تعددت الجنسيات والفن واحد. إنها "الدراما السورية" التي استقطبت منذ نشأتها العديد من الفنانين العرب، واحتضنتهم تحت مظلتها حتى بات الكثيرون لا يستطيعون التفريق بين حامل الجنسية السورية منهم، والوافد من الدول العربية الشقيقة.
الأمثلة كثيرة في هذا الصدد، ومنها الفنان أيمن رضا، إذ إن والده عراقي وأمه سورية، وقد تربى في حارات دمشق القديمة، لذلك نراه متقنا للهجة الشامية، ومطلعا على تفاصيل المجتمع الشامي، لدرجة أن الكثير من المتابعين لأعماله يختلط عليهم الأمر فيجزمون أنه دمشقي أبا عن جد. حاله في هذا كحال الفنان عبد المنعم عمايري ابن العائلة الفلسطينية الذي ولد وترعرع في دمشق، حيث عمل والده مدرسا لمادة الفلسفة في عدد من الثانويات.
في دمشق أيضا حصل عبد المنعم على شهادة تمثيل من المعهد العالي للفنون المسرحية ثم امتهن التمثيل، وقدم عددا كبيرا من الأعمال، إذ أدى العديد من الشخصيات ذات الارتباط الوثيق بالبيئة الشامية كان آخرها دوره في مسلسل "جرن الشاويش".
ولم يكن عبد المنعم عمايري الفلسطيني الوحيد الذي دخل الدراما السورية من بابها الواسع، وحجز له مكانا بين النجوم، فهنالك أيضا فرح بسيسو، ونسرين طافش، ونادين سلامة، ورامي حنا، وشقيقته الكاتبة ريم حنا، التي يعرض لها على شاشة الـmbc مسلسل "رسائل الحب والحرب" من توقيع المخرج باسل الخطيب، وهو أيضا من أصل فلسطيني.
أردنيون وليبيون!
هناك فنانون آخرون جذبتهم الدراما السورية، لا سيما بعد النجاح الذي حققته في السنوات الأخيرة، فما كان منهم إلا أن نقلوا مقر إقامتهم إلى دمشق بدل بلدانهم الأصلية، كما فعل الفنان الأردني نضال نجم الذي وجد في الدراما السورية فرصته للانتشار، بحيث اقترن اسمه بأسماء العديد من المسلسلات السورية الناجحة، شأنه في ذلك شأن مواطنته "صبا مبارك" التي تعدت مشاركتها الدراما التلفزيونية إلى السينما والمسرح أيضا. ولعل من المفارقات الطريفة أن صبا التي أدت هذا العام دورا مهما في المسلسل الأردني "نمر بن عدوان" ذكرتها بعض وسائل الإعلام على أنها الممثلة السورية صبا مبارك التي حققت نجاحا من خلال دورها في المسلسل نفسه!.
ولم تقتصر إسهامات الفنانين ذوي الأصول أو الجنسيات العربية على الدول المجاورة لسورية فقط، بل تجاوزتها لتضم دول المغرب العربي وشمال إفريقيا، حيث استقطبت الدراما السورية -منذ نشأتها أيضا عددا- من الفنانين والمخرجين، منهم الفنان الكوميدي الليبي الأصل ياسين بقوش الذي كان من أوائل الممثلين في الدراما السورية برفقة دريد لحام، ونهاد قلعي وغيرهم. وقد أتقن ياسين بقوش اللهجة الدمشقية إلى حد أنه يصعب على الكثيرين تصديق أن أصوله ليبية.
ومن تونس نذكر المخرج شوقي الماجري صاحب "أبناء الرشيد"، و"الاجتياح"، والفنان محمد مفتاح الذي يكاد لا يغيب عن الأعمال التي تحمل توقيع المخرج حاتم علي.
فتش عن الانفتاح
لا تكاد تنتهي قائمة أسماء الفنانين الذين ينتمون لجنسيات مختلفة، إلا أنهم أثروا الدراما السورية، ما يضعنا أمام تساؤل عن السر في اجتذاب الدراما السورية لهم، وسر قدرتها على إذابتهم ضمن نسيجها؟.
سؤال وجهه موقع "mbc.net" للناقد الفني ورئيس تحرير مجلة "فنون" سعد القاسم الذي برر ذلك قائلا "السبب الأساسي يكمن في أن المجتمع السوري نفسه يتقبل العرب بشكل طبيعي، ويتعامل معهم دون وضع حواجز أو قيود، ما ينعكس بشكل تلقائي على الدراما، كونها تترجم الواقع السوري بكل تفاصيله، ويساعد في ذلك القانون السوري، فأي عربي لا يحتاج إلى تأشيرة دخول للأراضي السورية، ما يجعل توافد العرب وانخراطهم في المجتمع السوري يتم بشكل بسيط لا تثار حوله تحفظات أو استفسارات. والأمر نفسه ينطبق على الوسط الفني فهو جزء من ذلك المجتمع".
ويضيف "لعل تميز الدراما السورية في هذا المجال يكمن في انفتاحها، فهي لم تجذب الفنانين العرب إلى سوريا فقط، بل ذهبت إليهم أيضا كما حصل مع هيثم حقي الذي صور مسلسلين في ليبيا، ومأمون البني صور "سيف بن ذي يزن" في اليمن، ومؤخرا حاتم علي الذي صور سلسلة أعمال في المغرب كان آخرها "ملوك الطوائف".
وأخيرا فقد نبعت هذه الخطوات من تعامل الجميع مع المسألة بمنطق أنها ثقافة عربية واحدة، وأنه لا يوجد حاجز معنوي أو حسي يمنع التألق والازدهار فيها. والسؤال الآن؛ هل يستمر نجاح الفنان السوري في مجال الدراما، وخصوصا إذا كانت جنسيته من دولة عربية؟.
