قراءة في رسالة حول الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث

رضا البطاوى

كاتب جيد جدا
قراءة في رسالة حول الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث
الكتاب من تأليف محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله المفيد ، العكبري ، البغدادي
الكتاب يدور حول معركة لم تحدث طبقا لكتاب الله فلا رواية لا نورث صحيحة ولا حكاية فدك نفسها صحيحة ولا عدد الورثة المذكور عدد صحيح
استهل الكتاب بتقديم من محمد رضا الحسيني الجلالي قال فيه:
"تقديم:
لحق الرسول الأعظم (ص)بالرفيق الأعلى مخلفا من الورثة بنته الوحيدة " فاطمة الزهراء " وزوجات عدة وكانت " فدك " مما أفاء الله به على رسوله من قرى خيبر، نحلها الرسول ابنته الزهراء، وكانت يدها على فدك يوم وفاة الرسول أبيها ولما استولى أبو بكر على أريكة الخلافة، ابتز " فدكا " من فاطمة ، واستولى عليها، أيضا فادعت فاطمة على أبي بكر، وطالبت نحلة أبيها لها، و أشهدت زوجها أمير المؤمنين عليا وابنيها الحسن والحسين سبطي رسول الله وسيدي شباب أهل الجنة، وأم أيمن زوجة رسول الله على أن أباها نحلها " فدكا " فرد أبو بكر دعواها، ورد شهاداتهم لها فأعادت الزهراء على أبي بكر دعوى ثانية، وطالبت بإرثها من أبيها رسول الله ، من تلك الأرض التي كانت لرسول الله بنص القرآن، لأنها مما أفاء الله على رسوله ورد أبو بكر دعواها هذه أيضا بحديث رواه هو وحده أن النبي (ص)قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " فادعى أن النبي لم يترك ميراثا و لا تركة، وأن كل مخلفاته صدقة ومع أن هذا خبر واحد، لم يعرفه ولم يسمعه ولم يروه يومذاك غير أبي بكر ومع أن الأولى بسماعه وروايته - لو كان النبي (ص)قاله - هم أهل بيته وابنته الزهراء بالأخص، لأنهم هم محل ابتلاء مؤداه، وهم بحاجة إلى معرفة حكمه، فكان على النبي أن يبلغهم به، لا أن يقوله لأبي بكر الذي لا يرث من النبي شيئا! مع هذا فقد فرض أبو بكر رأيه على الزهراء وأخذ منها " فدكا " وقد احتجت الزهراء على أبي بكر في هذا الرأي المنافي لصريح القرآن حيث نص على توريث الأنبياء لورثتهم، مما يدل على اختلاق هذا الخبر الذي ينسب عدم الإرث إلى الأنبياء"
لخص الجلالى في المقدمة الحكاية والتى تدور حول ثلاثة أمور:
الأول رواية نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وهى تعارض القرآن في قوله تعالى :
"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا"
فهنا كل من يموت يرثه أقاربه بلا استثناء وأيضا قوله تعالى :
"يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "
فضلا عن القول"وورث سليمان داود"وقوله " يرثنى ويرث من آل يعقوب"
كما أنها تعارض آيات أخرى في الوصية فوصية ما تركناه صدقة وصية ظالمة لأنها تضيع حقوق الورثة وهى لم تحدث ولو حدثت لاعترض الصحابة عليها كما طالبهم الله بقوله تعالى :
"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم"
لو قالها لاعترض الصحابة حتى لا يدخلوا النار لأن من يتركها يكون آثم أى كافر حتى يتوب بإصلاحها
زد على هذا أن النبى(ص)لن ينهى حياته بوصية ظالمة تدخله النار
الثانى حكاية سهم فدك وهى حكاية ليس عليها دليل لأن الفىء لا يورث وإنما يوزع بالعدل كما قال تعالى "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
فالفىء يوزع ما يأتى منه على كل المصارف السابقة شرط ألا يكون الآخذون ناسا أغنياء وإنما الشرط العدل وهو أن يقسم ناتج الفىء على عدد الأفراد بالتساوى قل النصيب أو كثر فالفىء مال منقول وليس أرضا
والأرض وزعها الله على كل المسلمين وليس على بعض قليل منهم كما قال تعالى "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
ومن ثم لم يوزع النبى(ص)حدائق أو أراضى لا على نفسه ولا غيره
الثالث حكاية الورث فالقوم يزعمون أن ورثة النبى(ص)هم فاطمة وزوجات النبى(ص) فقط وهو ما يناقض أن توزيع الورث طبقا للقرآن هو
الثمن للزوجات كما قال تعالى "فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم"
النصف للابنة كما قال تعالى" فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"
والرسول (ص)كانت بناته حيات عند فرض إدناء الجلابيب في سورة الأحزاب وهو من الأمور التى تخالف الروايات فإذا كانت رقية ماتت في سنة2 هـ فهذا مخالف لنص الآية فبناته كلهن كن حيات في سنة الأحزاب وهى 5 هـ وحتى لو سلمنا بالروايات المتناقضة في سنوات الوفاة ما بين 7 و 8و9 و2 لبناته وقبل هذا لصبيانه فهذا أمر نادر الوقوع أن يموت كل أولاد وتموت كل بناته الرجل عدا واحدة وهو حى خاصة أن العدد يزيد على العشرة
ومن ثم لا يمكن التصديق لأن بناته كلهن عدا واحدة هى الحية
وطبقا للآيات فقد ورثه عمه العباس وهو من الآباء حيث ورث السدس لقوله تعالى "ولأبويه لكل واحد منهما السدس"
وتقابل الشيعة والسنة على خد سواء معضلة لا حل لها فى مسألأة الورث وهو اعترافهم برواية وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِى لَحَاقًا بِى ومن صورها:
3624 - فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ (ص)حَتَّى قُبِضَ النَّبِىُّ (ص)فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَىَّ « إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِى الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِى الْعَامَ مَرَّتَيْنِ ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِى ، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِى لَحَاقًا بِى » . فَبَكَيْتُ فَقَالَ « أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ - أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ » . فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ . أطرافه 3626 ، 3716 ، 4434 ، 6286 - تحفة 18040 ل"صحيح البخارى "
معنى الرواية أن كل بنات النبى(ص) لم تمت منهن هى وزوجاته أى واحدة فى حياته ومن ثم بناء على هذا فالبنات الأربع شريكات فى الثلثين بالتساوى
زد على هذا وجود معضلة أخرى فى تواريخ وفاة البنات فهناك رواية تقول أن زينب توفيت فى سنة وفاة عثمان بن مظعون وهى:
"وذكر محمد بن إسحاق السراج، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن يحيى البزار قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته: هنيئاً لك الجنة عثمان بن مظعون. فنظر إليه رسول الله (ص) نظر غضب، وقال: " ما يدريك " ؟ قالت: يا رسول الله حارسك وصاحبك. فقال رسول الله (ص): " إني رسول الله، وما أدري ما يفعل بي " . فأشفق الناس على عثمان فلما ماتت زينب بنت النبي (ص) قال رسول الله (ص): " الحقي بسلفنا الخير، عثمان بن مظعونٍ " ، فبكى النساء، فجعل عمر يسكتهن، فقال رسول الله: " مهلاً يا عمر ثم قال: " إياكن ونعيق الشيطان، فما كان من العين فمن الله تعالى ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان " كتاب الاستيعاب فى معرفة الأصحاب"
وعثمان مات فى سنة 2 هـ ومن ثم لا يوجد تاريخ وفاة صحيح لأى بنت من بنات النبى(ص) فى التاريخ الحالى ومن ثم فنحن لا تصدق شىء من تلك الروايات المتناقضة والتى معظمها مشترك بين الفريقين
الغريب أن يتزوج النبى(ص)تاريخيا أكثر من عشر نساء ولا تنجب إلا واحدة مع العلم أن بعضهن كانت لديها أولاد كحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وهو أمر لا يصدق إلا في حالة واحدة وهو أن يكون قد عقم ولكنه هذا يكذبه انجابه إبراهيم من مارية ومن ثم لا يمكن أن يقل عدد بناته عن سبعة أو ثمانية واحدة على الأقل من كل زوجة والمراد أن يكون أنجب من كل واحدة بنتا أو أكثر خاصة أن عائشة وصفية وغيرهن كن شابات ما عدا سودة العجوز
نحن أمام تاريخ كاذب وأمام شىء غريب وهو أن فاطمة الوحيدة التى تدافع عن الورث بينما بقية الوارثات والوارث الرجل لا يبحثون إلا مرة واحدة عن ملكهم الشرعى لو كان له وجود
والأغرب أن الصديق يأخذ فدك ويترك بيوت النبى(ص) والتى طبقا لرواية " لا نورث" هى الأخرى صدقة؟
والأغرب أن يكون النبى(ص) مات طبقا للروايات التاريخية مديونا حيث رهن درعه عند يهودى وعنده سهم فدك وسهم خيبر المزعوم وغيرهم؟
كل هذا دليل على أن النبى(ص) لم يقل القولة ولم يحدث خلاف حول الورث المالى للنبى(ص)لأنه غالبا مات ولم يترك سوى مال قليل
وتحدث الجلالى عن تفسيرات الرواية فقال :
"ولقد انقضى التاريخ على ظلمه وجوره، إلا أن البحوث العلمية حول هذا الخبر الواحد لم تنقض بعد:
فالمفارقة المعروفة حتى عند المبتدئين أن كلمة " صدقة " هل تقرأ بالنصب على أنها توضيح لكلمة (ما) الذي هو مفعول لقوله (لا نورث) فالمعنى: إنا لا نورث المتروكات التي كانت صدقة، فغير الصدقات مما تركه النبي (ص)من ممتلكاته يكون إرثا لوارثيه أو هي تقرأ بالرفع على أنها خبر لكلمة (ما) فتكون جملة (ما تركناه صدقة) مستأنفة والرفع يناسب مذهب أبي بكر والعامة، والنصب يوافق رأي الشيعة الذين يلتزمون بأن الأنبياء حالهم كسائر الناس، في توريث ما يخلفون، إلا ما كان عندهم من الصدقات، فإنها لأصحابها من المستحقين
وقد ذكر العلماء هذا الخلاف في إعراب " صدقة " فانظر الإلماع للقاضي عياض (ص 151)وخصص الشيخ المفيد هذه الرسالة لذكر أدلة الشيعة الإمامية في رد هذا الخبر ورد الاستدلال به على نفي الإرث عن الأنبياء
فذكر وجوها ومقاطع من النقض والابرام:
الأول: إن قراءة النصب توافق عموم القرآن، وقراءة الرفع تمنع من العموم فتخالف القرآن الذي جاء على العموم وما يوافق ظاهر القرآن أولى بالحق مما خالفه
الثاني: اعترض العامة على النصب، بأنه لا يصح، إذ معنى الحديث على ذلك أن ما كان صدقة وتركه الميت فهو لا يورث، وهذا ليس حكما خاصا بالنبي (ص)بل الخلق كلهم محكومون بذلك، فمن ترك صدقة لم تدخل في تركته ولم يرثه منه ذووه، فما فائدة الخبر؟
وأجاب الشيخ المفيد عن هذا الاعتراض بأن تخصيص الأنبياء بالذكر في الخبر ليس من أجل اختصاص الحكم بهم، بل هو حكم عام، وإنما ذكر الأنبياء هنا للتعبير عن أولوية الأنبياء بالعمل به، وأنهم ألزم الخلق به وأحق، و إن كان سائر المكلفين كذلك
وهذا نظير قوله تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " مع أن النبي منذر كل الناس من يخشاها ومن لا يخشاها، ولكن بما أن من يخشاها أحق بالانذار لمكان استفادته منه، استحق ذكره لهذه الأولوية ثم ذكر نظائر أخر لهذه الآية، وأمثله عرفية تجري عليها
الثالث: إن للخبر وجها آخر في التفسير: وهو أن المراد أن ما تركناه صدقة لا يصح لأولادنا، ولا يأكله أولادنا مطلقا بأي عنوان، حتى لو صاروا فقراء وصدق عليهم عنوان المستحقين للصدقات فيكون هذا الحكم خاصا بالأنبياء وأولادهم، بخلاف غير الأنبياء فإنهم لو تركوا الصدقات فهي - وإن كانت لا تدخل في الإرث - إلا أن أولادهم لو أصبحوا فقراء أو صدق عليهم عنوان المستحق أكلوا من الصدقات بذلك العنوان
فمعنى (لا نورث) في الخبر، أي: لا يصير إلى ورثتنا على كل حال، و إطلاق كلمة (الإرث) ومشتقاتها بهذا المعنى أمر متعارف في اللغة، وإن لم يكن من مخلفات الميت، كما قال الله تعالى " وأورثكم أرضهم وديارهم " أي أوصلها إليكم، فإن ذلك لم يكن بالتوارث الشرعي
الرابع: أن للخبر لفظا آخر، لم يرد فيه احتمال النصب، وهو:
" نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه، فهو صدقة " وقد جعل بعض العامة هذا اللفظ دليلا على صحة الرفع في اللفظ السابق، وبطلان التأويل المبتنى على النصب لكن الشيخ المفيد رده بأن الخبر على هذا اللفظ وإن كان لا يحتمل النصب، بل بالرفع فقط، إلا أن له معنى محتملا لا يوافق تأويل العامة، وهو: أن الذي تركناه من أموالنا وحقوقنا على الآخرين، التي أسقطناها عن ذممهم وتصدقنا بها عليهم، فلم نطالب بها في حياتنا، ولم نستنجزه قبل مماتنا، فهي صدقة على من هي في يده بعد موتنا، ولا تدخل في مخلفاتنا ولا ما نورثه لوارثينا، فليست من تركتنا، وليس لورثتنا أن يأخذوه وهذا المعنى موافق لعموم القرآن وظاهر السنة، بخلاف المعنى الذي يريده العامة من أن الأنبياء لا إرث لهم مطلقا فهو مخالف لظاهر الآيات القرآنية الدالة على توريث الأنبياء وحمل السنة على وفاق القرآن أولى والملاحظ:
أن الشيخ المفيد تصدى لهذا الخبر من جهة تحليله، والرد عليه بإيراد المحتملات و لكنه لم يتعرض للنقض عليه بما ورد من الآيات القرآنية والسنة القطعية الدالة على بطلان مضمونه وكذلك لم يتعرض للرد عليه سنديا، حيث أنه لم يثبت من غير طريق أبي بكر الذي هو طرف في تلك الدعوى وللبحث في ذلك مجال تكفلت به المطولات"
الرفع والنصب كلاهما لا يوافقان كلام الله
وبعد هذا عرض الجلالى كتاب المفيد وهو:
"رسالة حول حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث
تأليف المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله، العكبري، البغدادي(336 - 413 هـ)
قال الشيخ المفيد : إذا سلم للخصوم ما ادعوه على النبي (ص)من قوله: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " ، كان محمولا على أن الذي تركه الأنبياء (ص) صدقة، فإنه لا يورث، ولم يكن محمولا على أن ما خلفوه من أملاكهم فهو صدقة لغير هم لا يورث وهذا الاحتمال متعين لموافقته للكتاب كما ذكره الشيخ المفيد والحجة على ذلك أن التأويل الأول موافق لعموم القرآن وتأويل الناصبة مانع من العموم، وما يوافق ظاهر القرآن أولى بالحق مما خالفه
فإن قالوا: هذا لا يصح، وذلك لأن كل شئ تركه الخلق بأجمعهم صدقة وكان من صدقاتهم لم يورث ولم يصح ميراثه فلا يكون حينئذ لتخصيص الأنبياء (ص) بذكره فائدة معقولة
قيل لهم: ليس الأمر كما ذكرتم، وذلك أن الشئ قد يعم بتخصيص البعض للتحقيق به أنهم أولى الناس بالعمل بمعناه وألزم الخلق له، وإن كان دينا لمن سواهم من المكلفين، قال الله عز وجل: (إنما أنت منذر من يخشاها) وإن كان منذرا لجميع العقلاء وقال: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة) وإن كان قد يعمرها الكفار ومن هو بخلاف هذه الصفة وقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) وإن كان في الكفار من إذا ذكر الله وجل قلبه وخاف، وفي المؤمنين من يسمع ذكر الله وهو مسرور بنعم الله أو مشغول بضرب من المباح، فلا يلحقه في الحال وجل ولا يعتريه خوف وهذا محسوس معروف بالعادات وهو كقول القائل: نحن معاشر المسلمين لا نقر على منكر، وإن كان أهل الملل من غيرهم لا يقرون على ما يرونه من المنكرات، وفي المسلمين من يقر على منكر يعتقد صوابه بالشبهات وكقول فقيه من الفقهاء: نحن معاشر الفقهاء لا نرى قبول شهادة الفاسقين، وقد ترى ذلك جماعة ممن ليس من الفقهاء وكقول القائل: نحن معاشر القراء لا نستجيز خيانة الظالمين، وقد يدخل معهم من يحرم ذلك من غير القراء من العدول والفاسقين، وأمثال هذا في القول المعتاد كثير وإنما المعنى في التخصيص به التحقيق بمعناه، والتقدم فيه، وأنهم قدوة لمن سواهم، وأئمتهم في العمل نحو ما ذكرناه ووجه آخر وهو أنه يحتمل أن يكون قوله (ص) - إن صح عنه - أنه قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة لا يورث " أي لا يستحقه أحد من أولادنا وأقربائنا وإن صاروا إلى حال الفقراء التي من صار إليها من غيرهم حلت لهم صدقات أهليهم، لأن الله تعالى حرم الصدقة على أولاد الأنبياء وأقاربهم تعظيما لهم ورفعا لأقدارهم عن الأدناس ، وليس ذلك في من سواهم من الناس لأن غير الأنبياء (ص) إذا تركوا صدقات ووقوفا ووصايا للفقراء من سائر الناس فصار أولادهم وأقاربهم من بعدهم إلى حال الفقر كان لهم فيها حقوق أوكد من حقوق غيرهم من الأباعد"
كل هذه التأويلات كما قلنا لا تفيد لكونها معارضة بآيات الورث وبآيات تعديل الوصية الظالمة كما أن النبى(ص)لا يشرع شىء من عنده والرواية تجعله شرع شرعا يتعارض مع نص صريح وهو"وورث سليمان داود" وهو نص ينسف القول المفترى"ما تركناه صدقة" وهناك نص أخر ظاهره يؤيد الورث وهو قوله "يرثنى ويرث من آل يعقوب"
ثم ذكر الجلالى روايات القوم فى الموضوع فقال:
"وراجع وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي ج 6 ص 355 - 360 ففيه عدة روايات في هذا الموضوع وإليك بعضها:
1 - عن سليم بن قيس قال سمعت أمير المؤمنين (ص) يقول: " نحن والله الذين عني الله بذي القربى والذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه فقال: (وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمسكين) منا خاصة ولم يجعل لنا سهما في الصدقة أكرم الله نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس " (وسائل الشيعة 6 / 357)
2 - عن العبد الصالح قال: وإنما جعل الله هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم برسول الله (ص)وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس (الوسائل 6 / 358)
وفي الدر المنثور للسيوطي 3 / 186:
عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: سألت عليا عليه السلام كيف كان صنع أبي بكر وعمر في الخمس نصيبكم
ثم أنشأ علي (ص) يحدث فقال: " إن الله حرم الصدقة على رسوله (ص)فعوضه سهما من الخمس عوضا مما حرم عليه وحرمها على أهل بيت خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله (ص)عوضا مما حرم عليهم
وفي الدر المنثور رواية أخرى في هذا الموضوع أيضا فراجع 3 / 186فمنع رسول الله (ص)ذريته وأهل بيته من نيل ما تركه من صدقاته وإن افتقروا وخرجوا من حال الغنى، وكان المعنى في قوله " لا نورث " أي لا يصير من بعدنا إلى ورثتنا على حال، وهذا معروف في انتقال الأشياء من الأموات إلى الأحياء، والوصف له بأنه ميراث وإن لم يوجد من جهة الإرث قال الله عز وجل: (وأورثكم أرضهم وديارهم) "
هذه الروايات التى تعنى أن الرسول (ص)وأهل بيته لا يأخذون الصدقات تناقض قوله تعالى :
"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"
كما تناقض آية وجوب دفع صدقة للنبى(ص)عند مناجاته كما قال تعالى""يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم"
كما تتناقض مع روايات أكله(ص) من صدقة بريرة مع تبرير لا يقنع أحد بكون صدقة بريرة صدقة لها وهدية له رغم أنها جاءت باسمها وهى روايات كلها لم تحدث
وقال المفيد:
"فصل:
وقد تعلق بعضهم بلفظ آخر في هذا الخبر فقال: إن النبي (ص)قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه هو صدقة " وهذا أيضا لا يصح فالوجه فيه: أن الذي تركناه من حقوقنا وديوننا (فلم نطالب في حياتنا ونستنجزه قبل مماتنا فهو صدقة) على من هو في يده من بعد موتنا وليس يجوز لورثتنا أن يتعرضوا لتمليكه فإنا قد عفونا لمن هو في يده عنه بتركنا قبضه منه في حياتنا، وليس معناه ما تأوله الخصوم
والدليل على ذلك: إن الذي ذكرناه فيه موافق لعموم القرآن وظاهره
وما ادعاه المخالف دافع لعموم القرآن ومخالف لظاهره، وحمل السنة على وفاق العموم أولى "
الحقوق لا تسقط ولو تنازل صاحبها بالرضا الكلامى طالما لم يقم الراضى عن بقاءها في يد غيره بكتابة عقد هبة أو تنازل ومن ثم يحق للورثة المطالبة بها في أى وقت ممن هى في يده
ونقل الجلالى التالى في الموضوع:
"تكميل:
وبعد تمام هذه الرسالة الثمينة ننقل بعض كلمات الأعلام حول هذا الحديث تتميما للفائدة وتبيينا للحق اللهم أرنا الحق حقا حتى نتبعه وأرنا الباطل باطلا حتى نجتنبه
قال القرطبي في تفسيره:
ويحتمل قوله (ص): " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " أن يريد أن ذلك من فعل الأنبياء وسيرتهم وإن كان فيهم من ورث ماله ك " زكريا " على أشهر الأقوال فيه وهذا كما تقول: إنا معاشر المسلمين إنما شغلتنا العبادة، والمراد أن ذلك فعل الأكثر، ومنه ما حكى سيبويه: إنا معاشر العرب أقرى الناس للضيف
قال الفخر الرازي في تفسير الآية 11 من سورة النساء:
الموضع الرابع من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين إن الأنبياء (ص) لا يورثون، والشيعة خالفوا فيه روي أن فاطمة لما طلبت الميراث ومنعوها منه، احتجوا بقوله (ص) (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " فعند هذا احتجت فاطمة بعموم قوله: (للذكر مثل حظ الأنثيين) وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيص بخبر واحد
ثم إن الشيعة قالوا: بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر واحد إلا أنه غير جائز ههنا، وبيانه من ثلاثة أوجه:
أحدها:
إنه على خلاف قوله تعالى حكاية عن زكريا (ص):
(يرثني ويرث من آل يعقوب) وقوله تعالى: (وورث سليمان داود) قالوا ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والذين لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة، بل يكون كسبا جديدا مبتدأ، إنما التوريث لا يتحقق إلا في المال على سبيل الحقيقة
وثانيها:
إن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الذين، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يرث من الرسول (ص) فكيف يليق بالرسول (ص) أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة؟
وثالثها:
يحتمل أن قوله " ما تركناه صدقة صلة " " لا نورث " والتقدير:
إن الشئ الذي تركناه صدقة، فذلك الشئ لا يورث فإن قيل: فعلى هذا التقدير لا يبقى للرسول خاصية في ذلك قلنا: بل تبقى الخاصية لاحتمال أن الأنبياء إذا عزموا على التصدق بشئ فبمجرد العزم يخرج ذلك عن ملكهم ولا يرثه وارث عنهم، وهذا المعنى مفقود في حق غيرهم
قال العلامة الحلي :
إن أبا بكر منع فاطمة إرثها فقالت: يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي واحتج عليها برواية تفرد هو بها عن جميع المسلمين، مع قلة رواياته وقلة علمه، وكونه الغريم لأن الصدقة تحل عليه فقال لها: إن النبي قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة "، والقرآن مخالف لذلك فإن صريحه يقتضي دخول النبي (ص)فيه بقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم)وقد نص على أن الأنبياء يورثون، فقال تعالى: (وورث سليمان داود)وقال عن زكريا: (إني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب)، وناقض فعله أيضا هذه الرواية، لأن أمير المؤمنين والعباس، اختلفا في بغلة رسول الله (ص)وسيفه وعمامته وحكم بها ميراثا لأمير المؤمنين، ولو كانت صدقة لما حلت على علي وكان يجب على أبي بكر انتزاعها منه، ولكان أهل البيت الذين حكى الله تعالى عنهم بأنه طهرهم تطهيرا مرتكبين ما لا يجوز، نعوذ بالله من هذه المقالات الردية والاعتقادات الفاسدة وأخذ فدكا من فاطمة وقد وهبها إياها رسول الله (ص)فلم يصدقها، مع أن الله قد طهرها وزكاها واستعان بها النبي (ص)في الدعاء على الكفار على ما حكى الله تعالى وأمره بذلك فقال تعالى: (قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) فكيف يأمره الله تعالى بالاستعانة - وهو سيد المرسلين - بابنته وهي كاذبة في دعواها غاصبة لمال غيرها نعوذ بالله من ذلك فجاءت بأمير المؤمنين فشهد لها فلم يقبل شهادته، قال:إنه يجر إلى نفسه، وهذا من قلة معرفته بالأحكام، ومع أن الله تعالى قد نص في آية المباهلة أنه نفس رسول الله (ص)فكيف يليق بمن هو بهذه المنزلة واستعان به رسول الله (ص)بأمر الله في الدعاء يوم المباهلة أن يشهد بالباطل ويكذب ويغصب المسلمين أموالهم نعوذ بالله من هذه المقالة وشهد لها الحسنان فرد شهادتهما وقال: هذان ابناك لا أقبل شهادتهما لأنهما يجران نفعا بشهادتهما، وهذا من قلة معرفته بالأحكام أيضا، مع أن الله قد أمر النبي (ص)بالاستعانة بدعائهما يوم المباهلة فقال: (أبناءنا وأبناءكم)وحكم رسول الله (ص)بأنهما سيدا شباب أهل الجنة، فكيف يجامع هذا شهادتهما بالزور والكذب وغصب المسلمين حقهم نعوذ بالله من ذلك ثم جاءت بأم أيمن فقال: امرأة لا يقبل قولها مع أن النبي (ص)قال: " أم أيمن من أهل الجنة "، فعند ذلك غضبت عليه وعلى صاحبه وحلفت أن لا تكلمه ولا صاحبه، حتى تلقى أباها وتشكو إليه فلما حضرتها الوفاة أوصت أن تدفن ليلا ولا يدع أحدا منهم يصلي عليها وقد رووا جميعا أن النبي (ص)قال: " إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "
قال العلامة الأميني في الغدير:لو كان رسول الله (ص)قال ذلك (أي حديث نحن معاشر) لوجب أن يفشيه إلى آله وذويه الذين يدعون الوراثة منه ليقطع معاذيرهم في ذلك بالتمسك بعمومات الإرث من آي القرآن الكريم والسنة الشريفة، فلا يكون هناك صخب وحوار تتعقبهما محن، ولا تموت بضعته الطاهرة وهي واجدة على أصحاب أبيها ويكون ذلك كله مثارا للبغضاء والعداء في الأجيال المتعاقبة بين أشياع كل من الفريقين، وقد بعث هو (ص)لكسح تلكم المعرات وعقد الإخاء بين الأمم والأفراد
ألم يكن (ص)على بصيرة مما يحدث بعده من الفتن الناشئة من عدم إيقاف أهله وذويه على هذا الحكم المختص به (ص)المخصص لشرعة الإرث؟ حاشاه وعنده علم المنايا والبلايا والقضايا والفتن والملاحم
وهل ترى أن دعوى الصديق الأكبر أمير المؤمنين وحليلته الصديقة الكبرى على أبي بكر ما استولت عليه يده مما تركه النبي (ص)من ماله كانت بعد علم وتصديق منهما بتلك السنة المزعومة صفحا منهما عنها لاقتناء حطام الدنيا؟ أو كانت عن جهل منهما بما جاء به أبو بكر؟ نحن نقدس ساحتهما أخذا بالكتاب والسنة عن علم بسنة ثابتة والصفح عنها، وعن جهل يربكهما في الميزان ولماذا يصدق أبو بكر في دعواه الشاذة عن الكتاب والسنة، فيما لا يعلم إلا من قبل ورثته (ص)ووصيه الذي هتف (ص)به وبوصايته من بدء دعوته في الأندية والمجتمعات؟! ولم تكن أذن واعية لدعوى الصديقة وزوجها؟
قال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج:
وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له:أكانت فاطمة صادقة؟قال: نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة؟فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ،لأنه قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل
قال السيد شرف الدين في كتاب " النص والاجتهاد "
وإليك كلمة في هذا الموضوع لعليم المنصورة الأستاذ محمود أبو رية المصري المعاصر، قال: بقي أمر لا بد أن نقول فيه كلمة صريحة: ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة بنت رسول الله (ص)، وما فعل معها في ميراث أبيها، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي (ص) قد قال " إنه لا يورث " وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة بعض تركة أبيها (ص) كأن يخصها بفدك وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما شاء
قال: وقد خصن هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغير هما ببعض متروكات النبي على أن فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان - هذا كلامه بنصه"
كل ما يحكى هنا لا أصل له فلم يحدث أى شىء مما يحكيه القوم فى رواياتهم المناقضة لكتاب الله
أصل له فلا وجود لفدك ولا وجود لخصام أبوبكر وفاطمة خاصة أن الزوجات كان لهن آباء من كبار الصحابة وكبار الناس كعمر بن الخطاب وأبوسفيان يقدرون على طلب حقوق بناتهم ومنهم أبو بكر نفسه حيث ابنته عائشة
 
أعلى