أسباب السعادة الزوجية

جودي ومودي

كاتب محترف
download-2.jpg

أسباب السعادة الزوجية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
سنتحدث فيها عن أسباب السعادة الزوجية، والحقيقة أنه ينبغي أن نتلافى أسباب الشقاق، ثم أن نفعل موجبات السعادة الزوجية، لو عدنا إلى كتاب، ومنهج الله، وتعليمات الصانع، وكلام الخبير فإننا نجد الله عز وجل يقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). (سورة النساء)
ما معنى كلمة معروف؟ المعروف تعرفه الفطر السليمة بداهة، إذا قال الله عز وجل: (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
(سورة آل عمران)
ما المعروف؟ الشيء الذي تعرفه النفوس بداهة يقول هكذا فطرت يقول وجبلت عليه، ألم يقل الله عز وجل: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) (سورة الشمس)
يعني أنها إذا اتقت تعلم أنها اتقت من دون أن ينبّهها أحد، وإذا فجرت تعلم من دون أن ينبهها أحد، هذه هي الفطرة، وهي متوافقة تماماً مع منهج الله، قال تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (سورة الروم)
أي أن تقيم وجهك نحو الدين، أن تشدّ همتك إلى تطبيق الحق، هو ما جبلتَ أنت عليه في الأصل، لذلك حينما يقول الله عز وجل: (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
الشيء الذي تعرفه النفوس فطرة وابتداء وبداهة من دون توجيه، والفطرة أيها الإخوة شيء مهم جداً في الدين.
يقول الله عز وجل: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)) (سورة النساء)
نحن في دار ابتلاء، لا في دار استواء، وفي منزل ترح، لا منزل فرح، ومن عرف الدنيا لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) قالوا: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها.
أيها الإخوة الكرام، روت كتب الأدب والسيرة أن قاضياً شهيراً اسمه شريح لقيه صديقه الفضيل، فقال له: يا شريح، كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح ؟ قال خطبتُ امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدتُ صلاحاً وكمالاً، يقصد صلاحاً في دينها، وكمالاً في خُلقها، فصليتُ ركعتين شكر على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوتُ منها، فقالت لي: على رِسلك يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت، وقالت: أما بعد، فيا أبا أمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحبه حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عله وسلم ـ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتّقِ الله بي، وامتثل قوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (سورة البقرة)
ثم قعدتُ! قال: فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه، وتثبتي عليه يكن لكِ ذخراً وأجراً، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك، أحِبُّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنة فانشريها، وما وجدتِ من سيئة فاستريها.
أيها الإخوة، وصف النبي عليه الصلاة والسلام المرأة الصالحة بأنها ستّيرة، والمرأة الفاجرة فضّاحة، وقال في بعض الأحاديث: إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها.
وعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) (الترمذي)
ولا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟ ما رأيك في هذا الموضوع ؟ قال: نزورهم غباً، مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملُّوا.
أيها الإخوة، شيء آخر، الله عز وجل بين الزوجين وهو أروع ما في الزواج الإسلامي، كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وكل طرف يرجو رحمة الله بخدمة الطرف الآخر، هذا من خصائص الزواج الإسلامي، الآن يقول الله عز وجل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)
(سورة البقرة)
كما أنك تحب أن تحترم أهلك هي تحب أن تحترم أهلها، كما تحب أن تراها بمظهر أنيق هي تحب أن تراك بمظهر أنيق، كما تحب أن تكون صادقة معك هي تحب أن تكون صادق معها، كما تحب أن تقدر شعورك تحب أن تقدر شعورها.
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) والمعروف ما في الفطرة ما ركز في أهل الفطرة، وما جبل عليه الإنسان، أما هذه الدرجة التي للزوج فهي درجة واحدة، درجة القيادة، لأن الزواج والبيت مؤسسة لا بد لها من قائد واحد، وصاحب قرار، لكن الزوج ينبغي أن يستشير زوجته أحياناً، والدليل أن الله عز وجل يقول: (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) (سورة الطلاق) بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أم سلمة، وأشارت عليه، ونفذ استشارتها، وحلت المشكلة، ينبغي أن تستشيرها، وتستشيرك، و بادلا الآراء، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار، الله عز وجل يقول:
(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (سورة آل عمران)
فهذه الدرجة درجة القرار، لأن الذي يراه الزوج قد لا تراه الزوجة، والذي يعرفه الزوج من الظروف المحيطة بالبيت قد لا تعلمها الزوجة، أما أن يظن الزوج أن له كل شيء، وليس لها شيء، فهذا جهل فاضح في حقوق الزوجة.
أيها الإخوة الكرام، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).
أما قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (سورة النساء)
قوَامون جمع قوَام، قوَام صيغة مبالغة إسم الفاعل، شديد القيام، يفهمها بعض الناس أن قوامة الرجل سيطرة، وعنجهية، واستعلاء، واستبداد، وتعسف، لا، أبداً، بل قوامة الرجل جهد كبير في داخل البيت وخارجه، متابعة للأمور، تصحيح للمسار، تصويب للأخطاء، هذه قوامة الرجل، فالله سبحانه وتعالى أناط مسؤولية الأسرة بالرجل، لأنه بحسب تكوينه الفكري والجسمي والاجتماعي والنفسي، لعله أقدر على قيادة هذا المركب من الزوجة، فلذلك حينما يقول الله عز وجل: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) بمعنى أنهم يتحملون مسؤولية سلامة، ونمو هذه الأسرة.
أذكر أن سيدنا عمر مرة قال: لست خيراً من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً، وينبغي أن يقول الزوج: لست خيراً من واحد من أسرتي، ولكنني أثقلهم حملاً، هذا معنى قوامة الزوج:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فهي تكليف، وليست تشريفًا، هي إشراف، وخدمة، وحرص، ودأب، وجهد، وسعي، وليست استعلاء وغطرسة، وتحكماً، وتعسفاً، واستبداداً.
آية أخرى تنظم العلاقة والسعادة الزوجية، هذه المرأة الصالحة التي قال عنها الله في بعض الأدعية: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيًا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ)، قالوا: حسنة الدنيا المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك، المرأة الصالحة شيء لا يقدر بثمن، هي سبب سعادة زوجها وأولادها، ألم أقل لكم في الحلقة السابقة: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله)
أعود وأقول: أنت بالحكمة التي يهبها الله لك كمكافأة على إيمانك به، وطاعتك له قد تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة قد تشقى بزوجة من الدرجة الأولى.
أيها الإخوة، حينما تنجح في إسعاد زوجتك وتربية أولادك تستطيع مواجهة المشكلات الخارجية، كنت أقول دائماً: لو بلغت أعلى منصب في العالم، وجمعت أغلى ثروة في الأرض، ولم يكن بيتك كما منى فأنت أشقى الناس، أما إذا كنت سعيداً في بيتك فكل شيء يهون.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذا النهج المحمدي السليم في زواجنا وبيوتنا، وفي علاقتنا مع زوجاتنا، وتربية أولادنا، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

bobkis

كاتب جيد جدا
جميل وعبارات منبهرة بجمال وروعة ما تكتبون
سلمت الأيادي
المعطرة بعطر الورود يا أحلى وردات الحقول..
 

مواضيع مماثلة

أعلى