في السادس عشر من مارس/آذار وقبل أربعة أعوام سقطت "ريتشل كوري" ناشطة السلام الأمريكية أثناء محاولتها لصد جرافة إسرائيلية كانت تهم بهدم بيت فلسطيني في حي السلام بمدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة.
ريتشل والتي دهستها جرافة أمريكية الصنع تزن تسعة أطنان - والتي كانت في العشرينات من عمرها - جاءت إلى قطاع غزة، لتعلن تضامنها مع الفلسطينيين وتدعم حقهم في الحرية والحياة بسلام..
كانت الناشطة الأمريكية في رفقة سبعة ناشطين أمريكيين وأوربيين آخرين، بهدف منع أعمال التجريف والهدم التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في رفح، والذي ترك أكثر من 12000 فلسطيني دون مأوى منذ بداية الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000.
رحلت ريتشل !
الجرافة الإسرائيلية التي قتلت ريتشل، كانت متجهة لهدم بيت الدكتور "سمير نصر الله"، الذي لطالما استضاف ريتشل في بيته، يقول نصر الله: "استضفنا ريتشل في منزلنا كثيرا، وكنا نعتبرها من أفراد الأسرة، فقد كانت صديقة للأولاد حيث كانت تعلمهم الإنجليزية وهم بدورهم يعلمونها العربية، كذلك كانت تدخل مع زوجتي إلى المطبخ وتحاول أن تتعلم منها الطبخ العربي!".
ووصف نصر الله حادث موت ريتشل قائلا: "كنت عائدا من عملي لأجد ريتشل تقف أمام جرافة إسرائيلية وتحمل مكبرا للصوت تنادي به بالإنجليزية: "توقف .. هنا عائلة آمنة .. هنا أناس أبرياء .."، لكن الجرافة تجاهلت نداءاتها ودهستها"، صمت نصر الله هنيهة ثم أضاف متأثرًا: "وجدت نفسي أصرخ في حالة هستيرية، هرعت نحو ريتشل، لأجد الدماء تملأ وجهها فقالت لي بصوت ضعيف: "ظهري يؤلمني"، وسرعان ما حملناها إلى المستشفى .. لكنها كانت قد فارقت الحياة".
ليست أمريكية!
أما أنيس منصور، 21 سنة، فقد تعرف على ريتشل بطريق الصدفة، فقد كانت تستفسر عن أحد مناطق رفح وكان أنيس هو من دلها، ليجد أنيس نفسه معجبا بما تقوم به هي وزملائها الأجانب، يقول أنيس: "كانت ريتشل وغيرها من الأجانب يأتون في مجموعات صغيرة يتصدون للجرافات الإسرائيلية التي تحاول هدم البيوت، واذكر مرة هرعت ريتشل نحو أحد البيوت التي وصلتها الجرافات لهدمها .. لكنها وصلت متأخرة.. فجلست ريتشل تبكي لأنها لم تستطع حماية ذلك البيت!".
أنيس احتبس دموعه وقال: "كنت دوما مرافقا لريتشل، لكن يوم موتها كان اليوم الوحيد الذي لم أكن معها فيه، لقد كان يوما صعبا للغاية عليّ "، وأضاف متأثرًا: "لقد تركت ريتشل بلدها بكل الحرية والرفاهية التي كانت تعيشها، وجاءت إلى فلسطين لتدافع من أجل السلام .. ريتشل فلسطينية وليست أمريكية!".
خالدة في الذاكرة
عرفت ريتشل في رفح بحبها الكبير للأطفال، وكانت تحاول دوما أن تفعل شيئا من أجل أطفال فلسطين خاصة الذين يعيشون في المناطق الحدودية، لذا بعد وفاة ريتشل تم تأسيس مركز للثقافة والفنون يهتم بفئة الأطفال يحمل اسم "ريتشل كوري"..
فايز مطر، منسق عام المركز وصف ريتشل بأنها "مناضلة أممية"، قال لـ"عشرينات": "سمي المركز باسم ريتشل تخليدا لذكراها وعرفانا منا بجميلها، وهذا للمركز يحاول ببعض أنشطته من ألعاب تنشيطية وفن تشكيلي أن يخلق متنفسا لأطفال رفح الذين يعانون في ظل وجود الاحتلال".
وأضاف مطر: "في ذكرى وفاة ريتشل كنا نتمنى لو سمحت الظروف الاقتصادية بإقامة مهرجان يحيي ذكراها، لكننا سنكتفي بفعالية صغيرة تقتصر على أعضاء المركز وأطفاله.. ريتشل ستبقى خالدة في ذاكرة الفلسطينيين للأبد".
إسرائيل فوق القانون !
بعد وفاة كوري اتخذت إسرائيل قرارًا ينص على يقوم الزوار الأجانب الراغبين بالدخول إلى قطاع غزة أن يوقعوا على "تنازل" يعفي إسرائيل من المسؤولية عن أية وفاة أو إصابة يتسبب بها الجنود الإسرائيليون، وكذلك أي ضرر بالممتلكات خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية.
المحامي صلاح عبد العاطي قال: "هذا القرار جاء بعد وفاة ريتشل كوري، لكنه لا يعفي إسرائيل من مسئولياتها القانونية وفق اتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فما قامت به إسرائيل جريمة قتل بدم بارد ولا يغير من طبيعة الجريمة، وإنما القرار جاء ليخيف الأجانب ويمنعهم من دخول غزة والاطلاع علي حقيقة ما يجري من جرائم تمارسها قوات الاحتلال".
ويضيف عبد العاطي قائلا: "منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية استطاعت أن تبلور حركة تضامن دولية مع القضية الفلسطينية امتدت لكل أنحاء العالم، لكن للأسف موازين القوى في غير صالح المجتمع الفلسطيني، فأمريكا تقدم دعم كامل لإسرائيل وتمنع تطبيق قرارات الأمم المتحدة باستخدام الفيتو، وبالتالي إسرائيل تتصرف كدولة فوق القانون".
هذه حكاية "ريتشل كوري" التي لا تزال تخلد في ذاكرة الفلسطينيين، وهنا لا يزال أمثالها من الناشطين والناشطات الأجانب..يعيشون القضية بقلب فلسطيني، ويحلمون بالسلام برؤية إنسانية.