في تعريف الأخلاق

ahmad

مدير المنتدى
طاقم الإدارة
الخُلق بالضم وبضمتين : السَجيَّة والطبع والمروءة والدين (قاموس).

وفي التعريفات : الخُلق هو عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية,
فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولة سُمِِّيَت الهيئة (خلقاً حسناً) ,
وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سُمّيَت الهيئة التي هي المصدر (خلقاً سيئاً) (1) .
فتقرر من هذا التعريف أن الخُلق يُقسم إلى نوعين (سيء) و (حسن) كما سيأتي تفصيلها .

وقال بعض الحكماء :
الخُلق ملكة راسخة في نفس الإنسان تبعثه عليها عوامل مزاجه وأحوالٌ أخرى فيميل إلى التشبث بها بلا دافع خارجي فيكون غضوباً أو حليماً أو بخيلاً أو كريماً لمجرد طبع في نفسه تقوّيه أو تضعفه عوامل التربية والمزاج والإقتداء.
فالخلق متأصّل في النفس من الفطرة, وحَسن الخُلق قد يكون سهل العريكة ليّن الجانب طليق الوجه قليل اللغو رطب الكلمة.
وقد أوضح رسول الله (ص) هذه الأوصاف فقال :

أهل الجنة كل هيّن ليّن سهل طليق .

وقال بعض البلغاء :
الحسن الخُلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة,
والسيء الخُلق الناس منه في بلاء وهو من نفسه في عناء,
فإذا حسُنت أخلاق الإنسان كَثُرَ مصافوه وقلّ معادوه فتسهّلت عليه الأمور الصِعاب ولانت له القلوب الغِضاب.

وقد رُوِيَ عن النبي (ص) أنه قال :

حُسنُ الخُلق وحُسنُ الجوار يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار .

وقال بعض الحكماء :

من سِعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

وقال النبي (ص) :

إنّ الله اختار لكم الإسلام ديناً فأكرموه بحسن الخلق والسخاء فإنه لا يكمل إلا بهما .
وقال (ص) :

أحبكم إليَّ أحسنكم أخلاقاً الموطئون أكتافاً الذين يألفون ويؤلفون .

وقال الأحنف بن قيس :

ألا أخبركم بأدوى الداء ؟ قالوا : بلى .
قال : الخُلق الدنيء واللسان البذيء .

وقال بعض الحكماء :

من ساء خلقه ضاق رزقه.
وعلّة هذا القول ظاهرة ولما كان لمحاسن الأخلاق حدود مقدّرة ومواضع مستحقة كان من تجاوز بها الحد تصير ملقاً وإن عدل بها عن مواضعها تصير نفاقاً والملق ذل والنفاق لؤم .

ورُويَ عن جابر بن عبد الله عن النبي (ص) أنه قال:

أشهر الناس ذو الوجهين الذي لا يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.

وقال عليه السلام :

لا ينبغي أن يكون لدى الوجهين وجه عند الله تعالى .

وقال ابراهيم بن محمد بذلك :

وكم من صديقٍ ودّهُ بلسانهِ == خؤونٌ بظهرِ الغيبِ لا يتذممُ
يُضاحكني عجباً إذا ما لقيتهُ == وترشقني منهُ إذا غبتُ أسهمُ
كذلك ذو الوجهين يَرضيك شاهداً == وفي غيبةٍ إن غاب صابٌ وعلقمُ


_______________________________________________________

(1) - قلنا أنه هيئة راسخة لأن من يصدُر منهُ بذلُ المالِ على الندور بحالة عارضة لا يُقال خُلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسِه, وكذلك من يكلف السكوت عند الغضب بجهد أو روية لا يُقال خُلقهُ الحِلم.
وليس الخلق عبارة عن الفعل فرُبّ شخصٍ خُلقهُ السخاء ولم يبذلْ إما لفقد مال أو لمانعٍ, وربما يكون خُلقه البُخل وهو يبذل لباعثٍ أو رياء.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وربما تغيّر حُسنُ الخُلق إلى الشراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارئة تجعل اللين خشونة والوطاء غلظة والطلاقة عبوساً وذلك لأسباب:

منها الولاية التي تُحدث في الأخلاقِ تغيّراً وعلى الخُلق تنكرا,ً إما من لؤم طبع, وإما من ضيق صدر.

وقد قيل:
إنّ الغِنى يُغيّر أخلاق اللئيم بَطراً ويسوء طرائقه شراً.

وقد قيل :
من نال استطال .

وأنشد الرياشي بذلك :

غضبان يعلم أنّ المالَ ساق لهُ == ما لم يَسقهُ لهُ دينٌ ولا خلق
فمن يكن عن كرام الناس يسألني == فأكرَمُ الناسِ من كانت له ورق

وقال بعض الشعراء :

فإن كانت الدنيا أنالتك ثروة == فأصبحت ذا يُسرٍ وقد كنت ذا فقر
لقد كشف الإثراء منك خلائقاً == من اللؤم كانت تحت ثوب من اليُسرِ



وبحسب ما أفسدَ الغنى كذلك الفقر لأن الفقر جند الله الأكبر يذل به كل جبار عنيد يتكبر .

وقد رُوِيَ عن النبي (ص) أنه قال:

لولا أنّ الله تعالى ذلّ بني آدم بثلاث ما طأطأ لشيء:
الفقر والمرض والموت.



ومنها الموت فقد يتغيّر به الخُلق إما أنفة من ذل الإستكانة, أو أسفاً على ما فات من الغِنى.
ولذلك قال النبي (ص) :

كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر.



ومنها الهموم التي تُذهلُ اللب وتُشغل القلب فلا تتبع الإحتمال ولا تقوى على صبر.
وقد قيل :
الهم كالسم .
وقال بعض الأدباء :

الحزن كالداء المخزون في الفؤاد المحزون .

وقال بعض الشعراء:

همومك بالعيش مقرونة = فلا تقطع العيش إلا بهَم
إذا تمّ أمرٌ بدا نقصهُ = ترقب زوالاً إذا قيل تم



ومنها الأمراض التي يتغيّر بهما الطبع كما يتغيّر بها الجسم فلا تبقى الأخلاق على اعتدال ولا يعتد معها على احتمال .
وقال المتنبي :

آلة العيش صحةٌ وشبابُ = فإذا وَلّيا عن المرءِ ولّى
وإذا الشيخُ قالَ أفٍ فما ملّ = حياة وإنما الضعفَ ملّ
وإذا لم تجد من الناسِ كفواً = ذات خدرٍ أرادت الموت بعلا
أبداً تسترد ما تهب الدنيا = فياليت جودها كان بخلا



ومنها علو السن و حدوث الهرم لتأثيره في آلة الجسد كذلك يكون تأثيره في الأخلاق فكما يضعف الجسد من احتمال ما كان يطيقه من أثقال فكذلك تعجز النفس عن أثقال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق ومضيق الشقاق.
وبذلك يقول منصور النميري :

ما كنتُ أوفي شبابي كنهَ عزّته = حتى مضى فإذا الدنيا لها تبع
أصبحت لم تطمعي ثكل الشباب ولم = تشجى لغضته فالعذر لا يقع
ما كان أقصر أيام الشباب وما = أبقى حلاوة ذكراه التي تدع
ما واجه الشيب من عين وإن رقعت = إلا لها نبوة عنه ومرتدع
قد كنت تقضي على فوت الشباب أسىً = لولا يعزيك إن العمر منقطع

فهذه سبعة أحدثت بسوء خلقٍ كانَ عاماً.

وهاهنا سبب خاص يُحدث سوء خلق خاص, وهو البغض الذي تنفر منه النفس فتحدث نفوراً على البغض سيؤول إلى سوء خُلقٍ يخصّه دون غيره فإذا كان سوء الخلق حادثاً بسببٍ كان زواله مقروناً بزوال ذلك السبب .

قال النبي (ص) :

خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل, وسوء الخلق .

قال الله تعالى لنبيّه :

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

وقال النبي (ص) :

إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.

وفي الخبر المرفوع :
حُسن الخلق زمامٌ من رحمة الله في أنف صاحبه, والزمام بيد الملك, والملك يجرّه إلى الخير, والخير يجره إلى الجنة.
وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه, والزمام بيد الشيطان, والشيطان يجرّه إلى الشر, والشر يجرّه إلى النار.

وقال بن عباس :

إنّ الخلق الحسن يُذيبُ الخطايا كما تذيب الشمس الجليد.
وإن الخلق السيء يُفسد العمل كما يُفسد الخل العسل.

وقال الإمام علي أمير المؤمنين:

ما من شيء في الميزان أثقل من خُلُقٍ حَسن.

وعنه (ع):

عنوان صحيفة المؤمن حُسنُ خلقِه.

وقال (ع):

عليكم بحُسن الخُلق فإنه في الجنة.
وإياكم وسوء الخُلق فإنه في النار.

وقال بعض الأدباء علامة حُسن الخُلق عشرة أشياءٍ:
قلة الخلاف.
وحسن الإنصاف.
وترك طلب العثرات.
وتحسين ما يبدو من السيئات.
والتماس المعذرة.
واحتمال الأذى.
والرجوع بالملامة على النفس.
والتفرّد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره.
وطلاقة الوجه بالكبير والصغير.
ولطف الكلام لمن هو دونه وفوقه.


وقال علي أمير المؤمنين:

إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق وصلاً بينه وبينكم فحَسْبُ الرجل أن يتصل من الله تعالى.




وتلخيص القول في الأخلاق
هو أن يعلم العالم أن المظهر الخاص للإنسان هو مكارمُ الأخلاق التي هي أفضل السجايا, ولما كانت الأخلاق منقسمة إلى نوعين:
نوعٌ حسنٌ فاضل و نوعٌ سيءٌ قبيح كانت الأخلاق متعددة.
فمنها ما يجب علينا فعلهُ واتباعُه ومنها ما يجب علينا رفضه واجتنابه.

فنقول إن مما يجب علينا فعله واتباعُه عشرة خصالٍ:

(أولها) طاعة الله عز وجل واتباع أوامره مع طاعة الوالدين كما نص الذكر الحكيم بقوله تعالى:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
وقال تعالى:
فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً
(ثانيها) الصدق.
(ثالثها) صلة الرحم.
(رابعها) الرأفة بالفقراء.
(خامسها) الصبر.
(سادسها) التوكل على الله.
(سابعها) الشكر.
(ثامنها) الصفح.
(تاسعها) حفظ الأمانة.
(عاشرها) فعل المعروف والنهي عن المُنكر.
فهذه هي الخصال العشرة المتعددة التي يجب فعلها والمحتوية على مكارم الأخلاق.



ومما يلحق بهذه الخصال شروط الإيمان وهي عند الصوفية عشرة شروط تجمعها حروف: م ك ر ا م أ خ ل ا ق . فتُقرأ (مكارم أخلاق) وقد جعلوا:
(أولها) الصدق.
(ثانيها) الصبر.
(ثالثها) المروءة.
(رابعها) الحياء.
(خامسها) حُسن الخلق.
(سادسها) التواضع.
(سابعها) اليقين.
(ثامنها) الحب في الله والبغض في الله.
(تاسعها) بر الإخوان.
(عاشرها) التقوى الجامعة لكمال الأوصاف الحاوية لمكارم الأخلاق.


وأما الخصال العشر التي يجب رفضها واجتنابها فهي:
(الأولى) الحسد.
(الثانية) البَغي.
(الثالثة) الغضب.
(الرابعة) التكبّر.
(الخامسة) العُجب.
(السادسة) البخل.
(السابعة) الفُحش.
(الثامنة) المكر.
(التاسعة) النميمة.
(العاشرة) كُفران النِعم.



وعن النبي (ص) أنه قال:
ثلاثٌ مُهلكاتٌ و ثلاثٌ منجيات.
فأما المهلكات:
فشحٌ مُطاع- وهوى مُتّبع – وإعجاب المرء بنفسِه.
وأما المُنجيات فهي:
تقوى الله في السر والعلانية – والقصد في الغِنى والفقر – والعدل في الرضى والغضب.
فيجمع عليه السلام مكارم الأخلاق ومساوئها في ستة كلمات وهذه الستة هي معنى الآية من قوله تعالى:
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ


وعن بعض الأئمة رضي الله عنه:
إنّ مكارم الأخلاق عشرة:
صدق الحديث
وصدق اللسان.
وأداء الأمانة.
وصلة الرحم.
والمكافأة بالصنيع.
وبذل المعروف.
وحفظ الذمام للجار.
وحفظ الذمام للصاحب.
وقرى الضيف.
ورأسهنّ الحياء.
فتعيّن من هذا التعريف أن علم الأخلاق معدن السعادة وينبوع الهناء ومصاص الأديان ومطمح الأنبياء والحكماء.
 

ابو شيماء

سيف الحق
رد: في تعريف الأخلاق

وقال بعض البلغاء :
الحسن الخُلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة,

والسيء الخُلق الناس منه في بلاء وهو من نفسه في عناء,
فإذا حسُنت أخلاق الإنسان كَثُرَ مصافوه وقلّ معادوه فتسهّلت عليه الأمور الصِعاب ولانت له القلوب الغِضاب.
درر اخي احمد
الله يبارك فيك
وجعلني الله وإياك ممن حسنت اخلاقهم
 

ahmad

مدير المنتدى
طاقم الإدارة
رد: في تعريف الأخلاق

امين

اسعدني تواجدك اخي في صفحاتي

تمنياتي لك بل توفيق
 

خيوط الشمس

كبار الشخصيات
رد: في تعريف الأخلاق

[align=center]
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
يسلموا اخي الكريم على الموضوع القيم
تقبل مروري
[/align]
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: في تعريف الأخلاق

انما الأمم الأخلاق ما بقيت**فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
*
*
بارك الله فيك لهذه التذكرة
وهذا الطرح الرائع
جعلها الله في ميزان حسناتك
دمت بخير
 

ahmad

مدير المنتدى
طاقم الإدارة
رد: في تعريف الأخلاق

خيوط الشمس

حبيبتي سارة

شكرا لردودكم التي زينة صفحاتي
 
أعلى