قصة ليتني اليتيمة

قيثارة

كاتب جيد جدا
ليتني اليتيمة!

إيمان تلميذة في الصف الرابع ذكية جدًّا، مَرِحة، وتُحبُّ المشاركة في الأنشطة المدرسية، استطاعت كسب ودِّ الطالبات، ومن بينهن "ديمة" التي لا تشارك زميلاتها اللعب، فهي منطوية على نفسها، وشاردة الذهن غالبًا، وكأنَّ أمرًا ما يشغل تفكيرها.

أصيبت إيمان بمرض شديد استدعى بقاءها في المنزل لعدة أيام، قامت مجموعة من التلميذات ومن بينهن ديمة، تُرافقهنَّ مُعلِّمة الفصل، بزيارة إيمان في الحصة الأخيرة من الدوام المدرسي؛ كي لا تتأخَّر الطالبات في العودة إلى بيوتهن.

استقبلتهنَّ الجدة وزوجات الأعمام بحفاوة بالغة، أجلستهنَّ الجدة في غرفة إيمان، وتبادلت مع المعلمة والتلميذات الأحاديث، وسألت التلميذات عن أسمائهنَّ وعن هوايات يُمارسنها، شجعتهنَّ على الاهتمام بدراستهنَّ وبالقرآن - تلاوة وحفظًا - ومطالعة القصص المفيدة أو المجلات المناسبة لأعمارهنَّ.

فجأة سمعت الزائرات صوتَ رجل ينادي، فذهبَت الجدة برهة من الوقت ثم عادت وأخبرتهنَّ بأنه جدُّ إيمان، وأنه اعتاد كلما أراد الخروج للصلاة أن يسألنا إن كان يلزمنا شيء ليحضره معه.

تعاونت زوجات الأعمام في تقديم الضيافة، وكانت الجدة تتابع التلميذات للتأكُّد مِن تناولهنَّ الحلوى والعصير.

سألت إيمان عن معلماتها وصديقاتها، فنقلَت لها المعلمة تحيات المعلمات اللائي يُبدين إعجابهنَّ الشديد بتلميذتهن إيمان أخلاقًا وعلمًا، وأخبرتها بأنهن سيساعدْنَها في شرح ما فاتها من دروس، أما التلميذات الصغيرات، فنقلن تحيات زميلاتهن، وأخبرنها بأنهن يَفتقدن حضورها المَرِح بشدة.

شكرت إيمان معلمتها الزائرة، وأثنَت على معلماتها الأخريات، وطمأنتها بأنَّ زوجات أعمامها يشرحْن لها الدروس الفائتة، وأن "ديمة" تتَّصل بها لتُخبرها بالواجبات وتقوم بحلِّها أولاً بأول، ولم يفتْها شيء.

استأذنَت المعلمة والطالبات بالانصراف، فشكرهنَّ الجميع على الزيارة، وطلبت إيمان منهنَّ أن يُبلغْن تحياتها للجميع.
عادت "ديمة" إلى المنزل شاحبة الوجه، ورفضت تناول طعام الغداء، قَلِق والداها عليها، وهمَّا بأخذها للطبيب فرفضت وطمأنتهما أنها بخير، لكنها مندهشة مما سمعته أثناء الزيارة وما شاهدته بأمِّ عينها في بيت صديقتها، فلما سألها الوالد عما رأتْ قالت:
يا والدي، أنت رجل ثريٌّ، وقد وفَّرت لي ولشقيقي ما يحلم به الكثيرون، فالبيت واسع، والأثاث فاخر، والخدمة متوفِّرة، لكنَّك غفلتَ أنت ووالدتي عن بعض الأمور؛ كالترابط الأسري، والاهتمام بنا، وتعليمنا أمور الدين والتي تُحقِّق الراحة والفوز بمرضاة الله عز وجل.

صديقتي استقبلَت عامها الدراسي الأول بفقْد والدَيها بسبب حادث سير، وهي تعيش الآن في كنف جدَّيها وبجوار أعمامها، فأدهشتني الجدة التي كانت تعمل مدرسة لكنَّها تفرَّغت لحفيدتها، وهي حافظة للقرآن وتساعد حفيدتها في الحفظ، بينما جدتي لا نراها إلا مُنشغلة بالزيارات.

وأدهشني الجد، كم هو حريص على معرفة ما ينقص المنزل قبل ذهابه للصلاة ليُحضره معه أثناء عودته، بينما أنت يا والدي لا تُصلي أبدًا، وربما لا تعرف اتجاه القِبلة، ولم أسمعك يومًا تسألنا عما نريد أو ما الذي ينقص البيت؛ فقد أوكلت هذه المهمَّة للخادمة أنت ووالدتي.

إنَّ صديقتي كانت دائمة الحديث عن أقاربها، فأدهشني ترابطهم وحرصهم على رعاية والدَيهم - الجدين - وقد رأيته بأمِّ عيني، وهذا غير موجود في أسرتي، فلا يزور أعمامي وعماتي جدتي إلا قليلاً.

الأكثر دهشة بأنَّ أهل بيت صديقتي يستعدون لصلاة الفجر ولقيام الليل بعد صلاة العشاء، فينامون مبكرًا، في الوقت الذي تبدأ فيه أنت ووالدتي بالاستعداد للزيارات والسهرات، كما أنكما مشغولان عنا بالنهار.

هل عرفتَ الآن ما الذي أدهشني؟!
إنَّ بيتهم الصغير كالجنَّة؛ فهو محاط بالأشجار المثمرة التي تبهج الناظرين، والأحواض المزروعة بالنعناع والميرمية ذات الرائحة العطرة التي تُريح النفوس.

كم شعرت بالراحة أثناء الجلوس في غرفة زميلتي بسبب بساطة أثاث غرفتها وحسن ترتيبه، إنها تتلألأ بالنور والضياء مع أنها تخلو من الزوايا الديكورية والإنارات الجانبية.

كم تمنَّيت أن أكون تلك اليتيمة!

 

مواضيع مماثلة

أعلى