زيارة لمجنون

ملائكة الحب

مُديّرْ المُنتَدىَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

كنت جالسا أتصفح و أطالع في كتابٍ بعنوان (مع الناس) للشيخ الأديب علي الطنطاوي عليه رحمة الله


وكان له حديث رائع عن زيارة لمجنون يقول....


قال : لي صديق مصري هل لك بزيارة مجنون .؟؟

قلت : وهل فرغنا من زيارة العقلاء حتى نزور المجانين ..؟

قال : إنه مجنون عاقل ..

فضحكت وقلت:

هذا قياس فاسد لأنه إن صح أن يكون هذا المجنون عاقلاً تكون أنت أيها العاقل مجنوناً.

قال دعك من هذه الفلسفة واذهب معي ترى رجلاً يندر أن ترى مثله في الرجال

يقول فسألته ما صفته ما شأنه .؟؟

قال : كهل يعيش هو وزجه العاقر , كان موظفاً فهبط عليه الغنا فجأة ,مات قريب له موسر وأورثه ماله كله , فاعتزل العمل وعاش متبطلاً.

يقول : ومشيت معه فأخذني إلى عمارة ضخمة في حي راقٍ
وهذه العمارة فيها مصعد وتدفئة عامة , وهواء معدل وبداخلها أثاث ذو صبغة أجنبية في منتها الجمال ما أظن أني رأيت آنق منه , ولا أحكم وضعاً , ولا أحسن ترتيباُ من هذا الأثاث.


ثم قابلت الرجل ...كان حليق الوجه لباسه غربي

يدخن السيجارة ويرطن الفرنسية حديثه حلو ,

سريع البادرة حاضر النكتة , وقضينا معه ساعة استمتعنا فيها حقاً.


فلما خرجنا قلت لصاحبي أين جنونه ..؟؟


قال ستراه بعد شهرين..



وعاد بعد شهرين وقد نسيت القصة تماماً فقال لي هلم لزيارة المجنون

ومشى بي في غير الطريق الذي سرنا فيه أول مرة

كان ينتقل بي من حارة إلى حارة ومن شارع إلى شارع حتى وصلنا لحي بقرب جبل..


فأدخلني أزقة ضيقة ومسالك معوجة حتى وقفنا على دار قديمة...

طرقنا بابها ففتح لنا الرجل ذاته ولكنه في إزار عربي وعباءة رقيقة

وله لحية خفيفة لم تكن له من قبل ورأيت داراً شرقية قديمة مزخرفة الجدران خالية الكهرباء

فبها المصابيح المدلاة والسرج المحلاة وحمالات الشموع ووجدت فرشا عربياً غير الفرش الأول

وبسط ونمارق ووسائد وليس في الدار كلها كرسي واحد

وبدل السيجارة الأرقيلة (المعسل) وبدل الرطانة بالفرنسية الحديث باللهجة البلدية

ولقد سوق لنا أعرق الأمثال في العامية أثناء حديثه وكانت جلسة ساعة .



فلما خرجنا قلت لصاحبي ماهذا..؟؟؟؟؟


قال هذا جنونه لا يطالع ولا يعمل ويخاف الملل

فهو يتنقل هذا التنقل المفاجيء ليشعر بلذة التغيير ومتعة التجديد وينفق على هذا جل ماله .


فهو يتنقل في البلدان مرة في القاهرة ومرة في الأسكندرية وتارة في أوروبا وتارة في الريف..


وينتقل في الحالات فهو يوم شرقي ويوم غربي وأحياناً يعيش عيشة الفلاحين

يلبس لباسهم ويأكل طعامهم ويأوي إلى مساكنهم وأحياناً يحيا حياة (لورد) من لوردات الإنجليز.


ولايفتأ يبدل ترتيب الغرف ونوع الأثاث وطريقة الفراش



ثم يعلق الطنطاوي ويقول

هذا والله من كبار العقلاء .

إن العادة كما يقول علماء النفس تضعف الحس وتبطل الشعور

إن الغني الذي يركب أغلى السيارات كل يوم وينام على السرير الفخم ويأكل على المائدة الحافلة

(لايحس بعشر اللذة التي يحس بها الفقير إذا جرب هذه الأشاء لأول مرة )

بل إن الغني ليمل الترف ويشتهي لوناً آخر من ألوان الحياة .

ألم يأت عليك يوم مللت فيه من غرفة نومك أو من صالة الإستقبال أو لون جدران منزلك..؟


إذا أحسست بهذا فأنت بحاجة إلى التغيير

حاول أن تبدل موقع الإثاث أو أضف أشياء بسيطة عليه وإن كنت تملك المال فلا بأس من التجديد والتغيير .

وعلى هذا فقس ....

والقاعدة هنا تقول (التغيير والتبديل والتجديد حياة , والجمود والركود موت ).



دمتم متجددين دائما أحبتي
 

walaa yo

كبار الشخصيات
طاقم الإدارة
بانتظار جديدك
 
أعلى