كيف نجعل الحظ يحالفنا

قيثارة

كاتب جيد جدا

في كل منشوراتي أمرّر وأنوّه لدورالحظ في النجاح، وأنّ الموهبة لا تكفي فحسب وأنّ أنجح الناس ليسوا الأكثر موهبة فحسب، أو الأكثر عملاً وإنما هؤلاء الذين يحالفهم الحظ في لحظة معينة من الحياة.
وطبعاً أكرّر مرة أخرى أنّ كلمة حظ هي مجرد مصطلح يمكن استبدالها بالمرادف الذي تراه مناسباً ،العامل المجهول، العامل الخفي، الصدفة، العشوائية، الفرصة، رمية النرد، التوفيق، التوفيق الالهي، القدر، تدخل الطبيعة .. الخ بما تراه مناسباً ( فما لا تعرف سببه هو مجهول بشكل أو بآخر).
لا يعني ذلك طبعاً أنّ الحظ لوحده يكفي فإحدى تعريفات الحظ الجميلة أنّه نقطة التقاء الفرصة مع التحضير، فبدون تحضير لا طائل من الفرصة أصلاً، وبدون فتح باب للفرصة لن تأتي الفرصة أصلاً، لن تأتي فرصة للسفر خارجاً بمنحة دراسية إذا لم تقم بالتقديم مرّات ومرّات.
اذا لدينا دوماً عاملين الأول التحضير وهو متفق عليه والثاني هو توظيف عامل مجهول لا أعرفه، تسريع احتمالية حدوث عامل خفي، استحضار الصدفة اذا صحّ الأمر، التوّكل وليس التواكل اذا أردت تلك المقاربة.
وهنا يأتي السؤال الذي يتغافل عنه كثير من المنظرين في هذا الموضوع وهو كيف يمكن أن أوظف الحظ في هذه المعادلة؟ كيف يمكنني توظيف العشوائية أو ما لا اعرف حدوثه في هذه المعادلة؟
بداية حين نفهم دور الحظ في هذا الموضوع يمكننا تغيير تفكيرنا، حين تعرف أنّ عملك لساعات أطول من غيرك في موضوع محدد لن يزيد دخلك بالضرورة.
حين نعرف أنّ الحظ يلعب دوراً اكبر من المتوقع، فعليه نقوم بتغيير خياراتنا وقراراتنا بما يمكن أن يفتح الباب للحظ أن يلعب دوه وأن يتدخل.
لنتكلم بشكل عملي، على سبيل المثال إذا استثمرت في مشروع معين فهناك احتمالين لا ثالث لها، إمّا أن يخسر أو يربح ، أما اذا استثمرت في 10 مشاريع بالتساوي فهناك احتمال ان يتدخل الحظ ويجعل مشروع منهم الحصان الرابح، ويجعلك تربح كثيراً.
بعبارة اخرى، يمكن أن يتدخل الحظ حين تستثمر في 10 مشاريع، بينما سيكون من الصعب تدخله اذا ما استثمرت في مشروع واحد فقط مهما كنت مخططاً ومحللاً عظيماً، ولعلّ الأمر واضح هنا أن الحظ لن يتدخل إذا لم تستثمر أصلاً في أي مشروع !!!
في تجربة جميلة جداً حاول باحثون معرفة أيهما أجدى توظيف الحظ أم لا وذلك في الأبحاث العلمية وأيهما يحقق أفضل العوائد البحثية، التخطيط واعتماد الخبرة السابقة أم فتح الباب لللحظ أن يتدخل؟
ولتجربة ذلك درس الباحثون ثلاثة نماذج لتمويل الأبحاث العملية حيث يتم في أحدها تمويل البحوث بالتساوي على جميع الباحثين ( لا افضلية لباحث على آخر)، وآخر يوزع فيها التمويل بشكل عشوائي على مجموعة معينة من الباحثين، وثالث يمنح فيها التمويل بشكل تفضيلي لمن كان أكثر نجاحاً في الماضي.
فما الاستراتيجية الأفضل بين هذه الثلاثة؟
سيظن الكثير أن الاستراتيجية الناجحة هي تلك التي تعتمد تفضيل من كان ناجحاً سابقاً وزيادة التمويل للناجحين سابقاً وتقليله للمستجدين والتخطيط لذلك.
لكن عملياً قد تبين أن الاستراتيجية التي توفر أفضل العوائد هي تقسيم التمويل بالتساوي بين جميع الباحثين.
نعم نعم، التمويل بالتساوي يعطي افضل العوائد البحثية لأنّه في هذه الحالة يمكن ان يلعب الحظ مع أحدهم ويخرج بمشروع رائع أو ورقة علمية مميزة أو اكتشاف مميز دون أن نتنبأ به، والذي لا يمكننا توقعه أصلاً، لو كان بالامكان توقعه لما سمّي حظاً أصلا.
وهكذا نجد أن حقيقة تحقيق اكتشاف هام من قبل عالم بالصدفة لا يعني أنه من المرجح أن يقوم باكتشاف آخر مستقبلاً إذا ما أعطيناه تمويلاً مميزاً عن غيره، أما في حالة توزيع التمويل بالتساوي فهذا يعطي امكانية ان يقوم عالم آخر بالصدفة باكتشاف جديد ..
إذا كنت مشرف على 10 طلاب دكتوراه ووزعت عليهم التمويل بالتساوي فستربح أكثر مما إذا وزعت التمويل بحيث يراعي الناجحين سابقاً فحسب، لانه بتوزيعك اياه بالتساوي تفتح الباب أن تحدث صدفة باكتشاف من أحدهم لم تكن تنتظره منه أصلاً.
حين تفهم دور الصدفة ودور العشوائية سينعكس ذلك ايجاباً لمصلحتك، يمكنك تطبيق ذلك والاستفادة منه بشكل عملي، أمّا إذا وصلت لنهاية المقالة ومازلت مصراً أنّ من جدّ وجد فحسب وأنّ من سار على الدرب وصل، وأن بذل الجهد الاضافي هو معيار النجاح، فلن تطبق ذلك ولن تستفيد من الحظ.
مثلاً حين تفهم دور الحظ، ستفكر جدياً في توسيع معارفك وشبكاتك لأنّه ممكن لأحد الأشخاص الجدد ان يفتح لك باباً غير موجود مسبقاً، يمكن أن تفكر بأن تقوم بتشغيل اللابتوب في الطائرة عسى أن يكون من بقربك مهتم بما تقوم به، أن تُظهر اسم بحثك الذي تعمل عليه في مؤتمر عسى جذب صدفة لشخص يعمل عليه.. الحظ عشوائي ولكنه في النهاية لعبة احتمالات
اتركك الآن أن تفكر باسقاط التجربة السابقة على الاستثمار او التعليم أو ترك خيارات لأولادك في الجامعة، أو كيفية فتح الباب في حياتك للتسبب بأحداث يحالفك الحظ بها بطريقة عشوائية..
إذا كان ثمّة نصيحة لي لك في نهاية المطاف هي ..
دع الحظ يتدخل .. إنّها لعبة احتمالات في نهاية المطاف..

 

مواضيع مماثلة

أعلى