ماهيه قصة تاريخ يعيد نفسه

*حمزة*

مشرف عام
كثيراً ما نسمع عن مقولة التاريخ يعيد نفسه تلك الكلمات التي تتكرر على مسامعنا في أغلب النقاشات التاريخية أو التي تختص بالأمور الاقتصادية والاجتماعية دون معرفة المعنى الحقيقي للجملة ولما تم استخدامها وما القصة وراء قولها.

وبالبحث والتقصي ظهرت أمامنا حقيقة جلية وأن تلك الكلمات الرائعة هي أحد الامثلة الإنجليزية القديمة ذات الصيت والسمعة الواسعة وباتت منتشرة في أغلب الثقافات العربية والأجنبية لمدي اقتراب تلك الحقيقة من الواقع .

قصة التاريخ يعيد نفسه
التكرار التاريخي أو ما يعرف Historic recurrence والمثل الإنجليزي المعروف هو The history story repeats itself أي التاريخ يعيد نفسه، ثم تم اقتباسه في اللغة العربية بمعنى التاريخ يعيد نفسه، وكذلك في اللغة والثقافة الفرنسية l’histoire se répète وفي أغلب الثقافات جاءت لتحمل نفس المعنى وهو أن الأحداث التاريخية التي مرت علينا في الماضي يمكن لها أن تعاد مرة أخري إذا لم نتعلم منها الدرس والعبرة.

لأن الطبيعة البشرية ودوافعها والخير والشر والرغبات المكبوته فيها لم تتغير منذ بداية الخلق وإلى الأن وطوال المستقبل الذي لا يعلم مداه إلا الله، ومن الامثلة العربية الأصيلة التي تحاكي نفس المثل المذكور التاريخ يعيد نفسه هو لا جديد تحت الشمس أي أن لا شيء مهما كان يمكن له أن يكون جديداً فجميعنا حكايات تكررت من قبل. [1]

لماذا التاريخ يعيد نفسه
تكرار التاريخ أو بالأحري تكرار الأحداث التاريخية خاصة في الأحداث الخاصة بـ الممالك والإمبراطوريات المختلفة وصعود الدول وتفكك الأخر وانقسامه، فالإنسان ورغبته في السيطرة ونظم الحكم المختلفة فهي قديمة وعدم الاستفادة من التاريخ توصلنا لنفس الطريق.

نجد الكثير من العلماء والباحثين التاريخيين وضع منهجاً يطلق عليه التكرار الأبدي وتلك الأبحاث كما وصفت العصور القديمة في كتابات شهيرة وتحليلات موثقة في القرن 19 أن الأحداث التاريخية تكاد تكون واحدة فكتابات كلاً من فريدريك نيتشه وهاينريش هاينه تعيد نفسها مرة أخري حتي باتت متوافقة وشديدة التماس بمجتمعنا في القرن 19.

إلا أن البعض يرى استحالة في حدوث تلك المقولة بسبب الدورات الكونية المتتالية والتغيرات التي يستحيل تكرارها، وبسبب التطورات التكنولوجية الكبيرة والقفزات التي يمر بها الكون خاصة الخاصة بالعلوم الكونية كما أوضح لنا كلاً من غيغاواط ترومف وهاريت زوكرمان وروبرت ك وميرتون ، حيث أوضحوا في كتاباتهم عن التكرار التاريخي أن ذلك الرأي راجع للأنماط السياسية الثابتة منذ قديم الأزل ولكن لا يمكن تطبيقها على أي شيء أخر.

إلا أن تلك المقولة ضعيفة لأن أغلب الباحثين والمحللين لاحظوا أن التاريخ يعيد نفسه لدرجة مرعبة وظهر هذا جلياً في كثير من الأحداث .

لذا تم وضع نظرية تسمى التكرار التاريخي والتي قدمها بوليبيوس وساعده فيها المؤرخ التاريخي الشهير الهلنستي ما بين 118 – 200 عام قبل الميلاد.وبدأ الأمر بالتطور التاريخي والتكرار الكوني وأطلق عليه العودة الأبدية.

واشترك العديد من المؤرخين والمفكرين الأجانب واليونانيين وغيرهم مثل:

  • المؤرخ اليوناني والبلاغي ديونيسيوس هاليكارناسوس وظهر في حوالي الفترة ما بين 60 قبل الميلاد – بعد 7 قبل الميلاد).
  • لوقا الإنجيلي ونيكولو ماكيافيلي (1469–1527) .
  • جيامباتيستا فيكو (1668). 1744) .
  • أرنولد ج. توينبي (1889–1975.
أما عن المفهوم العربي والشرقي لنظرية التكرار التاريخي وهو أن الأحداث تعيد نفسها مرة أخري بسبب انطلاقاً من أن الطبيعة البشرية واحدة، وذلك يلاحظ أيضًا “أنه ينظر إلى الانطلاق من الإيمان بتوحيد الطبيعة البشرية [تركيز ترومب]. إنه يرى أنه نظرًا لأن الطبيعة البشرية لا تتغير ، يمكن أن يتكرر نفس النوع من الأحداث في أي وقت.

ويقول الكثير من المؤرخين أن هناك الكثير من الحالات الثانوية الأخرى من التفكير المتكرر ، تشمل عزل أي حدثين محددين يحملان تشابهًا لافتًا للغاية ، أو الانشغال بالتوازي ، أي مع التشابه ، عامًا و دقيقة ، بين مجموعات منفصلة من الظواهر التاريخية. [2]

التاريخ المتكرر في القرآن الكريم
والقرآن الكريم أحد أهم الكتب السماوية التي أرجع الكثير من الباحثين والمحللين للكتاب الكريم أنه يضم الكثير من القصص القرآنية والتي أثبت التاريخ فيها أنه يعيد نفسه، لأن كل القصص القرانية التي ضمها القرآن الكريم كان يركز عن الهدف أو العبرة ولم يهتم كثيراً بذكر الأشخاص أو الأماكن ولم يذكر الزمان أو المكان الذي دارت به القصة إلا إذا كان لها دلالة أو حكمة،ونجد أن الحكمة والعبرة التي يطرحها القرآن الكريم ويعرفنا عليها يحولها لعبرة تتناسب مع كل زمان ومكان، ونبدأ رؤية إعادة تلك القصص مرة أخرى ليعيد التاريخ يكرر نفسه، ومن أبرز المواضيع التي عاد التاريخ فيها نفسه نجد ما يلي:

  • نجد أن الله عز وجل لم يذكر أسماء الأشخاص إلا إذا أراد إيصال حكمة معينة من وراء ذكر الشخص أو المكان، عدا بعض الأنبياء أو بعض الأشخاص أمثال ( هامان ، آزر ، قارون، زيد ) بل كان يكتفي الله بوصف أبطال القصص بالشرك أو الكفر أو التقوى أو الترف أو الإيمان أو الإسراف، وذكر تلك الصفات جعلت القصص متناسبة لكل عصر وزمان ومكان.
  • عندما ذكر الله عز وجل قصة سيدنا إبراهيم في سورة إبراهيم (من الأية 9 وحتى 14)، أن الأقوام والحوار الذي يدور بينها وبين الرسل والأنبياء على مر العصور هي ذاتها التي تتكرر في أغلب العصور البشرية التي تلت ظهور القرآن الكريم باتساع الكوكب أو الكرة الأرضية.
  • أن الكثير من المواقف التي وردت في القرآن الكريم تدور حول الرسل ومواجهة دعواهم أو الاضطهاد لهم والإيذاء وذلك كما ذكر في الأيات التالية:
  • ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) وذلك في سورة فصلت الآية رقم 43)، وهنا معناه أن كافة الأقوام الأخري السابقة قالوا للرسل التي أرسلهم الله لهم أنهم يتبعون أسلافهم وما كانوا يعبدونه أباءهم.
  • كما في الآية الكريمة (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) سورة الزخرف الآية رقم 22.
  • وكان الله عزوجل قد رد عليهم بقوله سبحانه وتعالى: ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) سورة الزخرف الأية رقم 23 .
  • كما أن الله عز وجل قد ضرب لنا العديد من الأمثلة لأن التاريخ يعيد نفسه كما في الآية القرآنية الكريمة (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( وكان التعليق من رب العزة جل وعلا : ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( سورة الذاريات الآية رقم 52).
  • كما أن الكفار جميعهم الذي نزلت عليهم الرسالة وأرسل الله لهم الرسل والأنبياء فإنهم طلبوا أيات ودلائل حسية، وذلك ظاهر في الآية الكريمة: ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، وعلق الله عز وجل على تلك الحادثة في قوله تعالى ( تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) (في سورة البقرة الأية 118).
حقائق أثبتها التاريخ وأعادها الإنسان
هناك سبع حقائق تاريخية ثابتة تاريخياً وأثبت ضررها والنتائج التي وصلنا إليها بعدها وحذرنا منها إلا أن الإنسان لا يتعلم ليعود ويرتكب نفس الخطأ مرة أخرى، ومن أهم تلك القواعد والحقائق ما يلي:

  • أن احتكار الثورات لفئة معينة دون الأخرى يتسبب في دمار الاقتصاديات العالمية.
  • الانهيارات الاقتصادية تؤدي بشكل مباشر إلى انهيارات الاجتماعية.
  • الالتفاف حول أسطورة الرجل الواحد القوي وظهور الدكتاتوريين وحكم الرجل الأوحد يؤدي إلى دمار المجتمع.
  • الديمقراطية تعد من أضعف الأنظمة وحدها لا يمكن لها تنمي مجتمع بسبب الانهيارات الاقتصادية الكبرى
 
أعلى