بين الكاظمي وفصائل إيران.. خيار قاس ومواجهة فتحت

لا تزال تداعيات اغتيال الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي الذي وصف بأنه مقرب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تلقي بظلالها على المشهد السياسي في البلاد.

فقد فتحت تلك الجريمة باب المواجهة الذي بدأ قبل أشهر على مصراعيه بين الكاظمي وبعض الفصائل الموالية لإيران، التي وصفها الهاشمي قبل مقتله بـ "اللادولة" أي تلك المجموعات التي تعمل خارج كنف الحشد الشعبي حينا وداخله أحيانا وفق مصالحها.

لكن تلك الجريمة يضاف إليها سلسلة تحركات جريئة من جانب الكاظمي خلال أول شهرين له في السلطة، تضمنت مداهمتين لم يُكتب لهما النجاح للقبض على مسلحين، أظهرت بحسب ما أفاد مسؤولون حكوميون وسياسيون ودبلوماسيون لوكالة رويترز، محدودية سلطاته في مواجهة تلك الفصائل.

خيار قاس

ويرى مطلعون على دهاليز السياسة بالعراق أن قتل الهاشمي جزء من الصراع مع الكاظمي وأن ذلك يضعه أمام خيار قاس، مواجهة الفصائل
المسلحة أو التراجع وفقد الاعتبار.

إلى ذلك، قال مسؤول حكومي كان تحدث مع الهاشمي بخصوص تهديدات تلقاها الراحل "تلقى تهديدات عبر الهاتف من رجال ينتمون لفصيل مسلح قبل ثلاثة أيام من مقتله، يحذرونه بشأن نشر مقالات".

الحد من نفوذ فصائل إيران

وأضاف المسؤول ومصدر حكومي ثان مقرب من الكاظمي أن الخبير القتيل كان يُقدم مشورة بخصوص خطط للحد من نفوذ الفصائل الموالية لإيران وإخضاع الجماعات شبه العسكرية الأصغر المعارضة لإيران لسيطرة الدولة.

كما أكد المسؤول الأول أن الرجل "قُتل لهذا السبب. بعد أن اعتبروا عمله بمثابة تهديد وجودي لهم". وأضاف المصدران أن عمل الهاشمي كان يتطرق كذلك إلى كيفية انتزاع السيطرة على المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، والتي تضم مكاتب حكومية وسفارات أجنبية، من الجماعات المتحالفة مع إيران.

مداهمات جريئة ولكن

يذكر أن تلك الفصائل شبه العسكرية أظهرت الشهر الماضي مدى تمكنها من اجتياح المنطقة الخضراء بعد أن اعتقلت قوات مكافحة الإرهاب 14 فردا من مقاتلي كتائب حزب الله المتهمة بالتورط في شن هجمات صاروخية على منشآت أميركية.

فقد دخل المسلحون المنطقة بمركبات "رسمية" من أجل الضغط على السلطات للإفراج عن زملائهم. وتم الإفراج عن الجميع باستثناء واحد فقط في الأيام التالية.

إلى ذلك، أخفقت مداهمة في البصرة بجنوب البلاد في شهر مايو في تقديم أي شخص للقضاء. وألقت قوات الأمن العراقية القبض على أعضاء في جماعة "ثأر الله" الموالية لإيران متهمين بإطلاق النار على محتجين وأغلقت مقر الجماعة. وقالت الشرطة إنه تم إطلاق سراح المعتقلين كما أُعيد فتح مكتب الجماعة.

ففي القضيتين قال القضاة إنهم لم يجدوا أدلة كافية لمحاكمة أعضاء الفصيلين المسلحين.

هجمة على الكاظمي

وأشادت الولايات المتحدة، التي تجري محادثات مع الكاظمي حول العلاقات المستقبلية مع واشنطن، بمداهمة يونيو. غير أن ذلك أثار غضب الجماعات القوية التي تنظر بالفعل للكاظمي بعين الارتياب باعتباره صديقا مقربا لواشنطن.

وقال قيس الخزعلي زعيم إحدى الفصائل الموالية لإيران إن واجب الكاظمي كرئيس للوزراء هو إجراء انتخابات مبكرة والتعامل مع الأزمتين الاقتصادية والصحية، وليس مواجهة الفصائل المسلحة.

كما انتقد أحمد الأسدي السياسي والمسؤول الكبير في إحدى الفصائل شبه العسكرية الخطوات الأولى للكاظمي. وقال إن الفصائل شعرت بأنها مستهدفة بأعمال الكاظمي مشيرا إلى أنها كانت غاضبة بالفعل لأنه يجري محادثات مع الولايات المتحدة دون إشراك مفاوضين من مزيد من الأحزاب السياسية في العراق.

وتطالب الفصائل الموالية لإيران الحكومة بأن تحدد موعدا لانسحاب القوات الأميركية المتمركزة في العراق والتي تتمثل مهمتها الأساسية في محاربة تنظيم داعش لكنها تخفض عدد أفرادها.

مواجهة الفصائل

في المقابل، يرى أنصار الكاظمي أنه بدون مواجهة الفصائل المسلحة فإن أي جهود للإصلاح السياسي والمالي في العراق ستكون جزئية. لكنهم يضيفون أن قراره الخاص بملاحقة المسلحين بشكل علني قد يعرض قيادته للخطر كما سيعرقل قدرته على إجراء أي إصلاح.

وفي السياق، قال سياسي كبير إن الكاظمي بحاجة إلى التركيز بشكل أقل على منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل أكبر على تعزيز وضعه قبل مواجهة الفصائل المسلحة القوية. وأضاف "الأمور تبدو سيئة. الكاظمي ارتكب خطأ جسيما بشأن زيادة التوقعات حول ما يرغب في إنجازه. تحركه ضد كتائب حزب الله مُصيب لكن التوقيت خاطئ".

في حين اعتبر مسؤول حكومي آخر كبير أن الفصائل ضعيفة وخائفة. وقال إن قتل الهاشمي كان علامة على اليأس، مضيفا "عندما تشعر بأنك مهدد تتصرف بهذه الطريقة. لو كنت قويا فإنك لن تحتاج لقتل محلل (سياسي)".

"اللادولة"

ويذكر أن الهاشمي، الذي قتل الإثنين أمام منزله من قبل مسلحين يستقلان دراجة نارية، أفرغ أحدهما رصاصه في جثته حين كان يركن سيارته أمام منزله، هو محلل معروف قدم المشورة للحكومة بشأن هزيمة مقاتلي داعش وكبح نفوذ الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران.

وكان الهاشمي كثف في الآونة الأخيرة حديثه عن "خلايا الكاتيوشا" وفصائل إيران الخارج عن كنف الدولة. ففي إحدى مقابلاته التلفزيونية، شرح الراحل نهج الميليشيات والفصائل الموالية لإيران في البلاد، قائلاً إن "المشكلة ظهرت بعد خروج عدة فصائل للقتال خارج حدود البلاد والدولة، (في إشارة إلى سوريا) فظهرت عندها تسمية فصائل خارج الحشد وألوية داخله". وتابع شارحا "للعصائب (عصائب أهل الحق) قوات تقاتل خارج العراق تسمى فصائل، كذلك الأمر بالنسبة للنجباء، ولحزب الله الذي لديه 3 ألوية منضوية ضمن الحشد وفصائل خارجه".

كما نشر مؤخرا دراسة مطولة حول خلافات الحشد بين الفصائل الموالية لإيران وتلك الموالية للسيستاني.

لذا يتهم بعض المقربين منه تلك الفصائل باغتياله، في حين تنفي هذه الأخيرة أي دور لها في الجريمة.
 
أعلى