؤولية، وأن هذه تشكيلات ليست تحت مظلته.

استثمار الكاتيوشا!​


العام 2020، وتحديداً بعد مقتل قاسم سليماني، بدأت الساحة العراقية تشهد نشاطاً واسعاً لما يسمى "خلايا الكاتيوشا"، وهذه المجاميع الصغيرة "رغم عدم وجود قيادة واضحة لهذه الخلايا، وعدم إعلان أي فصيل من الفصائل الولائية مسؤوليته عن الهجمات الصاروخية التي تقوم بها، إلا أن هناك وحدة خطابية وسياسية وعقائدية واضحة تربطها بالفصائل الولائية، وتحظى بدعمها غير المباشر، وهو ما يشير إلى حصول تطور مهم في عمل الفصائل الولائية في العراق، عبر فكرة القيادة من الخلف، دون إثارة الجانب الأميركي ضد الفصائل الولائية حيال الهجمات التي تقوم بها هذه الخلايا"، بحسب ما جاء في مقالة نشرها "مركز الإمارات للسياسات"، بعنوان "خلايا الكاتيوشا: الذراع الطويلة للفصائل الولاية في العراق"، أعدها فراس إلياس، واستندت بشكل رئيس في معلوماتها للورقة الموسعة التي اشتغل عليها الباحث العراقي هشام الهاشمي، الذي اغتيل أمام منزله في العاصمة بغداد، يوليو 2020، ويُعتقد أن "كتائب حزب الله" تقف وراء عمليه الاغتيال؛ وكان الهاشمي أعد دراسة نشرت بعد مقتله بعنوان "الخلاف الداخلي في الحشد الشعبي"، أصدرها "مركز صنع السياسات للدراسات الاستراتيجية والدولية"، ونشرت "العربية.نت" أجزاء منها في 7 يوليو 2020.

يسود اعتقاد واسعٌ بين الباحثين أن "خلايا الكاتيوشا" هي مجرد واجهات لجهات عسكرية فاعلة في الساحة العراقية، وأنها شُكلت بهدف القيام بعملياتها بحرية أكبر، دون وضع أعباء على التنظيمات الأم ودون إحراج لـ"الحكومة الإيرانية" التي دائماً ما تُعلن أنها ليست مسؤولة عنها، إلا أنها وبحسب الباحث حسن فحص "ترسل عبر عملياتهم العسكرية رسائل إلى الحكومة الأميركية ودول الجوار الخليجي، خصوصاً إبان فترة الرئيس السابق دونالد ترمب"، أي أنها جزء من المنظومة الأكبر، دون أن تكون بالضرورة خاضعة لسيطرتها التامة، أو إدارتها المباشرة، أو تتلقى تعليمات من ضباط محددين في "الحرس الثوري"، إلا أن طهران تعمل على "استثمارها أمنياً وسياسياً لصالحها".

ما يجعل استراتيجية "خلايا الكاتيوشا" أقل كلفة، رغم مخاطرها القائمة، خصوصاً في حال "عدم ضبطها"، هو قدرة هذه الخلايا على التفلت من الحساب، حيث "تبذل الميليشيات المدعومة من إيران قصارى جهدها لتمويه تواطئها في الهجمات الصاروخية"، بحسب الباحث في "معهد واشنطن" مايكل ناتس، مشيراً إلى أنها "ببساطة تفتقر إلى الانضباط للتقيّد بدستور العراق وقوانينه"، وفق مادة نشرها بعنوان "لماذا يخشى وكلاء إيران الأدلة".

من هنا، فإن "الحرس الثوري" مستمرٌ في إدارته لأذرعه، دون تبدل كبير عملياً إلا بالقدر الذي تتطلبه المصالح الإيرانية العُليا، والتي قد تتبدل جزئياً مع الظروف الراهنة في الشرق الأوسط، ووفق ما ينتج عن "مفاوضات فيينا" بين إيران والدول الأوروبية، وما تفرزه الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقررة في يونيو القادم، وطبيعة الرئيس الذي سيتولى سدة الحكم، والعلاقة التي ستربطه بمرشد الثورة آية الله علي خامنئي والحرس الثوري.
 
أعلى