جنازة ابن جبرين

عاشقة القرأن

كاتب جديد
? جنازة ابن جبرين

كانت جنازة ابن جبرين غريبة من ناحية الحضور الهائل الذي لا أشك أنه تجاوز الخمسين ألف؛ فأي حُب سكن في القلوب حتى حضر هؤلاء؟!. إنه القبول الذي يضعه الله لمن يشاء من عباده .

وإذا وضع الله القبول فمن الذي يرفعه، ولقد رأيتها فيها ألوان الجنسيات العربية وغير العربية، فيا عجباً كيف يسري الحب في القلوب بلا استئذان .

ركبتُ مع سائق تاكسي لأجل البعد والزحام فكان مندهشاً ويسأل لماذا كل هؤلاء الناس؟!.

رأيت الصغير والكبير الذين حضروا في شدة الحر في وقت الظهيرة ومع ذلك فإن الحب يقود الأرواح فتقود الأجساد .

تأملت في أصناف المصلين على الجنازة؛ فرأيت الشيخ والعالم والإمام والشاب والأعمى وطالب العلم والبائع وأنواعاً شتى، فما هو السر؟! إنه القبول .

وبدأت الصلاة وبدأت الدموع وسُمعت أصوات المحبين وهم يجهشون ببكاء الفراق على الإمام الذي عرفوه بالعلم والعمل والدعوة والصبر والتواضع فسالت على الخدود الدموع .

وما أحلى تلك الدموع؛ إنها دموع الوفاء والحب والصفاء، إنها دموع رحيل العلماء الذين حققوا فعلاً وراثة الأنبياء .

ومضت تكبيرات الجنازة والكل بجانبي يبكي، فتأثرت بالجوار فبكيت، ولعل الدموع أخبرتني بذكريات دروس الإمام ووقته الذي قضاه في نفع الأنام فيا حلاوة تلك الدموع .

وانتهت الصلاة على الإمام ورفعوا جنازته فلم تكد ترى رجالاً يحملونها وكأنها لوحدها تسير، فما أعجب القبول إذا فاز به المرء الضعيف .

وخرجنا من الجامع والزحام يذكرك بصلاة العيد أو زحام الحجاج في أرض عرفات، وخرجنا نمشي وخرجت الجنازة تسير بالشوق على أكتاف المحبين .

ذهب الإمام ابن جبرين إلى المنزل الذي سيسكنه كل حي " القبر " ولكن نشهد بالله أن كان من أهل الله وخاصة أوليائه و " أنتم شهود الله في أرضه " .

ذهب الإمام ولكنه ترك الذكر الجميل له، والذكر للإنسان عمر ثان .

ذهب الإمام وقد ترك طلاباً يتجاوزون المئات، ومنهم حملة الماجستير والدكتوراه فهنيئاً له ما ترك، وهنيئاً لهم تتلمذهم عليه .

ذهب الإمام وقد ترك علماً كبيراً وكثيراً، وفي الصحيح: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. وعلم ينتفع به ) رواه مسلم] .

فها هو ترك علماً ينتفع به من مؤلفات ودروس صوتية، وله موقع على الإنترنت فيه جميع المواد المكتوبة والصوتية .

لقد ذهب وأعطاني درساً في علو الهمة في تبليغ العلم ونفع الناس وتعليم الجاهل، فقد كان رحمه الله تعالى له دروس شبه يومية بعد الفجر والمغرب والعشاء .

وكان يرحل لتعليم الناس في الإجازات يبدأ من الجنوب من قرى تهامة وجيزان وينتهي بالشمال في تبوك ومحافظاتها .

هذا وهو في عمر الستين والسبعين، فما أعجب همته وطموحه، ويا حسرتاه على بعض طلاب العلم الذين لزموا أرضهم ووطنهم ومكتباتهم وتركوا الارتحال وتبليغ الدين بحجة زيادة التحصيل أو القراءة أو غير تلك الأعذار، ولو أنهم تشبهوا بالإمام ابن جبرين الداعية الرحالة لا نتفع بهم خلق كثير .

رحل الإمام وقد وضع بصمة في الزهد والتواضع وعدم الالتفات للمناصب والكراسي، ووضع نصب عينيه " الآخرة " فكان من أبنائها .

نعم.. لقد رحل الإمام وقد ترك أثراً على حياة الفقراء والمساكين وأصحاب الشفاعات، وهذا يعرفه كل من اقترب من الشيخ وعرف ازدحام عامة الناس في بيته لطلب الحاجات والشفاعات.

رحل الإمام الذي كانت الهمة العالية رداءه وإزاره، فكان بهمته نافعاً لأمته، وهكذا فليفهم كل صادق أنه بهمته سيكون أعظم هدية لأمته .

لقد ترك الإمام ابن جبرين أثراً في الجد والاجتهاد، وترك الكسل والفتور والتراخي .

نعم.. لقد كانت حياته عامرة بالأعمال الصالحة وكان يجتهد فيها مع أنه في السبعين من العمر ولكن طلاب المجد هكذا هم .

? علمتني الجنازة أن الثبات على المبدأ الحق والسير في نصرة الحق وتحقيق مبدأ (( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162] هو سبيل يحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة .
 

مواضيع مماثلة

أعلى