من مذكرات الجِياع

ملائكة الحب

مُديّرْ المُنتَدىَ
حين ذهب والدي لخطبة المرحومة التي زعموآ أنهآ كانت أمي رسمياً حمل معه بعضاً من الحليب المجفف بطريقة تقليدية قد لا تجهل العرب قاطبة ما اسمه حين ينضج وإن اختلفوا فيما بين ذلك وخلافهم رحمة دون شك حتى لا يفسد الحليب أو يجف الضرع نفسه .. ..
غادر مُخـتآر منزل أهله وقد حمل معه أيضاً شيئاً من البن العتيق فذلك أثمن ما يملكونه في ذلك الزمن وكان يسير في معيته جدي الذي أخبروني بأنني أشبهه كثيراً رغم أني لم أره هوَ أيضا ...(إستعجلوآ الرحيل عند ولادتي جميعهم )
لم تعقد مراسم الخطبة في قاعة فرح ولا حتى في بيت من الشعر بل في قارعة الطريق في مكان يسميه القرويون المسراب وهو يربط أو يفصل بين حقلين ويحظر القانون القروي المساس به أو الإعتداء عليه فذلك المسراب له قدسيته التي لا تقبل أنصاف الحلول ..
لم تدم المراسم طويلاً البتة فكل شيء تقليدي وموروث كما أن والدي لم يكن بحاجة ليؤدي طقوس النظرة الشرعية إلى والدتي فهو يعرفها جيدا من مفرق رأسها وحتى أخمص القدمين فكل يوم كان يراها ( رؤية شرعية ) فالناس في قريتنا كلهم محارم لجميعهم ويكأن الحجاب لم يفرض يوماً
قرر جدي لأمي أن يرسل الجارية إلى حيث يجب أن تكون كل الجواري مع أول مؤشرات النضج ... هكذا انتهى كل شيء ليبدأ المشوار وكانت البيعة بالخيار حتى تفرقا فأصبح البيع لازماً بقوة العرف ..
حينها لم يستشر جدي أمي في شأن الزواج فقد كان ذلك في الأعراف القبلية نوع من خوارم المروءة على أقل تقدير وقد يرقى إلى وصمة العار تبعاً لنوازع التطرف أو الجهل أو هما معاً وعلى المقيمين خارج قريتنا مراعاة حواجز الزمن وفوارق التوقيت ...
بعد أسبوع فقط كان والدي قد ساق صداق أمي ثلاثين رأساً من الغنم وحفنة قمح .. !!

لن يصدق عددها أحد في هذا الزمن وأشياء بينهما قررها قانون القرية ولم يتسنى للرواة ذكرها حتى بطريق الآحاد لكنها كانت تعني الكثير على كل حال ...
تخبرهم أمي أنها في يوم العرس خرجت للحقل باكراً مع الصباح كأي يوم آخر تؤدي فيه المرأة القروية وظيفتها التي لا تستثني أي شيء فهي التي تسبق الشمس بزوغاً ولا يحل لها أن تهدأ قبيل المغيب فقد كانت الأنثى حينها هي السقاء والدابة وهي الحطاب والحمال وليست إدّاً من القول إن قالت أيضا هي المزارع ومربية الماشية والطاهية وربة المنزل وموضع الحرث والنسل إن أسعفهما حظ من البذل ...
يوم عرس أمي لم يكن بدعاً من أيامها التي خلت إلا أنها عادت مبكراً الى تلك الغرفة الصغيرة التي كانت تقوم بكل الأدوار في النهار ولا بأس أن تكون مهجعاً لعدة أرواح تتشارك المكان بعد أن يستفحل الظلام .. حملت أمي معها ملابسها التي لم تتجاوز قبضتيها وبعد صلاة العصر خرجت على قدميها ماشية نحو عش الزوجية .....
كانت قريتنا تبتهل أنصاف الفرص لتأكل أي شيء في أي مكان وفي أي زمن فالجوع كافر لا دين له ولا لون ....
 

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
مواضيع جميلة للغاية انتظر كل جديد
 

مواضيع مماثلة

أعلى