شخصيات من حماة

فراشة ولة

كاتب محترف

شخصيات من حماة
871.gif



manartsouria.com-39e85edbad.jpg

سليمان عواد".. أمير قصيدة النثر
في عام 1922م وفي "سلمية" تحديداً ولد الشاعر "سليمان عواد"، فيها تلقى تعليمه، وبعدها تابع في "الكلية الأرثوذكسية" في مدينة "حمص" بعد ذلك التحق بـ"الجامعة اليسوعية" لعام واحد درس فيها منهاج "العلوم السياسية" ليكمل موظفاً في دائرة الحراج في وزارة الزراعة، ومن ثم معيداً في كلية الزراعة في منطقة "خرابو" في "ريف دمشق"، ثم تعرض للفصل من عمله لأسباب سياسية، وأعيد إلى العمل الوظيفي في دائرة رقابة الكتب في وزارة الإعلام حتى ترك الوظيفة ليتفرغ للحياة البوهيمية، والشعر، والترجمة عن اللغة الفرنسية...
نلقي الضوء على مسيرة شاعر كبير رحل منذ زمن بعيد غير أنه حضر في الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان الشعر في "سلمية" كمكرم محتفى به.

في قصيدة له يقول: «أشعر الآن/ كأن شبكة من العيون الحاقدة/ تحيط كالحيوانات المخيفة... بقلبي وذهني/ وأحسُّ أنَّ الشمس والعالم بكلِّ ضوضائه/ خشبة ضخمة نخرها سوس العدم/ تنطرح بكلِّ ما للعالم من ثقل وسماجة/ في بحيرة عزلتي الرهيبة عن العالم/ آه.. ما أتفه الشمس التي تطلع على تلك العيون الحاقدة/ الأسى العميق عصر نفسي عصراً موجعاً».

تقول فيه الأديبة "ندى عادلة" وهي التي التقت به فترك في نفسها الشيء الكثير، فكان قيصر الحقول الأبدية، وأمير الشتاء، قيثارة الأغنية الزرقاء في قاع المحيط، هو قاموس اللغة التي حررت ذاتها، وتضيف: «كان أميراً للظلام في ليل "سمر نار" العاشقة التي ذابت على شفتيه منذ خلق إلى أن اندثر جسده على أجنحة غيمة العشق البوهيمي الساحر، يشبه مدينتي بأحلامه الطوباوية».

وتروي حادثة ما بينهما حيث التقته في يوم شتائي البكاء، فسألها "سليمان عواد": «ممن تشكين أيتها المرأة؟؟ مما تشكين وأنت العالم واحتواؤه؟؟». فأجابته بخوف الأنثى في مزرعة الضباع: «لقد اغتالتني أعاصير السماء التي وضعت رحالي فيها، وها أنا أمضغ الصمت، وأطحن الهواء مع الوقت، وأتقيأ الألم، أنا المرأة الخائبة الخاسرة التي تحمل انتصاراتكم وبطولاتكم، أنا المرأة المفتوحة على كل الشرائع والأبعاد الخاوية كمياه "سلمية" وآبار الصحراء في حرِّ تموز وآب، إذا تمنيتم عليَّ أن أغير جلدي كأفعى الصحراء، فحري بكم أن تحركوا صمتي فلا.. لا... تغتالوه أيها الشاعر الهفهاف، أنا زرقاء اليمامة أشاهدكم عبر آلاف الأميال، أنا سندريلا المهملة في الزوايا والمنعطفات، أنا "ولاَّدة" و"ليلى" التي تحب جدتها وخالتها وعمتها وتعشق الجيران، أنا بائعة الكبريت تحت المطر، أبحث- أيها الشاعر- عن جنية تعيد إليّ شتات عقلي وفكري، أبحث عن نفسي؟؟!!».

يقول لها "سليمان عواد" وهو الشاعر الذي لمّا ينتظر أن تتحرك في مخيلته كلمات العبور: «عودي أيتها المرأة الخارجة من رحم العالم، عودي إلى الأغنية الزرقاء.. وحقول الأبدية و"سمر نار"، غني مع الفقراء تحت ضوء الشمس أناشيد العاصفة، ولا تنحني أمام المصاعب والأهواء».

من مكان آخر التقينا الشاعر "بشار عيسى" الذي اتخذ من شعر "سليمان عواد" مشروعاً له، وأكد ضرورة تسليط الضوء على تجربة "سليمان عواد" فكان أن اتخذه مكرماً وعنواناً لانطلاقة "الموقد الثقافي" الذي لم يكتب له الاستمرارية، وهو يقول: «أعتقد أن "سليمان عواد" هو الشرارة الأولى التي اندلعت في "المشهد الشعري السوري" أوائل أربعينيات القرن الماضي، لكن هذه الشرارة هو ذاته "سليمان عواد" لم يظن أنها ستكون مشروعاً متكاملاً للمشهد الشعري منذ ذلك الوقت وحتى بدايات القرن الحالي، فحسبما قال لي الكبير "محمد الماغوط" إن "سليمان عواد" كان يقوم بترجمة الشعر الغربي ونقله إلينا، طالباً منا محاكاة هذه التجربة الجديدة، وهو بذاته قام بهذه المحاكاة، لقد وجدنا- والكلام للماغوط- ضالتنا المنشودة في هذا الشكل الفني الجديد الأثر».

ويتابع الشاعر "بشار عيسى": «لقد اعترف "الماغوط" بأن "سليمان عواد" قد سبقهم إلى هذا الشكل من الكتابة بحماسته وبساطته المألوفتين، لنأتي بعده ونخط ما خطّته الشرارة الأولى».

من هنا تأتي أهمية "سليمان عواد" كمهندس لقصيدة النثر التي يعتدي الكثير، الكثير منا عليها، فلا بد من قراءة "سليمان عواد" قراءة


حقيقية.

يقول "سليمان عواد" في قصيدة له:

«إن قلبي كتاب مضطرب العبارات/ ضبابي المعنى/ الرؤى الصور/ متناقض الخواطر والأفكار/ إن قلبي كتاب حياتي الفوضوية المشعثة/ كقصائد بوهيمية/ يصوغها شاعر من عالم التشرد والاضطراب».

وفي دراسة كتبتها الأديبة "ندى عادلة" تؤكد فيها أن قصيدة النثر عند "سليمان عواد" تمتلك موسيقا خاصة بها لا تخضع للقديم من الشعر، ولكنها تستجيب لإيقاع حي يتجدد، وتضيف: «لقد تحررت قصيدة النثر عند الشاعر "سليمان عواد" من وحدة البيت إلى وحدة الفكرة، وحرر اللغة من عوائقها، رفض القيود الحريرية الجاهزة، وانطلق لأغنية الطبيعة التي يتردد صداها في كياننا لتخرج قصيدة كالنهر المتدفق، وليشق مجراه بخطورة، وحرية، وشفافية».

وتؤكد أن "سليمان عواد" لم يهرب من قصيدة الوزن إلى قصيدة النثر، بل آمن بحتمية الإنسان الحر من كل أسمال الماضي المهلهلة، وتابعت: «لذا كانت قصيدة النثر خياره الأولي والنهائي، فاختار أن يكون مع "بودلير" و"ويتمان" و"رامبو"، و"مالارميه" ليخلق، كما فعلوا، لغة شعرية جديدة متطورة، إيقاعها إيقاع إنساني ووجداني، يعبر عن كوامن النفس البشرية دون تعقيد أو تقييد، لتصبح الجملة عنده عالماً صغيراً مبنياً من كلمات تأخذ معناها من موقعها، الذي يؤطره التضاد المفاجئ للحلم والرؤيا، فتشكل فرحاً وألماً ومشاعر تهتدي إلى مرساها كلمات من عبقرية».

يقول "سليمان عواد":

«ما أقسى أن نكون وحيدين كالذئاب الجائعة
في بلاد الجهل، الرمل، والغبار

ما أقسى التربة التي تدفن أزهار العبقرية

وهي في ذروة النضج والاستشراق

وما أقسى الوطن الذي يدفن

الطفل الملاك... وهو في مهده».

ترك "سليمان عواد" مدينته "سلمية" في عام 1952، لم يزرها ثانية إلا بعد ثلاثين عاماً رغم أنها كانت تسكنه وكان يسكنها، والمرة الثانية التي زارها فيها، أتى وحيداً مع بعض الأصدقاء وبعض الأهل في يوم الثامن عشر من شهر كانون الثاني للعام 1984، ليرقد جسده على بساط عشبها المملوء بالغبار والغربان، ولتبقى روحه ترفرف قصائد من تشرّد وعشق وعيش كما تشتهي.. شعراً رائداً لقصيدة النثر.. التي ظلَّ وفياً لعشقها منذ عرفها وحتى الساعة، فهي القصيدة التي تعشق شاعرها ومتلقيها حتى لو تجاهلتها أقلام النقاد وسواها.

فهل كان الاحتفاء بهذا الشاعر رداً لبعض الدين الذي يدينون له به، بالطبع لا.. فابن الأرض من لذة العشق يولد، ولمرتع الرماد يعود سعيداً، حزيناً، غير آبهٍ إلا بكلمة واحدة نطق بها طوال حياته.. "سلمية".

* له عدة دواوين هي:

ــ "سمر نار"، "شتاء" في العام 1957

ــ "أغانٍ بوهيمية" في العام 1960

ــ "حقول الأبدية" في العام 1978

ــ "أغاني لزهرة اللوتس" في العام 1979

ــ "الأغنية الزرقاء الأبدية" وقد صدر بعد وفاته عام /1986/

* من الكتب التي ترجمها:

ــ "شعراء من رومانيا"

ــ "ذئب البحر"

و له رواية مسرحية بعنوان "من همجستان"

إضافة لكتب ومقالات كثيرة مترجمة وسياسية.

* يقول في آخر قصيدة نشرها قبيل رحيله، وهي قصيدة "غيوم من رصاص":

ــ 1 ــ

بعض الكتاب

يصوبون بنادقهم

نحو البلابل الرومانسية

لأنهم يكرهون غناء البلابل الأخضر

ويحبون نعيق الغربان

آه.. يا بنادق الواقعية المتوحشة

ماذا يكون مصير الحدائق والبساتين

إذا انقرضت البلابل... وسادت الغربان؟؟!!

ــ 2 ــ

القمر يشرق منذ آلاف السنين

فكم شاهد من ناس

وخبر من حضارات

وكم خبأ في صدره

من أسرار وعبر

القمر يشرق

أيتها الأمواج أنت شاعرة

وأنا.. شاعر

لقد جمعتنا الأيام لفترة قصيرة

العالم كبير وواسع

ومع ذلك

فإنه لا يتسع لروح شاعر.

871.gif

manartsouria.com-aca36bb827.jpg

أحمد سالم القاسم" أول مدرّس في خطّاب
لم يكن الشاعر "محمد فاضل القاسم" يعلم أن ابنه "أحمد سالم" سيصبح أول مدرّس في "خطّاب"، وحين توفي الأب "محمد فاضل" كان عمر الطفل "أحمد سالم" سنتين فقط...
113180_2010_03_02_12_07_32.jpg
ولد الأستاذ والمربي الفاضل "أحمد سالم القاسم" في بلدة "خطّاب" سنة 1937م، وفي سنة 1945م أرسلته والدته بالتعاون مع السيد "أحمد العمّار" من حيّ "جورة حوا" في مدينة "حماة" إلى مدرسة الأيتام الإسلامية بحماة، وبينما كان شقيقه الأكبر "عبد السلام" يشارك في حرب "فلسطين" تابع "سالم" هناك تحصيله الدراسي حتى سنة 1950م، حيث نال الشهادة الابتدائية.

التحق "القاسم" بمدرسة "ابن رشد" المتوسطة في جوار قلعة حماة والتي أعيد تسميتها اليوم لتعرف بمدرسة "السيدة عائشة" وكانت تضم قسماً داخلياً لأبناء الريف، فتخرّج فيها بشهادة الكفاءة الإعدادية عام 1955م.

يقول عنه الأستاذ "فايز قسوم" مدير ثانوية "خطّاب": «بسبب ظروف الحياة القاسية، انتقل الأستاذ "أحمد سالم القاسم" مع عائلته إلى إحدى قرى محافظة "حمص"، وهناك انتسب إلى ثانوية البنين الأولى في مدينة "حمص" فدرس فيها صفّي العاشر والحادي عشر، ثم نقل إلى ثانوية "ابن رشد" بحماة من جديد، ونال الشهادة الثانوية -الفرع
113180_2010_03_02_12_07_32.image1.jpg
الأستاذ "أحمد سالم القاسم"العلمي- علوم طبيعية وذلك في عام 1958م، فكان أول من نال الشهادة الثانوية في "خطّاب" آنذاك».

تابع "القاسم" بعدها مشوار تعليمه، فدرس في دار المعلمين بحلب "صف خاص" وتخرج فيه سنة 1959م.

كان الأستاذ "أحمد سالم القاسم" أول من حصل على الشهادة الثانوية في "خطّاب"، وأول من عيّن معلماً من أهلها.

عيّن معلماً في مدينة "ديريك" أو "المالكية" على آخر "منقار البطة" على نهر "دجلة"، في محافظة "القامشلي" في أقصى الشمال الشرقي من الجزيرة السورية، درّس في الجزيرة السورية لمدة عامين ثم درّس في منطقة "اللطامنة" في ريف حماة الشمالي الغربي ومن ثم عاد للتدريس في "خطاب"، فغدا مديراً لمدرستها منذ عام 1963م.

عمل الأستاذ "سالم" جاهداً على رفع مستوى التعليم في القرية، وعمل كذلك على إحداث مدرسة متوسطة في "خطّاب"، وساهم أيضاً في إحداث بلديتها.

انتسب باكراً إلى حزب الاشتراكيين العرب، وكان عضواً فاعلاً فيه.

يقول عنه ابن
113180_2010_03_02_12_07_32.image2.jpg
صورة ملتقطة له عام 1964أخته الأستاذ "مصطفى عزات القاسم" وهو خامس معلّم في البلدة: «عرف عن الأستاذ "سالم" جديته وحزمه في التعليم، قدّم لطلابه كلّ ما عنده، بحيث كسب احترام طلابه وأهالي بلدته "خطّاب" جميعاً».

يقول عنه السيد "عرابي عرابي": «عندما كنّا في الصف الخامس، كان الأستاذ "أحمد سالم القاسم" مدرّسا في الصف السادس، وكان يشغل بالوقت ذاته منصب مدير مدرسة خطاب، وعندما وصلت إلى الصف السادس، كان قد انتقل للعمل خارج سورية».

وأضاف "عرابي": «كان الطلاب يحترمونه، وكان يفرض احترامه ووقاره على الطلاب، ويحب الطالب الملتزم والنشيط».

بقي "القاسم" معلماً للمرحلة الابتدائية في "خطّاب" لمدة طويلة، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية منذ عام 1979م، ليعلّم في مدرسة "جلوي" في مدينة "الدمّام"، وظل يدرّس فيها لمدة ثماني عشرة سنة.

رزق الأستاذ "أحمد سالم القاسم" بعشرة أولاد، كان منهم صبي واحد كنّي باسمه "أبو طلال".

عاد إلى سورية ليتقاعد في عام 1997م، ليدير
113180_2010_03_02_12_07_32.image3.jpg
الأستاذ "مصطفى عزات القاسم"أعماله الخاصة في القرية وحماة، عمل في الزراعة، كما عمل على تربية النحل، حتى وفاته في الثالث والعشرين من شهر شباط عام 2009 وعمره اثنان وسبعون عاماً.

يقول الأستاذ "مصطفى عزات القاسم": «كان الأستاذ "أحمد سالم القاسم" أول المدرسين، ثم جاء بعده الأستاذ "عبيد الخالد"، ومن ثم الأستاذ "مصطفى الحسين"، ومن ثم الأستاذ "مصطفى الزهوري"، وكنت أنا خامس أستاذ في المدرسة».










هو شخص أدرك منذ بداية تكوّن أفكاره أن "الحياة التزام"، عايش الطبيعة بخيرها وجفافها فانعكست عليه مرونةً وصلابةً، لتتحول الفكرة إلى قناعة تُرجمت عبر صور متلاحقة تشكل سلسلة متصلة من حياة إنسان أحبّ العلم فتعلّم وعلّم، التزم مع إخوته فأصبح "أباً صغيراً"، عشق وطنه فخدمه وهو ضابط ووزير ومهتم بالعمل التنموي.
112647_2010_02_15_11_42_18.jpg
هذه الصور التي ستحتفظ بها ذاكرتك بعد حديث اتسم بالشفافية دام لأكثر من ساعتين مع الأستاذ "محمد مفضي سيفو" الممثل المقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية، بدأه بالتعريف عن نفسه قائلا: «اسمي "محمد بن مفضي سيفو" من قرية "عقارب" التابعة لمدينة "سلمية"، والدي كان فلاحا ومربي أغنام، عاش حياته وهو يسعى ليؤمن لأولاده حياةً كريمةً ودراسةً جيدةً، والدتي كانت إنسانة هادئة تقية ورعة علمتنا محبة الناس، وكانت تكرر دائماً على مسامع والدي عبارة "يا أبو مصطفى ما في شي غالي، إلا محبة الناس وطاعة الله"!، أما "جدي" فقد حُكم بالإعدام أيام الاحتلال العثماني ولكن لم يذكر على قائمة الشهداء لكونه كان جندياً».

وتابع حديثه عن الظروف التي صاحبته في بداية طريقه الدراسي: «إن موضوع متابعة الدراسة بالنسبة لي ولإخوتي لم يكن بالأمر السهل، إنما كان يشكل تحدياً بالنسبة لنا، ففي الفترة التي كنا أثناءها ندرس في الثانوية ضربت المنطقة موجة جفاف قاسية استمرت لمدة سبع سنوات (من عام 1954- وحتى 1961)، تأثرت بهذه الموجة الزراعة وبالتالي تربية الأغنام والمراعي، فترتبت على والدي ديونٌ كثيرةٌ بسبب إصراره على متابعة العمل وزراعة أرضه، وفعلا كان كل سنةٍ يزرعُ الأرضَ لكن دون حصاد حتى السنة السابعة، وصادف أن هذه الفترة كانت حرجة بالنسبة لي ولأخي "مصطفى" الذي أحبه كثيراً وكان مثالاً للأخ المخلص، لذلك لم يتمكن أخي وقتها من متابعة دراسته بالجامعة ولا حتى أنا، فقرر أبي بيع الأرض ليعلمنا لكننا رفضنا، ومن هنا التحق أخي بالكلية الحربية وأنا بدأت الدراسة في ثانوية "سلمية" وحصلت على البكالوريا عام 1961، وفي السنة التالية انتسبت إلى جامعة "دمشق" كلية الحقوق».

بعد هذه المرحلة بدأ "محمد سيفو" التدريس في ثانويات "سلمية" مختلف المواد وكان اعتماده الأساسي على اللغة الانكليزية، بمساندة مدير ثانوية "قتيبة بن مسلم الباهلي" الأستاذ "مصطفى الجندي" عندما توافرت شواغر للمدرسين في فترة ما بعد الانفصال بين سورية ومصر.



**مدرّس... وأب صغير لأربعة إخوة...

بقي "محمد سيفو" في معترك التدريس حتى أنهى دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، وكان حينها مسؤولا عن رعاية إخوته وأخواته،
112647_2010_02_15_11_42_18.image1.jpg
أ."محمد مفضي سيفو" الممثل المقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية،"أحمد"، "غصون"، "سعاد"، "فاطمة"، الذين أحبهم كثيراً وربط مصيره بمصيرهم فكانوا الأوفياء، كما كان مسؤولاً عن تلاميذه في "سلمية"، ومتابعة دراسته وامتحاناته في "دمشق"، يقول عن تلك الفترة الحرجة كما وصفها:

«كانت من أصعب المراحل التي مررت بها، لأنني تحملت أعباءَ مهمةٍ مركبة، أولها مهمة التدريس لتأمين مصروفي ومصروف إخوتي الذين انتقلوا للعيش معي في "سلمية"، حيث أصبحت مسؤولاً عن ثلاث أخوات وأخ، أي أصبحت بشكل أو بآخر ربّ أسرة وعمري تسعة عشر عاماً؛ ولا أكبرهم إلا بسنتين أو ثلاثة فقط وهي كانت المهمة الثانية، أما الثالثة فكانت متابعة دراستي الجامعية في كلية الحقوق، فكنت أنتهي من تصحيح أوراق تلاميذي وأسافر إلى "دمشق" لأقدم امتحاناتي، وهكذا أنهيت الدراسة الجامعية في أربع سنوات».

لم يخيب "محمد" أمل والديه عندما تحمل عنهما تلك المسؤوليات، فاستطاع بجهد شخصي أن يساند إخوته، الذين ألفوا العيش معه في "سلمية" فرافقوه إلى "دمشق" أثناء تطوعه في كلية الشرطة لمتابعة دراستهم أيضا، وكانت النتيجة ثلاث شهادات جامعية "أدب انكليزي- رف ك- وتاريخ".

أما مهنة التدريس فقد كانت بمثابة مدادٍ إضافي في مخزونه الذاتي استفاد منها في مراحل أكثر نضجا من حياته، وعن هذه المرحلة يتحدث أ."سيفو":

«أحببت تلك المهنة كثيراً، وعلى الرغم من صعوبة تلك المرحلة على كافة الصعد إلا أنني أعتبرها الفسحة الأكثر راحة بالنسبة لي، ربما لأن همومي كانت موزعة على المستقبل، فكنت أعرف أن مستقبلي متوقف على نيل الشهادة الجامعية، فحقل التعليم جاء بمثابة تهيئة للحياة المستقبلية، وقد تعلمت منه آلية نقل المعرفة، وهذا ما اكتشفته بعد أن أصبحت ضابطاً برتب متنوعة، ووجدت نفسي مسؤولاً عن إغناء معرفة طلاب الضباط، في أوقات الفراغ، فاستعدت مرة أخرى ذلك المدرس الذي في داخلي».

وتابع قائلا: «كانت علاقتي مع مرؤوسيَّ علاقةً رائعة قائمة على الاحترام وتبادل المعرفة، وذلك لأنني كنت أنظر إلى عملي على اختلافه كهواية أحبها وعلي أن أتابعها باستمرار».

في عام 1996 رفّع "محمد مفضي سيفو" إلى رتبة لواء، ليعيّن في عام 2000 معاوناً لوزير الداخلية للشؤون المدنية، واستمرّ في عمله هذا لمدة شهرٍ ويومين فقط ليتم
112647_2010_02_15_11_42_18.image2.jpg
في مكتبهتعيينه وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء.



** التنمية مستمرة ...

لم يكن توجه "محمد مفضي سيفو" للعمل مع شبكة "الآغا خان للتنمية" كممثل مقيم للشبكة في سورية إلا استمراراً لما أسسه عبر تجاربه السابقة، وإيماناً منه بقيمة العمل التنموي وبأنه قادر على أن يضيف أثراً على خريطة الأعمال التنموية في سورية، وعن هذه الناحية يقول:

«بدأت العمل كممثل مقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية عام 2002، ولسمو الآغا خان الشكر الكبير لاختياري لهذا المنصب. قد يكون هذا العمل جديداً لكنه ليس غريباً عن ثقافتي الشخصية وعن حصيلة تجاربي التي أفادتني بشكل أو بآخر في عملي الآن، فالانسجام والالتزام هما الركنان اللذان اعتمدت عليهما للاستمرار والنجاح، إذ قمت في البداية بدراسة الشبكة وأهدافها ورؤيتها، وبدأت العمل بالحوار وتسهيل الأعمال، وانطلقنا بالعمل حتى وصلنا إلى درجات جيدة من خلال التعاون مع الحكومة وخدمة كافة شرائح المجتمع من خلال الاهتمام بالصحة، والتعليم، والقروض، والثقافة، والسياحة الثقافية، والتنمية الريفية، والدعم المؤسساتي، والترويج لمفهوم التنمية الاقتصادية، أما على صعيد الكوادر وتدريبها فقد بدأنا بخدماتنا من موظفين اثنين والآن بكل فخر يزيدون على 300 موظف».

ويضيف قائلا: «أعتبر الشبكة جزءا لا ينفصل عن حياتي، وكل العاملين فيها هم كإخوتي وأبنائي نهتم بهم باعتبار الإنسان هو أساس التنمية، وهذا يندرج على مشاريعنا التي نقيمها في سورية بالكامل، فتنمية المجتمع لا يمكن أن تكون بعيدة عن التنمية الثقافية والتنمية الصحية والتنمية الاقتصادية، ومن هنا كان حرصنا على أن تكون مشاريعنا حلقة متسلسلة، فقلعة "صلاح الدين" على سبيل المثال لم يقتصر اهتمامنا بها على الترميم وحسب، بل دخلنا إلى منطقة "الحفة" والقرى المجاورة للقلعة، وقمنا بتفعيل برامجنا فيها، لتكون التنمية شاملة ولا تركز على جانب دون آخر».

يذكر أنّ السيد "محمد مفضي سيفو" من مواليد عام 1943 متزوج من السيدة "شهناز عبد الكريم خولة" من "سلمية" خريجة كلية التاريخ، وهي كما يقول عنها السيد "محمد سيفو": «زوجة مخلصة، وفيّة، وصادقة وتقية»، وهو أب لستّ بنات وابن وحيد وهم بالتسلسل:

* "ظبية" تحمل إجازة في اللغة الانكليزية متزوجة، "سعاد" تعمل مديرة إدارة القضايا في البنك التجاري السوري، "هبة الله" محامية متزوجة، "روعة" مدرسة رياضة متزوجة ومتفرغة في الاتحاد الرياضي، "مصطفى" ضابط في قوى الأمن الداخلي في فرع مرور دمشق متزوج، "غالية" ماجستير في إدارة الأعمال وتعمل حالياً في المركز الثقافي البريطاني، "بانة" تحضر للدكتوراه في إدارة الأعمال وتعمل في مؤسسة التمويل الصغير الأولى- سورية.

لا تقاس الأوطان بالمساحات، وإنما تقاس بالرجال الذين يثمنون الأوطان، و"حماة" التي يتنزه اسمها على ضفة الروح، رسمته بأنامل العلم طبيباً ماهراً، وشاعراً غريداً، وقرأته قلعة وبيوتاً ومساجد، وجنة يجري من تحتها العاصي، وأرسلته عبقرياً لينشر العلم داخلها وخارجها كي يعم الخير كثيراً من الناس، أبت في نهاية المطاف إلا أن تعيده إليها كي يقضي ما تبقى له من عمر بين رحابها بعد أن بلغ رسالتها، إنه الدكتور "مأمون الشقفة"، الطبيب الذي ذاع علمه الديني والدنيوي أرجاء الوطن، وأسر بعلمه وتواضعه عقول وقلوب من عرفه أو سمع عنه.
103241_2009_10_10_11_38_55.jpg
التقى الدكتور "مسعف الشيخ خالد" رئيس جمعية "العاديات" في "حماة" في (8/10/2009) ليتحدث عن صديقه الدكتور "مأمون الشقفة" حيث قال:

«ولد الدكتور "مأمون الشقفة" في (30/9/1936) في حي "الشرقية" بـ"حماة" في بيت عربي واسع، ودرس الابتدائية والإعدادية في المدرسة "المحمدية الشرعية" وكانت وقتها مدرسة خاصة، ثم انتقل في المرحلة الثانوية إلى مدرسة "ابن رشد" وتخرج منها عام (1953)، انتسب إلى كلية الطب بـ"دمشق" وتخرج منها عام (1960)، عاصر الأساتذة الكبار في كلية الطب هناك أمثال الدكتور "مروان المحاسني" الذي يشغل حالياً رئاسة مجمع اللغة العربية، والدكتور "مدني الخيري" والدكتور "أمين شورى" وغيرهم، ومما يلفت النظر في دراسة الدكتور "مأمون" أنه كان الأول على أبناء صفه منذ المرحلة الابتدائية حتى تخرجه من كلية الطب، عمل بعد التخرج قائماً بالأعمال في قسم التوليد لمدة سنتين، حيث كان العمل شاقاً ومجهداً حتى إنه كان لا يجد الوقت كي يقص شعر رأسه، حصل على شهادة الاختصاص عام (1964) وشغل منصب أمين سر جمعية "المولدين السوريين"، ثم عاد بعد خدمة العلم إلى "حماة" وعمل في المستشفى الوطني القديم في "الحاضر"».

وأضاف بقوله:

«وتعود معرفتي بالدكتور "مأمون" للعام (1966) حيث كنت أعمل طبيباً متمرساً في المستشفى الوطني، حيث كان
103241_2009_10_10_11_38_55.image1.jpg
الدكتور مسعف الشيخ خالدظاهرة فريدة من نوعه، بشوش الوجه، خفيض الصوت، قليل الكلام، ولا أتذكر أنه رفض لنا طلباً بالاستشارة ليلاً أو نهاراً، وأنا لا أنسى إلى الآن إحدى المريضات من قرية "اللطامنة" حين أصيبت بقصور كلوي حاد وكانت حسب المتعارف عليه آنذاك أنها شارفت على الموت بسبب تعذر العلاج، لكن الدكتور "مأمون" كان قد قرأ عن عملية "الرحم الصفاقي" والتي بدأ تطبيقها في بعض المستشفيات في أوروبا على استحياء، فسافر إلى "دمشق" وجلب المحلول اللازم للعملية من هناك، وأجرى لها تلك العملية ونجحت نجاحاً باهراً، ونجت تلك المريضة من الموت بإذن الله وبفضل الدكتور "مأمون"، وكانت هذه أول عملية تجرى في الشرق الأوسط من هذا النوع».

وعن الاختصاص الذي قام به الدكتور "مأمون" في "بريطانيا" قال الدكتور "مسعف":

«أرسل الدكتور "مأمون" إلى "بريطانيا" للحصول على شهادة عالية المستوى على حساب القنصلية البريطانية، وكانت مدة التحضير لهذه الشهادة ثلاث سنوات، لكن الدكتور "مأمون" حصل على تلك الشهادة العالمية في غضون (16) شهراً ثم عاد إلى "حماة"، وعندما علم وزير الصحة آنذاك بالشهادة التي يحملها الدكتور "مأمون"، طلب منه الانتقال إلى جامعة "دمشق" والتدريس فيها».

وتابع بقوله:

«وبعد عدة سنوات انتقل الدكتور "مأمون" إلى مستشفى "الراشد" بـ"الإمارات"، ثم
103241_2009_10_10_11_38_55.image2.jpg
الدكتور مأمون والدكتور مسعفإلى مستشفى "الغصن" وأخيراً إلى كلية "دبي" الطبية للبنات، وعين عميداً للعلوم السريرية، وأدخل أساليب التعليم الحديثة، وأنشأ علماً دعي بـ"الطب الإسلامي" عني بكشف الظواهر الطبية بالقرآن والسنة، وألف في هذه المرحلة كتابه القيم "القرار المكين"».

وأما عن الدكتور الشاعر "مأمون الشقفة" قال الدكتور "مسعف":

«كانت البداية الشعرية للدكتور "مأمون الشقفة" في الصف العاشر، حيث كتب قصيدة قدمها للمجلة الطلابية، لكن هذه القصيدة رفضت بداعي "الركاكة"، بعد ذلك انقطع عن الشعر لفترة بسبب عمله في دار التوليد وهو مازال شاباً يحاول أن يثبت نفسه في هذه الدار التي كانت تعد من أهم المراجع العلمية في سورية، وطرق الدكتور "مـأمون" كل أبواب الشعر، واختص بالشعر الزوجي أو ما يسميه "الشعر الحلال"، وتحدث أيضاً في الشعر الديني، وكتب مجموعة شعرية أسماها "رمضانيات"، وأجاد فن الرثاء، ومن الممكن اعتبار أن أهم ما كتبه في هذا الباب هو رثاؤه للمرحوم الأستاذ "إبراهيم زعرور" والذي كان يحفظ قسماً كبيراً من أشعار الدكتور "مأمون"، وأيضاً ما قاله في رثاء المهندس "ماجد الأمير"، وكتب ديواناً في الدكتور "وجيه بارودي" دعاه "إلا ذراع"».

وأضاف:

«وامتاز شعر الدكتور "مأمون" بنوع من الدعابة الساخرة، وكثيراً ما دارت بينه وبين الشاعر "نبيل قصاب باشي" مساجلات
103241_2009_10_10_11_38_55.image3.jpg
من حفل التكريم للدكتور مأمونشعرية تدور حول شعر كل منهما، وحول تنازعهما حب "حماة"، ولا يجب أن ننسى "الحنين" الذي أنضجته نار الغربة، حيث يقول بإحدى قصائده يحن إلى "حماة":

بغيرك لن أموت إن استطعت/ وأنت بخاطري مهما صنعت

بنفسي "جامع السلطان" ليلا/ ودرس عند بحرته وصوت

بنفسي أن يبل الطين ثوبي/ بأطراف الأزقة إن عبرت

بنفسي "خسة" في شط عاصي/ إذا أنهيت أضلعها انتهيت

وكل ما يتمناه الدكتور "مأمون الشقفة" في هذه الأيام "ألا يقول الشعر" لأن الشعر يأتيه رغماً عن إرادته».

فضاء مدينة "حماة" في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين هو فضاء المجتمع والتاريخ الذي عاشته بلاد الشام في أواخر العهد العثماني ويشكل اسم "أحمد الصابوني" علاقة بارزة إن لم تكن الأبرز في تاريخ مدينة "حماة" ضمن هذا الفضاء.

112652_2010_02_19_15_53_59.jpg
فهو العالم الفقيه والمصلح الاجتماعي والسياسي والعالم في اللغة والبيان والدارس المبحر في عباب المنطق والأخلاق، إضافة إلى كونه شاعراً وباحثاً تاريخياً فهو أول من كتب تاريخ "حماة"، وقد اعُتمد كتابه "تاريخ حماة" من قبل كلّ المؤرّخين كمرجع لا سبيل عنه في توثيق تاريخ المدينة.

ولد الشيخ العالم "أحمد بن الحاج إبراهيم القاوقجي" المشهور "الصابوني" عام /1875/ م في حي "باب الجسر" و توفي عام /1916/ م.

كان والده عطاراً في سوق المنصورية الذي بات يعرف اليوم "الطويل" وقد عني بتربية ابنه "أحمد" فأرسله لتعلم القرآن على يد الشيخ "علي الدرويش" في حيّ "بين الحيرين" ومبادئ الكتابة على يد الشيخ "أحمد الحداد" في حيّ "الحوارنة"، ثم التفت إلى العمل وعمل اسكافياً وحذق في المهنة حتى قارب سن الثامنة عشر من عمره ليلتحق بطلاب العلم في حلقة الشيخ "محمد علي المراد" الذي درّسه اللغة والفقه مع آخرين كان لهم اسم لامع في فضاء المدينة كالشيخ "سعيد الجابي" والشيخ "حسن الرزق" العالم والمصلح الاجتماعي وصاحب مجلة "الإنسانية" في "حماة" عام /1910/.

وحين قدم إلى "حماة" الشيخ "سليم النجاري" ذائع الصيت في "دمشق" وأحد رجالاتها المستنيرين، اتصل به "الصابوني" ورفاقه وكثرت زيارة "الصابوني" إلى "دمشق" فتعرّف على قادة الرأي فيها وأدبائها وعلمائها لينغمس في لجنة الإصلاح ليُخرج البلاد السورية هو ومن معه من الطبقة المستنيرة المثقفة من الجهل والأميّة والعبودية الاجتماعية والسياسية فتعرّف على الدكتور "صالح قنباز" والدكتور "توفيق الشيشكلي" في "حماة" و"عبد الحميد الزهراوي" في "حمص" وغيرهم من أعلام النهضة واتصل بالصحافة في "بيروت ودمشق" لينشر مقالاته وأفكاره في شتّى وجوه الإصلاح والدين والسياسة والاجتماع ومحاربة البدع.

ظهر اسم "الصابوني" ساطعاً رغم مقاومة الشيوخ الجامدين له رغم اتفاقهم مع الاتحاديين في "تركيا" ومحاولتهم إسكاته بنشر الأكاذيب حوله فعيّن عضواً في لجنة معارف اللواء وعضواً في لجنة الأوقاف ثم مدرّساً عاماً في "حماة".

وبعد إعلان الدستور أصدر جريدته "لسان الشرق" بعد إعلان الدستور العثماني عام /1908/ وهي أول جريدة تصدر في "حماة" فكانت مسرحاً لشتى المثقفين وقادة الإصلاح في "حماة" وسورية لطرح آرائهم ومقالاتهم في سبيل الحرية والإصلاح.

وقد مدح هذه الجريدة وما تصبو إليه الشاعر الحمصي "خالد الفصيح" بقوله:

بنو الشرق فلتهنوا بخير صحيفة/ بدت فرأيناها لساناً إلى الشرق/ تجول بأرجاء الحمى كل ليلةٍ/ وفي طيّها تجلى الحقائق للخلق.

ساهم "الصابوني" في تنوير الشباب الحموي خاصة والسوري عامّة من خلال مقالاته وكتبه وشعره اللاذع في هدم مراميك الجهل والبدع.

كتب "الصابوني" الشعر، وفي شعر الصابوني نزعة لاستنهاض الهمم والحاجات الوجدانية وعاطفة الخوف على وطنه.

يقول في إحدى قصائده:

بلاد عليها مهجتي تنفطر/ ودمع الأسى في مقلتي يتحدّر/ بلاد عليها الجهل مدّ رواقه/ فباتت بليل الفقر تمشي وتعثر.

يقول عنه الأستاذ المربي المرحوم "عثمان الحوراني":

«لقد كان "الصابوني" من أركان النهضة الحديثة ومن دعاة الإصلاح الديني والقومي والاجتماعي في مطلع القرن العشرين ومن الإنصاف للتاريخ أن نضعه في زمرة كبار العلماء المصلحين أمثال "محمد عبده" و"الكواكبي" و"رشيد رضا"».

و يقول عنه الأستاذ المرحوم "أحمد سامي السرّاج":

«لقد استوفى الصابوني من فلسفة الحياة كراهية الركود وقد تشبّع بالعلم والأدب والقرآن والشعر والمعرفة الواسعة وعلى أكتاف هؤلاء تنهض الأمم ولا سيما عندما كانت البلاد السورية ترزح تحت نير شر جيل من الإمبراطورية العثمانية المتداعية والمحتضرة».

كما يقول عنه الأستاذ المرحوم "عبد الرحمن خليل":

«لقد كانت هذه الدولة أقرب إلى الموت وكم لقي الأحرار في تلك الحقبة من الزمن من أذى الأتراك فقد طورد "الصابوني" سنة 1321هجرية بسبب مقالة نشرها في جريدة الإقبال البيروتية مما أدى إلى تعطيل الجريدة واختفائه زمناً متوارياً عن أنظار الأتراك».

عانى الصابوني كثيراً من جهل المجتمع والأمة ورغم ذلك كان لا يتوارى عن الافصاح عن رأيه بطلاقة وعنفوان ليكون أحد قادة الرأي والعلم في مدينته والحواضر السورية.

بقي أن نعرف أن حياة "الصابوني" لم تدم طويلاً فعاش أربعين سنة ونيف وتوفي يوم الجمعة العاشر من شهر صفر 1334 هـ الموافق لعام 1916 م، على أثر حمى انتابته ولم تمهله أكثر من أربعة أيام حيث وارته المدينة بأكملها التراب في مقبرة "شرفة باب الجسر" في "حماة".

للعالم الصابوني مؤلفات كثيرة منها:

*تاريخ حماة.

*رسالة في علم المنطق.

*رسالة في علم البيان.

*ماضي الشرق وحاضره.

*أحسن الأسباب في شرح قواعد الإعراب.

*ديوان شعر.

فضلاً عن كتب ومقالات كثيرة.

871.gif

manartsouria.com-a2d343c766.jpg

"ممدوح عدوان" ما زال حياً في الذاكرة

لم يغيبه الموت ولم يرحل عنا، فأعماله مازالت باقية ترسم أفكارنا وتدغدغ مشاعرنا بحرارتها وجرأتها، "ممدوح عدوان" الروائي، والقاص، والمسرحي، والريفي والإنسان ما زال باقياً في الذاكرة.
109435_2009_12_29_23_24_16.jpg
موقع eHama التقى بعضاً ممن عاصر "ممدوح عدوان" وأجرى معهم حوراً حول علاقتهم بالأديب الراحل.

يقول الشاعر "عدنان عودة": «علاقتي بـ"ممدوح عدوان" هي علاقة طالب بأستاذه، لأني تتلمذت على يديه في المعهد "العالي للفنون المسرحية"، لكن هذه العلاقة ما لبثت أن تحولت إلى علاقة صداقة، لأن "عدوان" بالأساس يعامل طلابه على أنهم مشروع زملاء».

مكملاً: «الأهم بمسيرة "عدوان" الأستاذ المدرس أنه لم تكن لديه قواعد جاهزة للتعليم فهو أساساً ضد ما يسمى بالتعليم "التلقيني" الذي كان يرى فيه تعليماً "دكتاتورياً"، بل كان مهتماً بنشر التعليم "التحريضي"، بمعنى تحريضك لتظهر مواهبك وإبداعاتك، ولهذا يمكن القول حقيقة أن الدراما السورية مدينة "لعدوان" الذي تتلمذ على يديه أكثر من اثنا عشر كاتباً يعملون اليوم في الدراما السورية، من بينهم "غسان زكريا" و"لبنى مشلح" و"لبنى حداد" و"إيمان سعيد" وغيرهم».

ويتابع: «"عدوان" هو أروع أديب عرفته في حياتي، لأنه المبدع والوحيد الذي هو أجمل من أعماله، وغالباً ما يكون الشخص أدنى من أعماله لكن "ممدوح" هو المبدع الوحيد الذي يوازي إنتاجه الأدبي الكبير، بدليل أن الناس تتكلم عن ضحكته، و"نُكَتِهِ"، وسعاله،
109435_2009_12_29_23_24_16.image1.jpg
الأديب "رفعت عطفة"وهذا خير دليل على حضوره الإنساني القوي، وإذا أردنا أن نفهم "ممدوح عدوان" يجب أن نقرأ "ممدوح المسرحي"،و"التلفزيوني"، و"الروائي" و"القاص"، وذلك لأنه لا يفصل، أو يجزأ».

كما التقينا الأديب "رفعت عطفة" الذي تحدث قائلاً: «تربطني بـ"ممدوح" العلاقة الإنسانية، و"العلاقة- الصداقة" التي أتت من إنسانيته، التي أبدعت فيها روحه وقلمه، و"عدوان" كان رجلاً عاش حياته رجلاً وكتب رجلاً وذهب رجلاً، ويمكن أن أقول أن "عدوان" مدرسة وهو "قلم" و"علم أدبي سوري" لم يكن باتجاه واحد، بل كان متعلقاً وصادقاً وفي كل ما كتب، حيث دافع عن الفقراء، والمظلومين والأبرياء، وحقيقة هذا ما يميز "عدوان"».

ويتابع: «كتب في "الشعر"، و"المسرح"، و"المقالة" كما أنه ترجم، ولم يجد مجالاً أدبياً الإ وخاض غماره وأبدع فيه، الحقيقة أن كل أعماله مثيرة للإعجاب، وبرأيي فإن أهم ما كتبه هي "ملحمة الجوع" التي سماها "سفر برلك" حيث رصد فيها مأساة بيئته في بداية القرن الماضي».

بدوره يحدثنا "أحمد عدوان" شقيق الراحل: «ما يميز "ممدوح" هو تزاوج عشقه بين "الطبيعة والأرض والفلاح" وبين عشقه "للقلم والحبر والأوراق"، وبقي متوازناً في هذه العلاقة إلى آخر أيامه، فرغم
109435_2009_12_29_23_24_16.image2.jpg
الشاعر "عدنان عودة"متابعته لعمله الأدبي في "دمشق" إلا أنه لم يبخل يوماً على قريته وريفه التي كانت هاجسه في كل كتاباته، من خلال عكسه لقضاياه وهمومه، وأذكر في طفولتنا أنه حدثني عن رغبته في عبور "ضفة" نهر قريتنا للضفة الأخرى، التي كان يراها منفذه للعالم الواسع، العالم الذي أحبه "ممدوح" وتعلق من خلاله بعالم "الأدب والثقافة والفن"، وأذكر أنه من شدة تعلقه بهذا العالم، أن آخر أمنياته كانت أن يستمر في الكتابة».

من جهتها تقول الكاتبة "حنان درويش" واصفة عدوان: «هو قامة أدبية كبيرة، وعملاقة لا يمكن أن تموت، فكم من العمالقة الذين رحلوا وما يزال نبض أعمالهم محفور في ذاكرتنا، وهكذا هو "عدوان" الأديب والكاتب، والشاعر، والقاص، والمسرحي، والإنسان الشامل في أدبه، الذي بقي خالداً ومحافظاً على عظمة أعماله. وأرى حقيقة في "ممدوح عدوان" أنه الرجل مسرحي بكل معنى الكلمة، لأن شخصيته القروية وهمه التراثي انطبع في جميع أعماله المسرحية، فاستوحى الفلاح واستوحى "أبو العلاء المعري" و"علي ابن أبي طالب" و"عمر بن الخطاب"، والمميز فيه أنه لم يقرأ التراث باعتباره أدباً فقط بل متكأً ومسنداً أسقطه على واقعه».

ويقول
109435_2009_12_29_23_24_16.image3.jpg
الشاعر "عادل محمود"الشاعر "عادل محمود": «عرفت "عدوان" في حرب 1967 ومنذ ذلك الوقت تربطني به علاقة "الوطن"، الذي كان هاجس "عدوان" وموضوع كل أشعاره السياسية، والمسرحية التي أبدع فيهما».

وختم: «أرى في "عدوان" ورشة ثقافية متعددة المجالات، لذلك أرسم له صورة المثقف الشامل القادر على العمل في كل المجالات الأدبية، من قصة قصيرة، وتلفزيون، ومسرح، بمعنى "رجل" متعدد المواهب، رجل لم يقدر أن يعيش بدون كتابة».


في اليوم الأول من العام 1977 والعالم كله يحتفل بقدوم عام جديد علّه يأتي بالبشر والخير، غير أن يداً غادرة صوبت النار على من ترك الديار ليؤمن للجار الأمن والسلام، فسقط "علي" شهيداً على أرض "بيروت" ليحمل في نعش الشهادة، موشى ببيرق الوطن الغالي سورية، ويوارى الثرى في مدينته التي عشقها "سلمية".
103112_2009_10_07_11_11_30.jpg
تكريماً للشهيد والشهداء التقت عائلة الشهيد "علي جميل عيسي" في يوم الثلاثاء 6 تشرين الأول 2009 في ذكرى حرب تشرين التحريرية، لنكرم هذا الشهيد في يوم المجد والبطولة.

فالتقينا الأم "تمانيا حسن الضحاك" التي أعربت عن مكنون داخلها، وهي الثكلى بفقيد من نوع خاص، فقالت: «يحاولون ألا يذكر اسمه أمامي لأنهم يخافون عليّ، ولكنهم لا يعرفون أنني لم أنسه يوماً حتى يذكرني به أحد ما من خلال حديث ما».

وأضافت وهي تنظر إلى صور أصبحت في أرشيف الذكريات: «كان جميلاً جداً، كل أولادي مثله لكنه أجملهم، ليس لأنه غاب عني، لكنني لا أستطيع ولم أستطع يوماً أن تذهب صورته من مخيلتي، ذنبه فقط أنه ذهب مع رفاقه ليدفعوا الأذى عن شعب لبنان، أحمد الله أنه نال الشهادة دفاعاً وحقناً لدماء إخوتنا في لبنان، لكن للأسف هدروا دمه، ما أصعب هذه المفارقة».

ثم التقينا المهندس "مُغير جميل عيسي" وهو شقيق الشهيد، فقدم لمحة عن أخيه فقال: «ولد أخي "علي" في العام 1951 درس الابتدائية في مدرسة "عبد الرحمن الكواكبي" والمرحلة الإعدادية في مدرسة "قتيبة بن مسلم الباهلي"، وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة "علي بن أبي طالب (ع)"، ثم التحق بالكلية الحربية وتخرج منها ضابطاً برتبة "ملازم"».

وتابع، قائلاً: «كان من بين طلائع الجيش السوري الذي دخل إلى لبنان بطلب من الرئيس اللبناني "سليمان فرنجية" لحقن دماء
103112_2009_10_07_11_11_30.image1.jpg
الشهيد "علي جميل عيسي"المتحاربين في لبنان، وقد اسندت إليه قيادة كتيبة "راجمات صواريخ" في "مطار بيروت"، ونال الشهادة على أرضها في اليوم الأول من العام 1977 فكان هدية مرّة، وكان قبل ذلك قد تعرض لطلق نهاري في رأسه أسعف على إثرها إلى مشفى "حرستا" لكنه سرعان ما عاد إلى لبنان قبل أن ينهي مرحلة الاستشفاء».

وأضاف: «ربما استحق أخي الشهادة لأنه لم يكن يوماً طامعاً بالحياة، فقد كان معطاءً، كريماً، ما بجيبه ليس له، وهذا ليس مديحاً إنما ما نقل إلينا من رفاقه الذين ما زالوا على قيد الحياة».

وتقول والدته: «أنا سعيدة جداً لأنهم أطلقوا اسمه على إحدى مدارس "سلمية" لذلك فإنه لم يمت إطلاقاً، وهو يستحق مثل هذا التكريم، وتكون سعادتي كبيرة، وطالبات المدرسة التي تحمل اسمه يمرون من أمام دار الشهيد نفسه».

قال فيه شاعر سلمية، الراحل "أنور الجندي" في بيتين من الشعر رثاءً له: «سهمٌ أصابك في الضلوع خيانةً/ فهويت تحتضن التراب عميدا/ كالنسر أرهقه الصعودا/ وأقسمت عيناه إلا أن يموت صعودا».

وفي رسالة بعثها الفيلسوف الدكتور "إبراهيم فاضل" إلى والدة الشهيد، يقول فيها: «أختي "أم علي" مع احترامي وتمنياتي الطيبة، لك ولأبنائك الأشداء، ولأخوتك الأحباء، إلى أهل الشهيد "علي جميل عيسي" الذي لم أقل قصيدة في أحد إلاّ فيه، حيث وقف شامخاً أمام تحدي المال، وأصحابه، وأربابه.... أخوكِ المعتز بأبنائِكِ "إبراهيم فاضل"».

وفي مقدمة قصيدته
103112_2009_10_07_11_11_30.image2.jpg
المهندس "مغير عيسي" شقيق الشهيد"عليّ- لبنان 1/1/1977" كتب الدكتور "إبراهيم" حادثة حدّثه عنها الشهيد "علي"، فقال "الفاضل": «قبل أسبوع من اغتياله، كان قد أخبرني بتمكنه من نفسه أمام بريق الذهب، وأنه سيكون أصيلاً أصالة أشجار "كور الزهور" (سلمية)، أم "المهدية"، وجدة "القاهرة"، ولهذا رأيت أن أحكي للأجيال الصاعدة قصة شاب رأى لبنان بلده، بل بيته، بل كيانه، ولا يَعُزّ ُ القُربانُ أمام "الحال"، لهذا كتبت قصيدة "عليّ- لبنان" أو "لبنان- علي"».

يقول الدكتور "إبراهيم فاضل" في القصيدة آنفة الذكر: «يا أرز لبنان لا كانوا ولا رحلوا/ من أنزلوا فيك جرحاً ليس يندمل/ ألقوا عليك أزاهير الوفاء، وما/ بين الضلوع سوى الطماع تعتمل/ فتحت صدرك للناجين من هرب/ حتى تلون من أهدابك الأمل/ أتوك من كل صقع لا يؤلفهم/ غير الكلام عن الأمن الذي قتلوا/ كل أتاك وفي عقبيه طارده/ والجمر في حدق الخصمين يشتعل/ فالموت مات، وبيعت كل أسهمه/ والرعب من رعبه في عينه حول/ يا أرز لبنان، ماذا لو أعدت لنا/ من كان عنك رزايا الفتك يحتمل/ قتله أنتَ.. لا ما أنت من بشرٍ/ أضاعه من بقايا وعيه الزّلل/ تربص النذل، والرشاش في يده/ وللدنانير في أثوابه زجل/ يقيم للمال رقصاً في جرائمه/ حتى يكاد على قرشين ينفتل/ عليّ.. لا تأمنِ الشيطان تمهله/ وللشياطين في أوطانهم نُزُلُ/ ومال صرح "علي" وهو يمنحكم/ غفرانه مثلما لا تحقد الرسل/ وصاح لبنان: واذلاّه، لست
103112_2009_10_07_11_11_30.image3.jpg
صورة من أرشيف العائلة.. والشهيد طفلاًأباً / للغادر النذل، فابْرأْ منهُ، يا جبل/ وفي سلمية أكبادٌ مجرحة/ كأن "بيروت" في أجفانها مُقَلُ/ تبكي عليّاً وقد غادر الزمان به/ وللشباب على زنديه مقتبل/ سمِعتُ "بيروتَ" في تأبينه هتفت:/ يكفي "سلمية" مجداً أنكَ البطلُ».

ويبقى الشهيد "علي جميل عيسي" في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، تتناقل سيرة البطل الذي لم يمت، بل ينظر إلينا من عليائه، وليس لنا من قول الصدق سوى ما قاله الله (عز وجل): (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون).
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: شخصيات من حماة

الله عليكي
فراشة
طرح جميل جدا
من حق هؤلاء ان نذكرهم
وان نسطر انجازاتهم بماء الورد
شكرا لك لاثرائنا بتلك المعلومات عنهم
وتخليد ذكراهم
لك اعطر تحية
 

فراشة ولة

كاتب محترف
رد: شخصيات من حماة

الله عليكي
فراشة
طرح جميل جدا
من حق هؤلاء ان نذكرهم
وان نسطر انجازاتهم بماء الورد
شكرا لك لاثرائنا بتلك المعلومات عنهم
وتخليد ذكراهم
لك اعطر تحية
منوره ياقلبي

وهذا واجبنا لانخلد ذاكراهم وهو يستحقون

ذلك

تحياتي الك
 
أعلى