عبدالناصر والشيوعية.. تفاصيل كاملة لشبكات الإخوان بأوروبا

من خلال أكثر من 500 مؤسسة في 28 دولة أوروبية، عبر ما عُرف باتحاد المنظمات الإسلامية، ومقره بروكسل ببلجيكا، تغلغلت جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، وأصبح لها كيان اقتصادي ولوبي سياسي يتحرك للضغط والحصول على مكاسب لها.

تفاصيل تغلغل جماعة الإخوان في أوروبا لم يكن وليد الصدفة، بل كان منهجا مدروسا ومخططا له، منذ نشأة الجماعة في بدايات القرن العشرين على يد حسن البنا في مدينة الإسماعيلية شرق مصر، وكان يهدف من خلالها لأستاذية العالم، بل كان يرى فيها فكرة عالمية جامعة قادرة على الانتشار، ما دفعه لتأسيس قسم للاتصال بالعالم الإسلامي بهدف إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار ومبادئ الجماعة.

ويكشف الخبير المصري عبدالخالق فاروق، الذي رصد حركة نمو استثمارات وأموال وأصول جماعة الإخوان منذ نشأتها وحتى الآن، أن الضربات الأمنية التي تعرضت لها الجماعة في الأعوام 1948 و1954 و1965، جعلت تفكير قادتها يتجه لتطبيق ما عُرف بسياسة التهجير لحين العودة بعد القوة، وقامت استراتيجية الجماعة على تجميع شتات الفارين للخارج من ضربات عبدالناصر، حيث بدأت عملية التنفيذ على يد سعيد رمضان قيادي الجماعة الذي تولى تجميع الدارسين والمبعوثين المصريين والعرب المسلمين في ألمانيا وتحديدا في مدينة ميونيخ منذ العام 1959.

ويقول الخبير المصري لـ"العربية.نت" إن بريطانيا وإن كانت قد وفرت الملاذ الآمن لجماعة الإخوان كراهية ونكاية في الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فإن ألمانيا احتضنت الكثير منهم، خاصة القيادات المصرية والسورية، ويرجع ذلك لسببين أيضا، الأول نكاية في عبدالناصر الذي اعترف هو وحكومة سوريا بحكومة ألمانيا الشرقية الشيوعية، والثاني استخدام الجماعة في الصفوف الأولى للمعركة والمواجهة ضد الزحف الشيوعي في البلاد وأوروبا كلها.

ويضيف أنه خلال السنوات العشر التي أمضاها سعيد رمضان في أوروبا ومعظمها في ألمانيا نجح الرجل في وضع اللبنة الأولى لاستثمارات وأنشطة جماعة الإخوان، كما أقام عدة مساجد ومراكز مثلت قاعدة العمليات الأساسية لتنظيم الإخوان في أوروبا كلها، كما نجح عصام العطار مراقب تنظيم الإخوان الهارب من سوريا، في تأسيس عدة مساجد ومراكز إسلامية في مدينة ايخن الألمانية.

وبفضل وجود مراكز تابعة للجماعة في ميونيخ وايخن أصبحت ألمانيا الملجأ الأول والمفضل للدارسين والمبعوثين المصريين والعرب خصوصا في مجال الطب والهندسة والعلوم، كما توافرت للكثيرين فرص التعليم والاستقرار والانضمام لجماعة الإخوان في المهجر، مشيرا إلى أنه ونتيجة التنسيق بين السوريين عصام العطار وغالب همت في ايخن، والمصريين يوسف ندا وإبراهيم منير وإبراهيم الزيات في ميونيخ، نشأت أكبر شبكة تابعة للجماعة في أوروبا.

ويشير الخبير المصري إلى أن الانتشار الواسع لجماعة الإخوان في أوروبا في حقبة الستينيات أسهم في حدوث 3 متغيرات لصالح الجماعة فيما بعد على المستويين الدولي والمحلي، فبسبب ذلك حدث تغير إيجابي لصالح الجماعة في مصر بداية من العام 1972، واستخدم الرئيس الراحل أنور السادات ورقة الجماعة للتخلص من الشيوعيين والمحسوبين على عبدالناصر من جهة، والتقرب لبعض الدول التي ترعى الجماعة، كما أسهم تزايد الباحثين المصريين والمبعوثين في الخارج، في تغير النظرة المصرية لقانون الجنسية، وسهل الحصول على جنسية ثانية للمصريين في الخارج بالقانون رقم 26 لسنة 1975 والذي منح الجنسية الثانية للمصريين دون نزع الجنسية المصرية بحجة الاستفادة من المهاجرين في الخارج.

ويؤكد أن الزيادة المطردة في أعداد المبعوثين والدارسين والمهاجرين المصريين العرب والمصريين إلى أوروبا أدت لرغبة هذه الدول كذلك في منحهم الجنسية للاستفادة من كفاءتهم العلمية والاستفادة منهم في المستقبل في اختراق بيئاتهم ومجتمعاتهم الأصلية وقت الضرورة والحاجة.

لم يترك الإخوان كل هذا دون تحرك أوسع من جانبهم، ويقول الخبير المصري إنهم أسسوا تنظيمات ومراكز وجمعيات في كل دول أوروبا تكون غطاء لأنشطتهم، وكان على رأس هذه المؤسسات قيادات الجيل الأول إبراهيم منير ويوسف ندا وغالب همت وعصام العطار، ثم تلاهم الجيل الثاني إبراهيم الزيات وأشقاؤه بلال الزيات ومنال الزيات وأحمد الراوي، وتحول مسجد ميونيخ والمركز الإسلامي في المدينة لنقطة انطلاق لتأسيس أهم وأبزر جمعيتين في أوروبا، وهما الجمعية الإسلامية في ألمانيا، والمركز الإسلامي في جنيف، ثم تشعبت منها مؤسسات أخرى مثل منتدى الشباب المسلم الأوروبي والتنظيمات الطلابية وهيئات الإغاثة الإسلامية والأخيرة كان مقرها في مدينة برمنغهام.

هنا، كما يقول الخبير المصري، برز دور القيادي الإخواني إبراهيم الزيات من خلال إشرافه على تلك المنظمات، ثم زاد دوره بعد زواجه من صبيحة أربكان ابنة شقيق نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاة التركي ورئيس وزراء تركيا الأسبق ومعلم وأستاذ الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، وأصبح الزيات بعد هذا الزواج عضوا في مؤسسة أوقاف ميللي جروش التركية، وهي مؤسسة مهمة لجمع التبرعات والأموال في أوروبا، ثم تولى دار الوقف الإسلامي في بريطانيا والتي تعد بدورها أحد منافذ التنظيم الدولي للإخوان للحصول على أموال وتبرعات وزكاة المسلمين في أوروبا، وأنشأ الزيات وبعض معاونيه ما يسمى المجلس الأوروبي لفتوى والأبحاث كمصدر للفتوى الدينية للمسلمين في أوروبا، ووسيلة للتغطية الدينية لعمليات جمع أموال الزكاة والتبرعات ووضعوا على رأسه الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ اللبناني فيصل المولوي والتونسي راشد الغنوشي ومن إسبانيا الشيخ عبد الرحمن الطويل ومن ألمانيا الشيخ محمد الهواري.

في بريطانيا كذلك، ووفقا لما يكشفه الخبير المصري، فقد برزت أول مجموعة إخوانية هناك في العام 1961 باسم جماعة الطلاب المسلمين، ثم نشأت مجموعات أخرى من دول جنوب وشرق آسيا تحت مسمى فيدرالية منظمات الطلبة الإسلامية بقيادة الشيخ أحمد الأحسن والهندي مصطفى عزامي، وتولى منصب أمين عام هذه الفيدرالية الباكستاني زياد الدين سردار، ثم انضم إليهم فيما بعد عاشور شميس والأمين عثمان والعراقي أسامة التكريتي.

وفي العام 1970 تم إنشاء بيت الرفاة الاجتماعي الإسلامي، ولعب الإخوان فيه دورا بارزا، ونجح القيادي الإخواني سعيد رمضان في إقامة المركز الإسلامي في العام 1964 بدعم من رياض الدروبي العراقي الجنسية، وجعفر شيخ إدريس من السودان، وعاشور شميس، وفي عام 1977 أنشأ كمال الهلباوي ما يسمى الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي الواجهة الأساسية للتنظيم هناك، ثم انضمت تحت لوائها منظمات إخوانية أخرى وتولى رئاستها أنس التكريتي وخلفه عمر الحمدون ثم الصومالي أحمد شيخ.

ويؤكد فاروق أن الإخوان أنشأوا مجموعات للمرأة في بريطانيا، وأسسوا ما عرف باسم المجلس الاستشاري الوطني للمرأة المسلمة، كما أسسوا في بلجيكا ما عرف باسم رابطة مسلمي بلجيكا في العام 1997 بواسطة كل من منصف شاطار وكريم عزوزي، وتمتلك الرابطة عدة مساجد ومقار في مدن بروكسل وأنفير وجراند، وكان يديرها كريم شملال، مضيفا أنهم أسسوا في هولندا رابطة المجتمع المسلم، ويتولاها يحيى بويافا وتضم الرابطة عدة منظمات، منها مؤسسة اليوروب تراست نيذيرلاند والمعهد الهولندي للعلوم الإنسانية والإغاثة، كما أسسوا في إيطاليا اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في العام 1990 وكان يترأسه محمد نور داشان، وضم الاتحاد ما يقرب من 130 جمعية.

وفي سويسرا أسس الإخوان رابطة مسلمي سويسرا برئاسة محمد كرموس ويوسف ندا في العام 1994، وتمتلك الرابطة الكثير من الفروع، تولاها فيما بعد عادل مجري، وفي فرنسا يتواجد للإخوان ما يقارب 250 جمعية و100 مسجد، وكان بداية التأسيس المنظم للنشاط الإخواني في فرنسا في العام 1963 تحت قيادة الهندي حميد الله، والذي كان يرتبط كلية بسعيد رمضان، ثم أسست الجماعة ما عرف باتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وكان يديره أحمد نشأت زوج ابنة مصطفى مشهور، المرشد العام الأسبق للجماعة، وتلاه مغربيان وهما سامي بريز وفؤاد علوي.
 
أعلى