إضاءات حول كتاب الحوقلة مفهومها ودلالتها العقدية

رضا البطاوى

كاتب جيد جدا
إضاءات حول كتاب الحوقلة مفهومها ودلالتها العقدية
الكاتب هو عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر وهو يدور حول معنى كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله وهى ما يسمونها الحوقلة وأمر القوم غريب فجملة عددها كلماتها أقل من العشرة يدور حولها بحث كامل من عشرات الصفحات لمعرفة معناها وحكمها وفد تناول البدر فى مقدمته فضل الأذكار الكلامية حيث قال :
"أما بعد؛ فإن للأذكار الشرعية مكانة عالية في الدين ومنزلة رفيعة في نفوس المؤمنين وهي من أجل القربات وأفضل الطاعات ولها من الثمار اليانعة والفضائل المتنوعة والخيرات المتوالية في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه ويحيط به إلا الله عز وجل"
والأذكار الكلامية بمعنى ترديد جمل عشرات أو مئات أو آلاف المرات هو اختراع اخترعه الكفار لكى يترك المسلمون العمل بطاعات الله الأخرى خاصة العمل الوظيفى وغيره فالهدف منها هو اضعاف المسلمين
وتناول معنى الحوقلة من اللغة حيث قال:
"المبحث الأول مفهوم الحوقلة
أولا المراد بالحوقلة
الحوقلة كلمة منحوتة من " لا حول ولا قوة إلا بالله " وهذا الباب سماعي وهو من الفعل الرباعي المجرد كما هو مقرر في كتب الصرف
والنحت ((هو أن ينحت من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة تدل على معنى الكلام الكثير وذلك على النحو التالي
أ - النحت من كلمتين مركبتين تركيبا إضافيا مثلما نحتوا من عبد قيس عبقسي
ب – النحت من جملة مثل بسمل أي قال بسم الله حوقل قال لا حول ولا قوة إلا بالله))
ويقال لها أيضا ((الحولقة)) قال النووي ((قال أهل اللغة ويعبر عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة …))
وقال في موضع آخر ((ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله الحوقلة هكذا))
ويلاحظ على هذا أمران
1- أن الذي ذكره الأزهري في تهذيب اللغة ونقله عن بعض أهل اللغة كالفراء وابن السكيت ((الحولقة)) وليس ((الحوقلة))
2- تعليل أولوية لفظ ((حوقل)) على لفظ ((حولق)) بحجة عدم الفصل بين الحروف غير واضح لأن ((حولق)) ليس فيها فصل بين الحروف "
وما ذكره من كتب اللغة كلام فارغ لم يبين معنى الجملة فكله حديث عن نحت الكلمة وهل هى حوقلة أو حولقة ومن ثم لم نستفد شىء منها وتناول المعنى خارج كتب اللغة حيث قال:
"ثانيا معنى ((لا حول ولا قوة إلا بالله))
الحول هو التحرك يقال حال الرجل في متن فرسه يحول حولا وحوولا إذا وثب عليه وحال الشخص إذا تحرك وكذلك كل متحول عن حاله
والقوة هي الشدة وخلاف الضعف يقال قوي الرجل كرضي فهو قوي وتقوى واقتوى أي صار ذا شدة وقواه الله أي أعطاه القوة وهي الشدة وعدم الضعف
فمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله أي لا تحول من حال إلى حال ولا حصول قوة للعبد على القيام بأي أمر من الأمور إلا بالله أي إلا بعونه وتوفيقه وتسديده وقد ورد في بيان معنى هذه الكلمة وتوضيح المراد بها عن السلف وأهل العلم نقول عديدة من ذلك
1- قول عبد الله بن عباس في ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) أي ((لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله)) رواه ابن أبي حاتم
2- وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال في معناها أي ((لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته))
3- وروي عن علي بن أبي طالب في معناها أي ((أنا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك من دونه ولا نملك إلا ما ملكنا مما هو أملك به منا))
...وجميع هذه الأقوال متقاربة في الدلالة على المعنى المراد بهذه الكلمة العظيمة؛ ولهذا قال النووي بعد أن أورد بعض هذه الأقوال ((وكله متقارب) "
وكل هذا الكلام المنقول لا داعى له فالمعنى سهل وهو لا يحدث شىء فى الكون إلا بأمر الله لأن الله هو من يقدر خلقه على احداث الأشياء وتفسيره فى كتاب الله :
" إن الله على كل شىء قدير"
وقوله :
" فعال لما يريد"
وقوله:
"الله خالق كل شىء"
فالخلق وهو الفعل وهو القدرة على الخلق هى الحول وهو القوة على احداث أى شىء فى الكون
وتناول الكاتب اعراب الجملة ونقل كلاما حذفت بعضه لأن النحو لا فائدة منه فنحن لا نسأل بعضنا فى حياتنا عن اعراب الجمل أو القرآن لأن الغرض هو العمل بوحى الله وليس إعرابه والاعراب حيث قال :
ثالثا إعراب ((لا حول ولا قوة إلا بالله))
((لا)) نافية للجنس
((حول)) اسم لا مبني على الفتح في محل نصب وخبرها محذوف وتقديره كائن أو موجود
((ولا)) الواو عاطفة ولا نافية للجنس أيضا
((قوة)) اسم لا وخبرها محذوف وتقديره كائنة أو موجودة
((إلا)) أداة استثناء
((بالله)) جار ومجرور متعلق بالخبر المحذوف
وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في إعراب ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) خمسة أوجه ..."
وتناول فضائل العبارة فذكر نصوصا كثيرة حيث قال :
"المبحث الثاني فضائل ((لا حول ولا قوة إلا بالله))
لقد وردت نصوص كثيرة في السنة في بيان فضل هذه الكلمة وعظم شأنها وقد تنوعت هذه النصوص في الدلالة على تشريف هذه الكلمة وتعظيمها مما يدل بجلاء على عظم فضل هذه الكلمة ورفعة مكانتها وأنها كلمة عظيمة ينبغي على كل مسلم أن يعنى بها ويهتم بها غاية الاهتمام وأن يكثر من قولها لعظم فضلها عند الله وكثرة ثوابها عنده ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة وفضائل متعددة في الدنيا والآخرة ومما يدل على فضل هذه الكلمة العظيمة ما يلي
1- أنها وردت في عدة أحاديث مضمومة إلى الكلمات الأربع الموصفة بأنها أحب الكلام إلى الله
فقد ثبت في المسند وسنن الترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما على الأرض رجل يقول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا كفرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر))
وثبت في سنن أبي داود والنسائي والدارقطني وغيرهم عن ابن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي (ص)فقال يا رسول الله إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني شيئا يجزيني قال " تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله " فقال الأعرابي هكذا وقبض يديه فقال هذا لله فما لي قال "تقول اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني" فأخذها الأعرابي وقبض كفيه فقال النبي (ص)أما هذا فقد ملأ يديه بالخير "
رواية باطلة فالرسول (ص) يعلم أن الصلاة لا تنفع دون قرآن ومع هذا تزعم الرواية أنه وافق الأعرابى على الخطأ فعلمه حولى عشر جمل بينما سورة الاخلاص أربع جمل وسورة الكوثر ثلاث جمل فهل ألسها أن يحفظ أربع أو ثلاث جمل أو يحفظ عشر جمل؟
وقال :
2- ورودها معدودة في الباقيات الصالحات التي قال الله عنها {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}
فقد روي من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص)قال "استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هي يا رسول الله؟ قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله" رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ولكن في إسناده أبو السمح دراج بن سمعان صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف وهذا منها
لكن جاء عد لا حول ولا قوة إلا بالله في جملة " الباقيات الصالحات" عن غير واحد من الصحابة والتابعين فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان سئل عن " الباقيات الصالحات " ما هي؟ فقال ((هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله))
وروى ابن جرير عن ابن عمر أنه سئل عن " الباقيات الصالحات " فقال لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
وعن سعيد بن المسيب قال ((الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله))
وروى ابن جرير الطبري عن عمارة بن صياد قال ((سألني سعيد بن المسيب عن " الباقيات الصالحات " فقلت الصلاة والصيام قال لم تصب فقلت الزكاة والحج فقال لم تصب ولكنهن الكلمات الخمس لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله))
وأثر ابن المسيب هذا يوهم أن " الباقيات الصالحات " محصورة في هؤلاء الكلمات الخمس والذي عليه المحققون من أهل العلم أن " الباقيات الصالحات" هن جميع أعمال الخير كما جاء عن ابن عباس في قوله {والباقيات الصالحات} قال ((هي ذكر الله قول لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأستغفر الله وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة وجميع أعمال الحسنات وهن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السموات والأرض)) "
والأحاديث السابقة متناقضة فى عدد الباقيات وهى :
1-التكبير 2-والتهليل 3-والتسبيح 4والحمد5 ولا حول ولا قوة إلا بالله
1-لا إله إلا الله 2- والله أكبر 3- وسبحان الله 4- ولا حول ولا قوة إلا بالله
1-قول لا إله إلا الله 2-ولا حول ولا قوة إلا بالله 3- وأستغفر الله 4-وصلى الله على رسول الله 5-والصيام 6-والصلاة 7-والحج8- والصدقة 9-والعتق 10والجهاد 11والصلة
إذا هل هى خمسة أم أربعة أم أكثر إنه تناقض يعنى أن كل الروايا غير صحيحة لأن الاختلاف فى العدد هو اتهام للرسول(ص) بأنه جاهل بماهيتها والعياذ بالله
والباقيات الصالحات هى كل الأعمال الصالحة بدليل أن الله يذكر العمل عشرات المرات مرتبطة بالصلاح " الذين آمنوا وعملوا الصالحات"
وقال أيضا:
3 – إخبار النبي (ص)أنها كنز من كنوز الجنة
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال كنا مع النبي (ص)في سفر فكنا إذا علونا كبرنا وفي رواية فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نعلو شرفا ولا نهبط في واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير فقال النبي (ص)أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ولكن تدعون سميعا بصيرا" ثم أتى علي وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله فقال "يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة" أو قال " ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله "
وفي رواية " ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول الله عز وجل أسلم عبدي واستسلم" رواه الحاكم وقال ((صحيح ولا يحفظ له علة)) ووافقه الذهبي
والبدر يحاول هنا أن يقنعنا أن الكنز هو ثواب بينما منطوق الروايات يقول أن الكنز نفسه هو الجملة لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة والرسول(ص) من وضعوا الحديث يظهرون بمظهر الجاهل الذى ينطق بما لا يعرف فالكنوز تكون ماديات وليس كلمات والغريب أن الله لم يذكر وجود كنوز فى الجنة وإنما ذكر ما يجعل الحياة سعيدة طعام وشراب ولباس وأسرة ....
وقال أيضا :
4 – ورود الأمر بالإكثار منها والإخبار أنها من غراس الجنة
روى الإمام أحمد وابن حبان عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي (ص)ليلة أسري به مر على إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال ((يا محمد مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة قال وما غراس الجنة؟ قال لا حول ولا قوة إلا بالله))
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن النبي (ص)قال " أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة ""
والرواية باطلة لم يقلها النبى(ص) فالغراس يعنى وجود عمل فى الجنة لأن الغرس هو وضع فسائل الشجر فى الأرض
وقال أيضا:
5 – إخبار النبي (ص)أنها باب من أبواب الجنة
روى الإمام أحمد والحاكم عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي (ص)يخدمه قال فمر بي النبي (ص)وقد صليت فضربني برجله وقال " ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت بلى قال لا حول ولا قوة إلا بالله" "
ونلاحظ التناقض فى الجملة فمرة كنز ومرة غراس ومرة باب وتناقض الروايات فى ماهيتها يعنى أن كل تلك الأحاديث موضوعة لكى يترك الناس الإسلام بسبب هذا التناقض الذى ينسبونه للنبى(ص)وهو اتهام به بالجنون لأنه لا يعرف عما يتكلم فهل هو باب أو كنز أو غرس
وقال أيضا:
6 – تصديق الله لمن قالها
روى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وغيرهم عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على رسول الله (ص)أنه قال " إذا قال العبد لا إله إلا الله والله أكبر قال يقول الله تبارك وتعالى صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال لا إله إلا الله وحده قال صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي وإذا قال لا إله إلا الله لا شريك له قال صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي" ثم قال الأغر شيئا لم أفهمه قلت لأبي جعفر ما قال؟ قال ((من رزقهن عند موته لم تمسه النار))
وقال الترمذي حديث حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني ـ وهو حديث صحيح"
والرواية لم يقلها النبى(ص) فالله لا يرد على الناس كلاما بكلام لأنه كما قال :
" كل يوم فى شأن "
فهو يخلق يوميا ما يريد فالمخترعون للرواية يتخيلون الله مخلوقا مثلهم يرد على الناس كلمة بكلمة
وفى المبحث الثالث تحدث عن الدلائل العقيدية حيث قال:
المبحث الثالث دلائل ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) العقدية
إن هذه الكلمة العظيمة التي سبق ذكر بعض فضائلها وبيان شيء من ميزاتها ومحاسنها ذات دلالات عميقة ومعان جليلة تشهد بحسنها وتدل على كماله وعظم شأنها وكثرة عوائدها وفوائدها
وقد روى ابن عبد الهادي في كتابه " فضل لا حول ولا قوة إلا بالله " بسنده عن ابن عباس قال ((من قال بسم الله فقد ذكر الله ومن قال الحمد لله فقد شكر الله ومن قال الله أكبر فقد عظم الله ومن قال لا إله إلا الله فقد وحد الله ومن قال لا حول ولا قوة إلا بالله فقد أسلم واستسلم وكان له بها كنز من كنوز الجنة))
وروي عن ابن عمر أنه قال ((سبحان الله هي صلاة الخلائق والحمد لله كلمة الشكر ولا إله إلا الله كلمة الإخلاص والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله تعالى أسلم واستسلم))
فهي كلمة إسلام واستسلام وتفويض وتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله وأن العبد لا يملك من أمره شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى فلا تحول للعبد من معصية إلى طاعة ولا من مرض إلى صحة ولا من وهن إلى قوة ولا من نقصان إلى كمال وزيادة إلا بالله ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه أو تحقيق هدف من أهدافه أو غاية من غاياته إلا بالله العظيم فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ...فهي كلمة عظيمة تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة كما أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله تعني الإخلاص لله بالعبادة فلا تتحقق لا إله إلا الله إلا بإخلاص العبادة كلها لله ولا تتحقق لا حول ولا قوة إلا بالله إلا بإخلاص الاستعانة كلها لله وقد جمع الله بين هذين الأمرين في سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن وذلك في قوله {إياك نعبد وإياك نستعين} فالأول تبرؤ من الشرك والثاني تبرؤ من الحول والقوة وتفويض إلى الله عز وجل والعبادة متعلقة بألوهية الله سبحانه والاستعانة متعلقة بربوبيته العبادة غاية والاستعانة وسيلة فلا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلا بهذه الوسيلة الاستعانة بالله الذي لا حول ولا قوة إلا به
ويمكن أن نلخص الدلالات العقدية لهذه الكلمة العظيمة في النقاط التالية
1 – أنها كلمة استعانة بالله العظيم فحري بقائلها والمحافظ عليها أن يظفر بعون الله له وتوفيقه وتسديده
2 - تضمنها الإقرار بربوبية الله وأنه وحده الخالق لهذا العالم المدبر لشؤونه المتصرف فيه بحكمته ومشيئته
3 – تضمنها الإقرار بأسماء الله
4 – وفي هذا دلالة وإشارة إلى التلازم بين التوحيد العلمي بقسميه توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات والتوحيد العملي الذي هو توحيد الألوهية
5 – تضمنها الإقرار بألوهية الله وأنه وحده المعبود بحق ولا معبود بحق سواه
6 – تضمنها الإيمان بقضاء الله وقدره ولهذا ترجم لها الإمام البخاري في كتاب القدر من صحيحه بقوله ((باب لا حول ولا قوة إلا بالله))
7 – أن فيها معنى الدعاء الذي هو روح العبادة ولبها وقد ذكر الإمام البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه بابا بعنوان ((باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله)) فهي من جملة الأدعية النبوية النافعة المشتملة على معاني الخير وجوامع الكلم
8 – أن فيها الإيمان بمشيئة الله النافذة وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن مشيئة العبد تحت مشيئة الله كما قال الله تعالى {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}
9 – أن فيها الإقرار من العبد بفقره واحتياجه إلى ربه في جميع أحواله وكافة شؤونه كما قال الله تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}
10- أهمية الارتباط بالله في جميع الأمور الدينية والدنيوية وإذا صح هذا الأمر من العبد قوي يقينه وزاد إخلاصه وعظمت ثقته بالله والمؤمن الصادق يصحبه هذا الأمر في كل أحواله وجميع شؤونه
11- أن فيها ردا على القدرية النفاة الذين ينفون قدرة الله ويجعلون العبد هو الخالق لفعل نفسه دون أن يكون لله عليه قدرة فقول العبد ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) فيه إثبات القدرة والمشيئة لله وأن حول العبد وقوته إنما يكون بالله ولهذا كانت هذه الكلمة متضمنة الرد على القدرية النافين لذلك
12 – أن فيها ردا على الجبرية النافين لمشيئة العبد وقدرته القائلين بأن الإنسان مجبور على فعل نفسه وأنه كالورقة في مهب الريح لا حول له ولا قدرة
...وسيكون الحديث في هذا المبحث عن ذكر بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بهذه الكلمة سواء في لفظها أو في معناها
1 – فمن ذلك أن من الناس من يخطئ في استعمال هذه الكلمة فيجعلها كلمة استرجاع ولا يفهم منها معنى الاستعانة قال شيخ الإسلام ابن تيمية ((وذلك أن هذه الكلمة (أي لا حول ولا قوة إلا بالله) هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعا لا صبرا))
2– ومن ذلك ما حكاه بعض أهل اللغة أنه يقال فيها ((لا حيل ولا قوة إلا بالله))
قال النووي ((وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال لا حيل ولا قوة إلا بالله بالياء وقال الحيل والحول بمعنى))
3 – ومن ذلك اختصار بعض العوام لها عند نطقها بقولهم ((لا حول الله)) وهذا من الاختصار المخل مع ما فيه من الغفلة عن كمال الأذكار الشرعية في مبانيها ومعانيها
4 – ومن ذلك تحريف معناها عن غير وجهه وصرف دلالاتها عن مقصودها بالتأويلات البعيدة والتحريفات الباطلة "
وكل هذا الكلام هو تكرار لما سبق أن قاله الرجل ولا يمكن استنباط كل ما قاله الرجل من جملة لا تعنى شىء سوى أن الله من يخلق كل شىء حيث لا يحدث أى شىء إلا فى الكون إلإ بقدرته وواجب المسلم هو الاستسلام لله بطاعته وما يعمله المخلوق هو من خلق الله كما قال سبحانه:
" والله خلقكم وما تعملون"

فالمخلوق لا يعمل شىء إلا إذا أقدره الله على عمله
 
المواضيع المتشابهة

مواضيع مماثلة

أعلى