السياحة الثقافية في فلسطين

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
السياحة الثقافية في فلسطين​

ليس من باب الصدفة أن تكون فلسطين بوتقة الحضارات ومهد الديانات، مهداً للسياحة الثقافية؛ فقد ولدت السياحة الثقافية في فلسطين مع بداية حملات الحج إلى الأماكن المقدسة. وتعد كتابات الرحالة والحجاج الأوائل أول دليل شامل ومرجع واف يصور مختلف أوجه النشاط الروحية والمادية والفكرية والاجتماعية والعادات والتقاليد في فلسطين في القرون الماضية؛ ما يدل على أن دوافع العديد من هؤلاء الحجاج كانت ثقافية. ولا شك أن هذه الدوافع تختلف باختلاف العصور والثقافات.
ومازالت فلسطين إلى هذا اليوم محط أنظار الحجاج والزوار؛ ما يشير إلى أن ما تحتوي عليه من أماكن دينية ومواقع أثرية هي المقصد لكل مثقف شغوف بمعرفة التاريخ. ولا تخلو مكتبة في كافة عواصم العالم من عشرات الكتب والمؤلفات بمختلف اللغات، تصدرها دور النشر العالمية سنوياً تتحدث عن فلسطين والحضارات التي شهدتها؛ ولا يخلو برنامج لدراسة التاريخ في مختلف معاهد العالم من تاريخ فلسطين والأحداث الدينية المهمة التي شهدتها؛ إضافة إلى أن الكتب السماوية قد سردت العديد من أحداث التاريخ التي ارتبطت بها في فلسطين؛ وتعد هذه الحقيقة القاعدة الصلبة التي تبنى عليها مشاريع تنمية السياحة الثقافية.
ورغم أإن جوانب تنمية السياحة الثقافية في فلسطين متنوعة وعديدة، إلا أن السياحة فيها في العقود الأخيرة بقيت ضعيفة؛ إذ لم يجر تطوير على المرافق السياحية، أو استغلال للبيئة الثقافية لاستقطاب أنواع جديدة من السياح خارج نطاق السياحة الدينية. وبسبب واقع الاحتلال لم يتمكن المستثمرون في القطاع السياحي الفلسطيني من تطوير استثماراتهم في المحافظات الفلسطينية كما يجب؛ ما أبقى السياحة في فلسطين تدور في فلك الطابع الديني بوجه عام.
اليوم تحولت السياحة الدينية إلى سياحة تختلط فيها زيارة الأماكن الدينية بالتعرف على المعالم الثقافية؛ إذ أصبح العديد من المكاتب السياحية التي تنظم رحلات الحجاج إلى الأراضي المقدسة تدخل في برامجها نشاطات ثقافية متنوعة، تشمل إضافة إلى زيارة الأماكن الدينية، زيارة المعالم الأثرية والتاريخية؛ وأحياناً مشاركة أبناء المجتمع المحلي في احتفالات ثقافية في المواسم والأعياد الدينية، وهذا النوع من المشاركات مهم جداً، ليس لأنه يؤدي إلى تنمية اقتصادية فقط، بل لأنه يوفر فرصة للشعب الفلسطيني لتقديم صورة صحيحة عن تاريخه وحضارته ومجتمعه وتراثه.
مكونات السياحة الثقافية في فلسطين

1- التنوع:

تحتوي المناطق الفلسطينية ما يكفي من المواقع الدينية والأثرية والتاريخية؛ لكي تنمو وتتطور سياحياً. ولو تم النظر إلى المناطق السياحية في العالم فإنه لا يكاد يوجد بقعة واحدة تجتمع فيها عناصر الجذب السياحي المتنوع كما تجتمع على الأرض الفلسطينية؛ حيث نجد الأماكن الدينية المقدسة في القدس، وبيت لحم، والخليل؛ وكذلك الأماكن الأثرية والتاريخية التي خلفتها الحضارات على هذه الأرض منذ فجر التاريخ، مثل: أريحا، ونابلس، وسبسطية، وغزة. ويمكن القول إن فلسطين متحف مفتوح للآثار تنتشر فيه المواقع الأثرية التي تروي قصص الحضارات التي تعاقبت فيها. إضافة إلى ذلك، التنوع المناخي والجغرافي الذي لا يجتمع في بقعة صغيرة كما يجتمع في فلسطين؛ ففيها البحر الميت والأغوار، وجبال القدس ورام الله ونابلس والخليل، وسهول جنين وطولكرم، وشواطئ غزة.
إن هذه الثروات الوطنية بحاجة إلى حمايتها والمحافظة عليها؛ فهناك العديد منها بحاجة إلى عمليات ترميم وصيانة وفق معايير فنية وسياحية وثقافية، وهناك ضرورة لتطوير البنية التحتية المتصلة بها، وضرورة لردع كل من ينتهك حرمتها أو يسرقها أو يعتدي عليها؛ فهذه الأماكن والمواقع تعد عماد السياحة في فلسطين، ومفتاحها لتعزيز السياحة الدينية والانطلاق نحو أشكال أخرى من السياحة، لاسيما السياحة الثقافية، والتي لا يمكن النهوض بها دون الاعتماد على:
المواقع الأثرية، التي تمثل مراحل تاريخية متنوعة وحضارات متعددة؛ والأماكن الدينية الخاصة بالديانات السماوية.
المناطق الجغرافية المتنوعة كالجبلية والصحراوية والساحلية، التي تحتوي على العديد من المواقع السياحية والمشاهد الطبيعية والتي توفر للسائح مناخاً مناسباً طوال العام، وبصورة خاصة منطقة البحر الميت وغور الأردن؛ فالمناخ في فلسطين متنوع من شتاء لطيف في وادي الأردن والبحر الميت إلى صيف لطيف في جبال نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله؛ ما يوفر ظروفاً مناسبة للسفر والسياحة.
وتمثل مختلف هذه العوامل عقبات أمام تنظيم السياحة الثقافية وتشجيعها في الفضاءات السياحية في فلسطين؛ ولهذا فإن قيام دولة فلسطينية ذات حدود سيادية مستقلة وسيادة كاملة، يعد من العوامل الأساسية لتوفير سياحة فلسطينية ثقافية واسعة ومتطورة ومستقلة.
معالم التراث الحضاري والثقافي، التي تتمثل في المدن التاريخية القديمة، والأسواق الشعبية والمتاحف؛ والتنوعات العرقية والدينية والثقافية، التي تمثل مظاهر جذابة للسائح الذي يهتم بالثقافة والتاريخ والحياة الاجتماعية.
ويساعد هذا التنوع في الموارد الطبيعية والتراثية والحضارية والدينية المتاحة في الأراضي الفلسطينية، في مضاعفة السياح الذين يقصدونها.
ما زالت إسرائيل تسيطر على الجزء الأكبر من المناطق السياحية، وتقيد حرية الأدلاء السياحيين والباصات السياحية الفلسطينية من التحرك في هذه الفضاءات، رغم الاتفاقيات الموقعة؛ ويسمح بمقتضى المادة العاشرة من البروتوكول الاقتصادي للحافلات والمركبات السياحية الفلسطينية والإسرائيلية من دخول الأراضي الواقعة تحت ولاية الجانب الآخر، وبمساواة بين شركات السياحة ووكالاتها من الطرفين في التسهيلات والدخول إلى نقاط العبور والمغادرة الحدودية وغيرها من الصلاحيات.
ومازالت إسرائيل ترفض الاعتراف بالأدلاء السياحيين الذين تم ترخيصهم من الجانب الفلسطيني، رغم أن الاتفاق ينص على أن يقوم كل طرف بترخيص الأدلاء السياحيين حسب قواعده وأنظمته الخاصة.
وتقوم إسرائيل بترتيبات إجرائية معقدة تحول دون حرية الحركة السياحية عبر المعابر الحدودية للمناطق الفلسطينية مع مصر والأردن؛ في حين أنها تقوم بتسهيل الإجراءات عبر المناطق الحدودية التي تصلها بالأردن مباشرة مثل جسر الشيخ حسين؛ إضافة إلى أن الإشراف الكامل على المواقع السياحية يرتبط بتقسيمات الأراضي الفلسطينية إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، ومازال مرهوناً بتحويل هذه المناطق إلى إلى السيادة الفلسطينية.
2- العناصر الوظيفية:
تشمل العناصر الوظيفية للسياحة الثقافية العنصر الحركي، وهو النقل والسفر، والعنصر الاستايتكي المستقر، وهو الإقامة والظروف المتصلة بها من بينة تحتية، وتمثل هذه العناصر مجموعة من الخدمات المتداخلة التي تلبي احتياجات السائح ومتطلباته، وتشمل: الإيواء، والترفيه، والطعام، ووسائط النقل والاتصلات، والبنوك، ومكاتب السياحة، والمطاعم، والأسواق التقليدية، والمتاحف؛ وغيرها من التسهيلات والخدمات السياحية.
وبالرغم من حالة النهوض في قطاع الخدمات السياحية الفلسطيني لوجستيا، ورغم استثمار العديد من أصحاب رؤوس الأموال في القطاع السياحي خلال السنوات الماضية؛ إلا أن هذا القطاع ما زال مرهونًا بسياسات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، والتي تهدف إلى محاصرته وضع العقبات أمام فعالية واتساع رقعة خدماته، وذلك للحيلوة دون منافسته لقطاع الخدمات السياحية الإسرائيلي الذي يستأثر بحصة الأسد من عائدات هذا القطاع لصالح خزينته على حساب الفلسطينيين الذين يسرقون من عقر دارهم ولا يبقى لهم سوى الفتات.
3- العناصر الثقافية:
إن الثقافة والسياحة توأمان لا ينفصلان، ويكمن مستقبل السياحة في قدرتها على توظيف الثقافة. وإشعاع هذه الأخيرة رهن بتفاعلها مع آليات الحركة السياحية، والثقافية ببعديها التراثي والإبداعي هي الأداة المثلى لتعميق الحوار بين الشعوب وإحلال التفاهم بين الأفراد والجماعات. وتستوجب السياحة الثقافية تهيئة الفضاءات الثقافية، والاهتمام بالخصوصيات الثقافية والحضارية التي تتميز بها البلاد عن الدول المنافسة لها في مجال السياحة؛ فالتجربة أثبتت أن السائح يهتم بما تتميز به المنطقة من معالم عمرانية وحضارية وثقافية ومظاهر اجتماعية إنسانية- أكثر من اهتمامه بما يقدم له من برامج تنشيطية داخل أسوار النزل والنوادي.
والسياحة الثقافية ذات طبيعة ذهنية تنشد معرفة أشياء جديدة وأشخاص جدد بالإطلاع على تاريخهم وعاداتهم في الإطار نفسه الذي يعيشون فيه؛ فالسائح يرغب في أن يزيد من ثقافته عن طريق زيارة بلدان ودراسة شعوبها والخصائص التي تتميز بها هذه الشعوب؛ حيث يتبدل المحيط الروتيني بمحيط جديد فيه الإثارة والراحة والمعلومات؛ إنه جمع بين الترويح عن النفس من ناحية؛ والإطلاع على ثروات البلاد الأثرية ومعالمها التاريخية من ناحية أخرى.
ولكي تتحول السياحة الفلسطينية إلى سياحة ثقافية؛ لا بد من تطوير المادة السياحية للزائر، وبالتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها المواقع الفلسطينية السياحية، وتفهم الثقافة هنا بشكلين: يتمثل الأول من خلال المعتقدات والتقاليد والعادات والمعارف والممارسات الاجتماعية والتفاعل الإنساني؛ في حين يتمثل الشكل الثاني بأدوات ملموسة ومحددة للتراث، يتم عرضها بشكل من أشكال الجذب السياحي، كالمصنوعات الحرفية، والنشاطات الفنية، والمعارض، وغيرها.
إن فلسطين، بما لها من رصيد حضاري، وتراكمات إبداعية ثقافية، وتقاليد سياحية عريقة- قادرة على تجسيم هذه المعادلة الضرورية؛ فموروثها الحضاري يعدُّ، بكثافة آثاره وتنوعها من أغنى المواريث في العالم؛ وهو عنصر أساسي في مسيرتها التنموية؛ وإن أرصدتها الثقافية لا تتوقف عند موروثها الأثري والديني؛ إذ إن نتاجات مبدعيها في ميادين الثقافة مهمة، فقد أكدت حضورها في الساحة العربية والعالمية؛ ودون الاستعانة بالعنصر الثقافي ستبقى صورة فلسطين منقوصة وباهته وقابلة للتسويق في عالم وحدته وسائل الاتصال المختلفة، وطغت عليه أساليب الدعاية المبهرة في أشكالها ومحتوياتها. إن صورة فلسطين أعمق وأجمل وأكثر إغراء من تلك التي دأبنا على تداولها سياحياً، إنها صورة ذات رصيد ثقافي وتراثي هائل، وإبداع متنوع وقيم إنسانية رفيعة.
وترتكز المنافسة في مجال السياحة اليوم على عنصر الكيف، والكيف مضمون لا يوفره إلا الإبداع، سواء التراثي منه أو الحديث دون إغفال الجوانب الأخرى؛ كما إن الارتقاء بالمنتج السياحي من شأنه أن يشجع نوعية أكثر إفادة من السياح الوافدين على فلسطين، كالمثقفين، وذوي المستوى العلمي الرفيع، وأصحاب المال؛ ويدفع المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في إثراء البنية التحتية الثقافية .
إن النهوض بالسياحة الثقافية مسؤولية وطنية لا تتوقف عند حدود مؤسسات الدولة، بل تستدعي مشاركة جماعية لجميع الفعاليات في المجتمع؛ حيث يمكن للفلسطينيين بأن يوفروا الأرض اللازمة والمناخ الضروري، لتطوير المسالك السياحية والمواقع الدينية وإعداد الأدلاء، وتطوير مرافق الاستقبال، وربطها بالمواقع الأثرية والمتاحف، واستغلال أسماء بعض المدن ذات الرصيد المشبع في الإشهار السياحي، مثل: أريحا، والقدس، والخليل، وبيت لحم، وغيرها. ويمتلك الفلسطينيون أيضاً الفرصة لتدعيم وتثبيت الهوية الثقافية الفلسطينية على الخريطة السياحية الدولية من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض السياحية، وتوطيد العلاقات الثنائية مع مختلف الدول، وإعادة النظر في القوانين والتشريعات والأنظمة السياحية المعمول بها حالياً؛ وتحديثها بما يتناسب ومتطلبات العصر واحتياجات المرحلة، ويساعد تحقيق هذه الجهود والبرامج في توظيف الثقافة وتفاعلها مع آليات الحركة السياحية.
4- العناصر الترفيهية:
يرتبط جوهر السياحة الثقافية بالمتعة والفكر بصورة مباشرة؛ إذ إن مشاهده المعالم الجديدة الحضارية والتراثية والتاريخية والمتاحف والمسارح والمكتبات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأسواق المختلفة، وما إلى ذلك تزيد من متعة السائح .
إن السياح الذين يحضرون ضمن مجموعات سياحية أو مع عائلاتهم وأصدقائهم، يمثلون نسبة كبيرة جداً من السياح إلى فلسطين (75%)، بسبب انخفاض الكلفة الاقتصادية للسياحة ضمن هذه المجموعات؛ لذلك يجب إعداد البرامج الترفيهية التي تتناسب مع طبيعة هذا الحضور. ويعتمد التفاعل بين الثقافة والسياحة على نوع السائح، وعمره، والفترة الترفيهية التي يقضيها في الموقع السياحي. ولما كانت الرحلات المنظمة تحدد برامجها مسبقاً بواسطة وكلاء السياحة والسفر أو الفنادق الكبيرة، فإنه من الضروري التنسيق مع هذه الأطراف لإعداد البرامج الترفيهية المناسبة. إن معرفة جنسياتهم مسبقاً تسهل إقامة مثل هذه النشاطات التي تشمل الجانب الترفيهي.
ويمكن أن تكون منطقة أريحا من أفضل المناطق التي يمكن أن توفر وسائل الترفيه المناسبة للحركة السياحية في الضفة والقطاع لموقعها الفريد والمميز بالقرب من البحر الميت، والعديد من المواقع الأثرية والدينية والمناظر الخلابة؛ إضافة إلى أنها تعتبر البوابة الشرقية للضفة الغربية، وتقع على مقربة من معبر "الكرامة" الذي يعد الممر الرئيس للحركة السياحية نحو فلسطين، وهي تقع أيضاً على الطريق للحركة السياحية المتجهة إلى إسرائيل؛ وتتوافر فيها مناطق ترفيهية متنوعة، كالمطاعم، والمنتزهات، والحدائق، والخدمات السياحية، والتلفريك.
إن معرفة دوافع السياح لزيارة أية منطقة يعد مهماً جداً من أجل تحديد عناصر أخرى؛ فيستمر نشاط الحركة السياحية في تلك المنطقة، وينعكس بصورة إيجابية على السياحة بصورة عامة والمنطقة وسكانها بصورة أخرى.

أشكال السياحة الثقافية
يجب أن تشهد السياحة الفلسطينية تحولاً من النمط التقليدي إلى نمط جديد تلعب فيه الثقافة دوراً بارزاً، لأن السياحة الثقافية هي المجال الأمثل لخلق الترابط بين الثقافة والتنمية؛ ولهذا يجب أن يصحب ذلك تحول في المادة السياحية المقدمة للسائح.
انصب الاهتمام في الماضي على زيارة المعالم الدينية، وحان الوقت للتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها العديد من المدن والجهات؛ تلك الخصوصيات التي يمكن من خلالها دفع الإنتاج السياحي وتطويره.
إن المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي، وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلاد؛ ولتحقيق ذلك، لا بد من أن تتوفر مجموعة من الأطر، التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية مثل:
1- استحداث المناسبات: لم تعد السياحة الثقافية في وقتنا الحالي مقتصرة في مفهومها على الثروات التاريخية؛ وإنما أدخلت عليها عناصر جديدة؛ وذلك باستحداث مناسبات واستغلال ظروف معنية، بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار؛ إذ يمثل السفر في المناسبات بما يصاحبها من تسهيلات ومهرجانات واحتفالات؛ ونستطيع استحداث العديد من المناسبات المحلية مثل: مهرجان أريحا الشتوي، ومهرجان سبسطية؛ حيث يؤدي تنظيمها إلى جذب شريحة خاصة من السياح؛ وخاصة في شهر نيسان بسبب عيد الفصح المجيد؛ وفي كانون الأول والثاني بسبب أعياد الميلاد؛ كما تنشط السياحة في الأعياد والمناسبات الدينية خلال أشهر الصيف؛ إذ يكون الطقس مناسباً لزيارة المواقع السياحية التاريخية المختلفة، ولأن فترات الإجازات تكون غالباً في فصل الصيف.
2- إحياء المسالك والدروب القديمة: إن إحياء الدروب الأثرية المحلية والدولية التي كانت مكرسة لاستخدامات الحجاج والتجار، وبكل ما كان عليها من برك وآبار وخانات وشواهد وإعلام، بطرازها القديم، وأشكالها التاريخية- يعزز السياحة الثقافية، مثل، المسارات الدينية، ومسارات الرحالة المشهورين، وطرق الحج والقوافل القديمة، ومسارات النجوم؛ ويمكن إنشاء مسارات سياحية جديدة في كل المناطق، سواء أكانت سيراً على الأقدام أم باستخدام الحافلات السياحية، ويهدف إحياء المسارات إلى توسيع الدائرة السياحية لكي تشمل مناطق متنوعة تحتوي على مقومات سياحية متعددة، وقادرة على المساهمة في عملية التطوير السياحي.
3- السياحة البديلة: تهدف السياحة البديلة إلى خلق مشاركة فاعلة لفئات محددة من المجتمع في السياحة الثقافية، ومن خلال توفير مجالات الاحتكاك والتعاون بين الفلسطينيين والسياح عبر البرامج الخاصة للتعرف على الأرض المقدسة وسكانها، وهذه الصيغ الجديدة للسياحة الثقافية تهدف إلى وضع المزيد من المواقع السياحية الفلسطينية ضمن البرامج السياحية وتوفير الفرص من أجل قضاء وقت أطول مع الفلسطينيين، بترتيب اللقاءات مع المجموعات الدينية والسياسية والمدنية، وتوفر الفرص للحوار مع السائح.
ويمكن أن تحقق أهداف هذه البرامج من خلال نشاطات متنوعة تشمل تنظيم برامج إقامة للسياح بين العائلات الفلسطينية، وخاصة في القرى والمدن التاريخية والأثرية مثل، سبسطية، وتقوع، وأرطاس، وغيرها؛ أو تهيئة محطات للسفر تحت خيم بدوية، أو إقامة قرى تقليدية تستوحي هندستها من الفن المعماري التقليدي؛ ويمكن أن تتم التنقلات بين الأماكن السياحية مشيًا على الأقدام أو بالوسائط التقليدية كالحمير أو الجمال أو الدراجات؛ ويمكن تحديد عدد النشاطات الثقافية التي يمكن أن تشتمل عليها البرامج، مثل:
أ‌-زيارات ميدانية وتشمل هذه الزيارات رحلات سيراً على الأقدام إلى الصحراء في جنوب القدس وبيت لحم، أو تسلق الجبال في منطقة أريحا ووادي القلط.
ب‌-زيارات لأهم المراكز الرهبانية في فلسطين مثل: مار سابا، وسانت ثيودو سيوس، وقرنطل، وكريمزان، واللطرون، وغيرها.
ت‌-التعريف بالمجتمع الفلسطيني من خلال زيارة قرى ومدن متعددة؛ والاشتراك بنشاطات ثقافية واجتماعية، وتنظيم لقاءات من أجل الحديث في مشكلات الساعة مع مجموعات حديثة وتجمعات مختلفة.
ث‌-الاشتراك بالاحتفالات الدينية والإعلامية.
ج‌-التعريف بالإسلام من خلال زيارات للأماكن الدينية الإسلامية.
ح‌-تعريف بالحياة الريفية والحياة البدوية في فلسطين من خلال سهرات فلكلورية وراقصة؛ وتعريف بالمطبخ الفلسطيني والصناعات الحرفية والموسيقى الشعبية.
خ‌-الاشتراك بالمواسم الدينية والشعبية مثل: قطف الزيتون والعمل في المخيمات أو الاشتراك في المخيمات الكشفية.
4- الوسائط الثقافية: تعتبر الوسائط الثقافية من أهم الحوافز التي تدفع السائح إلى زيارة منطقة معينة والبقاء فيها لفترة زمنية محددة. وتتوافر في المجتمع الفلسطيني مجموعة من الوسائط التي تساعد في تشجيع السياحة الثقافية، ومن أهمها:
أ‌-الفرق المسرحية والكشفية والموسيقية: وهي تعد اليوم من أكثر المجموعات القادرة على إقامة النشاطات الثقافية المتنوعة المرتبطة بالتنشيط السياحي. ويمثل التراث الأدبي والاجتماعي والموسيقي مادة ثقافية سياحية حية ومعبرة عن واقع البلاد؛ ويمكن التعريف بهذا التراث من خلال تنظيم المسرحيات والحفلات الموسيقية والعروض الكشفية في الأماكن التاريخية والأثرية.
ب‌- الأندية والمراكز الثقافية: إن نشاط المراكز الثقافية في هذا المضمار يمكن أن يكون رافداً ناجعاً لتنشيط السياحة الثقافية سواء بالنسبة للسياحة الداخلية أو الوافدة، وتستطيع هذه المراكز أن تقدم العروض والنشاطات الفينة التي تجتذب السائح، من خلال ما تقوم به من نشاطات ثقافية متنوعة كالمحاضرات والحفلات الموسيقية.
ت‌- المعارض: تلعب معارض صور المواقع السياحية دوراً كبيراً في التعريف بها، وخلق التفاعل مع الزائر الذي يأخذ القرار بالسفر بناء على القناعات والقيم التي يحملها، والتي تدفعه إلى اختيار الجهة المطلوبة للسفر. وتقوم المعارض الخاصة بالحرف والصناعات اليدوية ومعارض الفنون التشكيلية ومعارض الأزياء والمأكولات الشعبية بدور كبير في التعريف بالتراث الثقافي.
ث‌- المؤتمرات: قد تكون السياحة الثقافية من خلال المشاركة في المؤتمرات والحلقات الدراسية؛ فيجب حضور المهرجانات التاريخية والأعياد الدينية والذكريات الشعبية الفلكلورية والفنية، وكذلك تشجيع زيارات الوفود والزيارات الجماعية. وتهتم الدول بعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية؛ فهي تشكل مصدر ترويج مهمًا، ودعاية سياحية للبلد.
5- السياحة والتنمية: إن أحد مؤشرات التنمية يتمثل في القدرة على توظيف المادة الثقافية والاجتماعية في الخطط التنموية في مختلف القطاعات. وتعتبر السياحة من بين القطاعات التي مثلت المادة الثقافية فيها منطلقاً رئيسياً في ظل التحولات العالمية لتطويرها وتمكينها من أسس المنافسة في السوق العالمية. ومن المعروف أن السياحة إلى فلسطين هي سياحة دينية في الدرجة الأولى؛ بالإضافة للأماكن التاريخية؛ بسبب ما تحويه فلسطين من الآثار نتيجة لتعاقب الحضارات فيها؛ولهذا يجب استخدام هذه المادة السياحية ودمجها في البرامج السياحية، بحيث تنعكس نشاطات السائح بصورة إيجابية على الأماكن التي تتواجد فيها هذه الأماكن الدينية والتاريخية. إن المفهوم الجديد للسياحة الثقافية، يقوم على أساس أن تكون المادة المقدمة للسائح وسيلة لكي يصنع الإنسان محيطه، وينمي مجتمعه، ويحافظ على كيانه، وهي القناة المثلى لتكريس المفهوم الإنساني الذي تتمحور حوله العلاقات التنموية في العالم اليوم؛ كما إنها نشاط حركي ذو تأثير متبادل وفعال يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية؛ فهي تتأثر وتؤثر على نشاط الإنتاج والمواصلات والنقل والمطارات والفنادق والبنوك، ومختلف النشاطات التجارية.
وتفيد الإحصائيات بأن 78% من السياح القادمين إلى إسرائيل يزورون المواقع السياحية في الضفة الغربية، إلا أن الإيرادات الفلسطينية من هذه النسبة الكبيرة لم تتجاوز ما نسبته 7 % من إجمالي الإيرادات الإسرائيلية السياحية البالغة 2.7% مليار دولار في السنة.
وتولد السياحة الثقافية دخلاً للدول من العملات الصعبة التي يدفعها السائح لقاء الخدمات؛ فهي تندرج ضمن الصادرات غير المنظورة؛ إذ لا توجد سلعة تصدر لقاء العملات الصعبة كغيرها من الصادرات؛ فالسائح، باختلاف أسباب الزيارة والبلد الذي يقيم فيه، ومن خلال اتفاقية على السلع والخدمات- يؤثر على اقتصاد ومجتمع البلد الذي يزوره؛ لذا فإن معرفة متطلبات السائح من السلع والخدمات مهمة جداً لمضاعفة العوائد المتأتية.
ويفترض الربط بين السياحة والثقافة حتمًا وتطوير المجالات الثقافية المتنوعة؛ لهذا لا بد من دفع السياسات والنظم والقوانين السياحية من أجل المحافظة على نمط التراث الثقافي والهوية المحلية، والتوازن بين الوظائف السياحية والوظائف الكافية لأهالي تلك المناطق؛ مع توفير محيط ثقافي يأخذ بعين الاعتبار التراث المعماري والاجتماعي بصفة عامة.
وحتى تصبح السياحة الثقافية وسيلة من وسائل التنمية؛ لا بد أن ترتبط بالمجتمع المحلي؛ حتى لا تؤدي إلى التسرب الاقتصادي والثقافي؛ ولا بد من تطوير وتفعيل مشاركة المجتمعات المحلية في تطوير وتنظيم وإدارة العملية السياحية؛ وذلك بإنشاء الجمعيات، وزيادة الوعي والتثقيف عن طريق النشرات والندوات والمؤتمرات. ويجدر التركيز على التنمية الذاتية؛ وليس التنمية المفروضة من خارج المناطق السياحية، لخلق مجموعات أو منظمات محلية تضم المهنيين ورجال الأعمال والسياسيين وأنصار البيئة.
وتلعب السياحة الثقافية دوراً مهماً في تنمية الريف، من خلال السياحة الريفية التي يتم التركيز فيها على الخصوصية الطبيعية والتراثية والبشرية للريف؛ فالريف يتميز بمحيط بشري وطبيعي وتراثي وثقافي تتعانق فيه كل العناصر لتقدم لوحة سياحية متميزة، تزيدها جمالاً الصناعات التقليدية أو الأسواق الأسبوعية التي تجلب السائح إلى مثل هذه المناطق القروية.
وأخيرًا لا بد من القول بأن السياحة في فلسطين تتقدم رغم كل الصعوبات التي تواجهها، وخاصة ما يتعلق بسلطات الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تظهر بيانات حسابات السياحة الفرعية للعام 2018 في فلسطين حسب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني في آذار 2020 إلى أن عدد الزوار الوافدين مع مبيت للعام 2018 بلغ 985,047 في العام 2017 كان عددهم 928,904 وبلغ عدد الزوار الوافدين دون مبيت (زوار اليوم الواحد) 2,443,616 في العام 2018 كان عددهم 2,263,180 في العام 2017.
بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت الفلسطيني 2017، بلغ عدد المنشآت العاملة في القطاع السياحي نحو 11,943 منشأة خلال عام 2017، يعمل فيها 36,861 عاملاً، وتشكل ما نسبته 8.3% من إجمالي العاملين في المنشآت الفلسطينية.
 

مواضيع مماثلة

أعلى