العافية لا يَعْدِلُها شيء ...............

دمعة فرح

كاتب جيد


العافية لا يَعْدِلُها شيء

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

عضو مركز الدعوة والارشاد بالرياض




منذ فترة ليست بالقصيرة والخواطر تتواردني أن أكتب حول قول من لا ينطق

عن الهوى صلى الله عليه وسلم : سلوا الله العافية .

وقوله عليه الصلاة والسلام : أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية .

رواه البخاري ومسلم .

بل عـدّ النبي عليه الصلاة والسلام العافية أفضل ما أُعطِيَ العبد ، فقال : سلوا الله العافية فإنه

لم يعط عبد شيئا أفضل من العافية . رواه الإمام أحمد وغيره .

وكُنت أقف حيناً مُتأمِّلاً ، وأحياناً مُعتبِراً ، وحينا ثالثاً مُتسائلاً :

لماذا العافية وحدها ؟

وأين تكون العافية ؟

العافية .. عافية في الجسد .. وعافية في الولد .. وعافية في المال .. وفوق ذلك كلّه : العافية في الدِّين .

عافية الجسد .. وأنت تمشي على الأرض ولك وئيد ! وصوت شديد !

بَـزَقَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في كَـفِّـه فوضع عليها إصبعه ، ثم قال : قال الله : ابن آدم أنّى

تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ،

فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ ، حتى إذا بلغت التراقي قلتَ : أتصدق ! وأنّى أوَان الصَّدَقـة . رواه الإمام أحمد .

عافية الجسد .. وأنت تنظر للبعيد

عافية الجسد .. وأنت تسمع للهمس

عافية الجسد .. وأنت تنام ملء عينيك

عافية الجسد .. وأنت تقوم وتقعد

عافية الجسد .. وأنت تتنفّس

عافية الجسد .. وأنت تنطق وتتكلّم وتُعبِّر عما تُريد

هنا .. تذكّرت موقفين :

أما الأول : فهو لشيخ كفيف .. دُعِي إلى تخريج حَفَظة لكتاب الله .. فألقى كلمته ، ثم قال كلِمة ..

قال : ما تمنّيت أني أُبصِر إلا مرتين :

مرّة حينما سمعت قول الله تبارك وتعالى : ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) لنظُر إليها نَظَر اعتبار ..

وهذه مرّة ثانية لأرى هؤلاء الحَفَظَة ..

يقول مُحدِّثي وقد حضر المشهد : لقد أبكى الجميع ..

هل تأملت هذا المشهد لرجل أعمى يتمنّى نعمة البصر لينظر فيها في موقفين فقط ؟




وأما الموقف الثاني : فهو لشاب أصمّ أبكم .. خَرَج يوماً مع بعض أصحابه ، وكان منهم من يُتقِن لُغة

الإشارة فيُترجم له ..

وفي الطريق مرُّوا بمجموعة من الشباب اجتمعوا على لهو وغناء وطرب .. وقف الشباب بِصُحبة

الأصمّ .. ترجَّلُوا من سيارتهم .. استأذنوا ثم جَلَسوا ..

تكلّموا .. تحدّثوا .. ذكّروا .. وعَظُوا .. انتهى الكلام .. همُّوا بالانصراف .. أشار إليهم الأصمّ

أن انتظروا قليلاً ..

أشار إلى صاحبه المترجم أن يُترجم ..

تحدّث الأصمّ بلغة الإشارة .. ثم تَرجَم صاحبه ..

قال لهم : أتمنّى أن لي لساناً ينطق .. لأذْكُر الله به ..

لقد وَقَعتْ كلماته على قلوب الجالسين ..

وأثّرت فيهم حتى لامَسَتْ شِغاف قلوبهم ..

رغم أنه لم يتكلّم ..

ومع أنه لم ينطق ..

إلا أن كلماته كان لها وقعها على نفوس الحاضرين .



أما عافية الولد .. ففي صلاح قلبِه وقالبه

وفي استقامته وهدايته ..

وفي أن تُمتّع به ..

حتى إذا شبّ وترعرع تمنّيت أن تَدْفَع عنه بالراحتين وباليَدِ ..

كما قال أبو الحسن التهامي في ابنه :

لو كنتَ تُمنَع خـاض دونك فتية = مِنّـا بحار عوامل وشِفَارِ

فَدَحَوا فُويق الأرض أرضاً من دَم = ثم انثنوا فَبَنَوا سَمَاء غُبارِ

فإذا نَـزَل القضاء ضاق الفضاء ..

وأما العافية في المال ففي بركته .. وفي نمائه .. وفي أن يكون مصدره حلالاً ، ومصرفه حلالاً ..

وأن يُحفَظ من كل آفـة ..




وأما العافية التي هي فوق كل عافية .. فعافية الدِّين ..

العافية في الإيمان .

العافية في الثبات على دين الله عزّ وجلّ .

العافية في اليقين .

العافية في السلامة من الوسواس .

العافية في القلب من كل شُبهة وشهوة ، فيكون كالمرآة الصقيلة لا يضرّها ما مرّ على ظاهرها .

العافية في العلم والخشية .

لذا كان يُقال : من عُوفِي فليحمد الله .

تواردت هذه المعاني في خاطري حينما دَخَلت قسم الإسعاف والطوارئ بأحد المستشفيات

فهذا يئنّ .. وذاك يصرخ من شِدّة الألـم

وثالث في غيبوبة

ورابع قد شُجّ وجهه

وخامس ينـزف جُرحـه

فعلمت عِلم يقين .. أن العافية والسلامة لا يَعدِلهما شيء ..

وفي الأثر : إذا مرض العبد ثم عُوفي فلم يزدد خيرا ، قالت الملائكة عليهم السلام :

هذا الذي داويناه فلم ينفعه الدواء !

فاللهم لك الحمد على العافية ..

ولك الحمد على كل نعمة أنعمتَ بها علينا في قديم أو حديث ، أو خاصة أو عامة ، أو سرٍّ أو علانية ..

اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرِّضـا ..

لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن

، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ..

لك الحمد على العافية .. ونسألك العافية في الدنيا والآخرة

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه حين يمسي وحين يصبح :

اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي

ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ومن يميني

وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي . رواه الإمام أحمد وابو داود وابن ماجه .

اللهم ارحم ضعفنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا واخواننا واخواتنا وجميع المسلمين الاحياء منهم والميتين

واغفر اللهم تقصيرنا واسرافنا في امرنا واختم بالصالحات اعمالنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد



حدثني أحد الفضلاء أنه مر بغرفة في المستشفى فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته .

ويئن أنينا يقطع القلب

قال صاحبي : فدخلت عليه فإذا هو جسده مشلول كله وهو يحاول الالتفاف فلا يستطيع

فسألت الممرض عن سبب صياحه

.. فقال : هذا مصاب بشلل تام وتلف في الأمعاء وبعد كل وجبة غداء أو عشاء يصيبه عسر هضم

فقلت له : لا تطعموه طعاما ثقيلا .. جنبوه أكل اللحم والرز

فقال الممرض : أتدري ماذا نطعمه .. والله لا ندخل إلى بطنه إلا الحليب من خلال الأنابيب الموصلة

بأنفه وكل هذه الآلام ليهضم هذا الحليب



وحدثني آخر أنه مر بغرفة مريض مشلول أيضا لا يتحرك منه شيئا أبدا قال :

فإذا المريض يصيح بالمارين

فدخلت عليه فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح وهذا المريض منذ ساعات

كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما فإذا فرغ منهما أعادهما لأنه لا يستطيع

أن يتحرك ليقلب الصفحة ولم يجد أحدا يساعده فلما

وقفت أمامه قال لي : لو سمحت .. أقلب الصفحة... فقلبتها فتهلل وجهه .. ثم وجه نظره إلى المصحف

وأخذ يقرأ فانفجرت باكيا بين يديه متعجبا من حرصه وغفلتنا



وحدثني ثالث أنه دخل على رجل مقعد مشلول تماما في أحدى المستشفيات لا يتحرك إلا رأسه ...

فلما رأى حاله رأف به وقال :ماذا تتمنى ... ظن أن أمنيته الكبرى أن يشفى ويقوم ويقعد ويذهب ويجيء

فقال المريض .. أنا عمري قرابة الأربعين وعندي خمسة أولاد وعلى هذا السرير منذ سبع سنين

والله لا أتمنى أن أمشي .. ولا أن أرى أولادي .. ولا أعيش مثل الناس قال : عجبا .. إذن ماذا تتمنى ؟؟

فقال : أتمنى أني أستطيع أن ألصق هذه الجبهة على الأرض .وأسجد كما يسجد الناس



وأخبرني أحد الأطباء أنه دخل في غرفة الإنعاش على مريض .. فإذا شيخ كبير على سرير أبيض

وجهه يتلألأ نورا .. قال صاحبي : أخذت أقلب ملفه فإذا هو قد أجريت له عملية في القلب أصابه نزيف

خلالها .. مما أدى إلى توقف الدم عن بعض مناطق الدماغ .. فأصيب بغيبوبة تامة وإذا الأجهزة موصلة

به ..وقد وضع على فمه جهاز للتنفس الصناعي يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقة

كان بجانبه أحد أولاده ..

سألته عنه فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين أخذت أنظر أليه ... حركت يده ..

حركت عينيه ..كلمته ..لا يدري عن شئ أبدا .. كانت حالته خطيرة اقترب ولده من أذنه

وصار يكلمه .. وهو لا يعقل شيئا فبدأ

الولد يقول .. يا أبي... أمي بخير .. وأخواني بخير .. وخالي رجع من السفر .. واستمر الولد يتكلم ..

والأمر على ما هو عليه ... الشيخ لا يتحرك .. والجهاز يدفع تسعة أنفاس في الدقيقة

وفجأة قال الولد ....

والمسجد مشتاق إليك .. ولا أحد يؤذن فيه إلا فلان ويخطئ في الأذان ومكانك في المسجد فارغ .

.فلما ذكرالمسجد والأذان .. اضطرب صدر الشيخ .. وبدأ يتنفس فنظرت الجهاز فإذا هو يشير إلى ثمانية

عشر نفسا في الدقيقة والولد لا يدري ثم قال الولد : وابن عمي تزوج .. وأخي تخرج .

فهدأ الشيخ مرة أخرى وعادت الأنفاس

تسعة يدفعها الجهاز الآلي .. فلما رأيت ذلك أقبلت إليه حتى وقفت عند رأسه حركت يده عينيه ..

هززته ... لاشيء كل شيء ساكن لا يتجاوب معي أبدا .. تعجبت قربت فمي من أذنه ثم قلت :

الله أكبر.... حي على الصلاة ..حي على الفلاح وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس ..

فإذا به يشير إلى ثمان عشرة نفس في الدقيقة

فلله دُرّهم من مرضى بل والله نحن المرضى .. رجال قلبهم معلق بالمساجد .

نعم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون

يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار* ليجزيهم الله أحسن ماعملوا ويزيدهم من فضله

والله يرزق من يشاء بغير حساب ..



فأنت يا سليما من المرض والأسقام . يا معافى من الأدواء والأورام...

يامن تتقلب في النعم ... ولا تخشى النقم ....


ماذا فعل الله بك فقابلته بالعصيان !! بأي شيء آذاك ؟!


أليست نعمه عليك تترى .. وأفضاله عليك لا تحصى ؟


أما تخاف أن توقف بين يدي الله غدا!!


فيقول لك: عبدي ألم أصح لك بدنك ... وأوسع عليك في رزقك


وأسلم لك سمعك وبصرك ؟


فتقول بلى .. فيسألك الجبار : فلم عصيتني بنعمي؟


وتعرضت لغضبي ونقمي ؟!!


فعندها تنشر في الملأ عيوبك .. وتعرض عليك ذنوبك


فتباًّ للذنوب .. ما أشد شؤمها .. وأعظم خطرها


وهل أخرج أبانا من الجنة إلا ذنب من الذنوب

وهل أغرق قوم نوح إلا الذنوب وهل أهلك عادا وثمود إلا الذنوب !!

وهل قلب على لوط ديارهم .. وعجل لقوم شعيب عذابهم وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل ..

وأنزل بفرعون العذاب الوبيل إلا المعاصي والذنوب ؟.

المصدر / كتاب في بطن الحوت / د. محمد العريفي


ونحن نتقلب بنعم الله معافين في أجسامنا وأموالا ومع ذلك نعصيه ونتألم

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً



:eh_s(17):دمعة فرح:eh_s(17):




 
المواضيع المتشابهة

الاســمر

كاتب جديد
رد: العافية لا يَعْدِلُها شيء ...............

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً

الحمد لله على كل شئ

الله ينورنا بنور الايمان


يسلم هل الانامل ويعطيكي ألف عافية
 

عبد القيوم

كاتب جديد
طرح رائع

جزاك الله عنا كل خير

وأثابك حسن الدارين
ومتعك برؤية وجهه الكريم
شكرا جميلا لقلبك
ورضا ورضوان من الله تعالى
 
أعلى