اذا اصبح كل الاطباء نساء وكل المبرمجين رجال ماذا سيحصل؟

الحل
برأيي أي شخص يمكن أن يصبح أي شيء. لا أتقبل بتاتًا مفهوم التصنيفات في العمل، فهذه وظيفة للرجل، وتلك وظيفة للمرأة، إلا في الحدود الدنيا الضيقة. حيث أن هناك وظائف بيولوجية لا يمكن أن تصلح إلا للجنس نفسه فالرضاعة الطبيعية مثلًا هي مسؤولية الأنثى ولا ينازعها بها الذكر. وهنا أود التنبيه أنني لا أشجع التوجه االجندري بشكل حاد، بل أؤيده بما يتناسب مع أنساق المجتمع وثقافته وأعرافه. أؤيد الجندرية التي تتبنى الوعي الديني المجتمعي، التي تؤيد عمل المرأة بصورة تحفظ كرامتها وحريتها واستقلالها. أؤيد الجندرية العربية ضمن السياق المجتمعي الذي يحترم أفراده ضمن أطرهم الدينية، وتقاليدهم المجتمعية؛ وليست تلك التي تتبنى وجهات نظر لا تتناسب مع ما نجده متسقًا مع حياتنا وأعرافنا وتوجهاتنا.

لكن علينا أن لا ننسَ أننا نعيش ضمن أطر وأنساق اجتماعية وثقافية وحضارية...

أسيل

كاتب جيد جدا
برأيي أي شخص يمكن أن يصبح أي شيء. لا أتقبل بتاتًا مفهوم التصنيفات في العمل، فهذه وظيفة للرجل، وتلك وظيفة للمرأة، إلا في الحدود الدنيا الضيقة. حيث أن هناك وظائف بيولوجية لا يمكن أن تصلح إلا للجنس نفسه فالرضاعة الطبيعية مثلًا هي مسؤولية الأنثى ولا ينازعها بها الذكر. وهنا أود التنبيه أنني لا أشجع التوجه االجندري بشكل حاد، بل أؤيده بما يتناسب مع أنساق المجتمع وثقافته وأعرافه. أؤيد الجندرية التي تتبنى الوعي الديني المجتمعي، التي تؤيد عمل المرأة بصورة تحفظ كرامتها وحريتها واستقلالها. أؤيد الجندرية العربية ضمن السياق المجتمعي الذي يحترم أفراده ضمن أطرهم الدينية، وتقاليدهم المجتمعية؛ وليست تلك التي تتبنى وجهات نظر لا تتناسب مع ما نجده متسقًا مع حياتنا وأعرافنا وتوجهاتنا.

لكن علينا أن لا ننسَ أننا نعيش ضمن أطر وأنساق اجتماعية وثقافية وحضارية تختلف اختلافًا تامًا عن البيئة المتبناة في الغرب. هنا نجد أن النمطية تحكم العديد من الوظائف، حيث وجدنا في فترة ما وجود سيدات يعملن في محطات الوقود هو من المحرمات، وقامت الثورة ضد هؤلاء بخروجهن عن النسيج المجتمعي التقليدي المتبع. لذلك قد تجد العديد من الناس قد يستهجنون هذا السؤال كتنميط للتوجه نحو احتكار الوظائف لأفراد دون الآخرين. هنا، سننظر إلى السؤال متخيّل مستقبلي مفترض نحو تنميط بعض الوظائف وتصنيفها.

لننظر ما الذي سيظهر على السطح عندما تكون جميع الوظائف الطبية مختصرة على النساء دون سواهن. قد لا أجد في ذلك خطأً مطلقًا، فحاليًّا نجد الجسم التمريضي يغلب عليه التأنيث بشكل شبه مطلق. لكن، هل يصلح ذلك حقًا للجسم الطبي؟ من رأيي أن هذا لا يعد منطقًا بتاتًا من الناحية الطبية.

إذا نظرنا للاختصاصات الطبية سنجد العديد منها يستلزم البقاء خارج المنزل لساعاتٍ طوال، هذا قد يعيق الطبيبة أحيانًا وخاصةً الطبيبات الأمهات. كما أن معظم الأهالي لن ترضَ أن تبقى بناتها الطبيبات خارج المنزل لأوقات طويلة، أو أن تخرج عند استدعائها في منتصف الليل حتى لو كان الأمر للضرورة القصوى. فحتى لو بلغ الأهل مبلغًا من الانفتاح والتحرر، فلن يكون هذا الطابع العام الذي يمكنهم أن يتأطروا به. كما علينا أن ننظر أن بعض الأمراض تستوجب وجود الطبيب الرجل، وبذلك يكون المريض يشعر بأريحية كبيرة عند التعامل معه، ومنها أمراض الذكورة، والأمراض المختصة بالأجهزة التناسلية الذكرية. سيجد المجتمع أن هذه التخصصات تستوجب التعامل أحادي الجنس، والتناقض هنا هو التعامل معه من جهة المرأة بطريقة أخرى، حيث يتناصف قطاع الأمراض النسائية والولادة بين الذكور وافناث، وقد نجد العديد يفضل الذهاب لطبيب النسائية، حيث نجد توجهًا نحو تأطير أن الكفاءة في هذا القطاع هو من نصيب الذكور لا الإناث. وللأسف الشديد قد يكون هذا واقعًا فعليًّا في المجتمع الأردني، ولا علاقة لهذا بذكاء الذكور دون الإناث، لكن للطبيب الذكر الأريحية أكثر في تطوير نفسه، والسفر لحضور المؤتمرات والورشات االتطبيقية في الخارج، والدراسات التكميلية، والقدرة على تجربة كل ما هو جديد في الدراسات الغربية عن الطبيبات الإناث اللواتي ينحصرن على الأغلب في الدراسة في الجامعات المحلية والاختصاص في المستشفيات في بلادهن.

لذا قد يكون من الصعب جدًا على تقبل المجتمع ليكون الطب مقتصرًا على النساء على الأخص. كما أن الحدود التي تتمكن بها الطبيبات من العمل بحرية ومرونة وأريحية مقننة جدًا لدرجة لا يمكن تصورها. كما أن التخصصات الدقيقة تتطلب الدراسة والتخصص في الخارج غالبًا لسنوات طويلة، وهذ يتناقض عامةً من الاعتقاداتى المجتمعية بزواج الإناث ضمن عمر معين، حتى لو كان ذلك على حساب دراستها. لكن عند النظر للجانب الإيجابي، ستصبح المهنة أكثر عاطفية واستجابة. سيصبح للطب ملمس أنثوي أمومي أكثر، كما يمكن أن تصطبغ المهنة بنوع من الصبر وطول البال وحُسن الاستماع للمريض وزيادة القدرة على التعاطف. لكن هذا في حال استطاعة الطبيبات أن يتمكّن من مهنتهن، ويصبحن أكثر مهنية وكفاءة بالدورات المتقنة، والتدريب الممنهج المهني المتكامل على التخصص، واستمرار التحديث على معارفهن ومعلوماتهن، والعمل المستمر نحو النهوض بالتخصص والمهنة سواء كان ذلك داخليًّا أو خارجيًّا أو كليهما.

أما في حال تأطير البرمجة وحصرها ضمن الجدود الرجالية، فهذا ظلم واضح للنساء. فأصل البرمجة بدأتها أنثى، وهي آدا أوجستا كنغ، كونتيسة لفليس، التي برعت في الرياضيات، وعملت على المحرك التحليلي الذي صممه تشارلز بابيج من خلال كتابة الخوارزمية الأولى التي تجاوزت بها تطبيقات آلة بابيج. ومن هنا كانت أول من عرف إمكانات الآلة الحاسبة واعتبرت عالميًّا بأنها أول مبرمجة حاسوب. لذا لا يمكن نسب فضل الشيفرات والاكتشافات البرمجية المثيرة للجدل فقط للرجال، بل كان التعامل المشترك ما بين الجنسين هو الذي استطاع إدارة المجتمعات البرمجية والأنظمة ذات الشيفرات المتعددة، والتي استطاعت الدخول في عوالم الرجال والنساء باختصاصتها المختلفة. فلماذا هذا التحيز الجنساني تجاه الذكور في مجتمعات تطوير البرمجيات؟ وفقًا للدراسات الحديثة، فإن النساء أفضل من الرجال في البرمجة، ويتم قبول الكود الخاص بهن في كثير من الأحيان. ومع ذلك، يحدث هذا فقط عندما لا يتم التعرف على النساء كنساء كما هو موجود في بحث من GitHub. حصل الباحثون على بيانات جنسانية لـ 1.4 مليون مستخدم ووجدوا أن معدلات قبول النساء تجاوزت معدلات قبول الرجال في كل لغة برمجة. عندما لا تحتوي الملفات الشخصية للنساء على معلومات عن جنسهن، كان معدل القبول 72%. ومع ذلك، إذا عرّفوا عن أنفسهم على أنهم نساء، فإن هذا الرقم ينخفض إلى 62%. كشفت هذه الدراسة حقيقتين. أولاً، النساء أفضل مبرمجين. ثانيًا، مجتمع التكنولوجيا، الذي يمثل 73% من الذكور، متحيز ضد المرأة. لذا بدأت بالتفكير بعد هذه الدراسة أن المرأة أقدر على التفكير من عدة جوانب، لذا تكون الأكواد لديهم مضبوطة وقابلة للاستخدام.

لا أعتقد ستكون هناك فروقات واضحة في مجتمع الأكواد يعتمد على الجنس. يمكن للمرأة أن تتمتع بتجارب مختلفة عن التجارب الذكورية في الحياة، لذا قد يواجه المبرمجين الذكور بعض المشكلات عند كتابة الأكواد المختصة بهن. هناك تنوع كبير في الكود الذي يكتبه الرجال. يمكن أن يكون أنيقًا أو فوضويًا، مقتضبًا أو مطولًا، متسقًا أو حرًا. يمكن أن يكون مبدعًا أو جامدًا، متكررًا أو فريدًا بعناية. يمكن أن يكون متماثلًا أو غير متماثل، وهناك الكثير من الأساليب المختلفة بينهم. لكن قد تطغى الفوضوية أحيانًا في الأكواد الرجالية والتي ستحتاج حقًل للمسات النسائية للمزيد من الدقة.

في النهاية أنا مع أن الشخص يصنع الوظيفة، ويقولبها بالشكل التي عليها أن تكون. فلنبتعد عن الميثولوجيا الأسطورية التي رسخت الاعتقادات الذكورية المطلقة- سواء في المجتمعات المحلية أو الدولية الغربية- بأن هناك قطاع عمل مختص بالذكور، وآخر مختص بالنساء. علينا توسيع الأفق، وبناء ما هو مناسب لما نرغبه نحن، لا من يرغبه غيرنا.
 

مواضيع مماثلة

أعلى