معركة العبور قيمة أخلاقية.. والعمل بروح الفريق وراء النصر
لواء كمال عامر: رجالنا عاشوا داخل إسرائيل بين جيشها.. وجنودها شهوراً طويلة
المعلومة الصحيحة.. كانت وراء القرار الصائب.. والتنفيذ الجيد
خدعنا العدو وأقنعناه بعجزنا وعدم قدرتنا علي الحرب.. فجاءت المفاجأة المدوية
أكتوبر 73 قيمة أخلاقية عظيمة.. فهي نموذج للحرب الإنسانية النموذجية وذات خصائص وسمات خاصة لأنها كانت حرباً عادلة لم تكن حرباً للإعتداء علي أحد أو بهدف الاستيلاء علي أراضي الغير أو حركتها أطماع ولكنها كانت حرباً شريفة لاستعادة الحقوق المغتصبة فهي بحق قيمة ومثل وفخر لكل مصري فهي نقطة فارقة في تاريخ الوطن ومرحلة حاسمة في مسيرة أمة ذات حضارة وعراقة الانتصار فيها لا يقبل الشك.. هذا ما أكده اللواء كمال عامر أحد أبطال وصانعي نصر أكتوبر العظيم والذي تولي فيما بعد العديد من المناصب القيادية في القوات المسلحة حتي مديراً للمخابرات الحربية ثم محافظاً علي الصعيد السياسي والخبير العسكري والاستراتيجي الحالي.
قلت إن أكتوبر 73 كانت حرباً أخلاقية كيف؟
بالطبع حرب أكتوبر كانت مثلاً للحروب الأخلاقية التي تحركها دوافع وأسباب ومبررات شرعية فهي لم تكن حرباً للاعتداء علي أحد أو اغتصاب حقوق أحد أو الاستيلاء علي أراضي الغير ولكنها كانت من أجل استعادة الحقوق وقد أخذت أبعاداً وطنية فبعد هزيمة 1967 تفجر البعد الوطني لكل الشعب المصري للأخذ بالثأر ورفعنا جميعاً شعار مصر قبل كل شئ وبالفعل أصبح الإعداد لمعركة الكرامة والثأر قبل كل شئ بالإضافة إلي أنها ذات بعد قومي عربي وكانت مثالاً ونموذجاً للتنسيق بين العرب واتفقوا جميعاً علي استخدام سلاح البترول ناهيك عن التنسيق المحكم بين مصر وسوريا بالإضافة إلي البعد العالمي لحرب أكتوبر فقد حصلت علي التعاطف العالمي والمشروعية الدولية حتي أن فرنسا أوقفت تسليحها لإسرائيل قبل الحرب تعاطفاً مع الموقف المصري وأيضا موقف منظمتي الوحدة الإفريقية وعدم الانحياز المؤيد لمصر فهي حرب شرعية أخلاقية لاستعادة الحقوق والكرامة حرب من أجل السلام فالرئيس السادات في قمة الانتصار خلال الحرب وسير عملياتها لصالح مصر أعلن أن مصر وهي في قمة انتصارها مستعدة للسلام.
û لم تكن الكفة التكنولوجية في مجال امتلاك الأسلحة والمعدات لصالح مصر فكيف نجحت حرب أكتوبر بهذا الشكل المذهل والذي أصبح اعجازاً وإنجازاً عسكرياً فريداً في ظل هذا التفوق؟
حرب أكتوبر نجحت لأنها استفرت همم المصريين الذين تظهر معادنهم في أوقات الشدائد والمحن والأزمات.. نجحنا بفضل التخطيط الجيد والمحكم والشامل الذي لم يتجاهل صغيرة أو كبيرة قررنا أن نخوض الحرب بما لدينا من إمكانيات وبغض النظر عما يملكه العدو أخذنا بأسباب النجاح آمنا بقضيتنا وحقنا كأمة لها حضارة أن ترتفع قامتها وتحفظ كرامتها.
أما عن الأسباب العسكرية للنجاح فأهم عنصر هو العقلية الجديدة للمخطط الذي استطاع أن يتدارك أخطاء الماضي ويستفيد من دروسه ويوظفها لتكون سبباً في نجاحه وإبداعه. خططنا بشكل جيد تم إعداد الدولة للحرب وهذا فكر جديد لم يكن موجوداً في الحروب السابقة.. أعددنا الاقتصاد القومي أعددنا مسرح العمليات حتي علي صعيد السياسة الخارجية والداخلية طبقنا بالفعل مفهوم الإعداد الشامل للقوات وللدولة للدفاع والحرب عن مصر.. فبناء قوة الدولة الشاملة اشتمل علي كل المجالات حتي المعنوية والاجتماعية والصناعية توحيد الصفوف توفير الاحتياجات استقطاب العالم وتعاطفه ليس في القوة العسكرية فقط بل في كل المجالات.
النقطة الثانية هي العمل بروح الفريق.. نعمل في منظومة واحدة نتكامل فهناك ارتباط وثيق بكل الأجهزة لذلك لم نكن نعمل بأسلوب الجزر المنعزلة وهذا حقق الكثير من الإنجازات استخدمنا الأسلوب العلمي وسخرنا التقدم فيه لحل مشاكلنا فمثلاً إسرائيل كانت تتغني دائماً بأنها تمتلك قوة جوية هي الأفضل ربما في العالم لذلك قررنا تحييد هذه القوة وقطع ذراعها من خلال العديد من الوسائل أبرزها بناء حائط الصواريخ الذي كلف إسرائيل الكثير والكثير.
فكرنا في التغلب علي الساتر الترابي "خط بارليف" فكرنا في العديد من الوسائل سواء القنابل أو الصواريخ وبالحسابات والوقت لم تصلح.. فكرنا في أساليب ووسائل أخري حتي وصلنا إلي مدافع المياه.. درسنا العدو بشكل جيد نقاط القوة والضعف عنده درسنا كيف نواجه نظرية الأمن الإسرائيلي وعالجنا أخطاء 1967 وما قبلها.
لكن رغم كل هذه الأنشطة وحجم التخطيط والدراسات والتحركات في الداخل والخارج إلا أن العدو لم يعلم عنها شيئاً.. فماذا عن دور السرية في تحقيق النصر.. وكيف تم الحفاظ عليها؟
صدمة الهزيمة في 1967 كانت موجعة ومؤثرة للغاية ومصير الوطن والبلد كان غاية في الحساسية ومسألة تحقيق النصر في مواجهة قادمة بعد النكسة أمر لا يقبل القسمة علي اثنين لذلك كان لابد من معالجة جميع الأخطاء التي أدت إلي هزيمة 1967 وهي التخطيط الجيد وسريته.. فما دار من مقولات بعد الهزيمة أصابت بالاحباط واليأس لم يكن يتحملها إلا شعب عظيم قوي وقادر علي تحدي المستحيل فقد قالوا إن القوات المسلحة انهزمت ودمرت وحتي تستطيع بناء نفسها أمامها عشرات السنين.. وأن عبور قناة السويس يحتاج لقنابل ذرية وهذا كلام السوفييت آنذاك ورغم ذلك لم ينجحوا في احباطنا تفرغنا لعملنا في هدوء وسرية أظهرنا الضعف والعجز وعدم القدرة وبداخلنا إيمان يملؤنا وعزيمة وثقة في النصر لإقناعهم بعدم قدرتنا لكننا كنا نستعد لنقضي علي كل ما أظهروه لنا من قوة حتي أن موشي ديان قال: إن السلام الذي نهدفه هو ما وصل إليه جنودنا وإن السلام الرسمي يضر بقواتنا المسلحة.. إلي هذا الحد وصلوا للغرور والصلف ولمواجهة الفارق وعدم رغبة الاتحاد السوفيتي بتزويدنا بما نحتاج كان لابد أن نستخدم كل القدرات المصرية المتاحة سواء الاقتصادية أو السياسية والعسكرية والاجتماعية والتكنولوجية وتوظيفها لتحقيق النصر باستخدام التخطيط الجيد والسرية وألا يعلم أي شخص إلا بما يقوم من عمل وكل في مستواه.
دربنا قواتنا في برقاش بعيداً عن أعين العدو وفي مسرح عمليات قريب الشبه من مسرح العمليات في سيناء لاضفاء نوع من السرية علي تحركاتنا كان الجيش الإسرائيلي يملك أقوي مدرعات ولا مقارنة بين خططنا أن نفاجئه فكان جندي المشاه هو المفاجأة الحقيقية فلأول مرة في التاريخ يواجه الدبابة جندي وليس دبابة مثلها سلحنا الجندي دربناه أن ينزل أسفل الدبابة الإسرائيلية ألا يخشاها هيأناه نفسياً علي مواجهة كم الطلقات وأصوات المدافع فتحقق الإنجاز والإعجاز الذي لم يتكرر في التاريخ فكرنا بأساليب غير تقليدية لمواجهة كل شيء لم ندع شيئاً ولو صغيراً للظروف والصدفة سرية في توقيت يوم العبور وساعته خطة خداع وتمويه استراتيجي محكمة.. العدو كان يتوقع أن نهاجمه بعد الفجر أو مع آخر ضوء لم يحدث أن يتم الهجوم في الثانية ظهراً هي سابقة الأولي من نوعها وكانت مفاجأة للعدو فسرية توجيه ضربة جوية مركزة بالتعاون مع سوريا ولذلك لم يعلم العدو عنها أي شيء أيضا سرية مفاجأة سلاح البترول العربي سرية استيراد طلمبات مياه من ألمانيا.
û لعبت المعلومات دوراً مهماً في حسم نصر أكتوبر لصالح مصر فالمعلومة الصحيحة توفر القرار الصائب والتنفيذ الجيد وقد ظهر ذلك جلياً في العديد من الخطط والمواقف والقرارات وتحديد الأهداف بدقة خاصة في الضربة الجوية التي حققت أهدافها مما يعكس صحة المعلومات التي وردت.. ماذا عن دور المخابرات في تحقيق النصر؟
المخابرات تعني معلومة صحيحة وقراراً سليماً وبعد حرب 1967 كان هدفنا الحصول علي المعلومات الدقيقة لدرجة لا يتخيلها عقل فقد كان لدينا أبطال في قواتنا المسلحة يعيشون في العمق الإسرائيلي بالشهور الطويلة دون أن يدري بهم أحد واستطاعوا أن يعيشوا مع إسرائيل وقواتها ومعرفة تحركاتهم وأساليبهم وأفكارهم وروحهم المعنوية لذلك كانت أهدافنا داخل العمق الإسرائيلي محددة تحديداً دقيقاً لأن المعلومات جاءت بشكل صحيح.
أضف إلي ذلك التنسيق بين المخابرات المصرية.. والمخابرات الدولية الصديقة لمصر في الحصول علي معلومات عن التسليح الجديد للعدو ونواياه عن تطور قدراته وكفاءته وتنسيق أجهزة الدولة بالإضافة إلي الحصول علي معلومات الجيش الإسرائيلي علي المستوي البعثوي ودورياته وبواسطة رجالنا استطعنا أسر العديد منهم في إغارات يومية داخل عمق العدو وهناك قوات مصرية عبرت لسد مواسير النابالم فالمخابرات لعبت دوراً كبيراً في دعم القرار السياسي والعسكري.
وقد تحدث إيلي زاعير في كتابه ومبرراته عن نصر أكتوبر بقوله إنه من المهم أن تعرف الفارق بين النصر في مصر وإسرائيل من خلال واقعتين الأولي اكتشاف طائرة مصرية مدنية تحمل مدنيين التقطها الرادار الإسرائيلي بعد أن دخلت المنطقة الخطأ دون قصد فاتصل علي الفور برئيس الأركان الإسرائيلي الذي أمر بالضرب وتدمير الطائرة رغم أنها تحمل أبرياء عزل.. وهذه الطائرة هي التي كانت تحمل المذيعة سلوي حجازي ويستطرد إيلي زاعير علي الجانب المقابل أن الغواصات المصرية كانت تقف أمام السواحل الليبية واكتشفت مرور سفينة تحمل مليارديرات اليهود قادمين من أمريكا وأصدر الرئيس القذافي للغواصة أوامر بالضرب فما كان من الضابط المصري قائد الغواصة إلا الاتصال بقيادته وصدرت الأوامر بعدم التعرض لها والانضمام إلي الغواصات في الميناء وهذا هو الفارق الأخلاقي الإنساني بين نصر المصريين ونصر إسرائيل.
ماذا تقول بعد مرور كل هذه السنوات للشباب والأجيال الجديدة؟
أقول لهم لا تيأسوا من شئ وطنكم بخير بلدكم بخير لا تسمعوا للمشككين والمحبطين.. أنتم قادرون علي فعل أي شئ مهما كانت صعوبته وخذوا أمامكم نموذج أكتوبر 1973 اسعوا بالعمل والعلم والإيمان وليس بالكلام والشعارات وبث الاحباط واليأس ظروفكم أفضل فانطلقوا فالوطن ينتظركم.
لواء كمال عامر: رجالنا عاشوا داخل إسرائيل بين جيشها.. وجنودها شهوراً طويلة
المعلومة الصحيحة.. كانت وراء القرار الصائب.. والتنفيذ الجيد
خدعنا العدو وأقنعناه بعجزنا وعدم قدرتنا علي الحرب.. فجاءت المفاجأة المدوية
أكتوبر 73 قيمة أخلاقية عظيمة.. فهي نموذج للحرب الإنسانية النموذجية وذات خصائص وسمات خاصة لأنها كانت حرباً عادلة لم تكن حرباً للإعتداء علي أحد أو بهدف الاستيلاء علي أراضي الغير أو حركتها أطماع ولكنها كانت حرباً شريفة لاستعادة الحقوق المغتصبة فهي بحق قيمة ومثل وفخر لكل مصري فهي نقطة فارقة في تاريخ الوطن ومرحلة حاسمة في مسيرة أمة ذات حضارة وعراقة الانتصار فيها لا يقبل الشك.. هذا ما أكده اللواء كمال عامر أحد أبطال وصانعي نصر أكتوبر العظيم والذي تولي فيما بعد العديد من المناصب القيادية في القوات المسلحة حتي مديراً للمخابرات الحربية ثم محافظاً علي الصعيد السياسي والخبير العسكري والاستراتيجي الحالي.
قلت إن أكتوبر 73 كانت حرباً أخلاقية كيف؟
بالطبع حرب أكتوبر كانت مثلاً للحروب الأخلاقية التي تحركها دوافع وأسباب ومبررات شرعية فهي لم تكن حرباً للاعتداء علي أحد أو اغتصاب حقوق أحد أو الاستيلاء علي أراضي الغير ولكنها كانت من أجل استعادة الحقوق وقد أخذت أبعاداً وطنية فبعد هزيمة 1967 تفجر البعد الوطني لكل الشعب المصري للأخذ بالثأر ورفعنا جميعاً شعار مصر قبل كل شئ وبالفعل أصبح الإعداد لمعركة الكرامة والثأر قبل كل شئ بالإضافة إلي أنها ذات بعد قومي عربي وكانت مثالاً ونموذجاً للتنسيق بين العرب واتفقوا جميعاً علي استخدام سلاح البترول ناهيك عن التنسيق المحكم بين مصر وسوريا بالإضافة إلي البعد العالمي لحرب أكتوبر فقد حصلت علي التعاطف العالمي والمشروعية الدولية حتي أن فرنسا أوقفت تسليحها لإسرائيل قبل الحرب تعاطفاً مع الموقف المصري وأيضا موقف منظمتي الوحدة الإفريقية وعدم الانحياز المؤيد لمصر فهي حرب شرعية أخلاقية لاستعادة الحقوق والكرامة حرب من أجل السلام فالرئيس السادات في قمة الانتصار خلال الحرب وسير عملياتها لصالح مصر أعلن أن مصر وهي في قمة انتصارها مستعدة للسلام.
û لم تكن الكفة التكنولوجية في مجال امتلاك الأسلحة والمعدات لصالح مصر فكيف نجحت حرب أكتوبر بهذا الشكل المذهل والذي أصبح اعجازاً وإنجازاً عسكرياً فريداً في ظل هذا التفوق؟
حرب أكتوبر نجحت لأنها استفرت همم المصريين الذين تظهر معادنهم في أوقات الشدائد والمحن والأزمات.. نجحنا بفضل التخطيط الجيد والمحكم والشامل الذي لم يتجاهل صغيرة أو كبيرة قررنا أن نخوض الحرب بما لدينا من إمكانيات وبغض النظر عما يملكه العدو أخذنا بأسباب النجاح آمنا بقضيتنا وحقنا كأمة لها حضارة أن ترتفع قامتها وتحفظ كرامتها.
أما عن الأسباب العسكرية للنجاح فأهم عنصر هو العقلية الجديدة للمخطط الذي استطاع أن يتدارك أخطاء الماضي ويستفيد من دروسه ويوظفها لتكون سبباً في نجاحه وإبداعه. خططنا بشكل جيد تم إعداد الدولة للحرب وهذا فكر جديد لم يكن موجوداً في الحروب السابقة.. أعددنا الاقتصاد القومي أعددنا مسرح العمليات حتي علي صعيد السياسة الخارجية والداخلية طبقنا بالفعل مفهوم الإعداد الشامل للقوات وللدولة للدفاع والحرب عن مصر.. فبناء قوة الدولة الشاملة اشتمل علي كل المجالات حتي المعنوية والاجتماعية والصناعية توحيد الصفوف توفير الاحتياجات استقطاب العالم وتعاطفه ليس في القوة العسكرية فقط بل في كل المجالات.
النقطة الثانية هي العمل بروح الفريق.. نعمل في منظومة واحدة نتكامل فهناك ارتباط وثيق بكل الأجهزة لذلك لم نكن نعمل بأسلوب الجزر المنعزلة وهذا حقق الكثير من الإنجازات استخدمنا الأسلوب العلمي وسخرنا التقدم فيه لحل مشاكلنا فمثلاً إسرائيل كانت تتغني دائماً بأنها تمتلك قوة جوية هي الأفضل ربما في العالم لذلك قررنا تحييد هذه القوة وقطع ذراعها من خلال العديد من الوسائل أبرزها بناء حائط الصواريخ الذي كلف إسرائيل الكثير والكثير.
فكرنا في التغلب علي الساتر الترابي "خط بارليف" فكرنا في العديد من الوسائل سواء القنابل أو الصواريخ وبالحسابات والوقت لم تصلح.. فكرنا في أساليب ووسائل أخري حتي وصلنا إلي مدافع المياه.. درسنا العدو بشكل جيد نقاط القوة والضعف عنده درسنا كيف نواجه نظرية الأمن الإسرائيلي وعالجنا أخطاء 1967 وما قبلها.
لكن رغم كل هذه الأنشطة وحجم التخطيط والدراسات والتحركات في الداخل والخارج إلا أن العدو لم يعلم عنها شيئاً.. فماذا عن دور السرية في تحقيق النصر.. وكيف تم الحفاظ عليها؟
صدمة الهزيمة في 1967 كانت موجعة ومؤثرة للغاية ومصير الوطن والبلد كان غاية في الحساسية ومسألة تحقيق النصر في مواجهة قادمة بعد النكسة أمر لا يقبل القسمة علي اثنين لذلك كان لابد من معالجة جميع الأخطاء التي أدت إلي هزيمة 1967 وهي التخطيط الجيد وسريته.. فما دار من مقولات بعد الهزيمة أصابت بالاحباط واليأس لم يكن يتحملها إلا شعب عظيم قوي وقادر علي تحدي المستحيل فقد قالوا إن القوات المسلحة انهزمت ودمرت وحتي تستطيع بناء نفسها أمامها عشرات السنين.. وأن عبور قناة السويس يحتاج لقنابل ذرية وهذا كلام السوفييت آنذاك ورغم ذلك لم ينجحوا في احباطنا تفرغنا لعملنا في هدوء وسرية أظهرنا الضعف والعجز وعدم القدرة وبداخلنا إيمان يملؤنا وعزيمة وثقة في النصر لإقناعهم بعدم قدرتنا لكننا كنا نستعد لنقضي علي كل ما أظهروه لنا من قوة حتي أن موشي ديان قال: إن السلام الذي نهدفه هو ما وصل إليه جنودنا وإن السلام الرسمي يضر بقواتنا المسلحة.. إلي هذا الحد وصلوا للغرور والصلف ولمواجهة الفارق وعدم رغبة الاتحاد السوفيتي بتزويدنا بما نحتاج كان لابد أن نستخدم كل القدرات المصرية المتاحة سواء الاقتصادية أو السياسية والعسكرية والاجتماعية والتكنولوجية وتوظيفها لتحقيق النصر باستخدام التخطيط الجيد والسرية وألا يعلم أي شخص إلا بما يقوم من عمل وكل في مستواه.
دربنا قواتنا في برقاش بعيداً عن أعين العدو وفي مسرح عمليات قريب الشبه من مسرح العمليات في سيناء لاضفاء نوع من السرية علي تحركاتنا كان الجيش الإسرائيلي يملك أقوي مدرعات ولا مقارنة بين خططنا أن نفاجئه فكان جندي المشاه هو المفاجأة الحقيقية فلأول مرة في التاريخ يواجه الدبابة جندي وليس دبابة مثلها سلحنا الجندي دربناه أن ينزل أسفل الدبابة الإسرائيلية ألا يخشاها هيأناه نفسياً علي مواجهة كم الطلقات وأصوات المدافع فتحقق الإنجاز والإعجاز الذي لم يتكرر في التاريخ فكرنا بأساليب غير تقليدية لمواجهة كل شيء لم ندع شيئاً ولو صغيراً للظروف والصدفة سرية في توقيت يوم العبور وساعته خطة خداع وتمويه استراتيجي محكمة.. العدو كان يتوقع أن نهاجمه بعد الفجر أو مع آخر ضوء لم يحدث أن يتم الهجوم في الثانية ظهراً هي سابقة الأولي من نوعها وكانت مفاجأة للعدو فسرية توجيه ضربة جوية مركزة بالتعاون مع سوريا ولذلك لم يعلم العدو عنها أي شيء أيضا سرية مفاجأة سلاح البترول العربي سرية استيراد طلمبات مياه من ألمانيا.
û لعبت المعلومات دوراً مهماً في حسم نصر أكتوبر لصالح مصر فالمعلومة الصحيحة توفر القرار الصائب والتنفيذ الجيد وقد ظهر ذلك جلياً في العديد من الخطط والمواقف والقرارات وتحديد الأهداف بدقة خاصة في الضربة الجوية التي حققت أهدافها مما يعكس صحة المعلومات التي وردت.. ماذا عن دور المخابرات في تحقيق النصر؟
المخابرات تعني معلومة صحيحة وقراراً سليماً وبعد حرب 1967 كان هدفنا الحصول علي المعلومات الدقيقة لدرجة لا يتخيلها عقل فقد كان لدينا أبطال في قواتنا المسلحة يعيشون في العمق الإسرائيلي بالشهور الطويلة دون أن يدري بهم أحد واستطاعوا أن يعيشوا مع إسرائيل وقواتها ومعرفة تحركاتهم وأساليبهم وأفكارهم وروحهم المعنوية لذلك كانت أهدافنا داخل العمق الإسرائيلي محددة تحديداً دقيقاً لأن المعلومات جاءت بشكل صحيح.
أضف إلي ذلك التنسيق بين المخابرات المصرية.. والمخابرات الدولية الصديقة لمصر في الحصول علي معلومات عن التسليح الجديد للعدو ونواياه عن تطور قدراته وكفاءته وتنسيق أجهزة الدولة بالإضافة إلي الحصول علي معلومات الجيش الإسرائيلي علي المستوي البعثوي ودورياته وبواسطة رجالنا استطعنا أسر العديد منهم في إغارات يومية داخل عمق العدو وهناك قوات مصرية عبرت لسد مواسير النابالم فالمخابرات لعبت دوراً كبيراً في دعم القرار السياسي والعسكري.
وقد تحدث إيلي زاعير في كتابه ومبرراته عن نصر أكتوبر بقوله إنه من المهم أن تعرف الفارق بين النصر في مصر وإسرائيل من خلال واقعتين الأولي اكتشاف طائرة مصرية مدنية تحمل مدنيين التقطها الرادار الإسرائيلي بعد أن دخلت المنطقة الخطأ دون قصد فاتصل علي الفور برئيس الأركان الإسرائيلي الذي أمر بالضرب وتدمير الطائرة رغم أنها تحمل أبرياء عزل.. وهذه الطائرة هي التي كانت تحمل المذيعة سلوي حجازي ويستطرد إيلي زاعير علي الجانب المقابل أن الغواصات المصرية كانت تقف أمام السواحل الليبية واكتشفت مرور سفينة تحمل مليارديرات اليهود قادمين من أمريكا وأصدر الرئيس القذافي للغواصة أوامر بالضرب فما كان من الضابط المصري قائد الغواصة إلا الاتصال بقيادته وصدرت الأوامر بعدم التعرض لها والانضمام إلي الغواصات في الميناء وهذا هو الفارق الأخلاقي الإنساني بين نصر المصريين ونصر إسرائيل.
ماذا تقول بعد مرور كل هذه السنوات للشباب والأجيال الجديدة؟
أقول لهم لا تيأسوا من شئ وطنكم بخير بلدكم بخير لا تسمعوا للمشككين والمحبطين.. أنتم قادرون علي فعل أي شئ مهما كانت صعوبته وخذوا أمامكم نموذج أكتوبر 1973 اسعوا بالعمل والعلم والإيمان وليس بالكلام والشعارات وبث الاحباط واليأس ظروفكم أفضل فانطلقوا فالوطن ينتظركم.
