عائلة “المسلماني” تجترُّ آلامها وعمُّ الشهيد ” أحمد” يروي فصول الفاجعةبقلم: سعاد خبية

radia

كاتب جيد
Unbenannt37.png



سعاد خبية: كلنا شركاء

“شاهدت تعذيبه وقتله في سجون الأسد بعيني بالصدفة قبل سنة ولكني بقيت أكذب مارأيت في ذلك الفيديو المسرب وانتظر عودته ولكن صور القيصر أنهت الكابوس بكابوس أشد ووثقت مقتله تحت التعذيب ” .

حُرم عم – أحمد – الشهيد تحت التعذيب في سجون الأسد من الإنجاب فأهداه الله “ابنا ” رباه بماء عيونه كما يقول ، فكان أثمن هدية يمكن أن تقدمها زوجة أخ لأحد أخوة زوجها ، كان الطفل لازال في شهره السادس عندما جاءت والدته إلى عمه وقالت له والابتسامة تعلو وجهها أنت تريد ولدا من دمك تحبه وترعاه وأحمد سيكون ولدك لتقاسمني تربيته وليبقى عندك فيكون لك ابنا ، من هنا بدأت رحلة – العمّ – رجل القانون مع “ابنه ” وابن أخيه أحمد ذاك الذي خطفه بشار الأسد وقتله في سجونه .

ثلاثة أعوام مضت على اختطاف الطفل – أحمد المسلماني – ومايزال عمه الذي رباه ومن بقي من أخوته وأخواته يلوكون العذاب اليومي والانتظار ، وعندما أعيّا – عمّه – التعب والقهر وطول الانتظار ، كانت صور” القيصر ” وجهته بعد يأس ، كان يقلب الصور المرعبة لضحايا التعذيب في معتقلات بشار الأسد بقلب موجوع ، باحثا عن مصير يكرهه لولده ، وكله أمل أن لايجد صورته بين تلك الصور المفزعة رغم يقينه الداخلي بأنه لابد أنه قتل في معتقلات بشار الأسد بعد صدمته برؤية فيديو مسرب له قبل عام على أحدى صفحات الفيسبوك يظهر فيه طفله وهو يتعرض لصنوف التعذيب ولكنه مع ذلك بقي متشككا لأنه لايرغب بالتصديق، يروي محدثنا فصول حكاية الطفل – أحمد – ابن حوران لـــكلنا شركاء وقد وُهِبَه كهدية من دمه ولحمه تساوي عنده العمر كما يقول.

121.png


الشهيد شادي مسلماني أخ الشهيد أحمد

أحمد من موالد 1997 كان في الرابعة عشرة من عمره حين اعتقل بتاريخ 2\8\2012 وهو عائد من لبنان بعد أن أرسله عمه إليها خوفا من اعتقاله بعد أن تزايدت الاقتحامات والاعتقالات على إثر استشهاد أخيه الأكبر شادي المسلماني (26) عاما برصاص الأسد مع 72 آخرين من أبناء بلدته بتاريخ2011/3/23 يوم “فزعة درعا ” أثناء محاولتهم كسر الحصار عنها ، لم تحتمل أمه – أم الوليد – قتل ابنها البكر فلحقته بعد فترة قصيرة كمدا وقهرا وتوفاها الله لتنتقل إلى جواره، لم يحتمل الطفل أحمد أن يبقى بعيدا وأن توارى أمه الثرى دون وجوده فتجاهل الخطر المتربص به لكونه أخا لشهيد مطلوب افتراضيا وقطع الحدود عائدا ليشارك في الجنازة.

Unbenannt38.png


أم الوليد – والدة الشهيد أحمد مسلماني

اختطف الطفل في طريق عودته لبلدته بعد اجتيازه الحدود اللبنانية ، واعتقله ضابط مخابراتي ذكر العم اسمه “معن كنعان” من حاجز تابع للمخابرات الجوية في بلدة الكسوة على اوتستراد دمشق درعا بعد أن أنزله من السيارة ومعه خمسة شبان آخرين و فتش (موبايلاتهم ) فوجد اغنية ” ياحيف ” على هاتف أحمد وكان ذلك “الجرم ” كاف لاعتقاله وضربه واقتياده إلى ” كرفان ” بالقرب من الحاجز ليحتجز فيه ويختفى بعدها إلى الأبد ! .

يقول – عمّه – ومتبنيه إن أحمد كان طفلا خلوقا هادئا يحمل أحلاما كبيرة لمستقبله ، كان يملأ بيت – عمّه – وحياته التي تحولت إلى كابوس مرعب منذ اختطافه ” بحثت عنه كثيرا دون جدوى ، لم أترك أحد أو واسطة إلا ولجأت إليه للسؤال عنه ولكن لم استطع الوصول إليه ” ، يكرر عمه أثناء روايته لقصة أحمد “إنه طفل ..إنه طفل.. حبيبي وقطعة فؤادي وجنى روحي شهيدا تحت التعذيب ولماذا فقط من أجل أغنية بالمويايل ؟!! “.

991.png


تابع – العم – سرد تفاصيل محاولاته إنقاذ ابنه مؤكدا بأنها حال تنطبق على مئات آلاف السورين ممن اعتقل أبناءهم فتراهم يبحثون عن معتقليهم بخوف وحذر وصمت ويتعرضون لعمليات نصب وسرقة ولربما اعتقال وقتل أيضا دون أن يكون هناك أي جهة تمدهم بأي معلومات عن أبناءهم وكان ماجرى معه نموذجا ، فقد دفع مبلغا كبيرا حتى يعرف مكان اعتقال ” ابنه ” ومبلغآ ضخمآ آخر لإخراجه وهو مااستطاع أن بجمعه بعد استدانته و بيع قطعة ارض كان يملكها ليشتري حياته بها ولكن كل ذلك ذهب هباءً كما قال ” فقد تأكدنا بعد رؤية الصور بأنهم كانوا يفاوضونا ويسرقون مالنا وابننا ميت في سجونهم ” ويقّدر العم بأنه بحسب الصور والفيديو المسرب لطفله فقد قتل تحت التعذيب الشديد بعد مايقرب العام على اعتقاله.

قبل عام وعن طريق الصدفة فتح – عم أحمد – أحد الفيديوهات المسربة الموجودة على – إحدى الصفحات – ليفجع برؤية “ابنه ” تحت التعذيب المباشر ، جنود يرتدون الزي الرسمي العسكري يضربوه ويعذبوه بسادية مروعة وألم بالغ يقول ” لم يكن سوى طفل في الرابعة عشرة من عمره فجعتني الصور ولم استطع إخبار إخوته الباقين عنها وبقيت أتألم وحدي وأقول يكفيهم مامر بهم من مصائب حتى اليوم ” يتابع حديثه ” جن جنوني لم أترك جهة إلا وسألت عنه فيها دون جدوى وقد وصلت أخبار أسئلتي وبحثي لهم ” ، ويُذكر بأن البحث عن المفقود أو المعتقل في سوريا جريمة كاملة في عرف مخابرات بشار الأسد وقواته الأمنية فما كان منها إلا أن بدأت بملاحقة عمه بعد 7شهور من بحثه ” طلبتني المخابرات الجوية فهربت إلى الأردن في بداية 2013 لأني اعرف أذاهم فقد جربت الاعتقال في فرع 291 قبلا ، وانتقلت للعيش في مخيم الزعتري واشتغلت عامل تنظيفات وعتال وبائع دخان رغم شهادتي الجامعية وخبرتي الطويلة في مجال القانون “.

قتل الأطفال مجانيا في سوريا فقد سجل قتل (45718) طفلا سوريا على يد قوات الأسد منذ آذار\مارس 2011- حتى آذار\مارس 2015 بحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان منهم 94 طفلا قضوا تحت التعذيب ، فيما بلغ عدد المعتقلين من الأطفال ( 9450 ) طفلا موزعين على عدد من أفرع المخابرات منها ” فرع المخابرات العسكرية 215، الذي أطلقت عليه الشبكة في تقرير سابق (الهولوكوست السوري)، بالإضافة إلى فرع المخابرات الجوية في المزة، وفرع الأمن السياسي والمخابرات الجوية في حلب، وفرع المخابرات العسكرية في حمص، وفرع المخابرات الجوية في حماة، “.

قصة الشهيد الطفل تحت التعذيب – أحمد – وحكاية عائلته ليست استثنائية فهي واحدة من آلاف القصص المشابهة ممن قضوا تحت التعذيب في سجون بشار الأسد ، لم يقتلوا وحدهم بل كان لكل واحد منهم عائلة وأحباء ذاقوا معه مرارة الموت تحت التعذيب ألف مرة وهم يبحثون عن ذويهم بين صور 11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد كان من بينهم أطفالا ونساء ، سربها “قيصر ” أحد الضباط المصورين المنشقين عن النظام .

بكى عم أحمد على – هدية السماء – (كما يحب أن يصف به أحمد ) تلك الهدية التي سرقتها منه سجون بشار الأسد وأتلفتها سادية سجانيه ، ومن موقعه كرجل قانون فإنه يرى بأن العدالة الأرضية عجزت حتى اليوم عن القصاص لابنه ولآلاف غيره قضوا بتلك الطريقة التي يعجز اللسان والتعبير عن وصف قسوتها ورغم تواصله مع عدد كبير من المنظمات الحقوقية العالمية إلا أنه يؤمن بأن – جريمة العصر- التي تجري بحق مئات آلاف المعتقلين السورين في سجون الأسد لازالت خارج دائرة أي اهتمام عالمي أو قانوني أو إنساني حتى الآن وينهي حديثه بالقول “ربي ما طعمني ولاد ..كان أحمد سندي وهاي سندي راح “¨


لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
 

مواضيع مماثلة

أعلى