LiOn AnAs
كاتب جديد
الحب الذي ضاع
بقلم: د. عبد القادر إبراهيم حمادhttp://www.amin.org/look/amin/artic...ion=7&NrArticle=44682&NrIssue=1&NrSection=2#b
ما بال الحب ضاع من حياتنا التي تحولت إلى خشبة مسرح كبير، يؤدي كل منا الدور الذي يرتئيه مناسباً بعيداً عن الأحاسيس الصادقة والعواطف الجياشة.
هل تحولت حياتنا إلى مجرد علاقات عابرة وترف ماجن يغتصب أحلامنا، وينتهك حرمات بيوتنا شئنا أم أبينا.
هل تحولت المرأة في عصر الفضائيات المصطنعة إلى دمية للهو أو مجرد حلم جميل يفتننا بجماله، ويأخذنا بمفاتنه التي باتت تعرض على شاشات العرض الرخيص في الزمن الأمريكي الرديء.
ما هذا الذي يحدث داخل بيوتنا، وفي غرف نومنا، وأمام أطفالنا تحت عنوان الفن والثقافة والمساواة... حتى تحول الحب إلى مجرد تسلية عابثة لمجموعة من السوقة والمارقين ممن بهرتهم ثقافة العالم الذي لا يجد غضاضة من أن يكون الاحتلال الإسرائيلي جزءاً من عالمنا العربي أو الشرق الأوسط الجديد بعد أن أصبحت الأسماء لا قيمة لها.
استمعت قبل أيام قليلة إلى أحد قدامى الموسيقيين الذي خذله ما يشاهده على الشاشة الصغيرة من فن هابط وابتذال وإسفاف لا معنى له إلا الانحطاط بقيم المشاهد وفكره وثقافته تحت عنوان" الأغنية الشبابية" أو "السريعة" حيث قال: "إن التلفزيون المصري رفض لسنوات طويلة السماح بتقديم المغني المصري الشعبي أحمد عدوية بسبب حركات يديه التي اشتهر بها، والتي رأى القائمون على التلفزيون في حينه أنها تمس الذوق العام للمشاهد العربي".
إذا كان أحمد عدوية يمنع لمجرد حركات يقوم بها بيديه، فماذا نقول عن طوفان العري والابتذال والإسفاف الذي بات يعرض على معظم الفضائيات العربية، إن لم تكن جميعها دون حسيب أو رقيب، والتي حولت الحب إلى مجرد علاقة مجردة بين اثنين تحركهما الرغبة الشهوانية الجامحة.
هل تحول الحب في زمن الفضائيات والأغنيات الماجنة إلى مجرد عروض حية لفتيات في مقتبل العمر، أو رقص مبتذل يختلط فيه الحابل بالنابل، بحجة التطور الذي طرأ على الأغنية العربية، وقبل ذلك الشعر العربي، فأصبح الكثير منه مجرد طلاسم وكلام "رص".
ما هو السبب في ذلك؟ هل هو طغيان المادة؟ أم الابتعاد عن القيم والمثل الدينية التي أصبحت مجرد شعائر لا علاقة لها لدى الكثيرين ممن يؤدونها بتعاليم الدين والواقع المحيط بهم، أم أن فرويد هو السبب، فهو الذي قال: "أن الحب مات في القرن التاسع عشر".
لقد تحولت في عصر الفضائيات الكتب التي كنا نقرأها عن الحب العذري ودواوين الشعر العاطفي، والأفلام الرومانسية إلى مجرد خيالات قديمة أكل عليها الدهر وشرب، فالحب أصبح شيئاً تراثياً لا وجود له إلا في كتب التاريخ والروايات القديمة بعد أن تحول إلى متعة حسية عابرة، وعلاقة سطحية بين فتاة وشاب. أليس هذا ما تزرعه فينا أغاني وفنون هذا الزمن الرديء.
في سنوات خلت، لم يكن للحب سوى معنى واحد، فقد كان يعني الكلمة ذاتها، يعني الحب ولا شئ آخر. ولكن هذا الحب الطيب الذي تغنى به الشعراء لفظ أنفاسه أخيراً بين الدراسات الجنسية التي قام بها فرويد وأتباعه حتى اليوم، حتى تحول هذا الحب من عنصر بسيط نقي إلى عقد نفسية، وتعبير عن الكبت النفسي، ورغبة مريضة تظهر في الأغاني الهابطة والرقصات الخليعة التي تقتحم علينا حياتنا.
لقد أضحى جمال المرأة مهدوراً بين أغاني الفيديو كليب أو الأغاني الشبابية وغيرها، والأفلام المبتذلة والدعاية الرخيصة، فأصبح مشاعاً بأبخس الأثمان بعد أن كان عزيزاً صعب المنال،ذلك أن جمال المرأة يتطلب قدراً معيناً من الوعي الداخلي. والمرأة التي تتمتع بذلك تمتلك ميزة الموازنة، وكل شئ بها يشع حول هذا الاتزان الذي يوفر للمرأة وللرجل الحب الحقيقي الذي يتطلعان إليه بعيداً عن الإسفاف والابتذال.
لا أدري كم عدد القنوات الفضائية المتاحة للناطقين بالضاد من أبناء جلدتنا، ولا كم عدد المطربين والمؤدين والمرتزقة والدخلاء على الفن والطرب والغناء، لكنهم أصبحوا مثل الجراد ليس له أول من آخر أو بداية من نهاية، فأتوا على ما تبقى من أخضر أو يابس في حياتنا التي أضحت عبئاً ثقيلاً علينا لكثرة ما ينوء بها من أوجاع وهموم.
تحولت المرأة بإرادتها واختيارها أو ضلل بها إلى عارضة أزياء، وسلعة رخيصة تستهوي الكبير والصغير، وضاع الحب بين طيات الكتب القديمة وفي معلبات الأفلام القليلة الجيدة.
وحتى يكتمل المشهد أرسل لنا الغرب حاضنات وفقاسات لاحتضان وتفريخ أشباه المؤدين والفنانين والشعراء والسياسيين وغيرهم تحت باب دعم الثقافة والحرية والديمقراطية في العالم العربي الذي لم يشهد هبوطاً وإسفافا وانحداراً في تاريخه القديم والحديث مثلما يشهده الآن.
لقد انهار جدار الاحترام والمثل والقيم في عالمنا، فتحول الإحساس الجميل إلى تخلف، والصدق إلى انطواء ورجعية، بينما اصطف النفاق والابتذال في المقدمة يشهد لهم بالبنان، فلم يتبق من عالما الحقيقي إلا خيالات مرسومة على جدار الزمن القديم.
لقد ضاع الحب الذي كان صمام الأمان للعلاقة الصحيحة الحميمة، وتحول من شعور بالإحساس بالجمال والراحة والأمن والسلام إلى رموز جنسية يصفق لها.
قرأت فيما قرأت أن الشاعر الانجليزي الكبير كنيسي عندا اقترب من الموت كتب يقول: "الشيء الوحيد الذي تأكدت منه في هذا العالم هو سمو العواطف وحقيقة الخيال... إن قلب المحب لا يدق عبثاً".