ام شادي ورحله مع السجون الاسرائيليه

اعتادت أم شادي الانتظار حتى أصبح كل ما تبقي لها بعدما حالت قضبان المعتقلات الإسرائيلية دونها ودون زوجها طوال ثلاثة عقود ونيف بتهمة قتل إسرائيليين لتصبح بحكم تجربتها هذه زوجة أقدم أسير فلسطيني.
كانت أم شادي عروساً لم تجاوز الثامنة عشرة بعد عندما اعتقل الجيش الإسرائيلي زوجها، فخري البرغوثي قبل ثلاثة وثلاثين عاماً بتهمة زرع عبوة ناسفة في حافلة لنقل الجنود الإسرائيليين، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
_44913225_hadi1.jpg
ام هادي حكت ذكريات سنين طويلة من المعاناة


في ذلك اليوم من عام 1975 "لم أكن أعرف بأني أحمل في أحشائي ولدي فخري التوأم، ولم أكن أعلم بأنه لن يشهد ولادتهما وأول خطواتهما وأول كلماتهما، كما لم أعلم أنني لن أتمكن من جلب شقيقة لهما" .
بدأت أم شادي برواية قصتها بهدوء قبل أن تستأنف ببوح سرها الصغير "لطالما تمنيت أن يكون لدي بنت أبثها أسراري...حتى فخري والأولاد لا يعرفون هذه الأمنية".
وتزخر ذاكرة أم شادي التي جاوزت الخمسين اليوم، بالكثير من تفاصيل تلك المرحلة من حياتها حيث كانت مضطرة لتربية ولديها شادي وهادي وحدها، لكن قضية واحدة تلك التي سيطرت على معظم حديثها " عمر انقضى من حياتي وحياة أولادي قبل أن يتمكنا من لفظ كلمة يابا...انا كنت ممنوعة أمنياً من زيارة فخري في السجن وكذلك الأولاد .
"بتفكري هذا سهل؟" قالت أم شادي وقد خرجت للمرة الأولى عن هدوئها الذي سيطر على المكان طوال فترة استضافتها لي في منزلها المتواضع في قرية كوبر قضاء رام الله.
زيارتي لأم شادي جاءت بعد ساعات من إعلان إسرائيل نيتها الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين كبادرة حسن نية قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت للرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقائهما الأخير، وكان الرئيس عباس قد طالب بالإفراج عن عدد من قدامى الأسرى الفلسطينيين والمعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994.
كانت هذه المرة الأولى التي تعد فيها إسرائيل بدراسة الموضوع والرد على السلطة، وعزز من آمال القيادة الفلسطينية إفراج إسرائيل عن سمير القنطار، الأسير اللبناني المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ العام 1979.
لكن هذه الآمال غابت عن حديث أم شادي التي فاجأتني بذاكرة جبارة لكل صفقات تبادل الأسرى التي تمت مع إسرائيل وعدد تلك الصفقات التي ذكر فيها اسم زوجها ولم تفضي إلى الإفراج عنه.
ولهذا ما يبرره، فالبرغوثي ومثله العشرات من ذوي الأحكام العالية لا تشملهم،بالعادة، صفقات تبادل الأسرى ولا بوادر حسن النوايا، دهر من العمر انقضى قبل أن يتمكن الأبناء من لفظ كلمة يابا، كما قالت، أما لقاء الوالد بولديه فحلم تحقق لكن خلف القضبان، والمفاجأة .. هذا هو جل ما تمنت أم شادي لولديها.
فقد اعتقلت إسرائيل ولديها خلال الثمانينات أكثر من مرة، "لكن المرة الأخيرة كانت الأروع" قالت أم شادي وقد عجزت هذه المرة عن إخفاء دموعها رغم الابتسامة التي رسمت على وجهها.
"إتصلوا علي من نادي الأسير وأخبروني أنه سيتم نقل شادي وهادي إلى سجن هداريم حيث يعتقل والدهم" قالت ثم صمتت طويلاً.
_44913226_hadi2.jpg
البرغوثي لدى لقائه بولديه لأول مرة


أضطررت لقطع صمتها ومباغتتها بالسؤال عن شعورها في تلك اللحظة، كان يدفعني الفضول لمعرفة تتمة الحكاية "لم أعرف ماذا أفعل، أضحك وأفرح لأن ولدي سيتمكنان من لقاء والدهما بعد تسعة عشر عاماً من ولادتهما وسيعرفان أخيراً كيف هو شعور حضن الوالد وكيف يلفظون كلمة يابا للمرة الأولى؟ أم أحزن وأبكي على حظي الذي جعلني وحيدة مرة أخرى " شرحت أم شادي وقد اشتد بها الانفعال .
لم تكن أم شادي بحاجة للمزيد من الوقت لتعرف الإجابة على سؤالها "بس بالأخير فرحتلهم، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للقاء والدهما قبل أن يأخذ القدير أمانته..الأعمار بيد الله يا بنتي" استدركت الزوجة والوالدة المكلومة.
حكمت إسرائيل على بكرها شادي بسبعة وعشرين مؤبد بتهمة مشابهه لتهمة والده وهي تفجير حافلة إسرائيلية وقتل اثنين من ركابها، فيما حكم على هادي بثماني سنوات بتهمة التخطيط، قضى الأخوان ستة أشهر منها فقط في معتقل هداريم مع والدهما قبل أن ينهي هادي محكوميته ليفرج عنه مخلفاً والده وشقيقه معاً في المعتقل.
انضم هادي أخيراً إلى جلستنا، شاب وسيم في نهاية العشرينيات من العمر، ورث هدوءه عن والدته على الأغلب، فيما تحمل ملامح وجهه الكثير من الغضب والحزن في آن معاً. وبصعوبة دفعته للحديث عن تفاصيل لقائه بوالده للمرة الأولى في حياته.
"عندما أبلغتنا إدارة السجن بقرار النقل، لم أستطع النوم" قال هادي فيما يشيح بناظره عني خجلاً أو ربما لم يرد أن ألحظ لمعان دمعة مترددة بين الظهور والاختفاء.
"عرفت والدي من خلال الصور فقط، وطول الطريق إلى معتقل هداريم كنت أتخيل شكله وطباعه، وللحظة نسيت تلك الصورة التي كنت أبقيها إلى جانب سريري بالبيت، لكن الأصعب كان لحظة الوصول، بدأت بالتفكير جدياً بكيفية العودة من حيث أتيت لو أستطيع" شرح لنا هادي فيما يشد على يد والدتها التي كانت قد شرعت ببكاء صامت.
بكى كل من في السجن، قال هادي، "كان اللقاء صعباً جداً وترددت وأخي في احتضان والدي، لكنه بادر إلى جذب شادي أولاً إلى صدره ودفعني أحد المعتقلين باتجههم، لحظة ان أنساها..شعرت بأني ولدت من جديد" استأنف الشاب وقد استعان بحركات عصبية من يديه لتخفي انفعاله.
لحظات بعد اللقاء وجاء لعائلة البرغوثي التي التئم شملها أخيراً وإن خلف القضبان قرار جديد: سيتشارك شادي وهادي الغرفة مع والدهما.
"لحظتها بدأت استرجع حلماً طفولياً قديماً بالنوم إلى جانب والدي، كانت المرارة اننا بنفس الغرفة ومازلت عاجزاً عن تحقيق ذلك، لا أعرف إن كان الخوف أو الخجل كوني أصبحت شاباً بضعف حجم والدي، تلك الليلة أخذنا الحديث بكل ما فاتنا لنستيقظ على صوت آمر السجن يحثنا على الخروج..
كان والدي يتوسطنا على سرير واحد فيما عدت وشقيقي أطفالاً بالسابعة" وصف هادي المشهد مكرراً صعوبة إيجاده الكلمات المناسبة.
هذه اللحظات هي ما يتشاركها الشاب مع والدته منذ أفرج عنه، لكن جمال لحظة اللقاء لا يكتمل بنقصانه.....فصدر الوالدة وإن ضم هادي أخيراً بعد غياب ثماني سنوات ما زال يشتاق رائحة شادي وفخري اللذين ورثا عنها موهبة الانتظار
قد لا تحتاج هذه العائلة لانتظار صفقة تبادل جديدة أو بادرة حسن نية ليتجدد لديها الأمل، وكذا الأمر بالنسبة لعائلات ثلاثة عشر الف أسير فلسطيني ونيف لكنهم هنا يوثقون حضور أحبائهم بصورة رغم الغياب ويجمدون الزمن عند حلم وذكرى.
 

خيوط الشمس

كبار الشخصيات
رد: ام شادي ورحله مع السجون الاسرائيليه

[align=center]
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
طرح قيم
تقبل مروري
[/align]
 

فهد75

كاتب جديد
رد: ام شادي ورحله مع السجون الاسرائيليه

الاخ ابوشادي معروف بشجاعته وصلابته في مواجهه سجانيه00نعم شكل اسطوره كبير داخل المعتقلات الصهيونيه
فالف تحيه لكي يااخ ابو شادي 00وللعلم كنا انا وابو شادي نعيش في نفس المعتقل واتمنى الافراج عنهم لتكتمل الفرحه
ونحياتي لك يااخ مارد على هذه المعلومات الرائعه عن الاسرى
اخوك فهد
 

فهد75

كاتب جديد
رد: ام شادي ورحله مع السجون الاسرائيليه

بشكرك يااخي مارد على موضوعتك الرائعه والتي تدل على مدى تضحيات شعبنا العظيم 00والظلم الذي نعيشه ويعيشه اسرانا البواسل
وانا شخصيا عشت مع الاخ ابو شادي داخل المعتقلات الصهيونيه فيكفي هذا الانسان العظيم الجبار الشجاع الصابر يستحق الاحترام والتقدير
واخير تقبلي مروري اخي مارد
مع تحيات اخوك فهد
 

عاشق النجوم

كاتب محترف
رد: ام شادي ورحله مع السجون الاسرائيليه

نسمع الكثير الكثير مما يالم قلوبنا
ويحزن فلوبنا
مشكور خيي على طرحك الموفق
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

 

Lisianthus

كاتب جيد جدا
رد: ام شادي ورحله مع السجون الاسرائيليه

الله يكون بعونهم ويفرج عنهم يارب

ويرحمهم وينصرهم

شكرا مارد فلسطين
 

مواضيع مماثلة

أعلى