قصة شيقة القبر المشئوم

قيثارة

كاتب جيد جدا
القبر المشؤوم..
كانت ليلة شتوية باردة، والليل قد قارب منتصفه، وكل الناس في بيوتها نائمة، ما عدا أنا واثنين من أصدقائي نسهر في مزرعة بالقرب من القرية، فخطرت لأحدهم فكرة مرعبة، حين همس لنا "ما رأيكم أن ننبش قبر الرجل العاصي الذي مات ظهر اليوم لنعرف مصيره؟ وأكمل.. يقولون أن الرجل الذي لا يصلي يكون محروقاً في قبره، وهذه فرصة لنتأكد". عارضته بشدة وانتقدت فكرته البشعة، فللأموات سر وخصوصية ما دامهم في ذمة ربهم. لكن صديقي الآخر أعجبته الفكرة وقد وافقه على ذلك. أخذوا معدات الحفر من المزرعة وتوجهوا إلى المقبرة، بينما أنا توجهت إلى بيتنا، بعد أن أخذوا مني عهداً ألا أخبر أحداً وقد عاهدتهم.
وضعت رأسي على الوسادة وأنا أفكر ماذا سيخبروني في الصباح، هل سيكون جسد ذلك الميت محروقاً فعلاً؟ ثم نمت...
لم أفق في الصباح إلا على صوت أمي وهي توقظني وتقول لي "والدة صديقك سالم في الأسفل تريد أن تسألك عن ابنها فهو لم يعد إلى البيت البارحة" ثم بعد ساعة جاءت أم صديقي خالد تسأل عن ابنها فهو أيضاً مختفٍ منذ ليلة البارحة.
قارب الوقت الضحى وصديقاي لم يظهرا بعد، وعند الظهيرة ذهبت إلى المقبرة ونظرت إلى قبر الرجل وكان على طبيعته، فلم تظهر عليه علامات النبش.
مرت ثلاثة أيام والقرية لا كلام لها إلا قصة اختفاء الشابين سالم وخالد، وأنا صامت محافظ على العهد الذي قطعته لهما، لكن في اليوم الرابع أخبرت إمام المسجد بما عزم عليه صديقاي من حفرهم القبر، وأعلمته إني لا أعرف هل نفذا ما عزما عليه أو لم يفعلوا، فقال الإمام لا بد من نبش القبر والتأكد منه.
أختار الإمام عدداً من الرجال الثقة، وذهبنا ليلاً وبالسر إلى القبر، وبدأنا بنبش ترابه، وفي أسفله تفاجأنا بجثتي الصديقين مدفونتين في قاعه، بينما جثة الرجل صاحب القبر لم تكن موجودة أبداً، فماذا حدث؟



في تلك الليلة نبشنا القبر سراً تحت جنح الليل، وكانت المفاجأة حين وجدنا جثتي الشابين في باطنه، بينما جثة الرجل العاصي صاحب القبر قد اختفت. علت الدهشة وجوهنا ، وملامحنا الصامتة تسأل بعضنا بعضا أين جثة صاحب القبر؟! ومن قتل هذين الشابين؟ كسر الإمام الصمت بقوله: لا بد أن هناك سراً علينا معرفته، غداً سنخبر الناس بكل شيء.
في صباح اليوم التالي دعا إمام المسجد كافة الأهالي وأخبرهم بالذي حدث، فعقدت الدهشة ألسن الجميع، والكل يسأل كيف حدث ذلك؟ ولا أحد يعلم.
عند ذلك تقدم أحد المزارعين وقال : لدي ما أخبركم به ، ففي ليلة البارحة وعند منتصف الليل خرجت إلى حقولي لأتفقدها من الإبل السائبة التي تعيث فساداً بالمحاصيل، وعند عودتي مررت بجانب المقبرة فسمعت صوت صبيين وكأنهما يتوسلان لأحد أن لا يقتلهما، لكني حسبت ذلك الصوت من جن المقابر، فلم أقترب بل هربت إلى بيتي وأخبرت زوجتي بذلك.
زادت حيرة الناس كما زاد وتعاظم خوفهم على أنفسهم وأولادهم، وأصبح الكل يتساءل هل كان للرجل العاصي علاقة بالسحر فعادت روحه لتنتقم من أهل القرية الذين لطالما كانوا يعايرونه بالفسق والمعصية؟
في الساعات الأولى من الفجر أفاقت القرية على صراخ امرأة وأطفالها، فهرع الناس إلى البيت الذي يأتي منه الصراخ، ليتفاجأوا برجل يرقد جثة على فراشه جسداً بلا رأس، وكان ذلك الرجل هو المزارع الذي أخبر الناس بالأصوات التي سمعها عند المقبرة، فقد تسلل أحد إلى بيته تحت جنح الليل وجزّ عنقه وهو نائم بجوار زوجته التي استيقظت لتجد زوجها مضرّجاً بدمائه وقد اختفى رأسه .في الصباح شاهد بعض الصبيان رأس المزارع معلقاً على وتد مغروس فوق القبر المشؤوم.
بدأ الناس يتحدثون عن رؤيتهم لرجل يلف نفسه بعباءة سوداء ويهيم ليلاً في طرقات القرية، وغالباً ما يحمل رؤوساً مقطوعة . تملك الرعب قلوب الناس وباتوا يغلقون على أنفسهم أبواب بيوتهم في الساعات الأولى من الليل.
ذات صباح وجدوا رجلاً ميتاً ورأسه مبتور وقد عُلّق جثمانه بحبل يتدلى من جدار بيته، ثم عثروا على رأسه مغروساً في وتد على ذلك القبر الذي بات يُعرف بقبر الرؤوس المقطوعة. كان الرجل الميت أحد الرجال الذين شاركوا في نبش القبر معنا تلك الليلة، وكأن القاتل الخفي يختار ضحاياه وفق عامل مشترك، فكل من قُتلوا إلى الآن لهم علاقة ما بذلك القبر المشؤوم.
لم يكن الصباح التالي أفضل من سابقه، فقد أتت راعيات الغنم إلى القرية وهن مرعوبات يخبرن الناس بوجود جثة بدون رأس معلقة على الأشجار وسط الحقول خارج القرية. هرع الناس إلى هناك ليتحققوا من القتيل، فكان أيضاً أحد الرجال المشاركين في نبش القبر، أما رأسه فقد عثروا عليه معلقاً على رأس عصا فوق القبر الذي انبعث منه الشر.

القبر المشئؤؤم... الجزء الثالث
لم يجد الناس تفسيراً لما يحدث سوى أن روح الرجل العاصي قد عادت للانتقام، وكثير من الناس قد أصابهم الهلع والأرق والهواجس، فكان إمام المسجد يرقيهم بشيء من القرآن والماء المقروء عليه.
توالت أحداث القتل المرعبة والتي طالت كل من شارك في نبش ذلك القبر، ولم يتبق أحد إلا أنا وإمام المسجد وكنا ننتظر دورنا، فلا بد من أن القاتل سيكمل مهمته ويقتل كل من لمست يداه تراب ذلك القبر.
حذّرتُ الإمام من الانتباه لنفسه، وأخذ الحيطة والحذر، فربما سيكون دوره قبل دوري، لكنه أظهر لي إيماناً قوياً، وأخبرني أنه لا ينام الليل إلا قليلاً، فأغلب ليله يقضيه في القيام والعبادة وقراءة القرآن.
في إحدى الليالي وقد جاوز الليل منتصفه، كنت مستلقيا على فراشي، فشعرت بشيء من القلق والخوف، لبست ملابسي وأخذت سلاحي ثم توجهت إلى بيت الإمام، وهناك بقربه أكمنت متخفياً، فلدي إحساس أن القاتل سيأتي ليقتل إمام المسجد هذه الليلة.
كنت متخفياً قبالة بيت الإمام يحجبني الليل بظلامه الدامس ويحفني بصَمْتِه المطبق الذي أثقل الدنى سوى من صوت رياح شتوية تداعب تراب الأرض في لعبة ليلية مرعبة. وفي لحظة رأيت باب بيت الإمام يُفتح من الداخل، ويخرج منه رجل ملتفٌّ بعباءة سوداء كالليل الحالك . تبادر إلى ذهني أن هذا هو القاتل وقد تخلص من الإمام وهو الآن بالداخل يرقد جثة بدون رأس، إلا أنني لم أرَ الرجل يحمل شيئاً في يديه.
تبعته سراً وأنا أمشي خلفه متخفياً، كان يمشي في طرقات القرية المظلمة بخطوات متسارعة يحفها الحذر الشديد، وأحياناً يختال بمشيته بين البيوت حتى لا يعرفه أحد، وأنا أتبعه إلى أن وصل إلى باب بيت في طرف القرية، قرعه بظهر يده قرعتين خفيفتين ففُتِح له الباب ودخل إلى الداخل . كانت الدهشة قد سيطرت عليّ، فهذا البيت هو بيت الرجل العاصي صاحب القبر وتسكنه وحيدةً زوجته الأرملة..!
اقتربت من البيت ثم تسلقت جدرانه من الخلف، وبحذر شديد وبخطوات خفيفة، قبعت وراء نافذة كانت شبه مفتوحة، نظرت منها إلى الداخل لأتفاجأ برؤيت

نظرت منها إلى الداخل لأتفاجأ برؤية الإمام في حضن المرأة صاحبة البيت وهي تمسح شعره بيديها وتقول له "حبيبي عليك قتل إبراهيم فلم يتبق أحد غيره، ثم ندفن الجثة ، لقد كرهت وجودها معي في البيت، لم أعد أطيقها"..!
إنسحبتُ بهدوء والذهول يتملكني وذهبت إلى بيوت بعض الرجال من أعيان ووجهاء القرية وجلبتهم معي. إقتحمنا بيت المرأة بسرعة فائقة لنجد الإمام معها على الفراش، لم ينبسّ ببنت شفة، فالمفاجأة كانت قاصمة ولم تدعه حتى أن يحرك جسده. تم تكبيله بالحبال وكذلك كبّلنا المرأة وما هي إلا دقائق حتى بدأ الأهالي يتوافدون إلى البيت حيث مسرح الجريمة.
فتشنا البيت فوجدنا في إحدى غرفه صندوقاً بداخله جثة الرجل المفقودة صاحب البيت، والغريب أن جسده كان به عدة طعنات مما يعني أنه مات مقتولا. بدأت الأمور تتضح لدينا واستطعنا ربط خيوط القضية بعضها ببعض .
كان إمام المسجد على علاقة غرامية سرية سابقة وقديمة مع المرأة زوجة الرجل العاصي، وذات ليلة عاد الرجل صاحب البيت وهو مخمور فوجد زوجته تخونه مع الإمام، فقام الإمام بقتله فوراً حتى لا يفضح أمره، وفي الصباح الباكر أخبرت المرأة الناس أن زوجها توفي بسبب تناوله كمية كبيرة من الخمر، فأتى الإمام على عجلٍ وتكفّل بغسله وتكفينه حتى يخفي جريمته


 

مواضيع مماثلة

أعلى