في استقبال رمضان مدرسة الصوم

happywithword

كاتب جديد
جزا الله صاحبها وجزانا كل خير وغفر لنا ولكم آمين انشرها ننتفع في شهر الرحمة


في استقبال رمضان





دكتور / بدر عبد الحميد هميسه





1430 هـ = 2009 م




مقدمة

على المسلم أن يستقبل هذا الضيف الكريم كما يستقبل أعز الضيوف لديه , ويعرف أن فرصة رمضان قد لا تأتي عليه مرة أخرى , فالصوم سبيل لدخول الجنة , وسبيل لنيل شرف الله تعالى ورضاه , عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله r قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه البخاري ومسلم].
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة. قال أبو بكر أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو كبر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ".
فاستعد – أيها الحبيب – لاستقبال هذا الشهر الحبيب , وتعرف على ما هو مطلوب منك قبل حلول شهر رمضان .
وفقنا الله وإياك لطاعة الرحمن , ونيل الرضا من الكريم المنان .



[FONT=MCS Jeddah S_U normal.]راجي عفو ربه[/FONT]


[FONT=MCS Jeddah S_U normal.]دكتور / [FONT=MCS Khaybar S_U normal.]بدر عبد الحميد هميسه[/FONT] [email protected][/FONT]​



المواسير – إيتاي البارود – البحيرة


في غرة شعبان 1430 هـ = 23 يوليو 2009 م





المسلم الحق هو من يحسن استقبال شهر رمضان ويعرف أنه مطلوب منه قبل حلول شهر رمضان عدة أمور منها :
1- التوبة والاستغفار.
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم , وقال : " فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)هود.
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَهُوَ عَمُّهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً ، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا ، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ، ثُمَّ قَالَ ، مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي ، وَأَنَا رَبُّكَ ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ. أخرجه مُسْلم 8/93(7060).
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النهارِ، وًيبْسُطُ يَدَهُ بِالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" .أخرجه أحمد 4/395 ومسلم 8/99 .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ , فَإِنِّى أَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ.أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (447).
عَنِ ابْنِ شُِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ، فَبَكَى طَوِيلاً ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ : يَا أَبَتَاهُ ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا ؟ قَالَ : فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ : لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي ، وَلاَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ ، فَلَوْ مُِتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ ، قَالَ : فَقَبَضْتُ يَدِي ، قَالَ : مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ، قَالَ : تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ . وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ ، إِجْلاَلاً لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ، لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ، وَلَوْ مُِتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا ، فَإِذَا أَنَا مُِتُّ فَلاَ تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ ، وَلاَ نَارٌ ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي .
- وفي رواية : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شُِمَاسَةَ ، قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ الْوَفَاةُ بَكَى ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ: لِمَ تَبْكِي ؟ أَجَزَعًا عَلَى الْمَوْتِ ؟ فَقَالَ : لاَ وَاللهِ ، وَلَكِنْ مِمَّا بَعْدُ ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ كُنْتَ عَلَى خَيْرٍ ، فَجَعَلَ يُذَكِّرُهُ صُحْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَفُتُوحَهُ الشَّامَ ، فَقَالَ عَمْرٌو : تَرَكْتَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَطْبَاقٍ ، لَيْسَ فِيهَا طَبَقٌ إِلاَّ قَدْ عَرَفْتُ نَفْسِي فِيهِ : كُنْتُ أَوَّلَ شَيْءٍ كَافِرًا ، وَكُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَوْ مُِتُّ حِينَئِذٍ وَجَبَتْ لِيَ النَّارُ ، فَلَمَّا بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْهُ ، فَمَا مَلأْتُ عَيْنِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ رَاجَعْتُهُ فِيمَا أُرِيدُ ، حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، حَيَاءً مِنْهُ ، فَلَو مُِتُّ يَوْمَئِذٍ ، قَالَ النَّاسُ : هَنِيئًا لِعَمْرٍو، أَسْلَمَ وَكَانَ عَلَى خَيْرٍ ، فَمَاتَ فَرُجِيَ لَهُ الْجَنَّةُ ، ثُمَّ تَلَبَّسْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّلْطَانِ ، وَأَشْيَاءَ ، فَلاَ أَدْرِي عَلَيَّ أَمْ لِي ، فَإِذَا مُِتُّ فَلاَ تَبْكِيَنَّ عَلَيَّ ، وَلاَ تُتْبِعْنِي مَادِحًاوَلاَ نَارًا وَشُدُّوا عَلَيَّ إِزَارِي ، فَإِنِّي مُخَاصِمٌ ، وَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا ، فَإِنَّ جَنْبِيَ الأَيْمَنَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِالتُّرَابِ مِنْ جَنْبِىَ الأَيْسَرِ، وَلاَ تَجْعَلَنَّ فِي قَبْرِي خَشَبَةً وَلاَ حَجَرًا ، فَإِذَا وَارَيْتُمُونِي ، فَاقْعُدُوا عِنْدِي قَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ وَتَقْطِيعِهَا ، أَسْتَأْنِسْ بِكُمْ.
- وفي رواية : عَنِ ابْنِ شُِمَاسَةَ ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، قَالَ : لَمَّا أَلْقَى اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي قَلْبِي الإِسْلاَمَ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيُبَايِعَنِي ، فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : لاَ أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِى ، قَالَ : فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا عَمْرُو ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ ؟ يَا عَمْرُو ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ ؟(17981).
أخرحه أحمد 4/199(17933) و"مسلم"1/78(236). و"ابن خزيمة"2515 .
إياك والذنوب والمعاصي فإن لها آثاراً سيئة منها :
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]حرمان العلم:[/FONT]فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
جلس الإمام الشافعي وهو غلام صغير في مجلس الإمام مالك بالمدينة المنورة، وكان الإمام مالك يقرأ في درسـه أحاديث الرسول خ في مسجده، وكانت عادته إذا ذكر الحديث أن يقول: عن فلان، عن فلان، عن صاحب هذا المقام، ثم يشير إلى قبر الرسول خ. فرأى وهو يشير إلى القبر الشافعي يعبث بثمرة من الحصير؛ بعد أن بلها بريقه فوق يده! فحزن الإمام مالك، ثم انتظر حتى أنهى درسه الذي قرأ فيه أربعين حديثًا، ثم ناداه، فأقبل وجلس بين يديه، فعاتبه قائلاً: لماذا كنت تعبث أثناء تلاوة حديث رسول الله خ؟ فقال: يا سيدي! ما كنتُ أعبث ولكني كنتُ أسجل بريقي ما تقول حتى لا أنسى؛ لأنني فقير، ولا أملك الدرهم الذي أشتري به القرطاس والقلم.
فتعجب الإمام مالك، وقال له: إذا كنتَ صادقًا فاقرأ ولو حديثًا واحدًا من الأربعين التي قرأتُها في درس الليلة. فجلس الشافعي كما كان يجلس أستاذه الإمام، وقال: عن فلان، عن فلان، عن صاحب هذا المقام؛ وأشار إليه كما أشار الإمام، ثم قرأ الأربعـين حديثًا. فأعجب الإمام مالك بذكائه، وقال له: إني أرى الله قد ألقى في قلبك نورًا، فلا تُطفئه بظُلمة المعاصي.
وفي يوم رأى الإمام الشافعي أن ذكاءه لم يعد في الدرجة التي كان عليها من قبل، فذهب إلى أستاذه الإمام وكيع، وشكا له سوء حفظه، وقد أشار إلى هذا بقوله:
شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي
وأخـبــرني بـأنَّ العلـمَ نــورٌ

فأرشــدني إلى تــركِ الـمعـاصي
ونــــورُ اللهِ لا يُــهــدَى لـعــاصي


[FONT=MCS Shafa S_U normal.]وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله:[/FONT] لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً. ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تَفِ بتلك الوحشة. وهذا أمر لا يحس به إلا مَن في قلبه حياة، وما لجرح بميت إيلام. فلو لم تُترَك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة؛ لكان العاقل حريًّا بتركها.
إذا كنتَ قد أوحشتْكَ الذنوبُ * * فَـدَعْـهـا إذا شـئتَ واستـأنِـسِ
وكلما اشتدت الذنوب اشتدت الوحشة، وأَمَرُّ العيش عيش المستوحشين الذين فرطوا في سعادتهم الأبدية، واستبدلوا بها أدنى ما يكون من لذة.
مِن كلِّ شيءٍ إذا ضَـيَّـعْـتَـه عِـــوَضُ * * وما مِنَ اللهِ إنْ ضَـيَّـعْـتَــهُ عِـــوَضُ
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]تعسير الأمور:[/FONT] فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقًا دونه أو متعسرًا عليه، وهذا كما أن مَن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا؛ فمَن عطل التقوى جعل له من أمره عسرًا.
قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلُق دابتي وامرأتي.
قال إبراهيم التيمي: لما حُبِستُ الحبسة المشهورة، أُدخِلتُ في السجن، فأُنزِلتُ على أناس في قيد واحد؛ لا يجد الرجل إلا موضع مجلسه؛ وفيه يأكلون، وفيه يتغوطون، وفيه يصلون. قال: فجيء برجل من أهل البحرين، فأُدخِل علينا، فلم يجد مكانًا؛ فجعلوا يتبرمون به. فقال: اصبروا؛ فإنما هي الليلة. فلما دخل الليل قام يصلي، فقال: يارب! الليلةَ.. الليلةَ؛ لا أُصبِحُ فيه.
فما أصبحنا حتى ضُرِبت أبواب السجن؛ أين البحراني؟ أيـن البحراني؟ فقال كل منا: ما دُعِي الساعة إلا ليُقتَل.فخُلِّيَ سبيله؛ فجاء فقام على باب السجن، فسلم علينا، وقال: أطيعوا الله لا يضيعكم.
إذا المرءُ لم يَلبَسْ ثيابًا مِنَ التُّقَى
وخيـــرُ لباسِ الـمــــرءِ طـاعـةُ ربِّـهِ

تَقَلَّبَ عريانًا ولـو كانَ كاسيَا
ولا خيــرَ فيمَن كان للهِ عاصيَـا


[FONT=MCS Shafa S_U normal.]حرمان الطاعة:[/FONT] فمِن عقوبة الذنب أنه يصد عن الطاعة، فكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فكذلك الفحشاء تنهى عن سائر الخيرات. وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضًا طويلاً منعه من عدة أكلات أطيب منها.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد! إني أبيتُ مُعافَى، وأحب قيام الليل، وأُعِد طَهوري.. فما بالي لا أقوم؟! فقال: ذنوبك قيدتك.
وقال الثوري: حُرِمتُ قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته. قيل: وما ذاك الذنب؟ قال: رأيتُ رجلاً يبكي، فقلت في نفسي: هـذا رياء.
وقال بعض السلف : دخلت على "كرز بن وبرة" وهو يبكي، فقلتُ: أتاك نعي بعض أهلك؟ فقال: أشد. فقلتُ: وجـع يؤلمك؟ قال: أشد. قلتُ: فما ذاك؟ قال: بابي مُغلَق، وسِتري مُسبَل، فلم أقرأ حزبي البارحة؛ ما ذلك إلا بذنب أحدثته.
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توالد المعاصي:[/FONT]فإن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضًا؛ حتي يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]هوان العاصي على ربه:[/FONT]فإن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم. وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال تعالى: âوَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍá [الحج: 18] .
فالمعصية تورث الذل وإن العز؛ كل العز في طاعة الله تعالى، قال عز وجل: âمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا á [فاطر: 10] أي فليطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله. وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك، ولا تخذلني بمعصيتك.
رأيتُ الذنوبَ تُمِيتُ القلــوبَ
وتَـرْكُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ

وقــد يُـــورِثُ الذلَّ إدمــانُــــهـــا
وخيــرٌ لنفسِكَ عـصيـانُـهــا


[FONT=MCS Shafa S_U normal.]الذنوب تجلب الفساد في الأرض:[/FONT] قال تعالى: â ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ á [الروم:41].
ذكر الإمام أحمد عن صفية قالت: زُلزِلت المدينة على عهد عمر ت، فقال: يا أيها الناس! ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا أساكنكم فيها.
وقال كعب: إنما تزلزل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي، فترعد فَرَقًا من الرب جل جلاله أن يطلع عليها.
وقد مر رسول الله خ بالجيش في طريقه إلى تبوك ديار ثمود، فقال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم؛ أن يصيبكم ما أصابهم؛ إلا أن تكونوا باكين"، ثم قَنَّع رأسه، وأسرع بالسير حتى جاز الوادى. وكان المسلمون قد استقوا من بئرها، فنهاهم النبي خ عن شرب مائها والوضوء منه للصلاة، حتى أمر أن يُعلف العجين الذي عُجن بمياههم للإبل؛ لتأثير شؤم المعصية في الماء.
وكثير من الآفات أحدثها الله تعالى بما أحدث العباد من الذنوب.
يقول ابن القيم: أخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن، وكثير من الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها، وإنما حدثت من قرب!
وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده أنه وُجِد في خزائن بني أمية حبة حِنطة بقدر نواة التمرة، وهي في صُرة مكتوب عليها: "هذا كان ينبت في زمن العدل"!
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]الذنوب تزيل النعم وتحل النقم:[/FONT]قـال علي بن أبي طالب ت: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة.
قال تعالى: âyذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْá [الأنفال: 53] فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمه التي أنعم بها على أحد؛ حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه؛ فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه. فإذا غَيَّر غُيِّر عليه، جزاءً وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنْ غير المعصية بالطاعة؛ غير الله عليه العقوبة بالعافية، والذل بالعز.
إذا كنتَ فـي نعمةٍ فارعَـهــا
وحُطْـهـا بطاعـةِ ربِّ العبـــاد

فإنَّ الذنــــوبَ تُـزيـلُ النـعــمْ
فرَبُّ العبــادِ سـريعُ النِّـقَـمْ


[FONT=MCS Shafa S_U normal.]المعاصي تضعف العبد أمام نفسه:[/FONT] يقول ابن القيم: أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتُضِر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه: "لا إله إلا الله"؛ وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشتر جيد.. حتى قضى. وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله؛ فجعل يقول: الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا، والبستان الفلاني افعلوا فيه كذا.. وكم شاهد الناس مِن هذا عِبَرًا. والذي يَخفى عليهم من أحوال المحتَضَرين أعظم وأعظم. قال تعالى : â يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ á [إبراهيم: 27].
وقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفًا من الذنوب؟ فقال: إنما أبكي من خوف سوء الخاتمة.
يقول ابن القيم: وهذا من أعظم الفقه؛ أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى. أعاذنا الله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.
عن أبى موسى الأشعرى ت عن النبي خ قال: "إنَّ اللهَ تعالى يَبسُطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مُسِيءُ النهارِ، ويَبسُطُ يدَهُ بالنهارِ ليتوبَ مُسِيءُ الليلِ حتى تَطلعَ الشمسُ مِن مَغربِها". [رواه مسلم]
قَــدِّمْ لنفسِـَك تــوبـــــةً مَـرجُـــــوَّةً
بـــادرْ بهــا غَــلْــقَ النفــــوسِ فإنـها

قبلَ المماتِ وقـبلَ حَبْسِ الألْسُنِ
ذُخـرٌ وغُـنـمٌ للمُنيبِ المحسِــنِ

عن أنس بن مالك ت قال: قال رسول الله خ: "لَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِهِ حينَ يتوبُ إليهِ مِن أحدِكم كانَ على راحلتِهِ بأرضِ فَلاةٍ، فانفلتَتَ منهُ وعليها طعامُهُ وشرابُهُ، فأَيِسَ منها، فأتَى شجرةً فاضطجعَ في ظِلِّها قد أَيِسَ مِن راحلتِهِ، فبينما هو كذلك، إذا هو بها قائمةً عندَهُ، فأخذ بخِطامِها ثم قالَ مِن شدةِ الفرحِ: اللهم أنتَ عبدي وأنا ربُّك؛ أخطأَ مِن شدةِ الفرحِ". [رواه مسلم]
ولهذا قال النبي: "يا أيـها الناسُ! توبوا إلى اللهِ واستغفروه؛ فإني أتوبُ إلى الله وأستغفره في كلِّ يومٍ مائةَ مرةٍ". [أخرجه مسلم، وصححه الألباني]
يا نفسُ توبي فإنَّ الـمـوتَ قــد حــانــا
يا نفسُ توبي مِنَ المعاصي وازدجري
مضى الزمـانُ وولَّى العُـمُــــرُ في لَــعِـبٍ

واعصي الـهــوى فالـهــوى مازالَ فـتَّــانَـــا
واخشي إلــهــنـــا سِــــــرًّا وإعــــلانَـــــــا
يكفيكِ ماقد مضى قد كان ماكانا

وللتوبة شروط منها :
إذا كان الذنب في حق الله عز وجل فشروط التوبة ثلاثة هي: الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة. قال تعالى: âيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ َيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ á [التحريم: 8] .
عن أبي نجيد عمران بن الحصين الخزاعي ب أن امرأة من جهينة أتت رسول الله خ وهي حُبلى من الزنا، فقالت: يا رسول الله! أصبتُ حدًّا فأقمه عليَّ، فدعا نبي الله خ وليها، فقال: "أحسِن إليها، فإذا وضعت فائتني بها"، ففعل؛ فأمر بها نبي الله خ فشُدَّت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرُجِمَت، ثم صلى عليها. فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟! فقال: "لقد تابت توبةً لو قُسمَت بينَ سبعين مِن أهلِ المدينةِ لوَسِعَتْهم، وهل وجدَت أفضلَ مِن أنْ جادَتْ بنفسِها للهِ عزَّ وجلَّ". [رواه مسلم] وفي صحيح الحاكم عن جابر أن رجلاً جاء إلى النبي خ وهو يقول: واذنوباه! مرتين أو ثلاثًا. فقال له النبي خ: "قُلْ: اللهم مغفرتُك أوسعُ من ذنوبي، ورحمتُك أرجَى عندي من عملي". فقالها، ثم قال له: "عُدْ"، فعاد، ثم قال له: "قُمْ، فقد غفرَ اللهُ لك". [ضعفه الألباني]
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذنــوبي كثرةً
إنْ كانَ لا يرجـوكَ إلا محسنٌ
مالي إليكَ وسيلةٌ إلا الرَّجَـــا

فلقد عَـلِمتُ بأنَّ عـفـوَكَ أعظـمُ
فمَنِ الذي يدعـو ويرجو المجرمُ
وجميـــلُ عـفــوِكَ ثم أني مسلمُ

علامات صحة التوبة:
أن يكون العبد بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها.
أن لا يزال الخوف مصاحبًا له، لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: âأَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَá [فصلت: 30] فهناك يزول خوفه.
انخلاع القلب وتقطعه ندمًا وحسرة على ما فرط منه، وخوفًا من سوء عاقبته؛ فمَن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط منه تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين.
يا مَن يَرَى مَدَّ البعوضِ جَناحَهُ
ويَـرَى نِيـاطَ عُروقِـها في نَـحـرِها
ويَـرَى ويَسمعُ ما يَرَى ما دُونَــهـا
اُمـنُنْ عليَّ بتــوبـةٍ تَـمـحُـــو بـهـا

فـي ظُلمَةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
والمخَّ فـي تلكَ العِظامِ النُّحَّــلِ
فـي قاعِ بحــــرٍ زاخـــرٍ مُتجنـدِلِ
ما كانَ مني فـي الزمانِ الأولِ

ومن قصص التائبين الذين نأخذ من توبتهم العظات والعبر :
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توبة رجل قتل مائة نفس : [/FONT]
عن أبي سعيد الخدري ت أن نبي الله خ قال: "كان فيمَن قبلَكم رجلٌ قتلَ تسعةً وتسعينَ نفسًا، فسألَ عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على راهبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنه قتلَ تسعةً وتسعينَ نفسًا، فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا.. فقتله فكمَّلَ بهِ مائةً، ثم سألَ عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ، فقالَ: إنه قتلَ مائةَ نفسٍ، فهل له من توبةٍ؟ فقال: نعم! ومَن يَحولُ بينَه وبينَ التوبةِ؟ انطلِق إلى أرضِ كذا وكذا؛ فإنَّ بها أناسًا يعبدونَ اللهَ تعالى، فاعبدِ اللهَ معهم، ولا تَرجِعْ إلى أرضِكَ؛ فإنها أرضُ سُوءٍ. فانطلَقَ حتى إذا نَصَفَ الطريقَ أتاهُ الموتُ، فاختصمتْ فيه ملائكةُ الرحمةِ وملائكةُ العذابِ. فقالت ملائكةُ الرحمةِ: جاءَ تائبًا مُقبِلاً بقلبِه إلى اللهِ تعالى. وقالت ملائكةُ العذابِ: إنه لم يَعملْ خيرًا قَطُّ. فأتاهم مَلَكٌ في صورةِ آدميٍّ فجعلوه بينَهم، فقال: قيسوا ما بينَ الأرضينِ، فإلى أيتِهما كان أدنى فهو له. فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرضِ التي أرادَ، فقبضته ملائكةُ الرحمةِ". [متفق عليه]
وفي رواية في الصحيح: "فأوحى اللهُ تعالى إلى هذهِ أنْ تباعدي، وإلى هذه أنْ تَقربي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقربَ بشِبرٍ فغُفِرَ له".
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توبة أبي محجن الثقفي ت:[/FONT]
كان أبو محجن الثقفي لا يزال يُجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية وقد اشتد القتال؛ أرسل إلى سلمى بنت حفصة امرأة سعد، فقال: يا بنت آل حفصة! هل لك إلى خير؟
قالت: وماذاك ؟قال: تخلين عني وتعيرينني البلقاء، فلله عليّ إنْ سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجليَّ في قيدي، وإنْ أُصِبتُ فما أكثر من أفلت.فقالت: ما أنا وذاك. فرجع يرسف في قيوده ويقول:
كفى حَزَنًا أنْ تلتقي الخيلُ بالقَنا
إذا قُـمـتُ عَـنَّــاني الحــديـــــدُ وغُلِّـقَـت
وقد كنتُ ذا مــالٍ كثـيـــــرٍ وإخــــوةٍ
وللهِ عَــهـــــــــــــــدٌ لا أخـيــسُ بعَــهـــــــــدِهِ

وأُتـــــــرَكُ مَشــــــدودًا عليَّ وَثـــاقِـيَــــا
مصاريعُ مِن دوني تَصُـمُّ الـمنادِيَا
فقد تَركــوني واحدًا لا أخَــا ليَــا
لئن فُــرجَـتْ أنْ لا أزورَ الحَـــوانيَـــا


فقالت سلمى: إني استخرتُ الله، ورضيتُ بعهدك؛ فأطلقته.فاقتاد الفرس، فأخرجها وركبها، ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر، ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبر على ميمنة القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، ثم رجع خلف المسلمين إلى القلب، فبدر أمام الناس، فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه؛ فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه.وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه، ولم يروه من النهار، وجعل سعد بن أبي وقاص ت يقول: والله! لولا محبس أبي محجن لقلتُ: إن هذا أبو محجن، وهذه البلقاء.فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى هزمهم الله، ورجع أبو محجن، ورد السلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان. فجاء سعد، فقالت له امرأته: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق؛ لولا أني تركت أبا محجن في القيود لقلت: إنها بعض شمائل أبي محجن! فقالت: والله! إنه لأبو محجن؛ كان من أمره كذا وكذا.. فقصت عليه قصته. فدعا به، فحل قيوده، وقال: لا نجلدك على الخمر أبدًا. قال أبو محجن: وأنا والله؛ لا أشربها أبدًا، كنتُ آنف أنْ أدعها من أجل جلدكم! فلم يشربها بعد ذلك. [التوابين للمقدسي]
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توبة عبد الله بن مسلمة القعنبي:[/FONT]
قال بعض ولده: كان أبي يشرب النبيذ، ويصحب الأحداث، فدعاهم يومًا؛ وقد قعد على الباب ينتظرهم، فمر "شُعبة" على حماره؛ والناس خلفه يُهرَعون.. فقال: مَن هذا؟ قيل: شُعبة. قال: وإيش شُعبة؟ قالوا: مُحَدِّث. فقام إليه؛ وعليه إزار أحمر، فقال له: حَدِّثني!
فقال له: ما أنتَ من أصحاب الحديث فأحدثك! فأشهر سكينه، وقال: تُحَدِّثني أو أجرحك؟!
فقال له: حَدَّثنا منصور عن ربعي عن أبي مسعود قال: قال رسول الله خ: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شِئتَ".
فرمى سكينه ورجع إلى منزله، فقام إلى جميع ما كان عنده من الشراب فأهرقه، وقال لأمه: الساعة أصحابي يجيئون، فأدخليهم وقدمي الطعام إليهم، فإذا أكلوا فخبريهم بما صنعت بالشراب حتى ينصرفوا. ومضى من وقته إلي المدينة، فلزم مالك بن أنس، فأثر عنه. ثم رجع إلى البصرة؛ وقد مات شُعبة، فما سمع منه غير هذا الحديث. [التوابين]
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن أدهم:[/FONT]
روي أن رجلاً جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: يا أبا إسحاق! إنى مسرف على نفسي، فاعرض عليَّ ما يكون لها زاجرًا ومستنقذًا لقلبي.قال: إنْ قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.قال: هات يا أبا إسحاق!قال: أما الأولى: فإذا أردتَ أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه.قال: فمن أين آكل، وكل ما في الأرض من رزقه؟قال له: يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟قال: لا.. هات الثانية.قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئًا من بلاده. قال الرجل: هذه أعظم من الأولى. إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن ؟قال: يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن في بلاده وتعصيه؟قال: لا.. هات الثالثة.قال: إذا أردت أن تعصيه؛ وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزاً له؛ فاعصه فيه.قال: كيف هذا؛ وهو مطلع على ما في السرائر؟قال: يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه؛ وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟قال: لا.. هات الرابعة.قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً وأعمل عملاً صالحا. قال: لا يقبل مني!قال: يا هذا! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!قال: هات الخامسة.قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.قال: لا يَدَعونني، ولا يقبلون مني.قال: فكيف ترجو النجاة إذن؟!قال: يا إبراهيم! حسبي.. حسبي.. أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه فى العبادةحتى فرق الموت بينهما.
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توبة الفضيل بن عياض:[/FONT]
كان الفضيل يقطع الطريق وحده، فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلاً، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية؛ فإن أمامنا رجلاً يقطع الطريق يقال له: الفضيل. فسمع الفضيل، فأرعد، فقال: يا قوم! أنا الفضيل، جوزوا، والله؛ لأجتهدن أن لا أعصي الله أبدًا.. فرجع عما كان ليه.وروي أنه أضافهم تلك الليلة، وقال: أنتم آمنون من الفضيل، وخرج يرتاد لهم علفًا، ثم رجع فسمع قارئًا يقرأ: âأَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ á [الحديد: 16] قال: بلى والله قد آن.. فكان هذا مبتدأ توبته. [التوابين].
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]توبة أبو لبابة[/FONT]
وهذا أبو لبابة بن عبد المنذر بعثه رسول الله خ إلى بني قريظة استجابة لطلبهم -بعد أن خانوا العهد، ونقضوا الميثاق، وتآمروا على المسلمين- فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه؛ فرَقَّ لهم، وقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه؛ أنه الذبح. قال أبو لبابة: فوالله مازالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنتُ الله ورسوله.
ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله خ حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليّ مما صنعتُ. وعاهد الله أنْ: "لا أطأ بني قريظة أبدًا، ولا أُرَى في بلد خنتُ الله ورسوله فيه أبدًا". فلما بلغ رسول الله خ خبره؛ وكان قد استبطأه، قال: أما إنه لو جاءني لاستغفرتُ له، فأما إذ قد فعل ما فعل؛ فما أنا بالذي أطلقه من مكانـه حتى يتوب الله عليه. قال ابن هشام: فأنزل الله تعالى في أبي لبابة فيما قال سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي قتادة: âيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَá [الأنفال: 27] وقد نزلت توبة أبي لبابة على رسول الله من السَّحَر؛ وهو في بيت أم سلمة ل. قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله خ من السَّحَر وهو يضحك. قالت: فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك! قال: "تيب على أبي لبابة". قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال خ: "بلى إنْ شئتِ" فقامت على باب حجرتها؛ وذلك قبل أن يُضرب عليهن الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة! أبشر؛ فقد تاب الله عليك. فثار الناس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله؛ حتى يكون رسول الله خ هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه رسول الله خ خارجًا إلى صلاة الصبح؛ أطلقه.قال ابن هشام: أقام أبو لبابة مرتبطًا بالجذع ست ليالٍ؛ تأتيه امرأته في كل وقت صلاة، فتحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع. والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل: â وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ á [التوبة: 102].
2- التحلل من المظالم والأوزار.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَنْ كَانََتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعَلَتْ عَلَيْهِ.
- وفي رواية : رَحِمَ اللهُ عَبْدًا كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ ، فَجَاءَهُ فَاسْتَحَلَّهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ حَمَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ. أخرجه أحمد 2/435(9613) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَيَامٍ وَصَلاَةٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
- وفي رواية : تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. أخرجه أحمد 2/303(8016) و"مسلم" 6671 و"التِّرمِذي" 2418 .
كان رسول الله صـلى الله عليه وســلم في بدر يعدل الصفوف في غزوة بدر الكبرى ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلاً اسمه سواد بن غزية رضـي الله عنه ، وقد خرج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه، وقال له: «استوِ يا سواد» فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله بخير.([1]) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص236.
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان يقول : يا ليتني كنت شجرةً تعضدُ ثم تؤكل !! وكان له خادمٌ يأتيه بالطعام ، وكان من عادةِ الصديق أن يسأله في كل مرة عن مصدرِ الطعام ؛ تحرزاً من الحرام !! فجاءه خادمُه مرةً بطعامه ، فنسي أن يسألَه كعادته فلما أكلَ منه لقمة قال له خادمُه : لمَ لم تسألني - يا خليفةَ رسولِ الله - كسؤالكِ في كلِ مرة ؟ قال أبو بكر : فمن أين الطعامُ يا غلام ؟ قال : دفعه إليَّ أناسٌ كنتُ أحسنتُ إليهم في الجاهلية بكهانةٍ صنعتُها لهم ، وهنا ارتعدتْ فرائصُ الصديق ، وأدخلَ يده في فمــه ، وقاء كلَّ ما في بطنهِ وقال : واللهِ لو لم تخرجْ تلك اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها ، كل ذلك من شدةِ خوفه وتقواه وتورعهِ عن الحرام ، وأما خوفُ عمر رضي الله عنه وشدةِ تقواه فعجبٌ من العجب ، سمع قارئاً يقرأُ قولَه تعالى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً } [الطور:13] فمرض ثلاثاً يعـودهُ الناس . بل إنه قرأ مرةً قولَه تعالى : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [الصافات:24] فمرض شهراً يعودُه الناسُ مريضاً ، وأما عليٌ رضي الله عنه فكان يقبض لحيته في ظلمة الليل ويقول : يا دنيا غُري غيري أليَّ تزينتِ أم إليَّ تشوقتِ طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ فيهن زادُك قليل وعمرُك قصير ، وخرج ابن مسعود مرة في جماعة فقال لهم ألكم حاجة ؟! قالوا : لا ؛ ولكن حبُ المسيرِ معك !! قال : اذهبوا فإنه ذلٌ للتابع ، وفتنةٌ للمتبوع .
دعنا من الخلفاء الراشدين المكرمين ، ولنتجاوز الزمن سنين عدداً ، فهاهو هارون الرشيد الخليفةُ العباسيُ العظيم الذي أذلَّ القياصرة وكسرَ الأكاسرة والذي بلغت مملكته أقاصي البلاد شرقاً وغرباً يخرج يوما في موكبهِ وأبهته فيقول له يهودي:يا أمير المؤمنين : اتق الله !! فينـزل هارونُ من مركبه ويسجدُ على الأرض للهِ ربِ العالمين في تواضعٍ وخشوع ، ثم يأمرُ باليهودي ويقضي له حاجته ، فلما قيل له في ذلك !! قال : لما سمعت مقولتَه تذكـرتُ قولَه تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:206] فخشيت أن أكون ذلك الرجل ، وكم من الناس اليوم من إذا قيل له اتق الله احــمرتْ عيناه ، وانتفختْ أوداجه ، غضباً وغروراً بشأنه ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : كفى بالمرء إثماً أن يقال له: اتق الله فيقول:عليك نفسَك !! مثلكُ ينصحنُي !!.
قالالحسن البصري (رحمة الله) : إن العبـد لا يـزال بـخير مـا كـان لـه واعظ من نفسه ،وكانت المحاسبة من همته .
كان توبة بن الصمة من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسبأيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي ألقى ربيبأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟ ثم خر مغشياً عليه، فإذا هوميت، فسمعوا قائلاً يقول: ( يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى.
روي أن الأحنف بن قيس كان جالساً يوما فجال بخاطره قوله تعالي: (لـقد أنزلنا إليكـم كتاباً فيـه ذكركـم )فقال : علي بالمصحف لألتمس ذكري حتى اعلم من أنا ومن أشبة ؟فمر بقوم : ( كانوا قليلاُ من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرونوفي أموالهم حق للسائل والمحروم.ومر بقوم : ( ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عنالناسومر بقوم : ( يؤثرون علي أنفسهم ولوكان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسهفأولئك هم المفلحون.ومر بقوم : ( يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ... فقال تواضعاُ منه : اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء ثم أخذ يقرأفمر بقوم : ( إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون.ومر بقوم : يقال لهم ( ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولمنك نطعم المسكينفقال : اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاءحتى وقع علي قوله تعالي : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاًصالحاً وأخر سيئاً عسي الله أن يتوب عليهم ، إن الله غفور رحيم . فقال : اللهم أنا من هؤلاء.
إلى كم أقول ولا أفعلُ ‍
وأزجر عيني فلا ترعوي ‍
و كم ذا تعلّل لي ، ويحَها ‍
وكم ذا أُؤمل طول البقا ‍
و في كل يوم يُنادي بنا ‍
كأن بي وشيكاً إلى مصرعي ‍



و كم ذا أحوم ولا أنزِلُ
وأنصح نـفسي فلا تـَقبلُ
بِعَلَّ وسوف وكم تمطل ؟
وأغفل والموت لا يغفلُ ؟
منادي الرحيل : ألا فارحلوا
يُساق بنعشي ولا أُمهـلُ




يقول القاسم بن محمد :كنا نسافر مع ابنالمبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي، فأقول في نفسي:بأي شيء فُضُل هذا الرجل عليناحتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟!إن كان ليصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنالنصوم، وإن كان يغزو إنا لنغزو، وإن كان يحج إنا لنحج. قال: فكنا في بعضمسيرنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ انطفأ علينا السراج، فقام بعضنا لإصلاحالسراج، فكانت هُنيهة -أي: لحظة من اللحظات- ثم جاء السراج، فنظرت إلى وجهه رحمهالله تعالى وقد ابتلت لحيته من كثرة الدموع،فقلت في نفسي: بهذه الخشية فُضِّلهذا الرجل علينا، ولعله عندما فقد السراج وصار إلى الظلمة ذكر القيامةفتأثر.
3- تصفية القلوب لله الواحد القهار.
قال تعالى : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (22) سورة الزمر .
- {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (125) سورة الأنعام
- {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} (25) سورة طـه – وقال :{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } (47) سورة الحجر, وقال-{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (13) سورة الملك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( إذا جمع الله الخلائق يوم القيامةنادىمنادي:أين أهل الفضل؟؟فيقوم الناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا إلى الجنةفتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحنأهل الفضل فيقولون لهم ماكان فضلكم؟؟ فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذاأسيء إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا...فيقال لهم أدخلوا الجنة فنعمأجر العاملين...
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( كُلّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ ). قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ ، نَعْرِفُهُ. فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ: ( هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ. لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ) رواه ابن ماجه (4307) وأبو نعم في الحلية 1/183 والطبراني في مسد الشاميين (1218) والخرائطي في مكارم الأخلاق .
- عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليهم ، وأنا سليم الصدر ".[ أخرجه أبو داود والترمذي ]
- عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ خيار أمتي الذين إذا رؤوا ذكر الله وإن شرار أمتي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الاحبة الباغون للبرآء العيب}.[رواه الطبراني]
-وقد قال رسول اله : (( لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم . ولا يجتمع في جوف عبد ، الإيمان والحسد )).
- قال النبي صلى الله عليه وسلم:”تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه ومالك وأحمد.
- - فعن أنس بن مالكرضي الله عنه قال : كنا جلوساً معالرسولصلى الله عليه وسلم فقال: ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) ،فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كانالغد قال النبيصلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث قالالنبيصلى الله عليه وسلم مثلمقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبيصلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم ، قال أنس : وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عزوجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلمامضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنةفطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقال: ما هو إلا ما رأيتغير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه اللهإياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق . رواه عبد الرزاق (21621)و أحمد (12405) والنسائي في الكبرى ( 10597) قال المنذري رحمه الله تعالى " رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم " ا.هـ الترغيب والترهيب 3/348 وقال ابن كثير " هذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين " ا.هـ التفسير 4/339 وقال ابن حجر الهيتمي " رواه أحمد بإسناد على شرط الشيخين والنسائي بسند صحيح أيضا ". الزواجر 1/100.
ويضرب لنا أبو ضمضم أروع الأمثلة فكان يقول إذا أصبح : ( اللهم إنه لا مال لي أتصدق به على الناس ، وقد تصدقت عليهم بعرضي ، فمن شتمني أو قذفني فهو في حل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم ) قال ابن القيم رحمه الله : وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه ) [ تهذيب مدارج السالكين 407] .
ولما دُخل على أبي دجانة وهو مريض كان وجه يتهلل، فقيل له: مالي أرى وجهك يتهلل؟ فقال:'ما من عمل شئ أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لايعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً' .
- حدثناوكيععنالأعمشعنأبي عمار الهمدانيعنعمروبن شرحبيلقال : { قال [ ص: 492 ] رجل : يا رسول الله , أرأيت رجلا يصومالدهر كله قال : وددت أنه يطعم الدهر كله قال : ثلثيه ؟ قال أكثر قال نصفه قال أكثرثم قال رسول اللهصلى الله عليهوسلم : ألا أنبئكم ما يذهب حر الصدرصيام ثلاثة أيام من كل شهر. أي غله وحقده( رواه النسائي والزار وغيرهما ) .
- -فهذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه علىوجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطلق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيهاجبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملكالجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين "جبلا مكة" فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله منأصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.- قال إياس بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي r: ((كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة)) وقد قال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم. - وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فالقلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشر، فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يمدح به ".
ومما يعين على سلامةالصدر:
أولاً: الإخلاص:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( نَضَّرَ الله عَبْداً سَمِعَ مَقَالتي هٰذِهِ فَحَمَلَها، فَرُبَّ حامِلِ الفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقيهٍ، وربَّ حاملِ الفِقْهِ إلى مَنْ هُوَ أُفْقَهُ مِنْهُ، ثلاثٌ لا يغلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إخلاصُ العَمَلِ لله عَزَّ وَجَلَّ، وَمُناصَحَةُ أولي الأمْرِ، وَلُزُومُ جماعَةِ المُسْلِمِينَ، فإنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )( رواه أحمد (13058) ورواه الدارمي (234) وابن حبان (67) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه .
ثانياً: رضا العبد بما قسمه الله تعالى له:
عن عطاء بن السائب عن أبيه قال : صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم : لقد خففت أو أوجزت الصلاة . فقال : أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم وأسألك خشيتك يعني في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا يبيد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين )
ثالثاً: قراءة القرآن وتدبره:
فهو الدواء لكل داء، والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: ( قُل هُوَلِلذِينَ ءَامَنُوا هُدىً وَشِفَآءٌ(فصلت:44)، وقال: ( وَنُنَزِلُ مِنَ القُرءَانِ مَاهُوَ شِفَآءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالمِينَ إلا خَسَاراً(الإسراء:82). قال ابن القيم رحمه الله: ( والصحيح أن "مِن" ها هنا لبيان الجنس لاللتبعيض ) وقال تعالى: (يَا أيُها النّاسُ قَد جَآءَتكُم مَوعِظَةٌ مِنرَبِكُم وَشِفَآءٌ لِمَا في الصُدُور) (يونس:57) قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه فهما في كتابه " ا. زاد المعاد 4/352.
رابعاً: تذكر الحساب والعقاب:
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق:18) فمن أيقن أنه محاسب ومسئول عن كل شيء هانت الدنيا عليه وزهد بما فيها وفعل ما ينفعه عند الله تعالى ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف:49)
خامساً: الدعاء:
عن شدادِ بنِ أوس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّباتَ فِي الأَمْرِ، وعَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وشُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً، وأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْتَغُفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ ).
سادساً: الصدقة:
فهي تطهر القلب ، وتُزكي النفس ، قال الله تعالى لنبيهصلى الله عليه وسلم :( خُذ مِنأموالِهم صَدَقَةً تُطَهِرُهُم وَتُزَكِيِهِم بِهَا) التوبة:103وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام:(داووا مرضاكمبالصدقة"
سابعا : حُسن الظن وحمل الكلماتوالمواقف على أحسن المحامل:
قال تعالى (يَـٰۤأَيـُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌۚ ) الحجرات(12) .
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم والظنَّ ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث).
وقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمنشرًّا ، وأنت تجد لها في الخير محملاً .
وعده الأوائل صورة من صور الكرم قال أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى : قال كسرى لوزيره : ما الكرم ؟ قال : التغافل عن الزلل . قال: فما اللؤم ؟ قال : الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد . قال : فما الحياء ؟ قال الكف عن الخنا . قال : فما اللذة ؟ قال : الموافقة . قال : فما الحزم ؟ قال : سوء الظن
ثامناً: إفشاء السلام : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَينَكُمْ ) رواه مسلم ( 157) وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ثلاث يصفين لك ود أخيك تبدؤه بالسلام إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه .
تاسعا : الابتسام والبشاشة
للابتسامة أثر حسن على الآخرين صغارا وكبارا وهي مما يزرع الألفة والمحبة بين الناس وقد حث النبي صلى الله عليه سلم عليها وأمر بها مع فعله لها فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لك صَدَقَةٌ )( الترمذي (1956) وابن حبان (474) والبزار (4070) وقال الترمذي : حسن غريب.
عاشراً: ترك السؤال عما لا يعنيك وتتبع أحوال الناس وعيوبهم
عن الحسين رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ) . وقد سبق ذكر أثر أبي دجانة رضي الله عنه وهو ما رواه زيد بن أسلم قال: دُخل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل له : ما لوجهك يتهلل ؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين. أما إحداهما: فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.
الحادي عشر : محبة الخير للمسلمين:
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ - أَوْ قَالَ لأَخِيهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ). رواه البخاري (13)ومسلم(134) واللفظ له .بسلامة الصدر يُرزق الإنسان الصدق , لأن الذي صدق الله في كل أموره , صنع الله له فوق ما يصنع لغيره .وبسلامة الصدر يُرزق الإنسان البذل , ومداعبة الرفيق , وحب العطاء , وهذه وسائل لا تنطلق إلا من قلب سليم , ولا يجدى فيها الادّعاء , فسرعان ما ينكشف . وبسلامة الصدر يُرزق الإنسان التواضع , فالكل أفضل منه , والكل أحسن منه ، سئل الحسن عن التواضع , فقال : أن تخرج من بيتك , فلا تلقى أحداً , إلا رأيت له الفضل عليك .ويقول أبو عباد : ما جلس إلىّ رجل قط , إلا خُيّل إلى أني سأجلس إليه .
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى ‍
لسانك لاتذكر به عورة امرىء ‍
وعينك إن أبدت إليك مساوءا ‍
و عاشر بمعروف و سامح من اعتدى ‍



و حظك موفور و عرضك صين
فكلك عورات و للناس ألسن
فصنها وقل يا عين للناس أعين
و فارق و لكن بالتي هي أحسن



فإما أن تكون أخي بحق ‍
وإلا فاطرحني واتخذني ‍



فاعرفَ منك غثي وسميني
عدوا أتقيك وتتقيني




4- الحرص على نيل الشرف من العزيز الغفار .
عن سهل بن سعد أإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت ، فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزي به ، و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل و عزه استغناؤه عن الناس " .أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 61 / 2 و أبو نعيم في " الحلية " ( 3 / 253 ) و الحاكم ( 4 / 324 - 325 ) و قال : " صحيح الإسناد " ! و وافقه الذهبي ! الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 505.
فرمضان فرصة للتغيير .. ليصبح العبد من المتقين الأخيار ، ومن الصالحين الأبرار . يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام ؛ ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العظمى . وهي تقوى الله والتي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ رضي الله عنه الصحابيَ الجليل ؛ أبيَ بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها ؟ فقال يا أمير المؤمنين : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى .. قال : فما صنعت ؟ قال : شمرتُ واجتهدت .. أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه ، قال أبي: فذلك التقوى إذن فالتقوى : حساسيةٌ في الضمير ، وشفافيةٌ في الشعور ، وخشيةٌ مستمرة ، وحذرٌ دائم ، وتوق لأشواكِ الطريق ؛طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات ، وأشواكُ المخاوفِ والهواجس ، وأشواكُ الفتنِ والموبقات ، وأشواكُ الرجاءِ رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخير دائم وفلاح
قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأعراف:96] فليكن هذا الشهر بداية للباس التقوى ؛ ولباس التقوى خير لباس لو كانوا يعلمون {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } [القمر:54-55].
خـــــل الـذنوب صغــــــــــيرها * * * وكبيرها ذاك الـتقى
واصنع كماش فوق * * * أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تـحـقـرن صـغيرةً* * * إن الجبـــــــالَ من الحـــــــــــصى
جاء في الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا قال :" أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " رواه البخاري (1143).
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى *** تجرد عريانا وإن كان كاسيا
وخير خصال المـرء طـاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله تعالى بتعاطي الحرام ، من خـمر ومخدرات ، أو دخان و مسكرات ، أن لا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه العزيمة القوية ، أو يوهنها ، أو يقلل من شأنها ،تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار ، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره من قوة الإرادة التي صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته .
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلــوت ولكن قل عليّ رقيب
فاتق الله أيها الشاب ، واتقي الله أيتها الفتاة ، وليكن رمضان فرصة لتغيير المسار والابتعاد عن الأخطار ، وهتك الأعراض فالزنا دين كما قال الشاعر :
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً *** طـــرق الفساد فأنت غير مكــرم
من يزن في قـوم بألفـي درهم *** في أهـــــــله يزنــي بربــــع الدرهـــــم
إن الزنى دين إذا استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن تعود على حياة المترفين ، ونشأ على حب الدعة واللين ، أن يأخذ من رمضان درسا في تربية النفس على المجاهدة والخشونة في أمر الحياة عن أبي عثمان النهـدي قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب : ( اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا ـ التمعدد ـ أي العيش الخشن الذي تعرفه العرب ـ كأنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم.) .
و عن عروة بن رويم قال : قال صلى الله عليه وسلم :" شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به همتهم ألوان الطعام وألوان الثياب يتشدقون في الكلام" .
كيف تصفو روح مَـرْءٍ *** نفسه للـطـعـم ولهى
قال الحارث بن كلدة الطبيب المشهور : الحمية رأس الدواء ، والبطنة رأس الداء . وقال غيره لو قيل لأهل القبور: ما كان سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم !!
وقلة الطعام توجب رقة القلب وقوة الفهم ، وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب . وكثرة الطعام يوجب ضد ذلك .
عن عمرو بن قيس قال : إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب . وعن سلمة بن سعيد قال : إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله .
وعن مالك بن دينار قال : ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه ، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه .
وقال سفيان الثوري : إن أردت أن يصح جسمك ، ويقل نومك ، فأقل من الأكل .
فليكن هذا الشهر المبارك بداية للتقلل من الطعام والاستمرار على ذلك على الدوام .
• ورمضان فرصة للتغيير .. من أخلاقنا . فمن جبل على الأنانية والشح وفقدان روح الشعور بالجسد الواحد ، فشهر الصوم مدرسة عملية
الصوم يمنحنا مشاعر رحمة *** وتعاون وتعفف وسماح
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله تعالى بقلب قاسٍ كالصـخر الراسي ، لا تدمع له عين أن ينتهز فرصة هذا الشهر الذي تكون للنفوس فيه صولة . . وللقلوب فيه جولة . . فيحرص على ترقيق قلبه ، بصرفه عن الذنوب التي هي جالبة الخطوب ، و حاجبة القلوب عن علام الغيوب . قال عليه الصلاة والسلام : " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " رواه مسلم .
وما أحسن قول القائل :
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانهـا
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخـير لنفسك عصيانهـا
وقال آخر:
قد جاء شهر الصوم فيه الأمان *** والعتق والفوز بسكنى الجنان
شهر شريف فيه نيل المنى *** وهو طراز فوق كم الزمان
طوبى لمن قد صامه واتقى *** مولاه في الفعل ونطق اللسان
ويا هنا من قام في ليله *** ودمعه في الخد يحكي الجمان
ذاك الذي قد خصه ربه *** بجنة الخلد وحور حسان
هناكم الله بشهر أتى *** في مدحه القرآن نص عيان
وقال الشاعر:
إذا رمضان أتى مقبلاً ... فأقبل بالخير يستقبل
لعلك تخطئه قابلاً ... وتأتي بعذر فلا يقبل
5- الفرح بقدوم رمضان والاستبشار .
يقول المولى سبحانه: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]. ويقول جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا ببلوغه رمضان. فإذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
قال معلى بن الفضل : كانوا (السلف) يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلغهم رمضان, ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحيى بن أبي كثير : كان من دعائهم : اللهم سَلِمني إلى رمضان, وسلم لي رمضان, وتَسَلمه مني متقبلاً.
وقال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)). وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعراً فقالا : اصعد فقلت : إني لا أضيقه ، فقالا: إنا سنسهله لك فصعدت ، حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ، قالوا : هذا عواء أهل النار. ثم انطلقا بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً ، قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ..الحديث ) صحيح الترغيب برقم 1005.
وعن طلحة بن عبيدالله أن رجلين من بلى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشدَ اجتهادا من الآخر ، فغزا المجتهد منهما فاستشهد ، ثم مكث الآخر بعده سنة ، ثم توفي ، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة ، إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ، ثم خرج فأذن للذي استشهد ، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس ، فعجبوا لذلك ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثوه الحديث ، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله ، هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ، ودخل هذا الآخر الجنة قبله!!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى . قال: وأدرك رمضان ، فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة ، قالوا: بلى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض . رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
لقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات، شهر النفحات والنسمات، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار.
فإن شهر رمضان المبارك نعمة عظيمة من نعم الله تعالى تفضل بها ربنا جل وعلا على عباده المؤمنين ، فطوبى لمن جد واجتهد في هذا الشهر المبارك في قيام الليل، وبذل الصدقة ، وصلة الأرحام ، وقراءة القرآن ، واستغل أيامه في مختلف أنواع العبادات والأعمال الصالحة.
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]الصنف الأول من الناس:[/FONT] من يفرحون بهذا الشهر، ويسرون بقدومه، وذلك لأسباب:
أولاً: لأنهم عودوا أنفسهم على الصيام، ولهذا تجدون في السنة النبوية -مثلاً- استحباب صيام أيامٍ كثيرة، كالإثنين والخميس وأيام البيض ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده، وصيام شعبان، وغير ذلك من الأشياء التي شرعها النبي e لأمته؛ حتى يعتادوا الصيام ولا يصبح الصيام غريباً عليهم.
يروى أن قوماً من السلف باعوا جارية لهم فاشتراها رجل، فلما أقبل رمضان بدأ يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال شهر رمضان -كما يصنع الناس في هذا الزمان- فقالت لهم: لماذا تصنعون هذا؟!
قالوا: نصنعه لاستقبال رمضان. قالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان! والله لقد جئت من عند قومٍ السنة عندهم كأنها رمضان، لا حاجة لي إليكم ردوني إليهم. فرجعت إلى سيدها الأول.
ويروى أن الحسن بن صالح وكان من الزهاد العباد الورعين الأتقياء، كان يقوم الليل هو وأخوه وأمه أثلاثاً، يقوم ثلثاً ويقوم أخوه ثلثاً آخر وتقوم أمه الثلث الباقي، فلما ماتت أمه تناصف هو وأخوه الليل، فصار يقوم نصفه ويقوم أخوه النصف الآخر، فلما مات أخوه نقل عنه أنه كان يقوم الليل كله.
قيل: إن الحسن بن صالح هذا باع أمةً له، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد، قامت في وسط الدار وصاحت: يا قوم، الصلاة الصلاة، فقاموا فزعين، وقالوا: هل طلع الفجر؟! قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة!! فلما أصبحت رجعت إلى سيدها، وقالت: لقد بعتني على قوم سوء، بعتني على قومٍ لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة، لا حاجة لي إليهم ردوني ردوني، فردها.
إذاً: إذا اعتاد الإنسان على الصيام لم يجد في صيام رمضان ثقلاً ولا مشقةً، وهذا من أسباب فرح المؤمنين بشهر الصوم، حيث يصومون فيه شهراً كاملاً، ويوافقهم الناس كلهم على صيام هذا الشهر.
الأمر الثاني من أسباب رغبتهم فيه وفرحهم به: أنهم يعرفون أن الامتناع من اللذات في هذه الدنيا سببٌ لحصولها في الدار الآخرة، فإن امتناع الصائم عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات في نهار رمضان طاعةً لله عز وجل، يكون سبباً في حصوله على ألوان الملذات في الجنة، فلقوة يقينهم بذلك يفرحون بهذا الشهر الكريم، والعكس بالعكس، فإن الإنسان الذي يقبل على الملذات المحرمة في الدنيا يكون هذا سبباً في حرمانه منها يوم القيامة.
السبب الثالث: أنهم يدركون أن هذا الشهر من أعظم مواسم الطاعات والتنافس في القربات: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:26] ويعلمون أن الله عز وجل يجري فيه من الأجور ما لا يجري في غيره من الشهور.
[FONT=MCS Shafa S_U normal.]الصنف الثاني من الناس : قومٌ كارهون.[/FONT]
وفي مقابل ذلك تجد طائفةً أخرى من الناس يستثقلون هذا الشهر الكريم، ويستعظمون نـزوله بهم إذا نـزل، فهو كالضيف الثقيل، ثم يعدون أيامه وساعاته ولياليه، وهم يعيشون على أعصابهم، ويفرحون بكل يومٍ يمضي وليلة تفوت.
لأنهم قومٌ عظم تقصيرهم في الطاعات، حتى إن منهم من لا يؤدي الصلاة، ومنهم من يقصر كثيراً في حقوق الله، فإذا جاء هذا الشهر التزموا ببعض العبادات، فوجدتَ كثيراً من الناكثين القاسطين المقصرين بدءوا يترددون على المساجد، ويشهدون الجمع والجماعات إلى غير ذلك، فيستثقلون هذا الشهر؛ لأنهم يلتزمون فيه ببعض الطاعات التي قصروا فيها في غيره.
لذلك يذكر المؤرخون -كابن رجب وغيره- أن ولداً لهارون الرشيد كان غلاماً سفيهاً، فلما أقبل رمضان ضاق به ذرعاً وبدأ يقول:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر * * ولا صمت شهراً بعده آخرالدهر
فلو كان يعديني الأنام بقوة على * * الشهر لاستعديت قومي علىالشهر
فهو يدعو على رمضان ويقول: عسى ألا أصوم شهراً بعده آخر الدهر، ولو كان يمكن أن أستعين بالناس على هذا الشهر لأتغلب عليه لاستعنت بهم، قال: فأصيب بمرض الصرع، فكان يصرع في اليوم عدةَ مرات، وما زال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر بعد ما قال ما قال.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له, ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" (رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع 3510).من رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم, ومن حُرم خيره فهو المحروم, ومن لم يتزود فيه لمعاده فهو ملوم.
أتى رمضان مزرعة العباد * * لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعـــلا * *وزادك فاتخذه للمعــاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها * *تأوه نادما يوم الحصـاد
يا من طالت غيبته عنا, قد قربت أيام المصالحة, يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة, من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح ؟ من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
أناس أعرضوا عنـا * *بلا جَرم ولا معنى
أساءوا ظنهم فينـا * *فهلا أحسنوا الظنا
فإن عادوا لنا عُدنـا * *وإن خانوا فما خُنا
فإن كانوا قد استغنوا * *فإنـا عنهم أغنـا
كما ينادى : حي على الفلاح وأنت خاسر ؟ كم تُدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر ؟!
إذا رمضان أتى مُقبلاً * *فأقبِل فبالخير يُستقْبل
لعلك تُخطِئه قابـلاً * *وتأتي بِعُذرٍ فلا يقبل
كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله, فصار قبله إلى ظلمة القبر. كم من مستقبل يوماً لا يستكمله, ومؤمل غداً لا يدركه، إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره, لأبغضتم الأمل وغروره.
خطب عمر بن عبد العزيز آخر خُطبة خَطبها, فقال فيها : إنكم لم تخلقوا عَبثاً, ولن تتركوا سدى, وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده, فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحُرم جنة عرضها السماوات والأرض.
ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين, وسيرثها بعدكم الباقون ؟ كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين. وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه, وانقضى أجله, فتُودعونَه وتَدَعُونَه في صدعٍ من الأرض غير مُوسَد ولا مُمَهد, قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب, وواجه الحساب, غنياً عما خلف, فقيراً إلى ما أسلف, فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته, وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي, ولكني أستغفر الله وأتوب إليه، ثم رفع طرف ردائه وبكى حتى شهق, ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه :
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ * *حتى عَصَى الله في شهر شعبانِ
لقد أظلكَ شهرُ الصومِ بَعدهُمــا * *فلا تُصيره أيضاً شهر عصيانِ
واتلُ القرآنَ وسبِح فيه مُجتهــداً * *فإنهُ شهرُ تسبيحٍ وقُــــرآنِ
واحْمِل على جسدٍ ترجو النجاة له * *فسوف تُضرَم أجسادٍ بنيــرانِ
كم كنت تعرف مِمَن صامَ في سلفٍ* * من بين أهلٍ وجيران وإخـوانِ
أفناهُمُ الموتَ واستبقاك بعدهُمُ حياً * *فما أقربَ القاصي من الدانـي
ومعجب بثيابِ العيد يُقطِعُهـا* *فأَصبحَت في غدٍ أثوابَ أكفانِ
حتى متى يُعمر الإنسان مسكنه * *مصير مسكنه قبر لإنســانِ
(بتصرف من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص 281-282).
عن سلمان الفارسي ـ t قال : خطبنا رسول الله e آخر يوم من شعبان فقال : "يا أيها الناس ! قد أظلَّكم شهر عظيم ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة وشهر المساواة ، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ، ومن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء . قالوا: يا رسول الله ! ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم قال : يعطي الله هذا الثواب من فطر على مذقة لبن ، أو تمرة ، أو شربة ماء ، ومن أشبع صائماً سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ، وهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال ؛ خصلتان ترضون بهما ربكم ، وخصلتان لا غنى بكم عنهما ، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه ، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما ؛ فتسألون الجنة ، وتعوذون من النار،ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة".
وعن أبي هريرة t ، قال رسول الله r: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به يدعْ الطعام من أجلي ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه". رواه البخاري برقم (1883) ، باب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِم، ومسلم برقم (2659)، باب فضل الصيام .
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "أتاكم رمضان شهر مبارك. فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم". رواه أحمد والنسائي وإسناده صحيح رواه أحمد (9/225، 226 الفتح الرباني)، والنسائي (4/129) انظر: تحقيق أحمد شاكر للمسند رقم (7148) وصحيح الترغيب للألباني (1/ 490) وتمام المنة ص395.
مضى رجبٌ فما أحسنتَ فيه * * وولَّى شهرُ شعبانالمبارَكْ
فيا مَن ضيَّع الأوقاتَ جهلاً * * بحُرمتها أفِقْ واحذربوارَكْ
فسوف تُفارق اللذاتِ قسراً * * ويُخلي الموتُ كُرْهاً مِنكدارَكْ
تدارَكْ ما استطعتَ مِن الخطايا * * بتوبةِ مُخْلِصٍ واجعلْمدارَكْ
على طلب السلامة مِن جحيمٍ * * فخير ذوي الجرائم مَنتدارَكْ

لا حرمني الله وإياكم أجر الصيام والقيام, ومرضاة الملك العلام , وغفر لنا الذنوب , وستر لنا العيوب , وطهر لنا القلوب , وجعل الجنة مثوانا , ونعيم الرحمن مؤانا , ورزقنا التوبة النصوح الخالصة .
 

خيوط الشمس

كبار الشخصيات
رد: في استقبال رمضان مدرسة الصوم

يعطيك ألف ألف عاافية ع الاختيار المميز

بوركت جهودك

داام ابدااعك و تميزك

مع أرق تحياتي
 

SONDA

كاتب جيد جدا
رد: في استقبال رمضان مدرسة الصوم

[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:80%;background-color:white;border:4px double black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

:have a nice day:

حفظت موضوعك عندي أخي

أرجو ان تتابع مواضيعك معنا

تحياتي
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
 

سلسبيلة

كاتب جيد جدا
رد: في استقبال رمضان مدرسة الصوم

جعل الله هذا الشهر الفضيل رحمة للعالمين
وبلغ امة محمد الشفاعة والمغفرة ان شاء الله

طرحك جد قيم اخي الكريم
جوزيت ما تشتهيه نفسك من خيرات الجنة ان شاء الله

موفق باذن الله اخي
 
أعلى