ثوب الامبراطور قصة قصيرة من التراث العالمي

قيثارة

كاتب جيد جدا
أعاد صياغتها وتصرف بنهايتها شيخ العرب متعب الهذال

يحكى أن إمبراطوراً كان يعشق الثياب الجديدة إلى حد الهوس، حتى أنه كان يقوم بتبديل ملابسه مرات عديدة في اليوم الواحد أو في المناسبة الواحدة.

وذاع صيت هذا الإمبراطور وولعه بالثياب الجديدة في بلاده والبلاد المجاورة. وفي يوم من الأيام جاء رجلان للإمبراطور وقدما نفسيهما على أنهما خياطين ماهرين يجيدان حياكة الثياب الفاخرة، والتي لا مثيل لها. واقترحا على الإمبراطور حياكة ثوب ذي مزية عجيبة وهي أن هذا الثوب لا يستطيع أن يراه إلا الأذكياء. أما الحمقى والبلهاء فلن يستطيعوا رؤية هذا الثوب العجيب.

سُرّ الإمبراطور سروراً شديدًا عند سماعه لذلك، وطلب من الحياكين البدء بحياكة الثوب العجيب. وطلب من كبير مستشاريه تزويد الحائكين بكل ما يحتاجانه في حياكة الثوب العجيب. وبعد أيام وبعد أن جهز الحائكان معداتهما باشرا العمل وتظاهرا بأنهما يقومان بنسج الثوب ويحركان نول الحياكة ليسمع أهل القصر صوته القوي.

وبعد أيام طلب الإمبراطور من كبير مستشاريه أن يذهب لغرفة الحياكة لمعاينة الثوب والاطمئنان لسير العمل. عندما وصل كبير المستشارين لغرفة الحياكة، رأى الحائكين منهمكين يعملان بنشاط، لكنه لم يرَ الثوب. فاصيب بالصدمة، ولكنه تحامل على نفسه، وتظاهر بأنه يرى الثوب حتى لا يبدو أحمقًا بنظر الحائكين وبنظر الإمبراطور؛ فيخسر مكانته ومكاسبه. عاد كبير المستشارين إلى الإمبراطور، وأمضى وقتاً غير يسير وهو يصف للملك جمال القماش وروعة زخارفه ونعومة ملمسه.

وسرعان ما انتشر خبر الثوب العجيب في المملكة بين الخاصة والعامة، وأصبح كل شخص يمني نفسه أن يمتحن ذكائه بالنظر إلى الثوب العجيب.

وبعد أيام أرسل الإمبراطور رئيس الحرس ليستعلم عن الثوب الجديد، فحدث معه ما حدث مع كبير المستشارين من قبله، وهرول إلى الإمبراطور مؤلفاً القصائد المتغنية بجمال القماش وروعته.

وبعد أسابيع أعلن الحائكان انتهائهما من حياكة القماش العجيب وتجهيزه، وباشرا بخياطة ثوب الإمبراطور العجيب. ويعدها دعا المحتالان الإمبراطور لقياس الثوب الذي طال انتظاره. فرح الإمبراطور كثيرًا وأسرع لرؤية ثوبه الجديد وتجربته، لكنه عندما وصل إلى غرفة الحياكة فوجئ بعدم رؤيته له، ومع ذلك تحامل على نفسه وتظاهر كما فعل سلفيه بإعجابه الشديد بالثوب كما فعل من قبله كبير المستشارين ورئيس الحرس.

أخذ المحتالان يُلبسان الإمبراطور الثوب المزعوم، وهو لا يتوقف عن إظهار إعجابه الشديد بجماله وروعته، وأخبرهما بأنه سيقيم موكبًا في العاصمة، يرتدي فيه ثوبه الجديد حتى يكون بمقدور كل سكان البلاد من رؤية التحفة الفنية المتمثلة بالثوب العجيب.

وفي اليوم الموعود، خرج الإمبراطور في موكبه عاريًا يحسَب أنه يرتدي ثوبه العجيب، واضعًا التاج على رأسه ومتزينا بالحلي، متبخترًا في مشيته، والناس يهللون ويهتفون له بحماس شديد، وبدؤوا يظهرون انبهارهم الكاذب بالثوب الذي لا يراه إلا الأذكياء، فتارة يصفوه بالجمال وتارة بدقة التصميم، فازداد الإمبراطور فرحًا وبهجة.

شكر الإمبراطور الخياطين وأغدق عليهما العطاء وبعد أيام غادر الخياطان البلاد بعد أن حصلا على أجرٍ كبيرٍ من الذهب.

لم يكن الإمبراطور مرتاحاً لارتداء الثوب، فقد كان يعلم في قرارة نفسه أن لا وجود للثوب، ولكنه لم يكن قادرا على التصريح بذلك، والمخاطرة بأن يقال عنه أحمق أبله. وحتى يتخلص الإمبراطور من الحرج الذي كان يشعر به عند ارتداء "الثوب" قرر أن يجعل من "الثوب العظيم" راية عظيمة للبلاد ترفع كل صباح على أعلى سارية في البلاد، ويتم تنزيلها عند غروب كل شمس. وأعلن أن القماش العجيب لا يبلى ولا يؤثر فيه الزمن والمتغيرات.

مرت الأيام، ومرت الشهور، ومرت السنون، وكذلك القرون، ولا زال الحرس حتى يومنا هذا يصطفون بتوقير واحترام عند كل صباح وكل مساء وهم يؤدون التحية "للراية العظيمة" التي لا يراها إلا "الأذكياء" والمصنوعة من القماش العجيب الذي لا تبصره إلا عيون "الحكماء".



18034264_1391062747625490_2612407068870803285_n.jpg

 

مواضيع مماثلة

أعلى