الصرخة

ملائكة الحب

مُديّرْ المُنتَدىَ

( الصرخة )

_ قصة قصيرة _

إنني أتحرق شوقا ً ، لتلك الصرخة المدوية ، التي تجعل العالم يقع على عاتقه المسؤولية الكاملة لسماعها . تلك الصرخة الخبيثة . الكفيلة لحظتها بإخراج كل أوساخ الدنيا من الكون . على إثرها سوف يكون كل شيء أفضل مما هو عليه في السابق . وسيكون بمقدور الناس أن يتجاوزوا تفاهاتهم وينظروا للحياة بجدية أكثر . إنها صرخة استثنائية ، يمكن أن تحرك مشاعر الريبة والقلق بأولئك القادرين على تدمير الكرة الأرضية بقرار مباغت . والتاريخ نفسه ربما قام من سباته وأصبح يدرك بعدها أن الزمن لم يتوقف وأن الورود لن تتأخر بالتفتح عند الصباح في ذلك اليوم الذي ستنزوي شمسه إلى الأبد ..

كيف سيبدأ ذلك ؟ وعند أي وقت ستنطلق ؟ كل ذلك يتوقف على استعدادات الطبيعة . لتلك اللحظة التي يبزغ فيها خيال أنثى . أنثى كاملة التضحية . والتي يتحمل جسمها الممشوق أعباء مهمة إنقاذ البشرية . إنها يجب أن تظهر من أحراش الربيع ، وظلال أشجار الصنوبر ، وزهور الكستناء ، وأعشاب الطرقات المبتلة ، وفراشات الحقول الخضراء .. تظهر متوجة بالإنسانية ، وتغطي كتفيها الناعمين ، بوشاح العطاء .. العطاء الأبدي ..

إنها أنثى قد تم إعدادها إعداداً شاملاً لقهر الرجاء المكبوت في صدر صاحب الصرخة العظيمة ، ذلك الرجل الذي قلَّ أن نجد من يعيش حرمانه ، حرمانه الكامل . ولا يمكن لوصف أن يكون دقيقاً حيال أيامه الخالية من الحياة .. ففي حنجرته جمرة ، متوقدة ونفاثة ، وفي أحشاءه كل مردة الجن ، يساومونه عله يفعل شيئاً حيال ما بداخله من أنين .. يتضور الشبق في خلايا جسده جوعاً . إنه ليس بحاجة لأنثى عادية . إنه بحاجة لأنثى متوحشة ويمتلئ قلبها برحمة الملوك الجبابرة ..

إنه الآن ، وبشكل عاجل وفوري . عليه أن يحزم أمتعته ويسافر مباشرة إليها ، إلى تلك البقعة من الأرض التي تعلن انشقاقها عن الزمن .. وعن كل الترهات التي أخذت أكثر مما تستحق من حيزها في الوجود .. وها هو الآن يجمع ما تناهت له مخيلته منذ ولادته الأولى وحتى مغيب شمس آخر يوم من الحياة .. يركب سيارة الأجرة من المطار ، ويتعمق في تلك الطرق الضيقة التي تحفها الأشجار الطويلة ويملأ صداها صفير الطيور المبتهجة . تتزين غابات أوكرانيا لهذا الحدث الفريد من نوعه .. لهذا اللقاء الذي لن يتكرر على الأقل في ذاكرة الطبيعة الحرة ..

ومنذ اللحظة التي توقفت عندها السيارة وما أن فتح الباب حتى حدث اللقاء الكوني المهيب . بدت أمامه كرسالة أخيرة من قيصر أسير ، وبدا أمامها كحل وحيد لأزمة لا تعرف النسيان . وكلقاء آدم بحواء على الأرض . تلاقت أعينهما برقصة إنسانية ضاربة في القدم . وقد ابتعد جميع من في المكان إلى جهات متفرقة ليتيحوا للمطر أن يهطل ويلقي معزوفته الأخيرة ..

اقتربا من بعضهما كعصفورين في قفص ذهبي معلق على النافذة الصباحية . لم ترهقه بأي انتظار . لم تجعله بحاجة ليقدم نفسه كنبيل يكافح من أجل الطبقات المسحوقة . لقد أعطته قبلة مباشرة وحارة وأهدته بعدها نظرة أليفة جدا ً كادت أن تذوب لها أضلاع صدره ..

دخلا ذلك الكوخ الهادئ تحفه أشجار الصنوبر وتزين شرفته حديقة صغيرة من الزهور الربيعية .. وما أن مضت ساعة من الزمن الغابر .. حتى سمعت تلك الصرخة الأليمة .. كانت ممتدة بقدر امتداد أشعة الشمس ، وتردد صداها مئات المرات .. وعند الصدى الأخير .. انتهى كل شيء !!

كل شيء في تلك اللحظة قابل للتغاضي ، وكل شأن في هذا العالم عليه أيضا ً أن يكون جميلاً . وهناك من عليهم أن يقوموا قبل أي شيء آخر ، بالصمت المطبق والإنصات المخلص لكل حديث يمكن أن يقال عن هذا اللقاء الذي انتهى بتلك الصرخة الساحقة..



خليل الشريف​
 

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
مواضيع جميلة للغاية انتظر كل جديد
 
مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة

أعلى