الإقتصاد السلوكي في تقليل الغش

قيثارة

كاتب جيد جدا

يسارع البشر بدرجة مذهلة إلى إرتكاب الغش إذا ما أتاحت الظروف لهم ذلك، وعادة ما يقومون بالغش لدرجة معينة بحيث يمتلكون القدرة على تبريرها، فإذا أتيح لطالب مثلاً، الغش في الإمتحان فسيغش بما يسمح له تحسين درجته قليلاً وليس بما يتيح له الحصول على العلامة الكاملة.
وإذا أتيح لشخص آخر أن يغش في الحصول على مشروب دون دفع قيمته فسيقوم بما يمكنه من الحصول على مشروب أو اثنين ولن يأخذ كل ما في الثلاجة من مشاريب.
يعود السبب في ذلك إلى الشعور بالذنب، فالشعور بالذنب يزيد مع زيادة مقدار الغش حيث يصبح غير قابل للتبرير نفسياً، بينما يمكن تبريره إذا ما كان قليلاً، من منطق أنّه لن يؤثر على المؤسسة، وأنّه مقبول وطبيعي بين الآخرين بشكل أو بآخر، وأنّه طبيعي بشكل أو بآخر.
ولردع الغش وتشجيع الناس على تذكر النزاهة طرق عدة في الإقتصاد السلوكي، ولعلّ أجملها وأبسطها تلك الطريقة التي تقوم بعرض صور لعيون بشكل بارز يوحي أنّه يراقبك، ففي تجربة مثيرة للإهتمام، تم وضع الطلاب في جامعة بريطانية في وضع يسمح لهم الغش، وتم استبدال اللوحات على الحائط بين لوحات عليها زهور ولوحات عليها عيون حادقة، فما الذي حدث؟ لقد انخفضت نسبة الغش بحوالي ثلاث مرات حين كان لوحة العيون تحدّق بهم، فقد شعر الناس بأن هناك من يراقبهم مع أنّها مجرد لوحة، واستيقظ شعورهم بالنزاهة بشكل لا إرادي.
لننتقل إلى برشلونة ونظام النقل العام فيها، حيث يرتاد برشلونة عدد هائل من السيّاح يصل ل 32 مليون سائح سنوياً، يقضي نصفهم فقط يوماً واحداً في زيارة يومية، وسيضطرون بالطبع لاستخدام وسائل النقل العامة.
ومن البديهي لسائح سيركب الباص لمرة أو مرتين أن يكون مقبلاً على الغش لا وأن يبرره أيضاً، فهو سيتخلف عن الدفع لمرة واحدة فقط لا غير أو مرتين مما لا يشكل عقبة اخلاقية لديه، بعكس المواطن الذي يعيش في المدينة ويستقل الباص يومياً والذي سيردعه ضميره عن الغش يومياً لانه لا يمكن تبريره بأي شكل.
في زيارتي الأخيرة لبرشلونة، كنت سعيداً برؤية تطبيق ذلك في حافلات النقل العمومية، حيث يتم استخدام تلك العيون بشكل واضح على شكل رسوم كاريكاتيرية عند مدخل الباص، لكي تذكّر الناس لا ارادياً أنّهم مراقبون و بذلك يبادرون لاستخدام بطاقة الباص بدل تجاهل ذلك.
تقلل تلك الصور -مرفق إحداها - نسبة الغش ، فهي لا توقظ الضمير عند الركّاب فحسب، وإنما تشعرهم أنّهم مراقبين بشكل لا إرادي وتذكرهم أنّ المفتّش قد يصعد بعد قليل،وهكذا تنخفض نسبة التهرّب بشكل واسع.
وهكذا بحيل بسيطة رائعة من تطبيقات الإقتصاد السلوكي، يمكن حل مشاكل كبيرة بدل توظيف عدد أكبر من المفتشين ..
هناك أمر آخر يتم القيام به في الحافلات العامة في برشلونة لتقليل الغش وهو أيضاً مستمد من الإقتصاد السلوكي، ونتركه لمنشور آخر.



72605419_2564140980567600_1256171122538315776_n.jpg







 

مواضيع مماثلة

أعلى