حسب توقعاتك هل تعتقد ان الصناعات في الدول العربية يمكنها ان تتطور وتنافس الصناعة في الدول الكبرى؟

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
المواضيع المتشابهة
الحل
صناعة دمشق كواحدة من الدول العربية الصناعية الرائدة على مر العصور.

في شهر شباط، فبراير ١٩١١ نشرت صحيفة المقتبس الدمشقية سلسلة مقالات لافتة عنوانها "مستقبل دمشق" وهذه السلسلة تصف من خلال قصّة خيالية رؤية الصحيفة للعاصمة بعد ٥٠ سنة (رؤية دمشق ١٩٦٠)

القصة الخيالية تدور أحداثها حول مغترب سوري عجوز عاش حياته في أميريكا ليقرر في يوم من الأيام العودة إلى الشام بعد ٥٠ عامًا من الغياب!.

وصل المغترب في الباخرة من أميريكا إلى بيروت، وثمّ من محطّة بيروت للقطار حيث توجد قطارات حديثة سرعتها تصل الى ٥٠ كيلومتر في الساعة وتمر بجميع المدن المهمّة من العراق شرقًا الى مصر جنوبًا، يركب المغترب قطار خط بيروت-دمشق ويصل إلى الشام في حوالي ٣ ساعات بفضل نفق خاص يدخل به القطار تحت جبل لبنان ليخرج في سهل البقاع.

خلال رحلته يصف القطار...

أسيل

كاتب جيد جدا
صناعة دمشق كواحدة من الدول العربية الصناعية الرائدة على مر العصور.

في شهر شباط، فبراير ١٩١١ نشرت صحيفة المقتبس الدمشقية سلسلة مقالات لافتة عنوانها "مستقبل دمشق" وهذه السلسلة تصف من خلال قصّة خيالية رؤية الصحيفة للعاصمة بعد ٥٠ سنة (رؤية دمشق ١٩٦٠)

القصة الخيالية تدور أحداثها حول مغترب سوري عجوز عاش حياته في أميريكا ليقرر في يوم من الأيام العودة إلى الشام بعد ٥٠ عامًا من الغياب!.

وصل المغترب في الباخرة من أميريكا إلى بيروت، وثمّ من محطّة بيروت للقطار حيث توجد قطارات حديثة سرعتها تصل الى ٥٠ كيلومتر في الساعة وتمر بجميع المدن المهمّة من العراق شرقًا الى مصر جنوبًا، يركب المغترب قطار خط بيروت-دمشق ويصل إلى الشام في حوالي ٣ ساعات بفضل نفق خاص يدخل به القطار تحت جبل لبنان ليخرج في سهل البقاع.

خلال رحلته يصف القطار وحداثته، وكيف أنه مجهّز بعربة خاصّة للطعام، وصالة خاصة للقراءة يوجد فيها مكتبة معتبرة يسودها الهدوء ومليئة بالقرّاء.

في أثناء الطريق وعندما يمر القطار بوادي بردى يتفاجئ المغترب بغزارة المياه ويجدها أكثر مما كانت عليه قبل سفره وعند سؤاله أحد الرّكاب المثقّفين عن السبب، أجابه: السبب هو قيام شركة الري بدمشق بمد نهر بردى بمياه من نهر الليطاني وكنتيجة لذلك ازدادت مياه النهر وامتدت للغوطة الشرقية حيث وصلت البساتين حتّى بحيرة العتيبة

يتحدّث المغترب عن الأحياء الدمشقية المعمّرة حديثًا ويصفها بأنها "آخر جمال ونظام!" وذلك لأن المحافظة أو البلدية أصبحت تزوّد المواطنين بتصاميم معمارية من أحدث مايكون وبالمجان، والهدف هو القضاء على المباني عشوائية الشكل والبناء.

وفي أثناء جولته في المدينة، تتحدث القصّة عن التطور الصناعي وانتشار الآلات الحديثة، حيث يذهب المغترب إلى مدرسة الصنائع ليستقبله مجموعة من الطلاب النوابغ الذي يتعلمون أحدث المناهج ويطبقونها على أحدث الآلات، وعند دعوته لحضور حفل في المدرسة يلاحظ المغترب صور مؤسسي الصناعة السورية والدمشقية معلّقة على الجدران! وذلك لفضلهم في تأسيس ونشر الصناعة في أنحاء البلاد.

ينتهي المغترب من حفل الاستقبال ليذهب الى قاعة السينما (وهو مايزال في المدرسة الصناعية)، يتلوها محاضرات عن علوم الفضاء وجيولوجيا غوطة دمشق.

قصّة المغترب لم تنتهي هنا ولكننا للأسف لم نعرف بقيّتها لأنها وعلى الأغلب منشورة بعدد مفقود من جريدة المقتبس. لكن وبغض النظر عن بقيّة التفاصيل فإن القصة الخيالية تركّز على أهمية التطور الصناعي وكيف كان هذا التطور يأتي بالتضافر مع تطور البنية التحتيّة وتطور التعليم التقني وفهم التعامل مع الآلة.

إنّ الاهتمام في الصناعة في تلك الفترة (فترة كتابة المقال) لم يكن اهتمامًا عبثيًا أو من فراغ، لأنه وفي ذلك الوقت -أوائل القرن العشرين- كانت الصناعة تعتبر المدخل الرئيسي نحو العصر الحديث والممر الإجباري لتطوير البلاد، ومن هنا نبع اهتمام الكاتب بالصناعة عندما كتب أحلامه أو رؤيته عن دمشق المستقبل ١٩٦٠ وقام بالتركيز على الآلة بشكل ملفت من غسّالات ومصاعد ومعامل ومطابع وغيرها...

اليوم وبعد أكثر من ١٠٠ سنة على كتابة المقال، للأسف فإننا فشلنا في تحقيق الكثير من الأحلام كحلم المدينة المنظّمة عمرانيًا والمطورة صناعيًا، بالإضافة الى رجوعنا خطوات إلى الوراء في عدة أمور كالصحافة، فكاتب المقال لم يكن بالتأكيد يتوقع أنه ومن أواخر خمسينات القرن الماضي سيتم منع معظم الصحف السورية من النشر ويتم الاقتصار على بعض الصحف المقرّبة من السلطة.

صناعة النسيج الدمشقي:
لنتحدث قليلًا عن الواقع وتحديدًا عن صناعة النسيج في دمشق والمشهورة منذ زمنٍ بعيد.

فيقول الجغرافي العربي الإدريسي في وصفه لصناعة النسيج الدمشقية، إن صناعة دمشق وحريرها ليس لها مثال لا في الشرق ولا في الغرب لا في بلاد الرومان ولا في بلاد فارس او كما قال بلغة عصره

وقد احتوت طرزها على أفانينَ من أعمالِ الثياب النفيسة ومحاسن جمة فلا يعادلها جنس ولا يقاومها مثال

وكما يقول المؤرخ الدمشقي ابن عربشاه:
إن هذه المهارة والحرفة المشهورة عبر القرون جعلت الغزاة كتيمورلنك يجبر صنّاع بلاد الشام المهرة على السفر معه إلى عاصمته سمرقند لتطوير صناعتها واقتصادها.

وفي القرون اللاحقة انشهر الحرير الدمشقي في أوروبا فإلى يومنا هذا تجد في القواميس الفرنسية فعل Damasser المشتقة من فعل Damass أو دمشق باللغة الفرنسية ومعناه الحرفي صناعة القماش أو الحرير بالنقشة الدمشقية.

اشتهرت دمشق أيضًا بصناعات مثل صناعة الزجاج والجلود وغيرها، لكنها وبالمختصر لم تتمكن من منافسة الشركات الأجنبية بسبب عدم توفّر رؤوس الأموال ومحاولة سيطرة هذه الشركات على السوق عن طريق فتح المشاريع الاستثمارية والمعامل المنافسة للصناعات المحليّة. (حتمًا سأحتاج إلى إجابة أخرى في حال قررت الخوض في هذه الأسباب وشرحها بشكل مفصّل مع وجود المصادر)

بناء سورية واسترجاعها مجدها وبريقها في صناعاتها (كما غيرها من الدول العربية) أمرٌ ممكن، والنهوض في الصناعة العربية ومنافستها صناعات الدول الصناعية الكبرى في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان والمانيا وغيرها من الدول ليس بالأمر المستحيل، كل ماعلينا فعله هو التخطيط والعمل لرؤية جديدة كدمشق أو عمّان أو... ٢٠٦٠ مثلًا! والتكاتف على صياغة هذه الخطط والرؤى لتصبح واقعًا وحقيقة.
 
أعلى