آه دنيا غداره وجباره ومالها صاحب

المهاجـر

كاتب جيد
[frame="4 98"]تحية طيبة وبعد
حين وقفت المعلمة أمام الصف الخامس في أول يوم تستأنف فيه الدراسة ، وألقت على مسامع التلاميذ جملة لطيفة تجاملهم بها ، نظرت لتلاميذها وقالت لهم: إنني أحبكم جميعاً ، هكذا كما يفعل جميع المعلمين والمعلمات ، ولكنها كانت تستثني في نفسها تلميذاً يجلس في الصف الأمامي ، يدعى تيدي ستودارد .

لقد راقبت السيدة تومسون الطفل تيدي خلال العام السابق ، ولاحظت أنه لا يلعب مع بقية الأطفال ، وأن ملابسه دائماً متسخة ، وأنه دائماً يحتاج إلى حمام ، بالإضافة إلى أنه يبدو شخصاً غير مبهج ، وقد بلغ الأمر أن السيدة تومسون كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط ، وتضع عليها علامات x بخط عريض ، وبعد ذلك تكتب عبارة "راسب" في أعلى تلك الأوراق .
وفي المدرسة التي كانت تعمل فيها السيدة تومسون ، كان يطلب منها مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ ، فكانت تضع سجل الدرجات الخاص بتيدي في النهاية . وبينما كانت تراجع ملفه فوجئت بشيء ما!!

لقد كتب معلم تيدي في الصف الأول الابتدائي ما يلي: "تيدي طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة . إنه يؤدي عمله بعناية واهتمام ، وبطريقة منظمة ، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق" .
وكتب عنه معلمه في الصف الثاني: "تيدي تلميذ نجيب ، ومحبوب لدى زملائه في الصف ، ولكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال ، مما جعل الحياة في المنزل تسودها المعاناة والمشقة والتعب" .
أما معله في الصف الثالث فقد كتب عنه: "لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه . . لقد حاول الاجتهاد ، وبذل أقصى ما يملك من جهود ، ولكن والده لم يكن مهتماً ، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات" .

بينما كتب عنه معلمه في الصف الرابع: "تيدي تلميذ منطو على نفسه ، ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة ، وليس لديه الكثير من الأصدقاء ، وفي بعض الأحيان ينام أثناء الدرس" .
وهنا أدركت السيدة تومسون المشكلة ، فشعرت بالخجل والاستحياء من نفسها على ما بدر منها ، وقد تأزم موقفها إلى الأسوأ عندما أحضر لها تلاميذها هدايا عيد الميلاد ملفوفة في أشرطة جميلة وورق براق ، ما عدا تيدي . فقد كانت الهدية التي تقدم بها لها في ذلك اليوم ملفوفة بسماجة وعدم انتظام ، في ورق داكن اللون ، مأخوذ من كيس من الأكياس التي توضع فيها الأغراض من بقالة ، وقد تألمت السيدة تومسون وهي تفتح هدية تيدي ، وانفجر بعض التلاميذ بالضحك عندما وجدت فيها عقداً مؤلفاً من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار ، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع فقط . . ولكن سرعان ما كف أولئك التلاميذ عن الضحك عندما عبَّرت السيدة تومسون عن إعجابها الشديد بجمال ذلك العقد ثم لبسته على عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها . ولم يذهب تيدي بعد الدراسة إلى منزله في ذلك اليوم . بل انتظر قليلاً من الوقت ليقابل السيدة تومسون ويقول لها: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي! !

وعندما غادر التلاميذ المدرسة ، انفجرت السيدة تومسون في البكاء لمدة ساعة على الأقل ، لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها ، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة! ، ومنذ ذلك اليوم توقفت عن تدريس القراءة ، والكتابة ، والحساب ، وبدأت بتدريس الأطفال المواد كافة "معلمة فصل" ، وقد أولت السيدة تومسون اهتماماً خاصاً لتيدي ، وحينما بدأت التركيز عليه بدأ عقله يستعيد نشاطه ، وكلما شجعته كانت استجابته أسرع ، وبنهاية السنة الدراسية ، أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل ، وأبرزهم ذكاء ، وأصبح أحد التلايمذ المدللين عندها .
وبعد مضي عام وجدت السيدة تومسون مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي ، يقول لها فيها: "إنها أفضل معلمة قابلها في حياته" .

مضت ست سنوات دون أن تتلقى أي مذكرة أخرى منه . ثم بعد ذلك كتب لها أنه أكمل المرحلة الثانوية ، وأحرز المرتبة الثالثة في فصله ، وأنها حتى الآن مازالت تحتل مكانة أفضل معلمة قابلها طيلة حياته .

وبعد انقضاء أربع سنوات على ذلك ، تلقت خطاباً آخر منه يقول لها فيه: "إن الأشياء أصبحت صعبة ، وإنه مقيم في الكلية لا يبرحها ، وإنه سوف يتخرج قريباً من الجامعة بدرجة الشرف الأولى ، وأكد لها كذلك في هذه الرسالة أنها أفضل وأحب معلمة عنده حتى الآن" .
وبعد أربع سنوات أخرى ، تلقت خطاباً آخر منه ، وفي هذه المرة أوضح لها أنه بعد أن حصل على درجة البكالوريوس ، قرر أن يتقدم قليلاً في الدراسة ، وأكد لها مرة أخرى أنها أفضل وأحب معلمة قابلته طوال حياته ، ولكن هذه المرة كان اسمه طويلاً بعض الشيء ، دكتور ثيودور إف . ستودارد!!

لم تتوقف القصة عند هذا الحد

لقد جاءها خطاب آخر منه في ذلك الربيع ، يقول فيه: "إنه قابل فتاة ، وأنه سوف يتزوجها ، وكما سبق أن أخبرها بأن والده قد توفي قبل عامين ، وطلب منها أن تأتي لتجلس مكان والدته في حفل زواجه ، وقد وافقت السيدة تومسون على ذلك" ، والعجيب في الأمر أنها كانت ترتدي العقد نفسه الذي أهداه لها في عيد الميلاد منذ سنوات طويلة مضت ، والذي كانت إحدى أحجاره ناقصة ، والأكثر من ذلك أنه تأكد من تعطّرها بالعطر نفسه الذي ذَكّرهُ بأمه في آخر عيد ميلاد!!
واحتضن كل منهما الآخر ، وهمس (دكتور ستودارد) في أذن السيدة تومسون قائلاً لها ، أشكرك على ثقتك فيّ ، وأشكرك أجزل الشكر على أن جعلتيني أشعر بأنني مهم ، وأنني يمكن أن أكون مبرزاً ومتميزاً .

فردت عليه السيدة تومسون والدموع تملأ عينيها
أنت مخطئ ، لقد كنت أنت من علمني كيف أكون معلمة مبرزة ومتميزة ، لم أكن أعرف كيف أعلِّم ، حتى قابلتك .
)) تيدي ستودارد هو الطبيب الشهير الذي لديه جناح باسم مركز "ستودارد" لعلاج السرطان في مستشفى ميثوددست في ديس مونتيس ولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية ، ويعد من أفضل مراكز العلاج ليس في الولاية نفسها وإنما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية)) .
إن الحياة ملأى بالقصص والأحداث التي إن تأملنا فيها أفادتنا حكمة واعتباراً .
والعاقل لا ينخدع بالقشور عن اللباب ، ولا بالمظهر عن المخبر ، ولا بالشكل عن المضمون .
يجب ألا تتسرع في إصدار الأحكام ،
خاصة إذا كان الذي أمامك نفساً إنسانية بعيدة الأغوار ، موّارة (( بالعواطف ، والمشاعر ، والأحاسيس ، والأهواء ، والأفكار )) . أرجو أن تكون هذه القصة موقظة لمن يقرؤها من الآباء والأمهات ،
والمعلمين والمعلمات ،
والأصدقاء والصديقات
وتقبلوا خالص التحية والتقدرير
[/frame]
 

totitoti

كاتب جيد
موضوع رررائع
رفع الله قدرك فى الدارين
واجزا لك العطاء
شكرا لطرحك المميز
وانتقائك الهاتف
جعله المولا فى موزين حسناتك
بوركت جهودك
 

مواضيع مماثلة

أعلى