الجاحظ في سطور

دانيال

المدير العام للموقع
طاقم الإدارة
لا يخفى أنني أعتبر أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أعظم كاتب فكاهي ظهر في القرون الوسطى، إن لم يكن في العالم كله، فعلى الأقل في العالم العربي. وبالإضافة لذلك، فهو من دون شك أعظم كاتب موسوعي، فقد ترك زهاء 360 كتاباً في سائر الموضوعات، حتى قيل إن كتبه قد قتلته، فقد سقطت عليه من رفوفها وقضت عليه.
بيد أنه كان قد أصيب بالفالج قبل ذلك، ولمن يتساءل عما هو الفالج، أستشهد بما كتبه هو عن ذلك. قال؛ أنا من جانبي الأيسر مفلوج، فلو قرض بالمقاريض ما علمت به، ومن جانبي الأيمن منقرس، فلو مر به الذباب لآلمته!


وقد لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه وغرابة خلقته. وكثيراً ما تكون غرابة الخلقة من صفات نجوم الفكاهة، كما كان الأمر مع أشعب الطماع. وكان الجاحظ عارفاً بهيئته هذه. فهو يروي أن امرأة طرقت بابه والتمست منه أن يصحبها مسافة قصيرة في السوق. فلبى طلبها وسار معها حتى جاءت به إلى دكان صائغ يهودي. وقالت له «مثل هذا». وأشارت للجاحظ ومضت في طريقها. استغرب الجاحظ من الأمر، فسأل الصائغ عن الموضوع، فروى له أن تلك المرأة جاءته بخاتم، وطلبت منه أن ينقش عليه صورة الشيطان. فقال لها؛ كيف أفعل ذلك، وأنا لم أر أي شيطان في حياتي؟ فجاءت بك لتعطيني أقرب شيء للشيطان.
وكما قلت، ترك الجاحظ كتباً كثيرة، بيد أن من أطرفها وأكثرها شيوعاً بين الناس «كتاب البخلاء» الذي يروي فيه شتى الطرائف عن سلوك البخلاء، ويظهر فيه كرهه للأعاجم، كما يتجلى في أهل خراسان. يقول فيه؛ إن عدداً منهم ترافقوا في منزل، ثم جاء يوم وفكروا أن يشتركوا في تكلفة مصباح ينير لهم البيت. وكانوا يقتسمون كلفة الزيت فيه، إلا أن واحداً منهم رفض الاشتراك معهم في التكلفة، فقرروا شدّ عينيه لمنعه من الاستفادة من نور المصباح. ودأبوا على ذلك؛ يشدون عينيه صاغراً حالما يشعلون المصباح لئلا يستفيد من النور، ثم يفكونها عند الصباح عندما يطفئون المصباح.
وفي حكاية طريفة أخرى؛ اتفق نفر من سكان مرو على الاشتراك في طبخ قدر من اللحم... قطعوا اللحم وتقاسموه فيما بينهم، فشدّ كل واحد منهم قطعته بخيط، وأدلاها في الطنجرة، وعندما يتم الطبخ يسحب كل واحد قطعته حسب الخيط الذي في يده. يتشرب اللحم بالملح والخل والتوابل خلال الطبخ. وينشرون الخيوط لتجف في البيت، ولا تفقد ما تشربت به من توابل ولوازم. وكل واحد منهم يعرف خيطه من علامة يضعها عليه. فيتمسك بخيطه من طبخة إلى طبخة.
وكما كتب ساخراً عن البخلاء، وعن المعلمين، فعل مثل ذلك مع المتطفلين والشحاذين. يشير إلى الطفيليّين فيقول عنهم إنهم ينسبون إلى طفيل بن زلال الكوفي، وهو من بني عبد الله بن عطفان. اشتهر بين الناس في طلب الولائم والأعراس، فقيل عنه إنه طفيل العرائس، وأصبح ذلك نبزاً ولقباً له، فصار كل من يسعى إلى الولائم والطعمات ويتهالك عليها يقال له طفيلي.
 

مواضيع مماثلة

أعلى