من عادات شعب تونس خطبة العروس في ليلة القدر لحظ مبارك وسعيد

من عادات تونس وتقاليدها خطبة العروس في ليلة القدر

“إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر”. تلك الليلة المباركة التي تسمى في تونس ليلة السابع والعشرين لها وقع خاص في نفوس التونسيين، فهي مقدسة ومختلفة عن غيرها من ليالي الشهر المبارك كيف لا وقد وصفها الله عز وجل بأنها “خير من ألف شهر”.

هذه الليلة المقدسة التي نزل فيها القرآن الكريم، يجمع فيها التونسيون بين العادات والعبادات فيكثرون من قراءة القرآن والصلاة والصدقة والتزاور وتبادل التهاني والدعاء حتى مطلع الفجر.

أما عادات ليلة القدر فهي متعددة تختلف بين المناطق التونسية اختلافا طفيفا، علاوة على حفلات الخطوبة والختان التي يحرص جميع التونسيين تقريبا على إقامتها في الليلة المباركة.

إقامة حفلات الخطوبة
خطبة العروس ليست مجرد مناسبة عابرة في تونس، لذلك يوليها الناس أهمية عالية وتتم في ليلة قيّمة، ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان أي ليلة القدر، حيث تقيم أغلب العائلات التونسية حفلات الخطوبة وتتزاور الأسر المصاهرة لطلب يد الفتاة لأول مرة من أهلها تبركا بليلة القدر إيمانا منهم بأنها تجلب الحظ السعيد للزوجين.

يعلم كبير عائلة العريس والد العروس بزيارته لخطبة كريمته قبل أيام من ليلة القدر، ويحددان الموعد في حال الموافقة، فيجتمع أهل العريس من كبار العائلة ويزورون بيت أهل العروس في الموعد المتفق عليه مسبقا.


يقدم أهل العريس الهدايا للعروس يوم الخطوبة (الجزيرة)
يقدم أهل العريس الهدايا للعروس يوم الخطوبة (الجزيرة)

“جيناكم خاطبين راغبين في بنت الحسب والنسب”
ويجد الخاطبون جميع أهل العروس في انتظارهم، وتسمى هذه الليلة “ليلة التعارف” بما أن العائلتين تتعرفان فيها على بعضهما بعضا وحيث تتم خطبة الفتاة في الوقت نفسه. وبعد تبادل أطراف الحديث وتقديم ما لذ وطاب من أكلات تونسية تعد خصيصا لإكرام الضيوف، يبدأ أب العريس في التمهيد للحديث عن سبب الزيارة فيقول الجملة الشهيرة “جيناكم خاطبين راغبين في بنت الحسب والنسب”.

يجيبه أب العروس بالقبول، فتتعالى الزغاريد وتوزع الحلويات والعصائر ومن ثمة تعود عائلة العريس إلى البيت للتحضير لليلة قراءة الفاتحة كما تسمى في تونس، تلك الليلة الأهم التي تقرأ فيها الفاتحة وتلبس فيها الخواتم.

يجتمع جميع أهالي العروسين في منزل أهل العروس، وتجلب عائلة العريس الهدايا والعطور والملابس وأدوات التجميل للعروس طبعا مع كعكة الخطبة وطقم الذهب المتكون من خاتم الخطوبة وعقد وسوار. 


من أهم عادات التونسيين في الخطوبة وضع الحناء في اليد (الجزيرة)
من أهم عادات التونسيين في الخطوبة وضع الحناء في اليد (الجزيرة)

أم العروس تعجن الحناء
تعجن أم العروس الحناء وتوزعها على الحاضرات فيضعنها في شكل دوائر وسط راحة اليد تبركا، ثم يقرأ جميع الحضور فاتحة الكتاب مع الدعاء للخطيبين بالخير والرفاء والبنين وحياة زوجية سعيدة.

يلبس العريس خطيبته طقم الذهب وسط حفلة تمتزج فيها ألوان الغناء والرقص والزغاريد من كلا العائلتين، وتقص الكعكة لتوزع مع المشروبات على الحضور، وبذلك تنتهي مراسم الخطبة لتبدأ مرحلة التجهيز لحفلة الزواج.


يوزع الشاي بالصنوبر على الحضور يوم الخطوبة (الجزيرة)
يوزع الشاي بالصنوبر على الحضور يوم الخطوبة (الجزيرة)

ختان الصبيان في ليلة القدر
من أهم عادات ليلة القدر في تونس أيضا ختان الصبيان، حيث تسعى كل عائلة لديها صبي لختانه في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لارتباط عملية الختان بالثقافة الدينية الإسلامية.

يلبس الصبيان اللباس التقليدي التونسي “جبة” (الدشداشة) و”شاشية” (طاقية الرأس) و”بلغة” (نعال جلدي تراثي)، تختلف ألوانها ويعلق عقد من القرنفل في رقبة الصبي وتصبغ يداه ورجلاه بالحناء قبل عملية الختان بليلة وسط أجواء احتفالية وأناشيد دينية ومأدبة طعام للأقارب والجيران.

في صباح اليوم الموالي يجتمع الأهالي لحضور عملية الختان -التي تتم في البيت أو في المستشفى حسب مقدرة العائلة المادية- مع إحضار الهدايا للصبي وتلوين البيض بألوان مختلفة قصد تخفيف وطأة الخوف عنه.

أما الختان الجماعي الذي تشرف عليه الجمعيات الدينية والخيرية، فيخص صبيان العائلات محدودة الدخل والأيتام، إذ تتكفل السلط المشرفة بجميع لوازم وتحضيرات عملية الختان على غرار شراء كسوة الصبي التقليدية وغيرها.


يرتدي الصبي يوم الختان اللباس التقليدي التونسي (الجزيرة)
يرتدي الصبي يوم الختان اللباس التقليدي التونسي (الجزيرة)

عادات تونسية أخرى في ليلة القدر
ولا تقتصر عادات التونسيين في ليلة القدر على الخطوبة والختان، بل نجد أيضا ذبح الخرفان في بعض مناطق الجنوب، وتوزيع اللحوم على المحتاجين قصد طبخها مع الكسكسي، الطبق الرئيسي الذي لا يغيب عن سفرة التونسيين في ليلة النصف من رمضان وفي ليلة القدر.

أما في بعض المناطق التونسية الأخرى فتحضر أطباق من الكسكسي باللحم وتوزع جاهزة على دور الأيتام والجوامع والفقراء، إضافة إلى استضافة الأقارب والجيران على الإفطار.

وتعد عادات وعبادات ليلة القدر لدى التونسيين إرثا ثقافيا ودينيا وحضاريا انتقل عبر الزمن من جيل لآخر، والحفاظ عليه مقدس لديهم مع بعض التجديد أحيانا.