فتى الشرق
كاتب جيد جدا
بســــم الله الرحمـــن الرحيـــم
:eh_s(21):وســائــل الــمــحــبــة:eh_s(21):
المحبة سلعة غالية في هذا الوقت , ونحن في أشد الحاجة إليها و إنها لمن أعلى الفضائل و المكرمات التي تستعطف بها القلوب و تستر بها العيوب و تقال بها العثرات , و لها وسائلها التي لها أثرها السريع و مفعولها الساحر داخل النفوس الإنسانية , و لما كنت مشتاقاً إلى اقتناء هذه السلعة بذلت إليكم وسائل شرائها لتكون في قلوبنا جميعاً .
1 ) ــ الابــتــســامــة : ــ
قالوا هي كالملح في الطعام , و هي أسرع سهم تملك به القلوب و هي مع ذلك عبادة و صدقة , (( فتبسمك في وجه أخيك صدقة )) كما في الترمذي , و قال عبدالله بن الحارث : " ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه و سلم ".
سهم يصيب سويداء القلب ليقع فريسة بين يديك , لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة , وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف , وهو أجر وغنيمة , فخيرهم الذي يبدأ بالسلام , قال أحد الصحابة : "خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً و لا كبيراً إلا سلم عليه " , و قال الحسن البصري : " المصافحة تزيد في المودة ", و النبي صلى الله عليه و سلم يقول : (( لا تحقرن من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجه ٍ تليق )) , و في الموطأ أنه صلى الله عليه و سلم قال : (( تصافحوا يذهب الغل , و تهادوا تحابوا و تذهب الشحناء )) .
2 ) ــ الــهــديــة : ــ
و لها تأثير عجيب فهي تذهب بالسمع و البصر و القلب , و ما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات و غيرها أمر محمود بل و مندوب إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها , قال إبراهيم الزهري : " خرجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته و أهل بيته ففعلت فقال لي : تذكر هل بقي أحد أغفلناه قلت : لا , قال : بلى , رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً صفته كذا و كذا , اكتب له عشر دنانير " انتهى كلامه , انظروا أثر فيه السلام الجميل , فأراد أن يرد عليه بهدية و يكافئه على ذلك .
3 ) ــ الــصــمــت و قــلــة الــكــلام إلا فــيــمــا يــنــفــع : ــ
وإياك وارتفاع الصوت وكثرة الكلام في المجالس ، وإياك وتسيُّد الجالس و عليك بطيب الكلام ورقة العبارة "فالكلمة الطيبة صدقة "كما في الصحيحين، ولها تأثير عجيب في كسب القلوب و التأثير عليها حتى مع الأعداء فضلا عن إخوانك
وبني دينك ، فهذه عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت لليهود" وعليك السلام و اللعنة " فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما " أخرجه أبويعلى و البزار و غيرهما0
4 ) ــ حــســن الاســتــمــاع وأدب الإنــصــات : ــ
وعدم مقاطعة المتحدث فقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه ، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به ، بعكس الآخر كثير الثرثرة و المقاطعة ، واسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعة وقد سمعته قبل أن يولد .
5 ) ــ حــســن الــســمــت و الــمــظــهــر : ــ
وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة ، فالرسول ـ صلى الله وسلم ـ كان يقول : (( إن الله جميل يحب الجمال )) كما في مسلم , وعن عمران الخطاب يقول : " إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح " وقال عبدالله أحمد بن حنبل : " إني ما رأيت أحدا أنظف ثوباً ولا أشد تعهداً لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ، ولا أنقى ثوباً وأشد بياضاً من أحمد بن حنبل " .
6 ) ــ بــذل الــمــعــروف و قــضــاء الــحــوائــج : ــ
سهم تملك به القلوب , و له تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله : ــ
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان
بل تملك به محبة الله عز وجل كما قال ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس )) , و الله عز وجل يقول : (( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )) .. البقرة آية ( 195 ) .7 ) ــ بــذل الــمــال : ــ
فإن لكل قلب مفتاحا , والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله في النار )) كما قال البخاري .
صفوان بن أمية فر يوم فتح مكة خوفا من المسلمين بعد أن استنفد كل جهوده في عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيعطيه ـ الرسول صلى الله عليه وسلم ـ الأمان ويرجع إلى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ
ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام ، فقال له رسول الله صلى عليه وسلم بل لك تسير أربعة أشهر ، وخرج مع رسول الله صلى عليه وسلم إلى حُنين والطائف كافرا ،وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينظر في الغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى واد قد امتلأ نعماً وشياهاً و رعاء فجعل ـ عليه الصلاة و السلام ــ يرمقه ثم قال له : يعجبك هذا يا أبا وهب ؟ قال : نعم ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : هو لك وما فيه , فقال صفوان عندها : ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده و رسوله , فلماذا هذا الشح و البخل ؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عند بعض من الناس ؟ حتى كأنه يرى الفقير بين عينيه كلما هم بالجود والكرم و الإنفاق .
8 ) ــ إحــســان الــظــن بالآخــريــن والاعــتــذار لــهــم : ــ
فما وجد طريقاً أيسر و أفضل للوصول إلى القلوب منه , فأحسن الظن بمن حولك وإياك و سوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم و سكناتهم ، واسمع لقول المتنبي : ــ
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه *** و صدق ما يعتاده من توهم
عود نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك فقال ابن المبارك : " المؤمن يطلب معاذير إخوانه ، والنافق يطلب عثراتهم " . 9 ) ــ أعــلــن الــمــودة و الــمــحــبــة لــلآخــريــن : ــ
فإذا أحببت أحدا أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبره بذلك فإنه سهم يصيب القلب و يأسر النفس و لذلك قال : صلى الله عليه وسلم : (( إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه )) كما في صحيح الجامع ، وزاد في رواية مرسلة (( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة )) لكن بشرط أن تكون المحبة لله ، وليس لغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال ، الشهرة و الوسامة و الجمال ، فكل أخوة للغير الله هباء ، وهي يوم القيامة عداء قال تعالى : (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) .. الزخرف آية ( 67 ) (( والمرء مع من أحب )) كما قال صلى الله عليه وسلم ،إذا فإعلان المحبة و المودة من أ عظم الطرق و للتأثير على القلوب , فإما مجتمع مليء بالحب والرخاء و الائتلاف ، وإما مجتمع مليء بالفرقة والتناحر والاختلاف ، لذلك حرص صلى الله عليه وسلم على تكوين مجتمع متحاب فآخى بين المهاجرين والأنصار ، حتى عرف أن فلان صاحب لفلان ، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيان في قبر واحد بعد
استشهادهما في إحدى الغزوات ، بل أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشر هذه المحبة ومن ذلك قوله : صلوات الله و سلامه عليه : (( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم )) كما في مسلم .
وللأسف فالمشاعر والعواطف والأحاسيس الناس منها على طرفي نقيض ، فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب جامد جاف مجرد من المشاعر والعواطف ، وهناك من يتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق ربما وصل لدرجة العشق
والإعجاب والتعلق بالأشخاص , و الموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال و الأشخاص ، وهو مطلب لا يستطيعه كل أحد , لكنه فضل الله يؤته من يشاء .
وختاما أسأل الله أن ينفع بهذه الكلمة كل من يقرئها , وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العلمين .
:eh_s(21)::eh_s(17)::eh_s(17)::eh_s(17)::eh_s(21):