أرنـي الله ..

ورد المنى

ستار المنتدى
أحييكم بتحية الإسلام الطيبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتـاب أرنـي الله للكـاتب المسـرحي المخـضرم أبـو المسـرح العــربيّ توفـيق الحكـيم رحمــه الله .. بـه العـديد من القـصص الفلـسفية عـن
المـوت وأشيـاء أخـرى عـديدة سـاعدتـني (شخصـيّاً) كثـيراً في حيـاتي اليـوميّـه .. انـصحكم جمـيعاً
باقتنـاء نسـخة من الكتـاب - الكتـاب من اصـدار دار الشّـروق - .. عمــوماً الـيكم قصـة أعجـبـتني كثـيراً
في الكتـاب وارتأيت نقـلها اليـكم عسـى ان تفـيدكم بشـي .. وقـد اضـع بعـض القـصص الأخرى
من التـي موجـودة بالكتـاب ان سنحتـ لـي الفـرصة

____________________________

أرني الله

كان في سالف العصر والأوان رجل طيب السريرة صافي الضمير ، رزقه الله طفلاً ذكي الفؤاد ذلق اللسان .. فكان أمتع لحظاته ساعة يجلس إلى طفله يتحادثان كأنهما صديقان .. فيلحظ كأن فارق السن وفاصل الزمن يرتفع من بينهما كستارة وهمية من حرير فإذا هما متفقان متفاهمان ، لهما عين العلم وعين الجهل بحقائق الوجود وجواهر الأشياء ..

نظر الرجل يوماً إلى طفله وقال :
- شكراً لله ! .. أنت لي نعمة من الله ! ..
فقال الطفل :
- إنك يا أبتِ تتحدث كثيراً عن الله .. أرني الله ! ..
- ماذا تقول يا بني ؟!
لفظها الرجل فاغر الفم ، ذاهل الفكر ، فهذا طلب من الطفل غريب لا يدري بمَ يجيب عنه .. وأطرق ملياً .. ثم التفت إلى ابنه مردداً كالمخاطب نفسه :
- تريد أن أريَكَ الله ؟
- نعم .. أرني الله !..
- كيف أُريكَ ما لم أرَهُ أنا بنفسي ؟!..
- ولماذا يا أَبَتِ لم تَرَهُ ؟!
- لأني لم أفكر في ذلك قبل الآن ..


- وإذا طلبتُ إليكَ أن تذهب لتراه .. ثم تريني إياه ؟ ..
- سأفعل يا بني .. سأفعل ..
ونهض الرجل .. ومضى لوقته وجعل يطوف بالمدينة يسأل الناس عن بغيته ، فسخروا منه ، فهم مشغولون عن الله ومشاهدته بأعمالهم الدنيوية .. فذهب إلى رجال الدين فحاوروه وجادلوه بنصوص محفوظة ، وصيغ موضوعة .. فلم يخرج منهم بطائل .. فتركهم يائساً .. ومشى في الطرقات مغموماً يسائل نفسه : أيعود إلى طفله كما تركه خاوي اليد مما طلب ؟ .. وأخيراً عثر بشيخ قال له :
- اذهب إلى طرف المدينة تجد ناسكاً هرماً لا يسأل الله شيئاً إلا استجاب له .. فربما تجد عنده بغيتك ! ..
فذهب الرجل تواً إلى ذلك الناسك وقال له :
- جئتك في أمرٍ أرجو أن لا تردني عنه خائباً ...
فرفع إليه الناسك رأسه يصوتٍ عميق لطيف :
- اعرض حاجتك !..
- أريد أيها الناسك أن تريني الله !..
فأطرق الناسك وأمسك لحيته البيضاء بيده وقال :
- أتعرف معنى ما تقول ؟ ..
- نعم .. أريد أن تريني الله ! ..
فقال الناسك بصوته العميق اللطيف :
- أيها الرجل !.. إن الله لا يُرى بأدواتنا البصرية.. ولا يُدرك بحواسنا الجسدية .. وهل تسبر البحر بالأصبع التي تسبر عمق الكأس ؟!..
- وكيف أراه إذن ؟ ..
- إذا تكشَّف هو لروحك ..
- ومتى يتكشَّف لروحي ؟..
- إذا ظفرت بمحبته ..
فسجد الرجل وعفَّر التراب جبهته وأخذ يد الناسك وتوسل إليه قائلاً :
- أيها الناسك الصالح .. سلِ الله أن يرزقني شيئاً من محبته ..
فجذب الناسك يده برفق وقال :
- تواضع أيها الرجل واطلب قليل القليل ..
- فلأطلب إذن مقدار درهمٍ من محبته ..
- يا للطمع !.. هذا كثير .. كثير ..
- ربع درهم ٍ إذن ؟
- تواضع .. تواضع ,,
- مثقال ذرة ٍ من محبته فقط ..
- إنكَ لا تطيق مثقال ذرة ٍ منها ..
- نصف ذرة ٍ إذن ؟
- ربما ...
ورفع الناسك رأسه إلى السماء وقال :
- يا رب .. ارزقه نصف ذرة من محبتك !...

وقام الرجل وانصرف .. ومرَّت الأيام ، وإذا أسرة الرجل وطفله وأصحابه يأتون إلى الناسك ويفضون إليه بأن الرجل لم يعد إلى منزله وأهله منذ تركه ، وأنه اختفى ولا يدري أحد مكانه .. فنهض معهم الناسك قلقاً ، ولبثوا يبحثون عنه زمناً إلى أن صادفوا جماعة من الرعاة قالوا لهم : إن الرجل قد جُنَّ وذهب إلى الجبال ودلُّوهم على مكانه .. فمضوا إليه فوجدوه قائما ً على صخرة ٍ .. شاخصا ً ببصره إلى السماء ، فسلَّموا عليه ، فلم يرد السلام .. فتقدم الناسك إليه قائلا ً :
- انتبه إليَّ ... أنا الناسك .. فلم يتحرك الرجل ، فتقدم إليه طفله جزعا ً ، وقال بصوته الصغير الحنون :
- يا أبَتِ ... ألا تعرفني ؟ ! ..
فلم يُبدِ الرجل حراكا ً ... وصاحت أسرته وذووه من حوله محاولين إيقاظه ، ولكن الناسك هزَّ رأسه قانطا ً وقال لهم :
- لا جدوى ! ... كيف يسمع كلام الآدميين من كان في قلبه مقدار نصف ذرة ٍ من محبة الله ؟ ! .. والله لو قطَّعتموه بالمنشار الآن لما علم بذلك ! ...
وأخذ الطفل يصيح ويقول :
- الذنب ذنبي .. أنا الذي سألته أن يرى الله ! ..
فالتفت إليه الناسك وقال وكأنه يخاطب نفسه :
- أرأيتم ؟ .. إن نصف ذرة ٍ من نور الله تكفي لتحطيم تركيبنا الآدمي وإتلاف جهازنا العقلي !..


مـن كتـاب أرنـي الله (قصص فلسـفيّة) .. لتـوفيق الحكـيم


دمتــمـ بـود :eh_s(17):
 

رحيق الزهور

الإدارة
رد: أرنـي الله ..

w6w20050419152250d4d6f757.gif
 

عبد القيوم

كاتب جديد
الف شكـــر لك




على الطرح الرائع

اثابك الله الاجروالثواب

وجزيت خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
 

مواضيع مماثلة

أعلى