شرح الاستعارة المكنية

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
1605513615911.png

* الاستعارة المكنية *

تعريفالاستعارة المكنية
هي بأن تذكر المشبه وتريد به المشبه به ، دالاً على ذلك بنصب قرينة تنصبها وهي أن تنسب إليه وتضيف شيئاً من لوازم المشبه به المساوية ؛ مثل أن تشبه المنية بالسبع ثم تفردها بالذكر مضيفاً إليها ، علي سبيل الاستعارة التخييلية ، من لوازم المشبه به ما لا يكون إلا له ، ليكون قرينة دالة علي المراد ، فتقول : مخالب المنية نشبت بفلان طاوياً لذكر المشبه به ، وهو قولك : الشبيهة بالسبع "

يفهم من تعريف الاستعارة عدة أمور : منها : أن المشبه (المنية) غير مستخدم في معناه الحقيقي ، لأن المقصود به - كما يرى - المشبه به (السبع) بدليل نسبة شيء من لوازم المشبه به إليه . ويعلل في موضع آخر صحة دلالة المشبه علي المشبه به وحمله لمعناه " أنا نفعل - ههنا - باسم المشبه ما نفعل في الاستعارة بالتصريح بمسمى المشبه ، كما أن ندعي هناك الشجاع مسمى للفظ الأسد ، بارتكاب تأويل على ما سبق ، حتى يتهيأ التقصي عن التناقض في الجمع بين ادعاء الأسدية ، وبين نصب القرينة المانعة عن إرادة الهيكل المخصوص ، ندعي ههنا اسم المنية اسماً للسبع ، مرادفاً له بارتكاب تأويل " . ولكن على الرغم من أن هذا القول يبدو منطقياً ، فإن التعامل مع السياق الدلالي للجملة يبين أن المشبه استخدم في معناه الحقيقي (الموت) لا المجازي ، وبه يتم الانسجام الدلالي بين مفردات الصياغة .

وأمر آخر يتبدى في أن القرينة في الجملة هي (مخالب) ، والمعروف أن القرينة دائما تستخدم في معناها الحقيقي ، لتحدد المعنى المراد من اللفظ المستعار ، غير أننا لو فعلنا ذلك لحدث تعارض دلالي بينها وبين باقي مكونات الجملة ، إذ إن الحديث يدور حول صورة متخيلة للمنية ، وليس عن مخالب حقيقية لها . أي أننا لابد أن نؤولها ونستخدمها في غير معناها الحقيقي كي يستقيم المعنى .

ونخلص من ذلك إلى أن المشبه (المنية) استخدام في معناه الحقيقي ، ومن ثم لا يعد مجازاً ، وأيضا لا يعد استعارة ، والقرينة (مخالب) لابد أن ننتقل معها من معناها الحقيقي إلى معنى آخر كي يحدث الانسجام الدلالي الكلي في الجملة . وبذلك تكون هي موضع الاستعارة .
وبعبارة أخرى أننا إذا تعاملنا مع الصورة البلاغية في الجملة السابقة بشكل مختلف ، وجعلنا الاستعارة تقع فيما يسمى عند السكاكي بالقرينة ، وأن ما يسميه (المشبه) يصبح هو القرينة ، فإن المعنى يصبح منسجماً ، ونكون حينئذ أمام استعارة تصريحية تخييلية .
وإذا ماربطنا هذا القول بقول السكاكي " إن الاستعارة بالكناية لا تنفك عن الاستعارة التخييلية " ، والاستعارة التخييلية هي تصريحية ، فإن ذلك يعني أن أي صورة استعارية لا تخرج عن أن تكون تصريحية . وذلك إما بإجرائها في المشبه به إن ذكر وإما بإجرائها في قرينة المكنية ، ومن ثم نكون في غنى عن تقسيم الاستعارة إلى تصريحية ومكنية وتصبح جميعها تصريحية .

وفي الواقع أن أحد الباحثين ذكر عدة ملاحظات حول تعريف السكاكي للمكنية تعضد ما نذهب إليه ، وتنفي وقوع الاستعارة المكنية في الكلام ، ومن هذه الملاحظات : " إن الحكم بأن المنية مشبه يتنافى والحكم على الكلمة نفسها بأنها استعارة مكنية . إذ لو كانت هذه استعارة لوجب أن تشير إلى معنى غير المنية . وهذا غير معقول وغير مقبول . ومادمنا نؤكد ، أن المنية لا تشير إلى غير المنية ، وجب أن تكون هي القرينة ، فمعناها واحد ، لا يقبل ، ولا يستوجب تأويلاً .
ويمكن أن نعثر في كلمة (مخالب) على المفارقة نفسها ، فكيف يمكن أن تكون هذه الكلمة استعارة وقرينة في الآن نفسه . فالمعروف أن القرينة لا يمكن إلا أن تكون مجاورة للاستعارة مستقلة عنها داخل السلسلة الكلامية ، أو أن تكون عنصراً خارج النص ، أما أن تتعايشا داخل الكلمة نفسها فهذا منطقيا غير معقول .
أننا لا نحتاج ، في هذا المثال ، إلي التعسف بالقول : إننا أمام استعارتين : إننا أمام استعارة واحدة وهي التي تجرى في " مخالب " . ويصبح إجراء الصورة في قوله : " مخالب المنية نشبت بفلان " أنه شبه الصورة المتوهمة للمنية التي تولدت في مخلية المتكلم بعد أن رأى " اغتيالها النفوس ، وانتزاعها أرواحها بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار ، بصورة مخالب السبع ، ثم أفرد المشبه به بالذكر ، وأضافه إلى المنية " ليكون إضافتها إليها قرينة مانعة من إجرائها على ما يسبق إلى الفهم منها من تحقق مسمياتها" . وبذا تكون الاستعارة تصريحية تخييلية.

ومما لاشك فيه أن رأي كثير من البلاغيين في تعريف الاستعارة يدعم هذا القول ، حيث يرون أن الاستعارة لابد فيها من حذف المشبه ، وعليه لا تكون هناك استعارة مكنية . فعبد القاهر الجرجاني يعرف الاستعارة بقوله : " إن الاستعارة وإن كانت تعتمد التشبيه والتمثيل ، وكان التشبيه يقتضي شيئين : مشبهاً ومشبهاً به ، وكذلك التمثيل لأنه كما عرفت تشبيه ، إلا أنه عقلي ، فإن الاستعارة من شأنها أن تسقط ذكر المشبه من البين وتطرحه ، وتدعي له الاسم الموضوع للمشبه به ، كما مضى من قولك رأيت أسداً تريد رجلاً شجاعاً " أي أنها لا تجرى إلا في المشبه به، ومن ثم فهي تصريحية أبداً . لكنه فرّق بين نوعين من التصريحية هما : التحقيقية والتخييلية ، ومن الخطأ أن نظن أن عبد القاهر في تفريقه بينهما ، أنه كان يقصد بالتخيلية الاستعارة المكنية ، فهو يقول : " اعلم أن كل لفظة دخلتها الاستعارة المفيدة فإنها لا تخلو من أن تكون اسماً أو فعلاً ، فإذا كانت اسماً فإنه يقع مستعاراً علي قسمين : أحدهما أن تنقله عن مسماه الأصلي إلى شيء آخر ثابت معلوم فتجريه عليه ، وتجعله متناولاً له تناول الصفة مثلاً للموصوف ؛ وذلك قولك : رأيت أسداً ، وأنت تعني رجلاً شجاعاً ... والثاني : أن يؤخذ الاسم عن حقيقته ويوضع موضعاً لا يبين فيه [شيء يشار إليه ، فيقال هذا هو المراد بالاسم والذي استعير له وجعل خليفة] * . لاسمه الأصلي ونائباً منابه ومثاله قول لبيد :

وغداةَ ريحٍ قد كشفتُ وقرَّة إذ أصبحتْ بيدِ الشَّمال زمامُها
وذلك أنه جعل للشمال يداً ، ومعلوم أنه ليس هناك مشار إليه ، يمكن أن تجري اليد عليه كإجراء الأسد والسيف على الرجل في قولك : انبرى لي أسد يزأر ، وسللت سيفاً على العدو لايفل " . ويعلق د. محمد أبو موسي على تحليل عبد القاهر لهذه الصورة بقوله " وواضح من هذا النص أن عبد القاهر يرى في هذه الصياغات استعارة واحدة هي إثبات اليد للشمال، وأن هذا التشبيه الذي بين الشمال وذي اليد إنما هو شيء يسوغ للشاعر هذه الإضافة.. هذا التشبيه هو المناسبة التي يتكىء عليها خيال الشاعر، فيضيف الشيء إلى غير ما هو له، فهو ليس استعارة أخرى وإنما هو شيء داخل في هذه الاستعارة؛ لأنه مسوغها " .

وهل مرجع تفضيل الجرجاني للنمط الثاني على الأول إلا إلى مايحتاج إليه المرء من تخيل وتصور بعيدين في تحديد صفة المستعار له غير المذكور، لأنه ليس له مرجع حقيقي يمكن الاستناد إليه في تحديد ماهيته أو صورته. ومن ثم فهو أبعد تناولاً من الضرب الأول، ويتطلب حذقاً ومهارة أكبر في فهمه وتصوره .
ومن الجدير بالذكر أن هذا التقسيم هو متناوله السكاكين تحت إطار الاستعارة التصريحية بقسميها (التحقيقية والتخييلية) كما رأينا.
ويقرر ابن الأثير- أيضا - صراحة " أن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له ، الذي هو المنقول إليه ، ويلتقي بذكر المستعار الذي هو المنقول " .
كما أن العلوي عند تقسيمه للاستعارة لم يذكر المكنية ، وقسم الاستعارة إلى حقيقية وخيالية ، وهما يدخلان تحت إطار التصريحية ، ورأى أن الحقيقية " هي أن تذكر اللفظ المستعار مطلقاً ، كقولك : رأيت أسداً ، والضابط لها أن يكون المستعار له أمراً محققاً .. وأما الاستعارة الخيالية الوهمية فهي أن تستعير لفظاً دالاً على حقيقة خيالية تقدرها في الوهم ، ثم تردفها بذكر المستعار له ، إيضاحا لها وتعريفاً لحالها كما قال بعضهم :
وإذا المنيةُ أنشبت أظفارها ألفيتَ كل تميمةٍ لا تنفع " .

وكما هو واضح من تعريف العلوي للخيالية ، أن ذكر المستعار له (المنية) جاء قرينة وإيضاحا للمعنى المقصود في المشبه به ، وليس استعارة مكنية . ولا يتفق القزويني أيضاً مع السكاكي في رأيه حول الاستعارة المكنية ، ويرى " أن المراد بالمنية في البيت [ وإذا المنية ...] هو الموت لا الحيوان المفترس ، فهو مستعمل فيما هو موضوع له علي التحقيق ، وكذا كل ما هو نحوه ولاشيء من الاستعارات مستعملاً كذلك " . أي أن القزويني يرى أن المكنية ليست استعارة بالمعنى المفهوم ، وإنما هي تدخل في باب التشبيه ، إذ يقول : " قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى لفظ المشبه ويدل عليه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، من غير أن يكون هناك أمر ثابت حساً أو عقلاً أجري عليه اسم ذلك الأمر ، فيسمى التشبيه استعارة بالكناية " . وتسمية ذلك التشبيه المضمر بالاستعارة " تسمية مجردة خالية عن المناسبة لأن الاستعارة هي الكلمة المستعملة .. الخ والتشبيه المضمر ليس كذلك " .

ومن ناحية أخرى فإن موقف السكاكي من المكنية وإجرائها ، جعله يصطدم بموقف البلاغيين من التبعية ، إذ إنهم يجرون الاستعارة التبعية في قرينة الاستعارة بالكناية - عنده - والمستعار له يصبح قرينة الاستعارة . بينما يرى ـ السكاكي - أنه يمكن الاستغناء عن التبعية بإجراء الاستعارة المكنية ، ويكون ذلك "أقرب إلى الضبط " يقول : " لو أنهم جعلوا قسم الاستعارة التبعية قسم الاستعارة بالكناية ، بأن قلبوا فجعلوا قولهم نطقت الحال بكذا ، الحال التي ذكرها عندهم قرينة الاستعارة بالتصريح ، استعارة بالكناية عن المتكلم بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضي المقام ، وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة ... لكان أقرب إلى الضبط " . ولكننا نرى أنه كان من الأقرب إلى الضبط لو أن السكاكي جعل المكنية قسم الاستعارة التصريحية ، واعتبرها قسماً واحداً ، وأجرى الاستعارة التصريحية فيما يسميه - هو - قرينة المكنية ، طالما أنه يرى أن بالإمكان قلب المستعار إلى قرينة ، والقرينة إلى استعارة كما يتضح من قوله السابق ومن ثم نتخلص من هذا التعارض أو التشقيق للاستعارة. ولا أعرف ماذا يضير الصورة البلاغية ، عندما نكتفي بإجرائها على نحو ما تجرى الاستعارة التصريحية التخييلية لا المكنية . فالصورة بهذا الاعتبار لا تتغير قيمتها الفنية ، بل هي أدخل في مجال التصور والتخييل الذي يغني العمل الفني .
 

مواضيع مماثلة

أعلى